من وثائق منظمة -إلى الأمام- الماركسية اللينينية المغربية : الندوة التحضيرية للقطاع الطلابي
يوغرتن الباعمراني
2010 / 1 / 30 - 08:47
تقديم:
أيها الرفاق:
في إطار التحضير للندوة الوطنية السنوية للعمل داخل القطاع الطلابي، وفي إطار تعميق تجربتنا وخطنا السياسي وممارستنا داخل القطاع الطلابي، انعقدت ندوة تهييئية بمساهمة (الكتابة الوطنية) والمكتب الطلابي، أنجزت هذه الأرضية التي نطرحها للرفاق من أجل دراستها بجدية وتعميقها حتى يساهموا بشكل فعال في الندوة الوطنية السنوية المقبلة للقطاع الطلابي من أجل تجديد مهامنا بشكل دقيق وواضح داخل هذا القطاع، في إطار التوجيه السياسي لمنظمتنا في هذه المرحلة. ونتحمل مسؤولياتنا كاملة، وذلك في إطار الجهود المبذولة داخل تنظيمنا من أجل السير قدما في بناء خط سديد محكم ومنظمة ثورية طليعية صلبة، راسخة جماهيرية.
فعلى كل الرفاق أن يشرعوا عاجلا في دراسة هذه الأرضية بحماس وعزيمة لا تقهر.
(الكتابة الوطنية) 29 غشت 1973
لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات على انبتاق اليسار الماركسي اللينيني وسط الحركة الطلابية إبان المعارك البطولية الكبرى سنة 70. وقطع مرحلة جديدة من حياته النضالية المليئة بالنجاحات والنكسات، غنية بالدروس المستمدة من ممارسته النضالية داخل هذا القطاع الحيوي وقاد أكثر من معركة مجيدة ضد مخططات الحكم التصفوية وساهم بشكل كبير بتقريب النهاية المحتومة للفكر الإصلاحي والتحريفي الذي كان إلى ذلك الوقت متربعا – وبدون منازع - على الساحة الطلابية، ونال نتيجة كل ذلك عطف وتأييد الحركة الطلابية التي رفعته حاليا إلى قيادة المنظمة المناضلة أ.و.ط.م غداة المؤتمر 15 التاريخي. وبعد هذا المؤتمر مباشرة ونظرا لتغيير الوضع السياسي الذي سنأتي على ذكره، واجه الحكم سماسرة الإمبريالية والمعمرين الجدد الحركة الطلابية بقمع لم تعرف له مثيلا طوال سنوات نضالها المجيد والمستميد. وما كان هذا الوضع الجديد الذي عرفته الساحة الوطنية ليمر دون أن تبرز بعض الخلافات داخل اليسار الماركسي اللينيني حول الحركة الطلابية ودورها في الوضعية التي تعرفها البلاد.
هذه الخلافات التي ستعمق خلافات سياسية وإيديولوجية حول قضايا الثورة المغربية ككل. ولم يتوان بعض الرفاق في ظل هذه الوضعية باتهامنا بتشتيت الحركة الطلابية نتيجة استلائنا على الجهاز. هذا الاستيلاء الذي سبب في نظرهم جل المشاكل التي يعاني منها اليسار الماركسي اللينيني والحركة الطلابية.
نضال:
كل هذا التاريخ الحافل من سجل اليسار الماركسي اللينيني وكل هذه التطورات الجديدة تستلزم منا وقفة نقدية لممارستنا داخل الحركة الطلابية من أجل استخراج خلاصات واضحة تقود عملنا المقبل وتصحح خطنا السياسي داخل الحركة الطلابية سيما وأن تنظيمنا يفتقر إلى وثيقة حول الحركة الطلابية رغم الندوات التي عقدناها في السنوات الماضية.
وتأتي الندوة الحالية كذلك في مرحلة جديدة يعرفها التنظيم والحركة الطلابية، فالتنظيم بعد تقرير 20 يونيو التاريخي (عشرة أشهر من كفاح التنظيم، نقد ونقد ذاتي) عرف تقدما هائلا على مستوى خطه السياسي. هذا الخط الذي لم تزده الخلافات الحالية داخل الحركة الماركسية اللينينية إلا رسوخا ووضوحا. هكذا يأتي شعار (الصمود والالتحام بالجماهير) ليعبر بالفعل على أن أي عمل خارج الجماهير محكوم عليه مسبقا بالفشل لأنه ينطلق من مفهوم المثقف الذي يأتي بالحقيقة للجماهير عوض الثوري الحقيقي الذي يتمرس داخل الجماهير. ولكن قليلون هم أولئك الذين يمكنهم أن يدركوا كنه هذه الشعارات وبالتالي الصمود مع الجماهير.
