بمناسبة اعتصامات عمال -طنطا للكتان- أمام مجلس الوزراء: السيناريوهات الكاملة لانهيار صناعة الكتان والزيوت ؟

عبدالوهاب خضر

الحوار المتمدن-العدد: 2920 - 2010 / 2 / 17 - 20:46
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

في الأسبوع الماضي جدد عمال شركة طنطا للكتان والزيوت احتجاجاتهم باعتصام أمام مقر مجلس الوزراء بالقاهرة ضد سياسات المستثمر الأجنبي مطالبين بعودة الشركة الي أحضان القطاع العام للحفاظ علي صناعة الكتان والزيوت في مصر .وتابعت الصحف علي مدار العام الماضي وحتي الآن أحداث تلك الاحتجاجات ، دون التطرق الي حكاية هذه الصناعة الاستراتيجية ، والمخاطر التي تحيط بها في ظل تخريب هذه الشركة التي كانت تابعة للقطاع العام حتي أصبحت نموذجا صارخا لسياسات الخصخصة ، وتوحش أصحاب الاعمال وتعسفهم ضد مصالح العاملين ، ومخالفاتهم ما جري الاتفاق عليه اثناء عملية البيع، حيث اندلعت اشتباكات بين عمال شركة طنطا للكتان والزيوت وقوات الشرطة منذ صباح الأربعاء الماضي بعد ان حاول العمال اقامة بعض الخيام للمبيت بداخلها ،وأسفرت الاشتباكات عن اصابة احد العمال وتم نقله علي الفور الي المستشفي، وقامت قوات الأمن بالاعتداء علي أحد الصحفيين وسحلته علي الأرض حتي ادخلوه سيارة الشرطة والذي أشعل غضب المعتصمين الذين حاولوا الخروج من الـ"كوردون" و الاحتكاك مع قوات الأمن . كانت مطالبهم تتمثل في صرف 9 أيام ضمن أجرالعمال في شهر نوفمبر الماضي وتقدر بحوالي 40 ألف جنيه لحين تدخل رئيس الوزراء لاعتماد صرف شهر يناير علي المرتب الأساسي، وفق الاتفاق مع المستثمر السعودي ووزارة القوي العاملة من صندوق الطوارئ بالوزارة، علي أن يقوم المستثمر السعودي بسداد باقي الأجر، وكذلك عودة زملائهم المفصولين وعودة صلاح مسلم رئيس اللجنة النقابية للعمال، الذي قامت الادارة بفصله من الشركة واتهامه بتحريض العمال علي الاعتصام والتظاهر ضد ادارة الشركة، و صرف العلاوة الدورية التي قررها قانون العمل بمقدار 7% من الأجر الأساسي اعتباراً من 1/7/2008، خاصة أن الشركة حققت ارباحا بميزانيتها ، وأيضا صرف الحافز للعاملين علي أساس الأجور الأساسية الحالية وليس علي أساس المرتب الثابت منذ 30/6/2004 ، وصرف زيادة بدل الوجبة الغذائية من 32 جنيها الي 90 جنيها كباقي العاملين في صناعة النسيج طبقا للقرارات المنظمة، وعودة عمال الشركة التسعة ( بينهم 2 نقابيين ) المفصولين تعسفيا خصوصا بعد حصول بعضهم علي احكام قضائية.ويري المراقبون والمتخصصون أن هذه المشكلة بدأت في الظهور منذ بيع شركة طنطا للكتان والزيوت في فبراير2005 الي المستثمر السعودي عبد الله الكعكي بمبلغ 83 مليون جنيه ، وشملت كل أصول الشركة ،وأراضيها بمنطقة ميت حبيش البحرية بمحافظة الغربية علي مساحة 70 فدانا،بينما تقدر بعض المصادر القيمة الحقيقية للشركة بأكثر من 500 مليون جنيه،الامر الذي ترتب عليه تدهور شامل في صناعة الكتان والزيوت هذا ما أكدته البيانات الحديثة التي صدرت عن اضرابات العمال ، وكذلك الأوراق المالية للشركة ، وأيضا عرض أجزاء من دراسة للباحث الاقتصادي الهامي الميرغني الخبير بالجمعية المصرية للاحصاء والتشريع عن هذه الصناعة الاستراتيجية .. فما هي التفاصيل ؟...
