|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
أهم نتائج الطرح الانقسامي بخصوص القبيلة المغربية
.بحكم تركيبتها الاجتماعية المتميزة، وطبيعة نظمها الثقافية، السياسية والسوسيو- مجالية؛ اعتبرت القبيلة بالمغرب نموذجا لنسق انقسامي قائم الذات. ولعل هذا ما تمخضت عنه مجموعة من الأبحاث والدراسات أنجزها بعض رواد البحث الأنثروبولوجي الأنجلو سكسون، حول عدد من قبائل المغرب.لقد بدأ اهتمام هؤلاء بالمغرب منذ الحرب العالمية الثانية، غير أن نشاطهم تعزز أكثر، وأصبح ملحوظا خلال الستينات من القرن العشرين.ويمكن تفسير ذلك في إطار انشغال جيو-استراتيجي لبعض الدول الرأسمالية: كإنجلترا والولايات المتحدة تحديدا؛ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لقد كان الهدف الأساس هو مراقبة، وعن كثب، مجمل التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، والهدف طبعا هو تيسير السبل الكفيلة بدمج المغرب – وعلى غرار باقي بلدان المنطقة- في منظومة السوق الرأسمالية – الإمبريالية.في هذا الإطار إذن، تأتي دراسة (إرنست كلنر) حول قبائل الأطلس الكبير – الأوسط الموالية لزاوية أحنصال، وقبله (د.هارت) الذي يعتبر أول من درس واقع القبائل المغربية من خلال نموذج التحليل الانقسامي؛ حيث قام بدراسة ثلاثة قبائل هي: (آيت عطا) بالأطلس، (دكالة) بالجنوب و (بني ورياغل) بالريف الأوسط. وأخيرا (رايمون جاموس) الذي ركز دراسته الشهيرة حول "العرض والبركة"، على إحدى قبائل الريف الشرقي، والأمر يتعلق بقبيلة "قلعية".على الرغم إذن من اختلاف أمكنة وأزمنة هذه الأبحاث والدراسات، فإن ما يوحد بينها جميعا هو كونها تتأطر ضمن ما يعرف بـ "الأطروحة الانقسامية". فما هي إذن أهم نتائج هذه الأطروحة حول القبيلة المغربية؟!يتكون المجتمع الانقسامي من فئات متداخلة فيما بينها، وعبر مستويات التداخل هذه، تتحدد مختلف مكونات النسق الانقسامي ووحداته: فكل قبيلة تنقسم إلى فروع، وهذه تنقسم بدورها إلى أجزاء، إلى أن تصل إلى مستوى الوحدات العائلية. ويبقى عامل النسب هو المهيمن من داخل هذا المجتمع، بحيث اقترح (كلنر) حصر مفهوم الانقسامية واستعماله فقط، بالنسبة للمجتمعات التي تعتمد على النسب وحده لتقعيد العلاقات بين القسمات– كعلاقات اجتماعية وسياسية أيضا – (ويبدو تأثير ابن خلدون واضحا هنا). فالنظام الاجتماعي والسياسي الانقسامي، يستمد رمزيته وأسسه إذن من نسق القرابة، أو بالأحرى من خط النسب الأبوي (Le patrilignage ). هكذا تبدو القبيلة – إذا ما نظرنا إليها ككل- شبيهة ببنية الشجرة(55)، التي يمثل كل فرع من فروعها مستوى معين من الانقسام، وتمتد هذه الفروع من القمة لتتفرع أكثر فأكثر نحو القاعدة؛ بحيث تنحدر فروع جديدة وصولا إلى أدنى مستوى في القاعدة، وهذا ما تجسده الأسرة. أما إذا نظرنا إليها من وجهة نظر الفرد، نجد هذه البنية تتحدد على شكل دوائر متحدة المركز، بداء من الفرد وانتهاءا بأوسع دائرة: أي القبيلة ثم الحلف القبلي.هناك إذن عملية توالد مستمرة للفروع، تتكامل فيما بينها عبر سلسلة من الأجداد وصولا إلى الجد الأعلى المشترك، الذي تتخذ منه القبيلة أو الحلف القبلي اسما موحدا؛ كما أن هذه العملية- وبحكم منطق النسب ذاته – تخضع في سيرورتها لعاملي "الانشطار" و "الانصهار". فعامل الانشطار يفهم حين يصبح الجيل الواحد مصدرا لأجزاء جديدة: (أبناء)، وهؤلاء بدورهم – كل على حدة – يشكل (وحدة سلالية) جديدة، تتفرع عنها هي الأخرى وحدات سلالية جديدة، وهكذا دواليك. أما عامل الانصهار، فيبدو حين يصبح هذا الانشطار ذاته مصدرا لتعيين "أجزاء" أو "أقسام" جديدة من داخل النسق الانقسامي. بهذا الشكل إذن، يصبح كل جيل من الأجداد يجسد مستوى من الانقسام والتداخل: فالمستوى الأول هو القبيلة، والثاني هو القسمة أو الفرع القبلي (ويصطلح عليه د.هارت: "الخمس"1/5)، والثالث هو الوحدة السلالية؛ وصولا إلى أدنى مستوى حيث الوحدة العائلية ثم الفرد.لكن، يبقى السؤال المطروح هو: كيف تشتغل كل من آليتي "الانشطار" و "الانصهار" هاتين (سوسيولوجيا)؟ وكيف تعملان على بنينة (Structuration ) مستويات وأشكال الحياة الاجتماعية والسياسية من داخل المجتمع الانقسامي؟ أو بمعنى أدق، كيف يعمل النسق الانقسامي وفق هاتين الآليتين على إنتاج وإعادة إنتاج ذاته، رغم عوامل الصراع والتوتر التي تتهدده؟هنا بالذات يقدم الانقساميون مقولتي (التعارض) و (التحالف) كنموذج للتحليل، وكقاعدة تؤسس للنسق الانقسامي وتمده بشروط الاستمرارية. فإذا كانت الصراعات وأشكال النزاع التي يشهدها المجتمع الانقسامي- عبر مختلف مستوياته البنائية – تمثل واقعا مرتبطا أشد الارتباط ببنيات ذلك المجتمع، وتناقضاته الداخلية – كما يؤكد الانقساميون طبعا- فإن ذلك لا ينفي وجود أشكال من التماسك والاتحاد أيضا. فالصراع في مستويات أدنى، لا ينفي أبدا وجود أشكال من التعاون والتحالف في مستويات أعلى، وبصورة تلقائية. فقد تكون هناك مجموعات متعارضة داخل نفس خط النسب (Lignage )، لكن سرعان ما تتحد فيما بينها في حالة وجود خصوم من خط نسب مجاور، وبالمثل فقد تنزع خطوط النسب المتصارعة في نطاق الفرقة إلى التكتل فيما بينها قصد التصدي لعداء فرقة مجاورة. كما أن هذه الفرق المتعارضة نفسها، قد تضطر إلى التضامن أمام تهديدات من نفس المستوى. وفي إطار نفس اللعبة الانقسامية هذه، قد لا تمنع العداوة الموجودة بين عشريتين داخل قبيلة واحدة تضامنهما ضد قبيلة أخرى.هنا بالذات يكتسي المثل العربي الشائع دلالاته السوسيولوجية لدى الانقساميين: "أنا ضد إخوتي، أنا وإخوتي ضد أبناء عمي، أنا وإخوتي وأبناء عمي ضد العالم". ولعل هذا ما حذا بأحد الباحثين إلى تلخيص النظرية الانقسامية في مضمون هذا المثل.إن القبيلة إذن، ومن منظور انقسامي، تتشكل من "وحدة متعارضة"، تتحكم فيها أجزاء متشابهة يمكن أن تتحد عند الضرورة، كما أن هذه الأجزاء ذاتها، تنشأ فيما بينها خلافات تحافظ على استمراريتها كي لا يضيع بعضها في بعض. ذلك لأن التعارض الذي يسيطر على حياتها المعيشية في مستوى أدنى، يمكن أن يتحول إلى تحالف ودفاع مشترك في مستوى أعلى.في إطار لعبة التوازنات الانقسامية هذه إذن، وما يطبعها من تعارض وتكامل كمبدإ أو حد للتنظيم والتسيير، تبرز واحدة من أهم إواليات النسق الانقسامي، والمرتبطة أساسا بوضع الحروب والنزاعات القبلية: الأمر يتعلق هنا بظاهرة "اللف". فهو إطار لتحالف حربي، يتم بين أقسام القبيلة وأقسام من قبائل أخرى، للحفاظ على توازن القوى بين "اللفين" أو "الحزبين" المتعارضين– على حد تعبير (د. هارت). ويعتبر هذا النظام من التحالفات، هو الأوسع والأكثر انتشارا في مجتمعات تجهل وجود سلطة سياسية ممركزة، فهذه الأخيرة "لا يمكن أن تتحقق إلا إذا استطاع شخص من بين أفراد القبيلة التميز عن الآخرين، وتركيم وسائل العنف والقهر"؛ وهذا ما لا يسمح به النسق الانقسامي. باختصار شديد، فالبنية الانقسامية تحول ضد أي تمركز للسلطة، وفي أية هيئة أو جهاز خاص.أمام هذا الوضع إذن، يبقى السؤال الجوهري لدى الانقساميين هو: كيف يتم الحفاظ على الأمن والنظام، في ظل غياب سلطة سياسية مركزية؟! والإجابة تكمن – حسب هؤلاء – في طبيعة النسق الانقسامي ذاته. أو بصيغة أدق، عن طريق التعارض المتوازن لمختلف المجموعات الانقسامية، في مستويات مختلفة من التنظيم الاجتماعي – السياسي، أو ما يصطلح عليه (إرنست كلنر) بـ "توازن العنف" أو "معادلة الخوف"؛ كخوف جزء اجتماعي من جزء أو قسم آخر لتواجد إمكانية تعميم الحرب.هذا علاوة على الدور التحكيمي والتسكيني الذي تضطلع به المجموعات الدينية، خاصة "الصلحاء" و "شيوخ الزوايا"، لما يتمتع به هؤلاء من اعتدال وحياد؛ فهم من يمد قبائل "العوام" بالاستمرارية وبالهيكل القار الذي يفتقر إليه نظامها السياسي. أليست القبيلة هنا نظاما سياسيا قائما بذاته، مستقلا عن الدولة؛ أو بتعبير أدق: ضد الدولة ؟!خاتمة: الانقسامية بين قوة النموذج ونموذج القوة.هذه إذن بإيجاز، بعض أهم خلاصات ونتائج الأبحاث والدراسات الانقسامية حول القبيلة المغربية والشمال – إفريقية بشكل عام.
|
|