أما الحركة الطلابية فإنها مقبلة على مرحلة جديدة من حياتها. مرحلة مخالفة لما عرفته خلال السنوات الماضية نتيجة التطورات الأخيرة على الساحة الجماهيرية والتي تمثلت بالنضال المشروع داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. إن المرحلة الحالية تأتي في غياب هذه المنظمة المناضلة أو بالأحرى غياب شرعيتها والإمكانيات التي كانت توفرها. نظرا للقمع المسلط على القطاع الطلابي فإن المهام المنوطة بالحركة الماركسية اللينينية لجد شاقة وعسيرة، فما كان لنا أن نتخلى على الحركة الطلابية في أحلك ظروفها. إننا كماركسيين لينينيين نؤمن إيمانا راسخا أن الهجوم المضاد الذي شنه الحكم على الحركة الطلابية سيقابله – ولا شك- هجوم مقبل من طرف الحركة الطلابية. فلهذا الهجوم المقبل يجب توفر كل الشروط حتى يكون هجوما مظفرا تستعيد فيه الحركة الطلابية كل مكتسباتها المسلوبة. فعلينا أن نبني تنظيمنا بناء محكما حتى يكون بالفعل القيادة الفعلية للهجوم المقبل، كما يجب أن نبني الجبهة بناء جديدا من المناضلين الصامدين والذين عبروا عن التحامهم ونضالهم في أوقات الشدة هذه. ولفظ كل الغارات السامة التي عبرت عن انتهازيتها وانهزاميتها كما يجب علينا كذلك أن ندرس بجد إمكانية جعل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنظمة الطليعية الوحيدة في الظروف الجديدة الشيء الذي يستلزم منا أن نفكر في البناء الصحيح للنقابة السرية الجماهيرية حتى نضمن استمراريتها وصمودها.
وأخيرا: ففي تقييمنا للحركة الطلابية يجب أن نبحث ونركز على دورها في الصراع الطبقي، إذ لا يمكن لنا بأي حال أن نفصل خطنا السياسي داخل الحركة الطلابية عن خطنا مع الجماهير الشعبية ونضالنا الطبقي. لهذا فإن التصميم المقترح في هذه الندوة يراعي هذه النقطة ويحدد بشكل واضح دور الحركة الطلابية في تأجيج الصراع الطبقي ببلادنا.
أولا: الشروط الموضوعية لنمو الحركة الجماهيرية في نهوضها الجديد:
أ – شكلت انتفاضة 23 مارس 1965 منعطف تحول حاسم في نمو المسيرة النضالية لشعبنا الكادح، وكانت بمثابة نقد دموي بالنسبة لأحزاب الإصلاح في المغرب معلنة عن بداية القطيعة العفوية والحسية للجماهير لخط العمل الإصلاحي البرلماني ومسجلة بداية الإفلاس الذريع للخط البرجوازي الصغير الذي عرف انتعاشا في الفترة الممتدة ما بين 1958- 1965.
ولقد كشفت الأحزاب الإصلاحية التي كانت آنذاك في مقدمة المعركة الجماهيرية عن انتهازيتها ومساومتها غداة هذه الانتفاضة حيث سارعت – ودماء الشهداء لم يجف بعد بشوارع الدار البيضاء - إلى دخول المساومات المشهورة مع النظام على ظهر هذه النضالات، مادة أحسن مساعدة له للخروج من العزلة التي أوقعته فيه الحركة الجماهيرية، وما كان لأحزابنا أن تفعل أكثر من ذلك نتيجة مواقعها وانتماءاتها الطبقية التي جعلتها عاجزة عن مسايرة هذا النمو الهائل للحركة الجماهيرية. فما كان لها إلا أن تقف للتفرج عليها واتخاذ أزمة النظام الجديدة هذه كفجوة تتسرب منها إلى السلطة.