أرباح وتعثر:
في مايو 2003، كانت شركة الكتان من الشركات المتعثرة المعرضة للتصفية عن عمد مثل معظم الشركات ،ولكن ولاصلاح هيكلها التمويلي قام بنك الاستثمار القومي بتحويل القرض الممنوح للشركة الي مساهمة في رأس المال وقد تحملت الشركة القابضة نتيجة ذلك مجمع خسائر بلغ 48 مليون جنيه بخلاف قيام الشركة القابضة بضخ أموال في الشركة بلغت 33 مليون جنيه وخلال النصف الأول من العام المالي 2004/2005 وحققت الشركة ايرادات نشاط 32 مليون جنيه وصافي ربح بلغ 1.3 مليون جنيه،ومع ذلك تبنت الحكومة فكرة البيع بدعوي تحقيق طفرة في أدائها واستغلال الطاقات الكامنة فيها خاصة مع وجود ظروف مشجعة لذلك في قطاع الكتان ووقتها صرح السيد عادل الموزي رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، بأنه في مايو2003 تم الاعلان عن بيع 100% من الشركة لمستثمر رئيسي،وتم البيع بعد ذلك للمستثمر السعودي ودون تخصيص نسبة من الأسهم للعمال كما حدث في عدة شركات أخري!
وحتي في زمن القطاع الخاص واصلت الشركة العملاقة مكاسبها ،فتشير قائمة الدخل الخاصة بالشركة إلي الفترة المالية 1 يوليو 2007 حتي 30 يونيو 2008، والتي كشفت أن الشركة حققت صافي مبيعات انتاج تام 62 مليونا و886 ألف جنيه مع تحقيق اجمالي النشاط 61 مليونا و993 ألف جنيه وبلغت تكلفة ايرادات النشاط 59 مليونا و216 ألف جنيه، ليصل مجمل الربح لثلاثة ملايين و711 ألف جنيه، علي الرغم من تحمل الشركة في هذه الفترة أعباء وخسائر متنوعة كلفتها 103 آلاف جنيه، وفوائد دائنة 301 ألف جنيه، و تحقيق صافي أرباح فروق العملة قدره مليون و442 ألف جنيه ، وتؤكد هذه البيانات السابقة استمرار حدوث تحسن في أداء الشركة عام 2007/2008 ،فقد ارتفعت ايرادات النشاط من 32 مليون جنيه الي 62 مليون جنيه ، في الوقت الذي يجري فيه حرمان العمال من حقهم في الأرباح السنوية.
مخطط:
ورغم هذه المؤشرات لهذا الكيان العملاق عن طريق وضعها المالي والاقتصادي ودورها الوطني تبين للجميع أنه كان يوجد مخطط لتدمير انتاج مصر من الكتان ونجح هذا المخطط الذي اعتمد علي توقف بعض المصانع عن العمل مما تسبب في انخفاض الانتاج من زيت بذر الكتان من 1627 طنا عام 2000 الي 867 طن عام 2004 ،حيث تعتمد زراعة الكتان علي البذور التي يتم استخراجها خلال تصنيع أعواد الكتان وتباع للفلاحين لتتم بها الزراعة خلال الموسم الجديد ولكن نتيجة توقف انتاج بعض المصانع عن عمد لم يتم سداد مستحقات الفلاحين ، وتوقفت عملية استخراج البذور التي سيتم استخدامها في الزراعة ، فيوجد مئات الفلاحين الذين يعتمدون علي زراعة الكتان تأثرت دخولهم نتيجة الاضراب او التوقف الذي حدث قبيل عملية البيع ولم يقدم لهم قادة الاضراب ولا الأحزاب والمنظمات الداعمة للاضراب او المسئولون أي تصورات لحل مشاكلهم ، ومعروف ان الموعد المناسب لبدء زراعة الكتان هو شهر نوفمبر وأي تأخير يؤدي لانخفاض الانتاجية بأكثر من 30% . وتشير المعلومات أيضا أن مصر كانت تعد من دول الشرق الأوسط الرائدة في مجال صناعة الكتان سواء كانتاج زراعي أو صناعي وتعد شركة طنطا للكتان من أكبر مصانع الشرق الأوسط في انتاج الكتان بجانب بعض الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام مثل الشرقية للنسيج وبعض المصانع الصغيرة . ومعروف أن الكتان صناعة عالمية مهمة حيث يبلغ الانتاج العالمي من ألياف الكتان حوالي 600 ألف طن كل سنة ، وتتصدر الصين الدول الرائدة في انتاج ألياف الكتان،ومن أهم البلاد الأخري التي تزرع الكتان هي فرنسا ورومانيا وروسيا البيضاء وهولندا، ويبلغ الانتاج العالمي من بذرة الكتان حوالي 2,500,000 طن متري كل سنة، ومن أهم البلاد المنتجة لبذرة الكتان كندا والصين والهند وأوكرانيا والأرجنتين ، والكتان من أقدم المنتجات التي عرفها المصريون القدماء فزرعوها منذ آلاف السنين وصنعوا منها الحبال والملابس ويمثل انتاج مصر من الكتان 2.2% من الانتاج العالمي. وارتفعت المساحة المحصولية من الكتان في مصر من 10 آلاف فدان عام 2000 الي 41 ألف فدان عام 2004 ثم انخفض الي 21 ألف فدان عام 2007 وانخفضت كمية الانتاج من 208 آلاف طن عام 2004 الي 104 آلاف طن عام 2007، تستحوذ الدلتا علي أكثر من 99% من المساحة المحصولية لمصر من الكتان ولا يزرع خارج الدلتا سوي بمحافظة الفيوم في مساحة محدودة ولا يزرع في مصر العليا والصعيد.
