|
الإتجاه المعاكس
ابراهيم هيبة
الحوار المتمدن-العدد: 2931 - 2010 / 3 / 1 - 15:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإتجاه المعاكس مطرقة الديكتاتوريات٬ سندان الأصوليات٬ و سرير بروكروستوس لا شيء يفضح عقم أفكارنا وضحالة تصوراتنا ولا جدوى سياساتنا في تدبير الكائن والكينونة أكثر من البرامج الحوارية التي تعرض على تلفزيوناتنا العربية. منذ سنوات غير قليلة وأنا أواظب على مشاهدة }الاتجاه المعاكس}؛ مع الانتهاء من مشاهدة كل حلقة، لا أخرج بأي فكرة نيرة أو تصور خلاق أو إشارة ذكية؛ كل ما يتبقى لي هو اضطراب في الرؤية أو تشوش في الذهن، ناهيك عما يرافق ذلك من أحاسيس الكآبة وخيبة الأمل. الاتجاه المعاكس ملتقى لأربعة نماذج من المثقفين العرب : هناك القومي والإسلامي والحداثي وهناك المثقف المحسوب على دوائر السلطة وصنع القرار. رغم كل الجدل المحتدم والنقاشات الحامية التي يثيرها هؤلاء المثقفون، ورغم كل الغيرة التي يبدونها إزاء الله أو الوطن أو الملك، فإن الخطابات الأيديولوجية لهؤلاء المثقفين تزخر بالأوهام والأخطاء والمغالطات والمفارقات والتناقضات٬ ولا يوازيها في هذا الحجم من الخلط واللغط إلاَّ تخبطات هؤلاء المثقفين أنفسهم. إن المتفرج الذكي والقارئ الحصيف لخطابات هؤلاء المثقفين لابد أن يلاحظ بأنها تنطوي على المغالطات و المطبات التالية : مغالطة الهوية مفهوم الهوية مفهوم ميتافيزيقي يقوم على الاعتقاد بأن هناك ذاتا قائمة بذاتها، مستقلة بنفسها، حاملة لمجموعة من الخصائص التي لا تتغير بتغير المكان والزمان، وبالتالي فإن كل ما يختلف عن هذه الخصائص أو يناقضها فهو غريب، دخيل، شائب، وغير أصيل. و لاغرابة في أن نجد هذا المفهوم مبسوطا على كل صفحة من صفحات الخطابات الأصولية بنوعيها الديني والقومي. لا تكون النرجسية الدينية والعنصرية العرقية ممكنة إلا بالتغني بكائن افتراضي، نسينا من كثرة ترداده على الألسنة وحفظه في الأذهان بأنه مجرد كائن افتراضي، نسميه تارة بالهوية الإسلامية وتارة أخرى بالهوية العربية ومرة بالهوية المغربية وهكذا دواليك... كلما ضاقت الدائرة وزاد التمركز على الذات كلما بزغت هوية جديدة. إنني أرفض مفهوم الهوية جملة وتفصيلا. هذا المفهوم يفرض علي أن ألتزم بمنظومة من الرؤى والمعتقدات والسلوكيات فقط لأنني ولدت ضمن الحدود السوسيوثقافية والجيوسياسية لهذه المنظومة أو تلك. إنني أقول "لا" ثم "لا". لن أقف تحت أية يافطة ثقافية أو قومية ولن أندرج تحت أي عنوان مهما كان، وكل هذا للأسباب التالية : أولا لأنني شخص فرد(individual)؛ مما يعني بأن كينونتي لا يمكن أبدا أن تختزل في رقم أو اسم أو أي شيء يقبل التنميط أو الترتيب أو التسمية. ثانيا، يريدني مفهوم الهوية أن أكون رهنا لشيء لم أختره فيما أنا أكره الارتهان والنمذجة والخضوع والسلبية،إنني لا أتحرك على أرض الوجود إلا وفق استراتيجيات الاختيار والانتقاء والتذوق، و بالطريقة نفسها التي أختار بها غذائي أختار بها أيضا أفكاري وتصوراتي. كل ما يسبب لي عسرا في الهضم أو يستثير في رغبة في الكسل والتراخي أبعده عن مائدتي. المثقف الإسلامي هو الأطروحة المضادة لكل ما سلف ذكره. إنه يريدني أن أخضع نفسي لإسلام صحيح، صاف، حقيقي، لا