نفس الموقف أظهرته أحزابنا الإصلاحية والانتهازية والتحريفية بعد هزيمة الأنظمة العربية في يونيو 1967. فلما كان الشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية عامة تتعرض للمؤامرة الدنيئة التي تحيكها الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية كان موقف الأحزاب الإصلاحية والانتهازية والتحريفية في بلادنا - تمشيا مع خطها البرجوازي الصغير- هو الاكتفاء برفع شعارات جوفاء متخلية عن تعبئة الشعب المغربي لمساندة الثورة الفلسطينية والقبول ضمنيا بالقرارات التصفوية والمشاريع التي صاغتها الامبريالية الأمريكية بمساعدة التحريفية السوفياتية (قرار مجلس الأمن – مشروع روجرز..) وإن موقف التحريفية المغربية في هذا الصدد لجد مخزي حيث لم يتردد زعيمها في استخدام جدليته المعهودة لمساندة الثورة الفلسطينية، وفي نفس الوقت تأييد المشاريع التصفوية التي صيغت لتصفيتها في آن واحد.
ولقد انفضح الخط الإصلاحي البرجوازي الصغير لأحزابنا الإصلاحية بصورة أكبر غداة النضالات الهائلة التي خاضتها الشبيبة المدرسية في سنة 1970 والتي توجت بمؤامرة إيفران التي شكلت رصيدا جديدا للإصلاحية في المساومة على النضالات الجماهيرية – الشعبية. فبعد انطلاق حركة التلاميذ سنة 1970 وبعد سنوات الركود التي أعقبت انتفاضة مارس، في نضالها المجيد ضد مخططات الحكم التصفوية في ميدان التعليم، هذه الانطلاقة التي كانت شمولية والتي طبعت بالروح النضالية العالية، أولت الإصلاحية والتحريفية – مرة أخرى - بظهرها لهذه النضالات وساهمت بقسط كبير في فصل الطلبة عن التلاميذ بدعوى تباين المشاكل المطروحة. إلا أنها لم تتوان - كعادتها - في المساومة على هذه النضالات المجيدة من أجل انتزاع مكاسب ذاتية انتهازية على حسابها. إلا أن موقفها هذا ساهم بشكل كبير في تعجيل نهايتها في قطاع الشبيبة المدرسية.
ب) – على الصعيد العربي شكلت هزيمة الأنظمة العربية في يونيو 1967 بداية لخط هذه الأنظمة البرجوازية وبداية نمو حركة التحرر العربية ونهوضها الجديد. ففي سنة 1967 بدأت الجماهير العربية تدرك كنه طبيعة الأنظمة البرجوازية التي استطاعت – ولمدة طويلة - تخدير الشعب العربي ببعض الإصلاحات الطفيفة وبالديماغوجية الثورية. فهزيمة 1967 كانت بالفعل صدمة بالنسبة للشعب العربي ، إلا أنها كانت إيجابية من حيث أنها كشفت عن الخط البرجوازي الصغير الذي كانت تسير على هداه تلك الأنظمة نتيجة انتماءاتها الطبقية. ولقد احتد هذا التناقض بين الشعب العربي وهذه الأنظمة خصوصا غذاة الهجمة الشديدة التي شنتها الطبقة الحاكمة في الأردن على الشعب الفلسطيني وعلى المقاومة الفلسطينية، هذه الهجمة التي ساعدت في تعميق الوعي العربي وإدراك الجماهير العربية أن النضال ضد الصهيونية لا يمكن أن ينتصر إلا إذا كان نضالا طبقيا ضد كل أعداء الشعب العربي وضد كل عائق لتحرره. كما لا يمكن أن نغفل ما كان لهزيمة 1967 من أثر بليغ على المقاومة الفلسطينية وحركة التحرر العربية وتجذرها. فها هي الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين تبرز على الساحة الفلسطينية متشبعة بالفكر الماركسي اللينيني لمرشد لنضالها الشاق. وفي اليمن الديموقراطية استطاع اليسار الماركسي اللينيني من جهته أن يصحح مسار الثورة هاته بعد يونيو 1969 ودفعها إلى الأمام ضمن آفاق الثورة الديموقراطية الوطنية وفي الخليج العربي جاء توحيد الجبهتين المناضلتين وتشبعها بالماركسية اللينينية خير رد حاسم على مخططات الامبريالية في المنطقة.
