صلاح وهابي
الحوار المتمدن-العدد: 2920 - 2010 / 2 / 17 - 23:17
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لايزال شبح النظام الصدامي يلاجقنا حتى هذه اللحظة, على شكل ارهاب تخمر في لاشعورنا فاصيب البعض بمرض (الرهاب) تراه يلتفت يمينا ويسارا, وكانه لايصدق ان الدكتوتارية هوت بهذه السرعة.
فلايزال الشبح يجول بين المواطنين العزل يفجر فيهم دونيته, وفسادا اداريا وماليا, وسياسيا صباحا مع العملية السياسية وليلا مع الارهاب وأخرون يخافون أن يغيروا العلم العراقي لأن بدا أثيمة كتبت عليه الله أكبر, واخر قوانين مجحقة لاتتناغم ومانحن مقدمين عليه من ديمقراطية حقة, دون التأسيس لها واحد اسسها الاختلاط المدروس والسليم.
واحد هذه القوانين: الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية, الذي اصدره النظام الصدامي لدغدغة ومغازلة الاتجاه الديني, خلال الحرب مع ايران لصالحه, وامتطائه حالة سقوطه.
فتم نفض التراب عن قرار محنط لتطبيقه في بعض مدارس مدينة الثورة, وبعض مدارس الرصافة. وعملت به بعض مديريات التربية حسب خلفية مسؤوليها, ومنها محافظتنا ديالى حيث تم تطبيقه في بعض المدارس الأبتدائية.
والظاهرة ان هؤلاء لم يطلعوا بما جاء به الاعلان العالمي للتربية ((ينبغي القضاء على كل القوالب الفكرية الجامدة, والقائمة على الفصل بين الجنسين في مجال التربية والتعليم )).
والمديريات التي عملت على تطبيق هذا القانون تنطلق من اجندات دينية, وكأن الدولة قائمة دستوريا على اساس ديني فقط مخالفة للدستور. متأثرة بالجارة ايران التي يدار فيها الحكم على اساس ولاية الفقيه, والقاضي بالفصل بين الجنسين في معظم مرافق الحياة.
والاخر المتأثرة بالمدرسة السعودية التي تبارك الفصل بين الجنسين مثبتة دستوريا, فالى يوم قريب كانت قيادة السيارات ممنوعة على المرأة.
أن بعض المسؤلين على العميلة التربوية من الاتجاهات الدينية, تدخل في التناقض من خلال امساكها طرفي الثنائيات الاختلاط/العزل, ممايدخها في الاستعصاء. ممايثير الدهشة ان بعض هذه المديريات تنطلق من خلفيات دينية متزمتة,
وعقد ذكورية, اكثر منها الخوف من سلبيات الاختلاط. فالخوف على العملية التربوية ليس من الختلاط بقدر بقدر الخوف من هؤلاء الذين يقودون العملية التربوية, بهذه العقلية غير التربوية, الذين لايدركون النتائج الخطيرة الانية والمستقبلية, ليس على العملية التربوية فحسب بل على مجمل الحياة الاجتماعية قاطبة.
فالمجتمعات الاوربية حلت هذه المعضلة, بالاختلاط من الروضة حتى اخر مرحلة تعليمية,وفي اماكن العمل, فالحياة الصناعية المتطورة والديمقراطية اقتضت ذلك, واستندوا بدراسات علماء الاجتماع والنفس. فالانسان رجل او امرأة يحتاج كل للاخر طبعا واجتماعا لاشباع وتهذيب الطبع, من التصريف السليم للطاقات في العمل والانتاج, مما ساهم في تقدم اوربا والعالم المتحضر.
وهذا لايعني ان اوربا تقطف ثمار الاختلاط دون مساوئ, وهو ليس عيبا بالاختلاط بقدر ماهو عيب بالنظام الرأسمالي الاستغلالي الذي يشوه الانسان لماذا هذا الفصل المجحف؟ ألا يحملان صفات بعضهما, اليس الرجل يحمل ثديين حتى هذه اللحظة شبيه بثديين المرأة, ولكن تعطل العمل في الاول بعد تقسيم العمل بينهما. مما يدعونا للقول منذ عصور سحيقة ان المرأة انقصلت من ضلع أدم وقد يكون العكس صحيح, الايدعونا هذا للتفكير.
ليس هناك تجربة اجتماعية جديدة لاتخلوا من أثار سلبية , ولكن بحساب الربح والخسارة تكون النتائج الأيجابية كبيرة جدا انية ومستقبلية اذا اطبقت في كافة المراحل, فبغير ذلك سيكون التكلم عن اقامة نظام ديمقراطي تعليمي ومجتمعي مجرد هراء, فلا بد ان يؤسس بمتوازية متلازمة للاثنين. ولنا في تجربة اقليم كردستان بالتعليم المختلط في جميع مراحل الدراسة قدوة حسنة.
مخاطر الفصل بين الجنسين في مراحل التعليم
فانفصال الجنسين يخلق عالمين لايستندان الى مقومات مجتمع سليم, مما يعيق معرفة الواحد للأخر وجها لوجه, فيبقى عالم الرجال الغازا على النساءوالعكس صحيح, ممايعرقل اقامة علاقات سليمة تخدم اختيار افضل لشريك الحياة, فلايزال كثير من شاباتنا وشبابنا يتزوجون بطريقة (الخطبة) التي تزوج بها اباؤنا وامهاتنا دون معرفة مسبقة او معرفة سطحية, ولهذا قد تكون الحياة المستقبلية محفوفة بالمخاطر, وقد يؤدي الى الطلاق القانوني او الطلاق العاطفي رغم مايجمعهم سقف وبيت واحد, او يدفع الى تعدد الزوجات.
