المثقف ونهايته كداعية عبد الإله بلقزيز .
لطفي الإدريسي
2010 / 2 / 2 - 13:44
يعلن عبد الإله بلقزيز نهاية دور المثقف كداعية، فيوتوبيا التغيير التي تسند إليه أدوارا طلائعية رسولية هي يوتوبيا منتهية. لكن قبل إعلان تشييع الجثمان الرمزي والاعتباري لوضعية مبالغ فيها لقيمة المثقف، يشخص الكاتب المغربي مجموعة من "أمراض المثقفين" المتمثلة في "مفارقات اللاتوازن" التي تطبع خطابات المثقفين وهي محددة في: 1. النرجسية الثقافية. 2. السادية الثقافية. 3. المازوشية الثقافية. 4. المؤامرة. 5. الفوبياء الثقافية. إنها أمراض ثقافية تتلخص إما في الاستعلاء الذاتي الراجع إلى الوهم بامتلاك كل الحقيقة انطلاقا من نخبوية الدور المعرفي الذي هو في حيازة المثقفين، أو تتلخص في الاحتقار الذاتي إذ يرى المثقف في ذاته عديم الجدوى في مجتمـع الأميـة
والتأخر، ووسط شعوب أخطأت مع قياداتها السياسية موعدها مع التقدم والحداثة؛ احتقار ذاتي يتأكد حين يقارن المثقف دوره المتقزم بالدور المتعاظم استبدادا ونرجسية بالنسبة لرجل السياسة.
ما هي الحصيلة في عمل المثقفين؟ وما هومآل أوضاعهم؟
ينزل بلقزيز من مستوى تشخيص "أمراض المثقفين" إلى مستوى تشخيص "الضعف المعرفي" لهذه الفئة التي تتميز على مستوى درجة المعرفة بفقر معرفي يؤثر على قدرتها الإبداعية؛ كما تتميز على مستوى نمط المعرفة بسيادة خطاب وثوقي مطلق.أما على مستوى غاية المعرفة، فهو خطاب تبرير لا خطاب تنوير، يقول الكاتب المغربي: «الثابت هنا أن المثقفين العرب في معظمهم-أنتجوا ممارستهم الفكرية بما يجافي دورهم المفترض: تخلـوا عن وظيفـة التنوير
والإبداع والنقد، وانصرفوا عنها إلى ممارسة وظيفة التبرير، والتسويغ والشرعنة: تبرير آرائهم في المؤسسة (السياسية)، وتسويغ موقفها، وشرعنة وجودها ووظيفتها».
اتجهت ممارسة المثقف إذن نحو"مزاحمة" السلطة السياسية في حقل هولها، من اختصاصها ولها به الدراية والحيازة، ففقد بذلك دوره الطبيعي في التنوير وإنتاج المعرفة، وهوما دفعه إلى منطقة التهميش الاجتماعي والاقتصادي بعد استغناء السلطة عن خدماته إضافة إلى تهميش ثقافي مع تراجع قيمة الكتاب وأهمية الكاتب في السوق الثقافية-الرمزية. بذلك ينتهي دور المثقف كداعية التصقت أطروحاته، أحلامه وممارساته بمحور السلطة السياسية وبما يدور في فلكها. إلا أن هذه النهاية لا تنبئ بالتشييع النهائي للدور الاعتباري للمثقف والإلقاء بجثته في مقبرة النسيان التاريخي والتجاوز الراهن الذي فرضته سيرورات دولية ووطنية مختلفة أهمها العولمة، أحادية القطب الأمريكي، تفكك المنظومات السياسية والإيديولوجية، بل يمكن تجديد دوره في الالتزام دون أوهام وانتفاخ خطابي وتورم دعائي إيديولوجي، إذ على المثقف الملتزم أن يقلع عن عادة انتداب نفسه للمهام العظمى التي تتعدى حقل الثقافة والمعرفة وأن يهجر دائرة الرؤية الرسولية التي تحجزه في نسيج عنكبوتي لوهم التفوق عل الآخرين.
يبرز عبد الإله بلقزيز أن الغائب في فكرة الالتزام لدى المثقفين هو"التزام مجال عملهم الطبيعي: المعرفة".إن قول كارل ماركس أن على المثقفين (الفلاسفة تحديدا) تغيير العالم لا تفسيره قد عاد عليهم بأوخـم العواقـب
وأكثر النتائج درامية، لذا المطلوب منهم اليوم هو تفسير العالم لا تغييره. يشدد مؤلف "نهاية الداعية" على أن فكرة "الالتزام" لم تشيع إلى مثواها الأخير، لكنها قابلة للتجديد والتحيين بحرص المثقف على الالتزام داخل مجال الثقافة والإبداع داخل حقل المعرفة، لا تقليد رجل السياسة والعراك معه في حقل السياسة والإيديولوجيا.