ج) – على الصعيد العالمي اشتدت الثورة العالمية في مواجهة الإمبريالية العالمية بدفع علم الثورة الأحمر عاليا. ففي الصين شكل قيام الثورة الثقافية انتصارا للخط البروليتاري الذي ينتهجه الحزب الشيوعي الصيني بقيادة الرفيق ماو تسي تونغ وذلك من أجل إعطاء نفس جديد للثورة البروليتارية الكبرى وكسر الهيمنة البيروقراطية والتحريفية التي يمكن أن تكبل مسيرتها. وفي الفيتنام خاصة والشعوب: الهند الصينية عامة جسدت انتصارات الشعوب هناك مدى قدرة الشعوب إن هي أخذت مصيرها بنفسها على دحر العدوان حتى وإن كانت تتزعمه أكبر دولة عدوانية في العالم. ولقد ساهم نضال هذه الشعوب بشكل كبير في رفع معنوية الشعوب المكافحة وإحرازها على النضال من أجل تحررها الشيء الذي زاد في توسيع معسكر الثورة سواء في إفريقيا – الموزمبيق، غينيا بساو – أو في أمريكا اللاتينية - بوليفيا، الأروكواي... كما أخذت التحريفية العالمية تعرف في هذه المرحلة بداية إفلاسها الشنيع أمام تزايد تواطؤها وخيانتها للثورة العالمية.
في ظل هذه الشروط الموضوعية أخذت الجماهير وضمنها الحركة الطلابية تستعيد نهوضها الجديد، فهكذا أخذت الطبقة العاملة تستعيد طاقاتها النضالية كما تجلى ذلك في نضالاتها الكبرى التي امتازت بطول النفس والروح الكفاحية العالية التي صاحبتها (إضراب مناجم خريبكة، مناجم جرادة، نضالات عمال النسيج والمطاحن ...) كما بدأ الفلاحون يدخلون في المعركة بنضالاتهم العفوية نتيجة اشتداد حملة النهب التي يتعرضون لها من طرف المعمرين الجدد، هكذا بدأ يأخذ شعار الأرض الصدارة لكل النضالات السلمية والعنيفة التي يقومون بها، ولقد تطورت نضالاتهم هذه إلى انتفاضات دموية عنيفة كانتفاضة بني ملال، سطات، تسلطانت وأولاد خليفة. ولقد سجلت نضالات الحركة الجماهيرية ظاهرة العنف الجماهيري الذي قابلت به العنف الرجعي. فلقد ضرب العمال في مناجم قطارة المثال في الصمود والتضحية لما هددوا بتهديم المنجم إذا لم تلب مطالبهم المشروعة، كما لم يتوان الفلاحون الفقراء في أولاد خليفة من سقي أراضيهم المغصوبة بدمائهم الجارية دفاعا عنها من جشع الإقطاعيين الجدد.
وفي هذا الظرف كذلك أخذت الشبيبة المدرسية (التلاميذ والطلبة) تسترجع قوتها بنهوضها الجديد الذي سجلته معارك 1970 نظرا لنمو الشروط الموضوعية داخلها. فكان نضالها في 1970 بشير حقيقي لنمو الحركة الجماهيرية، الشيء الذي سيؤكد صحته.
كما أخذت الحركة الطلابية تأخذ موقعا متقدما في النضال بحكم توفر ونمو الشروط الموضوعية والذاتية والتي كان من بينها توسيع قاعدتها من أبناء الجماهير الكادحة. فإلى حدود 1966 - 1967 كان الالتحاق بالجامعة حلما لا يتحقق إلا لأبناء الطبقات الميسورة، ولكن بعد سنة 1967 – 1968 خاصة أخذت أفواج هائلة من أبناء الجماهير تصل تدريجيا إلى الجامعة – هذه الأفواج التي أتيح لها أن تلج أبواب التعليم النصف المفتوحة غذاة الاستقلال الشكلي. والتي استطاعت أن تتخطى العراقيل المزروعة في طريقها الطويل، فشكل هذا التغيير تبدلا كميا وكيفيا داخل الحركة الطلابية التي أخذت تجذر مواقفها من المشاكل المطروحة على صعيد التعليم، فأصبح القطاع الطلابي تنعكس فيه بكل وضوح السياسة النخبوية للنظام المتعفن التي ترمي إلى تجهيل الشعب المغربي وحرمانه من حقه المشروع في التعليم. ولقد زاد انبثاق اليسار الماركسي اللينيني ونضاله السياسي والإيديولوجي داخل الحركة الطلابية من إدراك الجماهير الطلابية لذلك. ولقد برزت هذه التحولات داخل القطاع الطلابي خاصة في بداية المعارك المجيدة للشبيبة المدرسية في فبراير – مارس التي ستتوج بمؤامرة إيفران السيئة الذكر. كما سيزيدها نضال الحركة الطلابية في فترة ماي – يونيو أكثر وضوحا بفعل النضالات الهائلة التي صحبت هذه التحركات.