فالفصل يضعف حصانة المرأة والرجل عند الالتقاء في اماكن العمل, وقد يؤدي الى انفلات العواطف والغرائز غير المنظبطة, وخاصة في الاجواء غير السليمة.
فالاختلاط المسبق يهذب الغرائز, ويخلق علاقات سليمة في معظم الاحيان, والا كيف نبني مجتمعا سيلتقي فيه الاثنان في المدرسة والدائرة واماكن العمل الاخرى, وهما لم يتحصنا باسس العلاقات السليمة, احدها الاختلاط.
كمايضعف الثقة بالاخر وبالنفس, ممايربك العلاقة بينهما وينعكس ذلك على العلاقات الزوجية سلبا, او يرنو الى العنف.
ومن مخاطر الفصل بين الجنسين مايعانيه بعض الشباب من ارهاصات مرضية تقاطعية مع المجتمع, قد تدفع الى الادمان على الكحول او المخدرات او العمل الاجرامي او الانخراط في منظمات ارهابية باستغلال الرغبات المقموعة لتزييف وعييه, فيفجر نفسه وسط الناس الابرياء, ليسرع باحضائه حور العين, وولدان مخلدون؟!!.
وكما قال رجل الدين المتنور اياد جمال الدين: هؤلاء الارهابيون لو اشتركوا في معرض للرسم او فرق موسيقية وتمثيلية, لارتقوا بجمال هذه الاعمال وناءوا عن انفسهم اتيان العمل الاجرامي.
يذكر أ.د علي الوردي: ان المجتمعات والمدن المنغلقة والمتزمتة ينتشر فيها الشذوذ الجنسي المبطن المسكوت عليه, اكثر من المجتمعات المفتوحة. ومن عاش هذه المدن يدرك ذلك.
ان الانفصال بين الجنسين يضغف العلاقات الاجتماعية السليمة, وقد يدفع بامراض اجتماعية وجنسية: باقامة علاقات جنسية(مثلية) رجل مع رجل وامرأة مع امرأة او اللواط او مع الحيوانات او مع المحارم او العهر او ممارسة العادة السرية بطريقة ايهام النفس بالاشباع وقد تلاحقه حتى الشيخوخة, او تجره العواطف والغرائز المقموعة الى مراهقة حتى الكبر, او يبقى سجين الغريزة الحسية غير المهذبة, فلايرتقي بعاطفته الى مستواها الانساني فيبقى حبيس حيوانيته. او في احسن الاحوال يلجئ الى مشاهدة الافلام الرخيصة, او يدفع به لهدر معظم وقته سماع الاغاني العاطفية دون ان يدخر وقتا لانضاج شخصيته في القراءة والاجتهاد.
الاختلاط يرقي جانب الأداء في العمل الخلقي والمجتمعي
وأذكر تجربتين عشتهما:
اولهما في قرية سراجق النائية يوم عينت مدرسا في متوسطة سراجق بداية 1971 وفيها مدرستان ابتدائيتان للبنين وأخرى للبنات فغالبية المتخرجات من مدرسة البنات لم يجدن فرصة لاكمال دراستهن فيجلسن في البيت, وقلة يذهبن لأكمال دراستهن في قضاء الخالص او ناحية دلة عباس, فاعراف القرية انذاك لاتسمح بالاختلاط.
وبعد سنتين بتأثيرنا باهل القرية, اندفعت ثلاث عوائل متنورة شجاعة لكسر طوق التقاليد لتسجل بناتها في متوسطة سراجق للبنين, وبعد نجاح التجربة تلمس سكان القرية محاسنها, ولم يخدش او يعيب حياء بناتهم وعوائلهم او يسيئ للعملية التربوية, في السنة الثانية تشجعت العوائل الاخرى بتسجيل بناتهم فأزدادت اعداد الطالبات, ولم يبقين اسيرات البيوت, فتحسن اداء الطلاب والطالبات معرفة وسلوكا ومظهرا, وظهر ذلك من خلال نتائج الامتحانات. فساهمت هذه التجربة في تخريج اعداد من المعلمات والمدرسات وتبؤن الاخريات مواقع اخرى. هذه تجربة بسيطة في قرية نائية وبداية السبعينيات وفي مرحلة المراهقة والشباب وهم في اخطر اعمارهم, لم يحدث مايخيف اويسيئ. عجبا بعد اربعين سنة وخاصة بعد التغيير 2003 نرجع القهقري؟!!!.
ثانيهما يوم سافرنا اربعة مدرسين الى اوربا سنة 1975 . عندما نلتقي بعراقيين لم يسألك عن معالم البلد التأريخية والحضارية بل يسأل مايعوزه من الجنس.
تعرفنا على ثلاث شابات رومانيات, فرضن احترامهن علينا فكنا اكثر تهذيبا ولم يخدش أو يسيئ للعلاقة النظيفة, قبلها كنت استغرب وانا الشرقي غير المشبع كيف يقبل البطل بطلته في الافلام ولايثار, فعرفت حين توجهنا الى المسبح بصحبة زميلاتنا فأذا المسبح يعج بالمايوهات من كل فج عميق, من الأجساد الجميلة والرشيقة, سبحنا وتسابقنا ولعبنا كرة وقفزنا فوق اجساد. وانا الشرقي تيقنوا لم تثر كل هذه الاجساد والوجوه الجميلة غريزتي الجنسية, بل قل تم تهذيبها.
فالأختلاط السليم يهذب فينا ما هو حسي ليرتقي بنا في انضاج عواطفنا الأنسانية, ويجنبنا مزالق الشطط, فالمنحرفون بشتى صنوفهم تجدهم حسيون لم تنضج عاطفتهم الأنسانية, وغادرهم الوعي الأنساني من رؤية الجمال بألوانه الطبيعية.
#صلاح_وهابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