وجود له إلا في مخيلته هو. وأنا أرفض هذا الطرح لسببين اثنين : أولا، الإسلام ليس علما دقيقا ( science exacte) يمكن أن نتعامل معه بمعايير الصحة والخطأ أو القابلية للتحقق وعدم القابلية للتحقق (verifiability principle)، فمعظم القضايا المطروحة على الساحة الإسلامية هي إما أشباه قضايا (كصراعات السنة والشيعة مثلا) أو اصطدامات مع حركة التاريخ تتمظهر في توجهات صوفية عدمية وأخرى رجعية ظلامية. ثانيا، إذا كان هناك شيء يمكن أن نسميه بالإسلام الصحيح و يمكن أن نكتبه بالحرف الكبير، فأي نموذج نختار من بين النماذج المعروضة أمامنا؟ هل نختار إسلام طالبان أم إسلام الإخوان المسلمين أم إسلام آبائنا و أجدادنا أم إسلام المعتنقين الجدد من أوربيين وأمريكيين وغيرهم؟ ما أفهمه من مصطلح الإسلام هو نسيج من المعتقدات والمسلمات وطرائق في الفعل والنظر تلونت بألوان الزمان والمكان وتشكلت باختلاف الذوات والإرادات. والنتيجة المنطقية لهذه المقدمة هو أنه لا وجود لنموذج حضاري، مثالي، فوق-تاريخي يتعالى على النقد والمساءلة. إرادة العقيدة أم إرادة المعرفة؟ لا يريدنا المثقف الإسلامي أن نتعب، كل مشاكلنا ومآزقنا وسقطاتنا يجد لها هو الحل في الشعار التالي : "الإسلام هو الحل". هذا الشعار البراق، بالإضافة إلى قاعدة شعبية تتشكل من جيوش جرارة من المتعصبين واليائسين وبسطاء العقول، يدفع المثقف الإسلامي إلى تصدر واجهة الحدث والخبر مما يوهم العامة من الناس بأنه هو المخلص أو المهدي المنتظر. لكن تاريخ الفكر علَّمنا بأن الأفكار الكبرى لا تقاس بمدى شعبيتها عند الجماهير أو بمدى سيطرتها على المشهد الإعلامي، بل تقاس بمدى تطابقها مع قوانين الكون وسنن الحياة. المثقف الإسلامي مثقف رجعي بالمعنى الإيتيمولوجي للكلمة. إنه يريد منا أن نضرب بعرض الحائط كل التراكمات التي حققتها الأمم المتقدمة في أساليب الفكر والكشف والنظر والمعالجة، وأن نعود في شكل حركة تاريخية معكوسة إلى أساليب القرن السابع الميلادي. والحق أنه لا وجود لحوار فكري مثمر مع المثقف الإسلامي؛ فهو إنسان تسيطر عليه إرادة العقيدة أكثر من إرادة الحقيقة والمعرفة، ولاعتقاده بأن الأجوبة الكبرى عن الأسئلة الكبرى لا توجد إلا بين دفتي كتاب مقدس أو في تفاصيل سيرة ذاتية كريمة، فإنه لا حاجة له في أن يتكبد مشاق النظر وجهود الفكر. رُفعت الأقلام وجفت الصحف! نظرية المؤامرة يرد أغلب المثقفين العرب كل شرور العالم إما إلى الشيطان وإما إلى اليهود، بل في أغلب الأحيان لا ترد إلا لهؤلاء. كل زلزال اجتماعي كبير هو من صنع اليهود وكيدهم، سواء تعلق الأمر بإصلاح المناهج التعليمية، أو مدونة الأحوال الشخصية أو بحقوق الأقلية، حتى ميل الشباب إلى موسيقى الروك أو الهيفي ميتال هو صناعة يهودية بامتياز !! والحق أن مفهوم "اليهود" في المخيال العربي بشكل عام هو من الاتساع والمرونة بحيث يمكن أن يحوي كل ما هو غريب، نجس، شيطاني، مارق، ومرتد. و لهذا السبب فهو يتسع للخونة والكفار والمسيحيين والعملاء والمخالفين في الرأي والعقيدة، والفلاسفة بكل ألوانهم واتجاهاتهم، بل إنه يتسع حتى لبعض المسلمين أنفسهم !! والحق أن سيطرة نظرية المؤامرة على المخيال العربي الإسلامي ليست بالجديدة، فهي تعود إلى