ثانيا: مرحلة النشأة:
أ – فمرحلة النشأة في النهوض بالحركة الطلابية الجديد لا يمكن لنا بأية حال من الأحوال أن نأخذها بمعزل عن تنامي الحركة الجماهيرية ولا يمكن لنا كذلك أن نأخذها مجردة عن تطور ونمو الشروط الموضوعية والذاتية الذي عرفها القطاع الطلابي. كما لا يمكن أن نعزل النهوض للحركة الطلابية الجديد عن نشوء التنظيم الماركسي اللينيني داخلها، إن التنظيم نفسه ليس قفزة معزولة عن الحركة الجماهيرية بل هو في نفس الوقت نتيجة ومنتج لهذه الحركة.
فتنظيمنا للقطاع الطلابي هو نتيجة لتصاعد هذه النضالات الجماهيرية التي سيكون لها بالتالي دور مهم في توسيعها وتعميقها. ففي الظروف الجديدة أخذت قاعدة الحركة الطلابية في تحول مستمر بفضل وصول الأفواج الهائلة من أبناء الجماهير الكادحة التي حملت معها كل المآسي التي يعاني منها الشعب المغربي، الشيء الذي ساعد على انتشار الفكر الثوري وجعل القطاع الطلابي نتيجة لذلك مركزا متقدما للصراع الإيديولوجي. فجنب النضالات الأولى للحركة الطلابية في نهوضها الجديد الذي لعبت فيه دورا مهما في مساندة جماهير التلاميذ التي ناضلت ضد السياسة النخبوية للحكم في ميدان التعليم، هذه النضالات التي توجت بمصيدة إيفران التي خسرت فيها الحركة الطلابية (المدرسة العليا للأساتذة) المنفذ الوحيد لجماهير التلاميذ الفقيرة نحو التعليم العالي، كما شكلت زيارة (لوبيز برافو) للمغرب للتآمر على الشعب الصحراوي وإضراب 4 ماي الذي قابلته به الحركة الطلابية يشكل هذا تحولا حاسما داخل الحركة الطلابية حيث تعدى الإضراب إطاره التقليدي من إضراب حول مشاكل التعليم إلى إضراب سياسي عام. فالانبثاق الحقيقي لليسار الماركسي اللينيني يرجع إلى هذه الفترة المجيدة التي عرفت حركة نضالية عالية في تاريخ الحركة الطلابية التي أخذت تطرح البديل ولو بشكل غامض للإصلاحية والتحريفية فكانت معارك التجنيد في ماي – يونيو هي أول المعارك التي خاضتها الحركة الطلابية في استقلال شبه تام عن الأحزاب الإصلاحية والتحريفية التي تخلت – كعادتها - عن المعركة وعن مناضلي الحركة الطلابية المعتقلين، فكانت بداية الصراع السياسي والإيديولوجي مع الإصلاحية والتحريفية الذي كان في معركة التجنيد تلك، أول مشهد من نوعه داخل القطاع الطلابي وعكس بالفعل نمو الحركة الطلابية الذي لم يكن إلا انعكاسا لنمو الصراع الطبقي على الساحة الوطنية.
ففي خضم هذه النضالات برز التنظيم وفي وسطها انبثق اليسار الماركسي اللينيني كقوة ثالثة في الميدان في وجه النظام والإصلاحية، فالجماهير الشعبية والحركة الطلابية خاصة لم تعرف اليسار الثوري إلا عند انبثاقه الصحيح في هذه النضالات وتصدره لها.
