محنة ايران وامتحان الحكم الطائفي في العراق !
جمال محمد تقي
2010 / 2 / 12 - 10:53
معادلات وموازنات وهرمونات الاوضاع السائدة في وبين ايران والعراق كما في عموم ـ الشرق الاوسط الكبيرـ معقدة ومتداخلة وغير مستقرة لدرجة المفارقة احيانا فهي تبدو مستسلمة ومسترخية وبطيئة ومطبعة مع قدرها ، ومن زاوية نظر اخرى كانها جالسة بشرود على فوهة بركان ، وفي دواخلها يعتمل مرجل فوار كلما بردت جدرانه ازداد فورانه ـ لخة ـ كما يقال في اللهجة العراقية الدارجة ، انها لوحة سريالية تختصر فيها معاني سحر وفقر وقفرالشرق وبذخه ، ورغم هذا الشرح الا انه ليس من السهل فك رموز ابعادها التي تختلط فيها الالوان ويغيب عنها البيان حتى يختفي تماما ، لوحة فرز الوانها يشي بالتنافر ولكن ضربات الفرشاة وحركة خطوطها واحدة !
ايران محكومة من سلطة آفلة تسابق الزمن للدفع باتجاه تدريع وجودها بامتلاك ناصية القوة المشعة ردعا ، الشعب منهك اقتصاديا ومنقسم سياسيا رغم وحدته في التوق للخروج باقل الخسائرمن دائرة الحصار العولمي المروض ، ايران مخيرة من الانتربول الامريكي وشركائه بين النزع الايجابي اوالنزع السلبي ، السلطة صبورة في لعبة التأني مع الوجهين الداخلي والخارجي للصراع ، وكانها تتعمل مع نسيج لسجاد كاشاني ، وهي من الدهاء بحيث لا تقطع شعرة معاوية مع اللد الاعداء ، وتدخل معهم في شراكات وصفقات جزئية ومنفصلة ومتكافئة لتسيير الامور بما يدور حولها جامعة بيديها من وراء ذلك اوراقا للابتزاز والضغط ، بحيث تكون منها متاريس خارج حدودها لاستنزاف اي محاولات للتقدم عليها ، لها في افغانستان ذراع ولها في العراق اذرع ، سهلت للامريكان تقدمهم واسقاطهم لحكم طالبان وجعلت من اتباعها يساهمون ـ بتحريرـ افغانستان ، وفعلت نفس الشيء مع الدولة العراقية اللدودة فدفعت باتباعها من العراقيين للانخراط مبكرا في القافلة الامريكية المتوجهة لاحتلال العراق واسقاط دولته وحل جيشه واجتثاث لحمته الوطنية ، وقفت موقفا منسجما مع شعاراتها وايديولوجيتها واندفعت به طالما يتخادم مع نهجها لامتلاك الاوراق ، فوقفت مواقف شريفة مع قوى الشعب الفلسطيني وتحديدا القوى المنسجمة مع التوجه السوري الذي هو نهج تحريري يطالب بالحل العادل والشامل للنزاع مع اسرائيل وبحسب قرارات الشرعية الدولية ومن دون تنازلات او مكاسب للمحتلين ، على اعتبار ان السلام بحد ذاته مكسبا لها ، وقبل هذا او بالتزامن معه راحت القيادة الايرانية تتبنى مشروع المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان وهي مقاومة مشروعة وجديرة بالاحترام والدعم وفعلا حققت انجازات ملموسة على صعيد تحرير الجنوب اللبناني والوقوف بوجه عدوانية الالة العسكرية الاسرائيلية ، ومازالت الحرب سجال بين الطرفين ونفس الشيء تم مع حماس في غزة تحديدا التي استطاعت ان تصمد في الدفاع عن وجودها بل وسلطتها في قطاع غزة المحاصر اسرائيليا وعربيا ، راحت تبحث بالخلجان والدهاليز عن اوراق جديدة ، في صعدة اليمن او عند اطراف من القاعدة ،، لمواقف السلطة