أيام عبد الله بن سبأ وما فعلته هذه الشخصية الأسطورية بدين المسلمين، مرورا بأقطاب الأصوليين القدامى كالغزالي وابن تيمية وابن قيم الجوزية وحربهم على العلوم الدخيلة، تم انتهاء بالأصوليين الجدد الذين يكادون يمزقون حناجرهم بمحاضراتهم حول الغزو الفكري وصدام الحضارات. والحق أن الأفكار الخلاقة التي توافق قوانين النفس وتتلاءم و نواميس الكون لا تغزو بلدا ولا تحرق شجرا ولا تفسد بشرا، وما نسمع به من "غزو فكري" و "صدام حضارات" إنما هو في حقيقته غزو أصوليات و صدام جهالات. من وجهة نظر نفسية، لا تسيطر نظرية المؤامرة إلا على العقول الضعيفة والنفوس العاجزة. عجزها عن مواجهة التحديات وارتباكها أمام القضايا والإشكاليات يدفع هذه النفوس الضعيفة إلى تعليق عيوب الذات على مشجب الغير. وهذه طبعا آلية دفاعية هي من البداهة والوضوح بحيث لا حاجة لنا لأن نعرض لها هنا بالتفصيل والتوضيح. النقد الفعال أم النقض الهدام؟ لا همَّ للمثقف العربي الذي يحضر حلقة من حلقات الاتجاه المعاكس إلا إظهار محاوره بمظهر الجاهل والسطحي. مهما أطال المحاور في القول واستفاض في الشرح فإن الآخر لا يتكلف حتى عناء الإنصات والمشاركة، بل إن كل ما يُحسن فعله هو تقييم طروحات الغير في أحكام قيمية لا تقوِّي فهما ولا تزيد علما. يكفي فقط أن تتفحص ملامح أحد المتناظرين أو تنظر إلى الهيئة التي يتموضع بها على الكرسي لكي تستنتج بأن الرجل لا يهمه رفع التباس عن قضية ولا إلقاء مزيد من الضوء على إشكالية. والحق أن النقد بالمعنى الكانطي للكلمة مُعْدَمُ الممارسة في حلقات الاتجاه المعاكس. وللذين لا يعرفون معنى النقد الكانطي نقول بأنه نقد لا يرمي إلى هدم أو دحض أو كشف عورة، بل هو تقليب القضية من كل وجوهها لتحديد إمكاناتها وحدودها، أي نقاط قوتها ومكامن ضعفها. والنقد بهذا المعنى هو شريان الحياة بالنسبة للأفكار الكبرى من ديموقراطية وعلمانية وعلوم طبيعية وأخرى إنسانية. والنقد بالمعنى العلمي هو فحص النظريات واختبار الفرضيات، وبالمعنى الفلسفي هو تفكيك المقالات وإلقاء الضوء على تناقضات الأيديولوجيات والشعارات، أما على الصعيد الأونطولوجي فالنقد كما أفهمه وأؤوله هو اجتراح تقنيات مبتكرة في التفكير والتعبير، وفتح أراض واسعة للنظر والمساءلة، ناهيك عن خلق قنوات جديدة للتحاور مع الوجود والحقيقة أو مع الذات والعالم. نرجسية المثقف للمثقف العربي شخصيتان، شخصية للدعاية والتسويق واصطياد الأشياع والأتباع، وتتشكل هذه الشخصية من التوجه الأيديولوجي و" التحصيل العلمي" و" الرصيد الفكري"؛ وهذا كله يمثل، للأسف، كل ما هو سطحي ومضاف إلى شخصيته الحقيقية. وهناك الشخصية الأساسية التي تمثل أسوء ما في هذا المثقف؛ أي أنها تتشكل من مجموع الترسبات والتراكمات التاريخية التي تميز الثقافة الشرقية باستبدادها و تعصبها. و الحق أن خطاب المثقف العربي يقدم هذا المثقف و كأنه مدافع عن الملة أو منافح عن العقيدة أو حارس للحقوق والقيم، ولكن هذا كله ليس إلا ظاهر خطابه، فيما عمقه ينطوي على أشياء مضادة مطلقا لكل ما يدعو إليه. فالمثقف الإسلامي، مثلا، يرفع شعار "لا حكم إلا لله"؛ وبهذا الشعار يمارس المثقف الإسلامي من المكر و التلبيس ما لا يتفطن إليه الكثير من الناس. وجه المكر والتلبيس هنا يكمن أولا في أن هذا المثقف يحجب "طبيعة السلطة وناسوتيتها"، ويكمن ثانيا في أنه فيما هذا المثقف يدعوك إلى التوبة أو التسليم أو الرجوع إلى الحق والأصول، فإنه في الحقيقة لا يمارس عليك إلا سلطته هو؛ أي أنه لا يفرض عليك إلا تصوره وفهمه وإرادته. وهذا هو شأن الدعاة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فما يظهره الداعية هو الدفاع عن الحق والخلق أو حراسة الذاكرة والهوية لكن ما يخفيه هو أنه يدافع عن تأويله هو للكائن والكينونة أو فرض ذاته وكيانه على الآخرين، ناهيك عما يترتب عن ذلك من تصرفه إزاء غيره كنبي أو مهدي أو مخلص. جموح الإسلاميين وارتباك الحداثيين رغم كل التعصب والانغلاق والتمركز والتعالي والنرجسية والاصطفاء الذي يظهره الإسلاميون إزاء المختلف عنهم في الرأي والعقيدة فإن لهم بعض المحاسن التي يحمدون عليها، ومن بين هذه المحاسن الوضوح والجسارة. يكمن وضوحهم في أنهم لا يريدون منهجا حضاريا بديلا عن الإسلام. الإسلام ولا شيء غير الإسلام. إنهم واضحون إزاء كل شيء من الديموقراطية إلى الموسيقى. بأي منبر من منابرهم تحل لن تسمع إلا المواقف نفسها : الديمقراطية كفر وإلحاد، العلمانية دعوة للفسق والمجون، الفلسفة ظلال وزندقة، أما الرسم والموسيقى فهما بدعتان من بدع الشيطان. هذا هو وضوحهم، أما جسارتهم فتكمن في ضربهم بعرض الحائط كل المواثيق الدولية والمعاهدات الكونية. كل النماذج الحضارية الناجحة، أكانت نماذج يابانية أم كندية أم سويدية لا تساوي عند أصوليينا الجدد جناح بعوضة. أما أمر الحداثيين فإنه يدعو إلى الشفقة. مقولات الحداثة وتصوراتها حول الحرية والفردانية تستهويهم أيما استهواء لكن المساكين لا يملكون ما يكفي من الجرأة و الجسارة للقيام بقطيعة ابستيمولوجية و أونطولوجية مع ثراتنا القروسطي بقيمه البدوية الخانقة وأعمدته السوسيوثقافية المتهالكة. خوفهم من أن يُتهموا بالإلحاد والتغريب والارتداد يدفعهم إلى خلق خطاب ملفق هجين لا هو بإسلامي صريح ولا هو بحداثي خلاق. حداثيونا يريدون أن يقوموا بعملية جراحية حضارية شبه مستحيلة؛ إنهم يريدون أن يؤسسوا نظاما ديموقراطيا لكن بدون أن يمسوا شيئا من سلطات الملك! مجاملات الحداثيين ودغدغتهم لمشاعر الإسلاميين تجر هؤلاء الحداثيين إلى خوض معركة التحديث والإصلاح بموازين ليست في صالحهم؛ ذلك أنه عندما يعلن الحداثيون بأن الحداثة بفلسفتها التحررية وديمقراطيتها وعلمانيتها لا تتعارض وجوهر الإسلام، فإن هذا الموقف بالذات هو ما يصيبهم في مقتل. يرد الإسلاميون، وهم محقون في ذلك، على الحداثيين قائلين لهم " بما أن الحداثة، كما تزعمون، لا تتعارض في شيء مع ديننا الحنيف، فلماذا إذن نترك ما هو متجذر متأصل في ثقافتنا ونستنبت فيها ما هو غريب و دخيل عليها ؟ !" بوق النظام لا جديد عند مثقفي السلطة في وطننا العربي، إنهم لا يجيدون إلا المدح ومسح الأحذية. لا يفتح مثقف السلطة، عندنا، فمه إلا في ثلاث حالات : إما ليتغنى بمنجزات هذا الملك أو ذاك الزعيم وإما ليُشيطن معارضي النظام المحسوب عليه أو عند طبيب الأسنان. كل ما يوجد في أوطاننا من بؤس، وعوز، وأمية، ولا مساواة، وتخلف، وقلاقل هو في نظر مثقفي السدة العالية إما من فعل "الخونة" أو "المرتزقة" أو "العملاء" أو "الحاقدين". وعندما تطلب منهم تفسيرا لتلك الفضائح التي يخرج علينا بها أسيادهم بين الفينة والأخرى، والتي تأخذ مرة صورة توريث للحكم أو نهب للمال العام ومرة أخرى صورة تعديل لا دستوري للدستور أو تضييق على الأشخاص أو الأفكار أو الحريات، يجيبونك بمنطقهم السفسطائي المعهود الذي لا يكاد، ولو لمرة واحدة، يخلو من المقدمات المتهافتة والتبريرات الواهية والكذب السافر. و لا عجب في الأمر، فلا شيء أكثر وضوحا وأهمية بالنسبة لمثقف السلطة أكثر من علاقة المصلحة التي تربطه بالنظام السياسي المحسوب عليه، كلما كان النظام أكثر سخاء كلما ازدادت استماتة هذا المثقف في الدفاع عن هذا النظام. و الحق أن مثقف السلطة في وطننا العربي، وبالرغم من كل مآخذنا على ما يظهر منه من نفاق وازدواجية وتملق، قد أثبت بأنه جدير ليس بالدفاع عن هذا الزعيم أو ذاك السلطان فقط بل يمكنه أن يدافع حتى عن الشيطان ! و مهارات مثقفي السلطة لا تخفى على أحد، فعندما يبدؤون في التحدث عن المنجزات التي حققتها أنظمتهم، على قلتها ومحدوديتها، تجدهم ينفخون في النسب والأرقام والمعدلات إلى الحد الذي يجعلك تتساءل مع نفسك ما إذا كنت تعيش في السويد أم في بلد من بلدان العالم الثالث ! وأما عندما يتطرقون للتحديات والمسؤوليات الجسام التي يجب أن تنهض بها أنظمتهم، فإنهم لا يفعلون أكثر مما كان يفعله بروكروستوس* : تقزيم الأحداث وبتر الوقائع وتشويه الحقيقة والتاريخ. والحق أن تناقضات مثقفينا العرب بكل أطيافهم تضع المرء في حيرة من أمره، فهو عندما ينظر في تخبطاتهم في القول والفعل، ناهيك عن ألسنتهم البديئة ومنطقهم الأعوج وعربيتهم الركيكة، لابد أن يتوقف لبعض الوقت حتى يلتقط أنفاسه و يفهم ما يجري بالضبط على بلاتوه الاتجاه المعاكس : هل الأمر يتعلق بنفاق سياسي، أم بانفصام في الشخصية، أم بنقص في الذاكرة، أم بضعف في البصر والبصيرة ؟ أم ماذا ؟ ! التلفزيون في تصورنا المشترك أداة للترفيه والتسلية، و لكن يمكننا أيضا أن نجعل منه أداة للتثقيف والتنوير و شحذ الهمم. وهذا ما لا تفعله الأغلبية الساحقة من قنوات تلفزيوننا العربي، بل الأنكى من ذلك أنها لا تفعل إلاّ العكس : تسطيح فكر الإنسان العربي و تبليد حسه بإغراقه في بحر من البرامج التي لا تُعنى إلاّ بالفنون الواطئة والصناعات الهابطة. قنوات هز البطن وقنوات الدعاة والداعيات لا تختلف إلا في المظهر واللغة، أما من حيث التصور الكوني و الأيديولوجي فهما توأمان سياميان : كلها قنوات تريد تقزيم كينونة الإنسان العربي في كائن تافه، بهيمي، مكبوت، عصابي، لا يسكنه إلا نزق الشهوة أو الإحساس بالذنب والخطيئة. ابراهيم هيبة (مراكش/المغرب) [email protected] *بروكروستوس، في الميثولوجيا الإغريقية، قاطع طريق كان يدعو ضحاياه إلى المبيت عنده على سرير حديدي خاص؛ حينما تكون الضحية أطول من السرير كان بروكروستوس يعمد إلى بتر قدميها و عندما تكون قصيرة كان يمددهما مداً.
#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعيداً عن القطيع
-
السيف و اليقين
-
لماذا الله؟
-
داء النبوة
-
الأونطولوجيا الطبيعية
المزيد.....
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|