صادرات سابقة!:
واعتمدت صناعة الكتان في مصر بشكل رئيسي علي التسويق للأسواق الخارجية من خلال عقود طويلة الأجل ولكن منذ بدء الاضراب في شركة طنطا للكتان توقف الانتاج وتوقف التصدير ومن ثم تم انهاء عقود التصدير وهو ما يضر بمستقبل الشركة وعمالها لسنوات مقبلة .ان أثر فسخ عقود التصدير سوف يضر المستثمر صاحب الشركة ولكن المتضرر الأكبر هو العمال لأنه من الممكن أن تتم تصفية الشركة وتدمير أحد أقدم الصناعات المصرية وبيعها كأرض حيث تزيد مساحة الشركة علي 70 فدانا. كان من الممكن استمرار الانتاج والتصدير في ظل الاعتصام بالشركة وعدم توقف الانتاج أو الاضراب التبادلي مع الاعتصام ، ففي فترة من الفترات استطاعت مصر تصدير أكثر من 93 ألف طن من الكتان الخام خلال الفترة من يناير 2001 وحتي ديسمبر 2007 بلغت قيمتها 544 مليون جنيه بواقع 78 مليون جنيه سنوياً في المتوسط. وخلال 6 شهور من عام 2009 تم تصدير 5.9 ألف طن بقيمة بلغت 31.2 مليون جنيه ، و بلغت صادرات مصر من خيوط الكتان بين عامي 2001و2007 ما يقرب من 6670 طنا بلغت قيمتها 110.3 مليون جنيه، وخلال 6 شهور من عام 2009 تم تصدير 2325 طنا بلغت قيمتها 23.9 مليون جنيه ، كما بلغت قيمة صادرات الأقمشة القطنية خلال سنوات الألفية 94 طن قيمتها 1.7 مليون جنيه و خلال عام 2009 بلغت 13 طنا قيمتها 940 ألف جنيه ، وذلك بخلاف عائد صادرات الزيوت والخشب الحبيبي والحبال الناتجة من صناعة الكتان.