أما تنظيميا فإن تأسيسه جاء مباشرة بعد انفصال صيف 1970 (غشت)، إلا أن الجذور الحقيقية لهذا الانفصال تنحدر إلى مؤامرة إيفران التي سجلت غضب المناضلين داخل الحزب التحريفي على مواقف هذا الأخير، إلا أن هذا الغضب لم يبعد شكله الحسي في تلك الفترة ضد طغمة الأساتذة التحريفيين التي حاولت في إيفران وشاركت في تدبير المؤامرة. فبعد سنة 1967 – 1968، أخذ الفكر الماركسي اللينيني ينتشر داخل طلبة الحزب التحريفي وبعض مثقفيه نتيجة نمو الثورة العربية بعد 1967، وإنجاح الثورة الثقافية وباعتبار الحزب التحريفي آنذلك هو الممثل الرسمي للماركسية - اللينينية. وإذا قلنا الطلبة فإننا نعني الجزء المهم والدينامي من أعضاء هذا الحزب. إذ أن البقية من أعضائه ليس لها أي دور يذكر في الحركة الجماهيرية بعد سنة 1969 بدأت تشكل أنوية للماركسيين اللينينيين، هذه الأنوية التي كانت متحلقة حول (أنفاس). إلا أن البديل للحزب التحريفي لم ينضج لهؤلاء المناضلين إلا بعد معارك الشبيبة المدرسية في فبراير مارس 1970، حيث بدأت تظهر لهم أهمية هذا القطاع وخصوصا دور التلاميذ، ليس في حد ذاتهم ولكن لدورهم في الحركة الجماهيرية كمثقفين عضويين للحركة الجماهيرية الشيء الذي أبرزه نضال فبراير – مارس بشكل ملموس ومباشرة بعد مؤامرة إيفران، وكرد فعل على مواقف التحريفية هناك تشكلت حلقة من هؤلاء الماركسيين مستقلة عن توجيه الحزب التحريفي بين الطلبة ومثقفي مجلة (أنفاس)، وما نضال ماي – يونيو والدور الذي لعبه فيه طلبة التحرر والاشتراكية، إلا تنسيق لهؤلاء الرفاق خارج إطار حزب التحرر والاشتراكية الشيء الذي سيؤدي إلى الانفصال في غشت 1970، خصوصا بعد مواقف التحريفية المتناقضة من الدستور والكتلة الوطنية، وأخيرا من مشروع روجرز. وبعد الانفصال وتأسيس التنظيم ظلت فترة طويلة من الغموض داخل التنظيم لصعوبة طرح البديل الثوري، هذا البديل الذي لا يمكن أن يتضح دون الممارسة الثورية ولقد كان هذا الغموض على جميع الأصعدة: على مستوى الخط السياسي الذي كان في تلك الفترة مزيجا من العفوية والتجريبية بحيث لا يمكن أن نتكلم أساسا على الخط السياسي في غياب تام له. وكتنظيم انبثق أساسا من الحركة الطلابية فقد كان بورجوازيا صغيرا يحمل رواسب عميقة للممارسات التحريفية والإصلاحية ويحمل معه جميع الممارسات البورجوازية الصغيرة للحركة الطلابية.
وفي غياب وضوح في الخط السياسي، فقد كانت ممارستنا التنظيمية تحمل معها بذور اللامركزية التنظيمية التي جاءت كرد على المركزية المفرطة التي كانت سائدة داخل الحزب التحريفي التي تحصر التنظيم في جماعة من الزعماء البرجوازيين الصغار، وزاد من غموض الرؤية التنظيمية ضآلة الأجهزة حيث لم يكن هناك إلى حدود المؤتمر 14، إلا خلية واحدة داخل كلية الآداب كل مهماتها تنحصر في إتمام الانسحاب من داخل الحزب التحريفي. أما بعد المؤتمر 14، فقد تم إقرار صيغة تنظيمية جديدة عبرت فيما بعد عن فشلها، مجلس التنسيق الذي كان هو قيادة القطاع الطلابي والذي كان يعاني من ضعف سياسي وإيديولوجي لكونه لم يكن قيادة التوجيه بل تنسيقا بين مختلف الخلايا، وزيادة على ذلك كان وجوده شكليا تماما في الوقت الذي كان هناك مجلس للأطر هو الذي يقوم فعليا بقيادة التنظيم في القطاع الطلابي. ولقد كان لتداخل هذه الأطر دور كبير في تفشي الليبرالية الخطيرة داخل التنظيم ولغياب الخط السياسي في هذه المرحلة، كان طبيعيا إبدال إطار بآخر دون أن تحل المشاكل المطروحة على الصعيد التنظيمي ولقد كان التنظيم ككل يعاني من فراغ سياسي وإيديولوجي هائل بحكم انتماء جل أعضائه إلى الحزب التحريفي الذي كان يضرب حصارا كثيفا على الماركسية اللينينية.