في ايران الطموحة للعب دور اقليمي يمتص من الجيران نقاط قوتهم لتتمثل في عروقه مددا للاستقواء على الداخل الايراني وكتم انفاس المعارضين فيه ، ولتعجيز محاولات الاطاحة بها من الخارج ، مفارقات تبدو هامشية للوهلة الاولى لكنها تشكل تناقضات جوهرية عندما يتم ترتيبها وفرزها على ضوء ما هو متداول من ملامح السياسة الاستراتيجية الايرانية المعلنة ، فاضعاف المقاومة الوطنية العراقية يصب في مصلحة المشروع الامريكي الاسرائيلي في المنطقة والذي تعمل ايران ضده بالعلن من خلال تبنيها لسياسة دعم المقاومة السورية الفلسطينية واللبنانية بالاتجاهات البعيدة عن حدودها ، لكنها لا تدخر جهدا في تقويض المقاومة الوطنية العراقية المتاخمة لها من خلال دعم واسناد المشروع الطائفي والعنصري في العراق ومحاولة خلخلة اي توجه نحو بناء للنهوض الشعبي الرافض لكل اشكال الوصاية وذلك بالتماهي مع الاجندة الامريكية في التحاصص المكوناتي وبذر بذور عدم الاستقرار النوعي في الكيان العراقي ، ذات الشيء ينطبق على مواقفها من المشكلات المزمنة مع الدول الخليجية القريبة منها كمشكلة الجزر الاماراتية المحتلة ايرانيا ومنذ ايام شاه ايران ، نركز على العراق بحكم اهميته في اي تحول بالعلاقات العربية الايرانية ، اي ان نموذج التعاطي لايراني مع العراق هو المدخل الحقيقي لامتحان النوايا وليس غيره ، فلا الدعم المادي والمعنوي المستثمر لحزب الله وحماس هو المقياس ولا حتى العلاقات المتطورة مع سوريا لان هناك اشبه ما يكون بتبادل منافع بينها ولها جميعا ومن دون خسائر استراتيجية ، فكل هذه الاطراف تقيم علاقاتها عن بعد وليست على تماس مباشر مع ايران ، ايران تقتنص الفرص لقضم وضم وابتلاع واقلاق العراق وهذا ديدنها في ايام الشاه مثلما هو يدنها ايام حكم الايات الان حيث النفس نفسه !
ان عدم التخلي عن تطلعات الهيمنة سيجعل السياسة الايرانية دوما محط ريبة عراقيا وعربيا حتى لو ارسلت ايران فرقا عسكرية لتقاتل الى جانب المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، وربما تقوم حربا جديدة بين ايران والعراق مستقبلا ايضا وستغذيها اطراف اخرى مستفيدة منها ، ولا حل الا باقامة علاقات متكافئة تستبعد اي اضرار بالمصالح العراقية وتقدير الحاجة الماسة للعراق في سلامة منفذه البحري الوحيد لان الاطماع الايرانية للسيطرة المباشرة بالتمدد التدريجي على راس الخليج ـ البصرة ـ سيكون عامل مكررلاشعال حروب لا تنتهي والقضية بالنسبة للعراق قضية حياة او موت ، علاقات سلام وعدم تدخل ومصالح مشتركة كفيلة وحدها لتاهيل ايران عربيا وهذا ما سيفعل فعله لاستقرار ايران والعراق معا لان التدخل بشؤون العراق والانتقاص من حقوقه المشروعة والتربص بثرواته والتجاوز على ارضه ومياهه والتطلع نحو فرض الهيمنة عليه سيحفزه للنيل منها متى ما وجد سبيلا لذلك ، كما حصل في حرب الثمان سنوات ، اما جعل العراق ورقة من اوراق ايران لتساوم بها الامريكان فهو سحر قابل وبقوة للانقلاب على الساحر وخاصة في ساحة متحركة كساحة العراق !
الحكم الطائفي في العراق يتصور ان موازنة الوصاية الامريكية المشرعنة بالاتفاقية الامنية طويلة الامد مع فتح الابواب على مصراعيها امام التغلغل الايراني سيربك بل ويعجز اي بديل وطني ناهض ، وبالتالي سيجير الحكم لها والى اجل غير مسمى !
لم يعد خافيا ان الاصابع الايرانية حاضرة وبشدة في اجواء التحضيرات للانتخابات القادمة ، فهي وراء ترميم الائتلاف الشيعي مجددا ، وهي تضغط باتجاه انخراط المالكي بالحلف وعدم تغريده خارج السرب ، بنفس الوقت تعمل على احتواء اكبر عدد ممكن من الفعاليات السياسية غير الشيعية فهي تستقطب الاكراد ولها علاقات وطيدة معهم تسمح لايران بمطاردة المتمردين من اكرادها داخل كردستان العراق وهي تقصف تجمعاتهم باستمرار ، والاتفاقية التي وقعها برهم صالح مع الجانب الايراني والتي تلغي الحاجة لتاشيرة الدخول بين اقليم كردستان وايران دليل اخرعلى ان ايران تريد احتواء الجميع ، وكان قراراها الاخير بتعيين سفير ايراني جديد يتمتع بخبرات امنية ومخابراتية وسياسية اكبر من سلفه والذي انكشفت اوراقه امام العديد من المناوئين للتدخل الايراني وفي هذه الظروف بالذات دليل اخر على تعاظم مساعيها ، فقد تسرب ان السفير السابق كاظمي قمي كان قد وجه تهديدات مباشرة لبعض النواب وانه حاول رشوة بعضهم !
حسين ابراهيمي مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الايراني يعلن وعلى رؤوس الاشهاد ان على العراق دفع 1000 مليار دولار كتعويضات عن حرب السنوات الثمان ، متناسيا ان بلاده المسؤولة الاولى عن اطالتها !
في خطاب احمدي نجاد الاخير بمناسبة الذكرى السنوية للثورة الاسلامية في ايران اشارة واضحة للاستخدام الايراني المتنوع للصراعات الجارية في العراق كورقة ضغط منتجة على الامريكان ، وجاءت كلماته عن اجتثاث البعث ورفضه للمحاولات الامريكية للمصالحة معهم واشراكهم في حكم العراق دليلا على الاستخدام المزدوج لموضوعة الاجتثاث في مجريات الصراع الامريكي الايراني على الساحة العراقية !
ايران ضد المصالحة الوطنية العراقية لانها ستحصن العراق من الضعف وحالة التمزق التي تتيح لها امكانية التغلغل فيه واستخدامه كجسر لتحقيق طموحاتها التوسعية ، وعلى العكس من ذلك فان مصلحة سوريا تقتضي المصالحة العراقية ، لانها ستؤدي الى مشاركة المدعومين منها في حكم العراق مما سيجعلها تؤمن على ظهرها المكشوف حاليا ، هذا التناقض بين التطلعين الايراني والسوري في العراق سيكون قابلا للاتساع وبشكل ملحوظ في المرحلة القادمة وربما سيؤدي الى مطبات غير متوقعة في العلاقة بين النظامين وخاصة بعد الانسحاب الامريكي من العراق ، الطائفيين في حكم العراق يهاجمون سوريا ويغطون على تجاوزات ايران ، خشية من الدور السوري الذي يفرض نفسه موضوعيا بحكم وجود اكثر من مليون لاجيء عراقي فيها وبحكم كونها ملاذ آمن للقيادات السياسية لاكثر القوى العراقية معارضة ومقاومة للاوضاع الشاذة في العراق ، ايران في محنة داخليا وخارجيا وستزيد اوضاع العراق ومتغيراته القادمة من محنتها تلك ، اما القوى الطائفية التي تتحاصص الحكم فيه فانها امام امتحان متجدد لاثبات عراقيتها المجروحة بالولاء لايران تارة واللامريكان تارة اخرى على حساب العراق وشعبه !