شركة عملاقة:
وتشير المعلومات المؤكدة أن عملية خصخصة شـركة طنطـا للكتـان والزيوت هي خسارة فادحة ، حيث كان من الممكن ان تمثل مبلغا كبيرا للدخل القومي ، وكان يمكن الحفاظ عليها ، للاستفادة من انجازاتها، ووضعها كشركة رائدة في مصـر والشرق الأوسـط والمتخصصة في تصنيـع وتصـدير منتجـات الكتـان والتي تأسست في عـام 1954،وتعمـل كوحدة واحـدة لتصنيـع محصـول الكتـان والذي يتنج العديد من المنتجـات المختلفة الاستخدام،وتهـدف الي تقديـم أجـود منتجـات الكتـان والزيـوت ولذلك تعمـل دائمـاً علي استيراد الجيل الثالث لتقـاوي الكتـان والذي يتناسب مـع المنـاخ المصـري وينتج منـه محصول الكتـان عالي الجودة ، وتشـرف الشـركة علي زراعـة محصـول الكتـان في مختلف أنحـاء جمهورية مصـر العربية ، ويقـوم بالاشـراف علي هـذه الزراعات نخبـه من الفنيين المتخصصين،ويقـدمون الدعم الفني للمزارعيـن وتوجيههم لاتبـاع الطرق والوسـائل العلمية في جميع مراحـل الزراعة وصـولاً لأفضـل محصـول للكتـان، ويتم استلام محصـول الكتـان بالشركة وتصنيفه من حيـث درجـات الجودة، وبذلك تلعب الشركة دورا مزدوجا في زراعة أجود أنواع الكتان وتصنيعها ، و تتكون الشركة من عدد من المصانع الكبيرة منها:مصنـع الكتـان والذي يتكـون من عـدد ( 2 ) توربين لانتـاج الأليـاف الطويلة والقصيرة تعمـل مكينة الفـرز علي خطـين انتـاج وتشمل أربع مراحل انتاجية، ويقـوم هـذا المصنع بانتـاج شعر الكتـان والذي يستخدم في صناعة الغزل والنسيج،كمـا تستخـدم العوادم الناتجة من شعـر الكتـان في صنـاعة ورق البنكنـوت. وكذلك مصنع دوبارة وشريط الكتان، وهو عبارة عن مرحلتين للانتـاج، الأول: يعمـل علي تصنيع الدوبارة مقـاسـات من 3 ملي مـتر الي 4 ملي مـتر الثاني : يعمـل علي تصنيع الدوبارة مقـاسـات من 4 ملي مـتر الي 10 ملي مـتر لأغـراض الغـزل والنسيج ، وتنتج هذه الدوبارة من الأليـاف الطويلة ، وتتكون الشركة أيضا من مصنع زيت بذرة الكتان الذي يعتبر في مقدمة مجموعة الزيوت النباتية الجافة وأكثرها أهمية وانتشارا في صناعة البويات والورنيش،اما مصنع الخشب الحبيبي فينتج ألواح الخشب الحبيبي المصنعة من ساس الكتان بلصقها براتنج اليوريا فورمالدهيد من خلال خطي انتاج أحدهما للتخانات الرفيعة والآخر للتخانات السميكه،ومصنع المنتجـات الخشبية ويتخصص في انتـاج الأثـاث المنزلي والمكتبي باستخدام الانتاج التام لمصنع الخشب الحبيبي ، ومصنـع الراتنجات ويعمـل المصنع علي انتـاج 50 طـن سنوياً من مادة اليوريا فورمالدهايد ( سائلة ) والتي تدخل في صناعة الخشب الحبيبي بالاضـافة الي انتـاجها بغرض البيع في السوق المحلي.
تعويض:
وعلي الرغم من وجود هذا التاريخ الكبير لصناعة الكتان علي يد هذه الشركة التي كانت تابعة للقطاع العام فان العمال وقفوا حتي بداية هذا الأسبوع يطالبون بفتح باب الخروج للمعاش المبكر مقابل تعويض مادي لا يقل عن 54 ألف جنيه كحد أدني، مع صرف راتب شهر يناير الماضي وجميع حقوقهم عن الأرباح، التي لم يصرفها لهم المستثمر السعودي منذ عام 5002، بعد أن فقدوا الثقة في كل الجهات الرسمية التي قامت بدورها أيضا فمثلا النقابة العامة للغزل والنسيج برئاسة سعيد الجوهري هي التي قادت الاضرابات، وحذرت من استمرار تعنت صاحب العمل حيث ان توقف الانتاج لأكثر من 4 شهور مثلا اضر بعقود التصدير بما يؤثر علي مستقبل الشركة واستمراريتها ويضع تصفية الشركة وبيعها كأرض وتشريد العمال احد الحلول التي يمكن أن يلجأ لها المستثمر!
أما الوزيرة عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة فقد مارست كل الضغوط السلمية لاجبار المستثمر الاجنبي علي الحفاظ علي حقوق العمال،وعدم التفكير في تصفية الشركة فما كان من السيد احمد عادل عطا رئيس جمعية المستشارين القانونيين المصريين الا ان يكتب تقريرا رسميا يعبر به عن جهة نظر الادارة يتهم فيه العمال بالمخربيين ويصفهم بالبلطجية ، ويقول ان الوزيرة تناست أن الشركة تابعة الان للقطاع الخاص وليس من حقها التدخل ، وموقفها الحالي يعتبر خرقا للقانون ويحملها المسئولية الشخصية.

#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات