جورج زيميل :وعي الفرد .
لطفي الإدريسي
2010 / 2 / 21 - 20:21
ركز زيميل على أشكال التفاعل وأبدى اهتماماً قليلاً نسبياً بموضوع وعي الفرد، والذي لم يتناوله مباشرة إلا نادراً. بالرغم من ذلك فقد عمل زيميل على أساس ما يعنى بوضوح أن البشر يمتلكون وعياً خلاقاً. هذا الاهتمام بالخلق يظهر في مناقشة زيميل عن الأشكال المختلفة للتفاعل، مقدرة الفاعلين على خلق بنيات اجتماعية إضافة إلى الأثر التدميري لتلك البنيات على مقدرة الفرد الخلاقة .
كل مناقشة زيميل عن أشكال التفاعل تتضمن أن الفاعلين يجب أن يتجهوا بوعي إلى بعضهم البعض. ذلك، التفاعل في شق تراتبي مثلاً يتطلب أن السادة والتابعين يوجهون أنفسهم نحو بعضهم البعض. سيتوقف التفاعل وينهار النسق التراتبي إذا انعدمت عملية التوجه هذه، وهذا ينطبق على كل أشكال التفاعل الأخرى.
الوعي يلعب أدواراً أخرى في أعمال زيميل. فمثلاً ، بالرغم من أن زيميل يعتقد أن البنيات الاجتماعية والثقافية أصبحت لها حياة خاصة، فقد أدرك أنه يجب على الناس فهم تلك البنيات من اجل أن يكون لها اثراً على الأفراد. أوضح زيميل أن المجتمع ليس ببساطة "هنالك في الخارج ، لكنه أيضاً ما اتمثله، شئ يعتمد أيضاً على نشاط الوعي".
كان لزيميل أيضاً مفهوم عن الضمير الفردي وعن حقيقة أن المعايير والقيم في المجتمع تستبطن في وعي الفرد. وجود المعايير والقيم داخلياً وخارجياً "يوضح الشخصية الثنائية للأوامر الأخلاقية، من ناحية فهي تقابلنا كأمر غير شخصي علينا ببساطة الخضوع له، من الناحية الأخرى لا توجد قوى خارجية لكن فقط دوافعنا الخاصة والداخلية تفرضها علينا. هذه واحدة من الحالات التي يقوم فيها الفرد، ضمن وعيه الذاتي، بإعادة العلاقات التي توجد بينه وبين المجموعة كشخصية كاملة" .
هذا المفهوم الحديث جداً عن الاستنباط هو افتراضات غير مطورة نسبياً في أعمال زيميل. إضافة إلى ذلك كان لدى زيميل مفهوم عن مقدرة الناس على التصدي لأنفسهم عقلياً ووضعها بعيداً عن أفعالهم. هذا شبيه جداً برؤى جورج هيربرت ميد والتفاعليين الرمزيين. يمكن للفاعل أن يأخذ حوافز خارجية، يقيمها ، يحاول طرقاً مختلفة للفعل ثم يقرر ماذا يفعل. لكن هناك تناقضاً في مفهوم زيميل عن مقدرات الفاعل العقلية. العقل يمكن أن يمنع الناس من ان يستبعدوا بواسطة الحوافز الخارجية، لكن له أيضاً المقدرة على جعل الواقع الاجتماعي ماديا وعلى خلق المواضيع التي تستبعده. وكما قال زيميل "لدى عقلنا المقدرة الملحوظة على التفكير عن المحتويات باعتبارها مستقلة عن فعل التفكير". لذلك بالرغم من أن ذكاء البشر مكنهم من تجنب الاستبعاد بواسطة المحفزات الخارجية التي تقيد الحيوانات الدنيا، فقد خلق أيضاً بنيات ومؤسسات تقيد أفكارهم وأفعالهم. بالرغم من أنه يمكننا إيجاد العديد من التجليات عن الاهتمام بالوعي في أعمال زيميل فهو في عدة مواقع لم يفعل شيئاً أكثر من افتراض وجوده .