|
نقد المجتمع الكوردي - الحلقة الثالثة - ثورة من أجل فرد جديد
ئارام باله ته ي
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 30 - 19:10
المحور:
المجتمع المدني
نقد المجتمع الكوردي الحلقة الثالثة (ثورة من أجل فرد جديد) ( أن أكون عبدا أطالب بحريتي خير من أن أكون حرا أساوي العبيد) (غاندي)
اذا اتفقنا أننا بحاجة الى مجتمع جديد وفكر جديد لمواكبة التطور و عصر الحداثة ، فان البداهة تفترض اننا بحاجة الى فرد جديد ، ذلك ان المجتمع هو مجموع الافراد المكونين له . لو اطلعنا على مجمل التاريخ الكوردي نكاد لا نجد فترة ساد فيها المذهب الفردي ، او كان للفرد اهمية و مكانة مقدسة باعتباره فردا ، نتيجة لسيطرة منطق (العشيرة) على الذهنية الكوردية . وربما كانت الحاجة الى تنظيم جماعي ضروريا لدرء المخاطر سواء بالنسبة للقبائل الرحل او الساكنة في مناطق جغرافية معينة ، فذابت شخصية الفرد في اطار عشيرته ، ولم ينظر اليه الا من خلال انتماءه الى العائلة الفلانية او مكانته داخل العشيرة . ولا زال المجتمع الكوردي سائرا على هذا الدرب . لقد كان المجتمع الكوردي اقطاعيا يتم فيه استغلال الفرد ومجموع الافراد لمصلحة الطبقة الاعلى في التراتبية الهرمية للمجتمع . وحتى عند وصول الايديولوجيات الفكرية الى كوردستان في القرن العشرين كان تفكير المجتمع وطبيعته اقرب الى المذهب الاشتراكي الذي يتم فيه التضحية بالفرد من اجل الجماعة . وللمفارقة فان تأثر المجتمع بالمذهب الاشتراكي لم يدعه الى التخلي عن الاقطاع مع ان ذلك يقع في صلب المذهب الاشتراكي . ارجو ان لا يفهم من كلامي هنا بأنني ضد المذهب الاشتراكي و مع المذهب الراسمالي ، فاني لا اتبنى ايا منهما بالكامل ، ولكنني بصدد توضيح حالة اجتماعية تم فيها استغلال المذهب الاشتراكي او الجماعة من قبل اشخاص معدودين لمصالحهم وباسم مصلحة الجماعة سواء(العشيرة او أي تنظيم اخر) . لتضفي هذه الحالة نوعا من الهيبة والقدسية على من يقفون في رأس الهرم يستعبدون به من هم ادنى منهم . بطبيعة الحال افرز المجتمع شكلا دكتاتوريا من خلال نظامه الاجتماعي . و من المعروف في الانظمة الدكتاتورية سواء السياسية منها او الاجتماعية ان لا مكانة للفرد باعتباره فردا ،وانما يختزل دوره ويذوب في الدوائر الانتمائية ( الأسرة ، العشيرة ) و يتم تقيمه وفق ذلك المؤشر ، بعيدا عن الكفاءة و الجدارة الشخصية في مجالات الحياة المختلفة ، وبالنتيجة فان صنع القرار يقع في يد من لا يجيدون صناعة القرار، ليدفع المجتمع ثمن ذلك باهظا بمزيد من الفقر والجهل والتخلف . ان قيمة المذهب الفردي يكمن في مبدأه المعلن (البقاء للاصلح) ، و اذا تم قياس هذا المبدء في الحياة الاجتماعية فانه سيؤدي الى فرز الافراد حسب امكانياتهم ومؤهلاتهم في تولي المهام العامة التي فيها مصلحة المجتمع . هنا قد يتبادر الى الذهن سؤال محوري لماذا يبدع الفرد في الغرب و يراوح في مكانه عندنا ؟ . هل هناك ذكاء فطري موجود هناك معدوم هنا ؟ . ان الامر ليس كذلك اطلاقا ، بل ان الفرق يكمن في مدى الحرية المعطاة للفرد و مدى تمتعه بالحقوق من قبل المنظومة الاجتماعية والسياسية في المجتمع . و قد لاحظ العلامة (د. محمد اركون) هذا التباين بين الفرد في المجتمعات المتقدمة و المتخلفة بقوله (فالانسان في اوروبا يستطيع ان يستقل حتى عن عائلته و عن عصبيات القرابة العشائرية و القبلية لان الدولة تحميه ، اما في المجتمعات النامية من الذي سيمحيه .....) . نلاحظ هنا الفرق الجوهري بين المجتمعات المتخلفة و المتقدمة بان قيمة الفرد تكمن في مدى اسهامه في بناء المجتمع سواء من الناحية الثقافية او العلمية التكنولوجية او أي ابداع اخر (هذا بالنسبة للمجتمعات المتطورة) ، اما قيمة الفرد في المجتمعات المتخلفة هي في مدى قوته العشائرية و شهرته العائلية ، و هذه كارثة ما بعدها كارثة . فاذا لم تكن لديك عشيرة فانك غير مؤهل لاي استحقاق . و هذا سيظهر جليا في انتخابات القائمة المفتوحة لبرلمان العراق الفدرالي . ان انعدام نظام قانوني مساواتي فوق الجميع في المجتمع . يؤدي بالضرورة الى انعدام شئ اسمه الفرد ، لذلك يضطر هذا الفرد الى التعلق و التوكل على العائلة والولاء للعشيرة و هذا هو حال المجتمع الكوردي منذ سقوط (امبراطورية ميديا) التي اشتهر ملوكها في التاريخ بالعدل . اما بعد ذلك فلم يكن هناك قانون بالمعنى التام للكلمة ينظم طبيعة العلاقات في المجتمع الكوردي على اساس المساواة ، على اساس أن الجميع ينتمون الى كوردستان . حاول الحزب الشيوعي في كوردستان منتصف القرن الماضي نشر الافكار الماركسية من عدالة اجتماعية ، لا طبقية ، كل حسب عمله (حسب كفاءته) ، عدم استغلال . ربما انطلاقا من فكرة (لينين) القائلة ((بان المهمة الرئيسية للماركيسين في البلدان المتاخرة هي النضال ضد بقايا القرون الوسطى )) . الا ان مشروع الشيوعيين باء بالفشل الذريع بسبب طبيعة البنى التحتية لمجتمع يسوده الاقطاع و(عقلية العشيرة) ، ولكن السبب الابرز في انهيار مشروع الشوعيين كان عائدا الى سذاجة الشيوعيين انفسهم الذين لم يخاطبوا الناس على قدر عقولهم ، وتركيزهم المبالغ فيه على انكار (الميتافيزيقيا) ومحاربة الدين فكريا في مجتمع متزمت ليس له افاق ثقافية . فكانت النتيجة اننا نكاد نحس بوجود تبار شبه ماركسي في كوردستان . كانت الافكار الماركيسية قادرة على توعية المجتمع والارتقاء بالفرد حتى يشعر بكينونته و يتخلص من عقلية العشيرة في مجتمع مساواتي ، الا ان الرفض الذي قوبل به والفشل الذي لقيه هذا الطرح جعل من الاحزاب الكوردستانية الاخرى ذات الطابع الماركسي في برامجها الى تبني خطاب شعبوي تماشيا مع الثقافة السائدة . ان المرء ليحتار بين الضحك والبكاء ، اثناء تفحصه للمجتمع الكوردي ، اذ كما اسلفنا بان العامل الاهم في فشل الشيوعيين و مبادئهم في كوردستان ، كان هو الدين الاسلامي الذي يعتنقه الكورد منذ الغزو الاسلامي سنة 16هـ . ولكن على الرغم من ذلك فان هذا المجتمع لم يستوعب ايضا مبادئ الثورة المحمدية النبيلة التي من اهمها منح الفرد مكانة كانت مفقودة عند العرب قبل الاسلام . اذ وجد اناس مثل بلال الحبشي وعمار بن ياسر انفسهم معتبرين لدى نبي الاسلام و في المجتمع الذي يؤسس على مبادئ الاسلام حسب قاعدة و حديث نبوي (لا فضل لعربي على اعجمي ...) بل ان الفرد مهما كانت صفته او حالته الاجتماعية يجد نفسه معززا في كتاب الله ((ولقد كرمنا بني ادم)) . ثم عندما يولي الرسول (ص) فردا يافعا لم يتجاوز العشرين من عمره (اسامة بن زيد) على رأس جيش يضم كبار اقطاب الدعوة المحمدية فان هذا يعني ان مكانة الفرد في المجتمع الاسلامي تتوقف على كفاءته الشخصية وليس على أي اعتبار اخر،أي وفق قاعدة الحديث النبوي ((المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف في كل خير)) . وهذه القوة هي قوة الكفاءة و الذكاء و القدرة على تحمل المسؤليات و المهام . و هذه كلها صفات شخصية لا صلة لها الا بالفرد نفسه دون اسرته او عشيرته .. كل هذه مبادئ اسلامية لم يسخرها المجتمع الكوردي في سبيل تطوره ، بل بقي اهتمامه منصبا على اسلام الطقوس والعبادات الذي هو في النهاية مسألة اخروية لا تغير الواقع ولا تتطوره نحو الافضل . وهكذا بقي المجتمع الكوردي عصيا على تقبل الافكار المخالفة للدين. وفي الوقت نفسه يجهل كنه الدين و اهدافه الحقيقة. وهذه مشكلة عويصة جدا. لقد خرج القس(مارتن لوثر) في العشرية الثانية من القرن السادس عشر من رحم الكنيسة ، ليتمرد عليها و يعيد الاعتبار للفرد بعد ان كان الاعتقاد ان (لاخلاص الا داخل الكنيسة) ، ليكون ذلك عاملا مهما في تطور الحضارة الاوروبية التي شهدت عصر النهضة والثورة الصناعية وعصر الانوار ، و شهدت اوروبا ظهور الدولة القومية بعد انحدار نفوذ الكنيسة وعودة الدين الى المبادئ البسيطة التي نادى بها السيد المسيح . فهل ننتظر من احد رجالات الدين عندنا ان ينتفض على الموروث الاسلامي القروسطي ومنظومته الفكرية التي اسيئت تفسيرها من قبل اناس عاشوا في زمن و ظروف مختلفين عن زمننا وظروفنا ؟ . هل نحن ملزمون باراء قيلت في القرون الوسطى؟ . من المحزن جدا ان رجال الدين عندنا لا زالوا متخلفين في مسألة(حقوق الانسان) بل لعل اكثرهم لا يعرفون بمضمون اللائحة العالمية لحقوق الانسان التي صدرت عام 1948 ، بل ان الاكثر حزنا ان لا نرى احد منهم يشير (لعلهم لا يعرفون حتى بوجودها) ولوا في خطبة جمعة واحدة الى (الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان) الصادر عام 1981 من منظمة المؤتمر الاسلامي وفق منظور القران والسنة النبوية ، ففيها اعتبار جيد للفرد ومكانته .
في النهاية ، اعود لأوكد على اهمية (عقد اجتماعي) جديد يتخلى الفرد بموجبه عن ولاءه العشائري لمصلحة الدائرة الانتمائية الاقصى (الامة ، الوطن ، الدولة ) ، مقابل الحماية القانونية المساواتية ومنحه كافة الحقوق المساواتية التي يتمتع بها الانسان في المجتمعات الراقية سواء التي ذكرت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان او الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان . اننا امام تحدي حقيقي و اختبار مفصلي لنقوم باعادة تشكل المجتمع الكوردي و توجيهه نحو الحداثة والتطور . فهل نحن مخلصون ل (الامة ، الوطن ، الدولة) ؟ .
#ئارام_باله_ته_ي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد المجتمع الكوردي - الحلقة الثانية - ثورة على السلطة الابو
...
-
نقد المجتمع الكوردي
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
-
كنايسل تنتقد ازدواجية المعايير لدى الغرب تجاه مذكرات الاعتقا
...
-
-المملكة المتحدة ستفي بالتزاماتها القانونية-.. لندن تعلق على
...
-
5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|