ومنذ انبثاقنا داخل القطاع الطلابي، حددنا شعارات لتجاوز هذا القطاع البرجوازي الصغير والتحام القطاع بالقطاعات الجماهيرية الأخرى كالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء خصوصا لما أخذت نضالات هؤلاء القطاعات تتصدر الأحداث (إضراب خريبكة، أولاد خليفة ..) إلا أن ذلك ظل مجرد شعارات نظرا لانعدام الخطة والتوجيه ونظرا للعفوية والتجريبية التي كانت إلى تلك الفترة راسخة في كيان تنظيمنا.
ب – يمكن لنا أن نقرن الظهور التاريخي لليسار الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية بانعقاد المؤتمر 14 في دجنبر 1970 يناير 1971، إلا أن هذا الأخير، لم يشكل مرحلة فاصلة في تاريخ الحركة الطلابية، فمن جهة لم يكن لنا خط سياسي نسير على هداه داخل الحركة الطلابية الشيء الذي سيدفعنا إلى المؤتمر والحركة الطلابية شبه جاهلة بأهدافنا وخطتنا، فجل مندوبينا في هذا المؤتمر حشروا في لائحة اليسار الماركسي اللينيني بل الأكثر من ذلك هو أن جلهم انتقلوا آليا بحكم الصداقة التي كانت تربطهم مع رفاق لنا من صفوف الحزب التحريفي إلى صفوف الحركة الماركسية اللينينية. فرغم النجاح الذي لاقيناه في الانتخابات، كان من البديهي أن نتقدم في ظل هذه الوضعية إلى المؤتمر والغموض يكتنفنا حول الحركة الطلابية ودورها في غياب خط سياسي وبرنامج نضالي عام. حيث اكتفينا داخل المؤتمر برفع صيغ عامة لتجاوز الإصلاحية والتحريفية والتعرية عن ممارستها خلال تاريخها الطويل. ولقد تم - داخل المؤتمر - الالتقاء مع رفاق (ب) في إطار (الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين) هذا الالتقاء الذي كان في تلك الفترة مجرد تحالف انتخابي لمواجهة الاصلاحية وذلك لغياب الوضوح التام في مشكل الجبهة. إلا أن الايجابية التي سجلها المؤتمر 14 هو الانسحاب الجماعي لليسار، هذا الانسحاب الذي كان منطقيا تماما للظروف الموضوعية المحيطة به.
ولقد شكل المؤتمر 14 بداية الصراع الإيديولوجي والسياسي مع الإصلاحية بشكل واسع، فبعده مباشرة طرحنا على الجماهير الطلابية أفكارنا الجديدة والعوامل التي دفعتنا إلى الانسحاب من المؤتمر. فكان مؤتمرنا الفعلي هو أن الحركة الطلابية بدأت تدرك – بحكم عملنا ودعايتنا داخلها- عمق تحاليلنا ومواقفنا.
ولقد كانت معركة التضامن مع التلاميذ التي تلت المؤتمر مباشرة مهمة في هذا الصدد لطرح البديل الثوري وإعطاء الخلفيات السياسية والإيديولوجية لمواقف الإصلاحية والتحريفية: وساهمت دعايتنا المكثفة هذه بقسط كبير على إظهار الفكر الثوري ومدى دوره في القضاء على سيطرة التحريفية من الحركة الطلابية إيديولوجيا وتنظيميا.
فيما يخص معركة التضامن مع التلاميذ (يناير – فبراير). لم تكن آنذاك لنفوذها في فترة الضعف والغموض - هذه المرحلة لا يمكن لنا أن نغفل فيها كذلك الدور الذي لعبته هذه النضالات في هذه المرحلة حيث الجماهير الطلابية بدأت تدين الإصلاحية والتحريفية. فهذه المرحلة (الفترة) تبقى لها – رغم سلبياتها المتعددة - عدة جوانب إيجابية خصوصا بالنسبة للمراحل التالية.
ج – في هذه المرحلة طرح مشكل الجبهة بين التنظيمين الشيء الذي أدى إلى ظهور موقفين متباينين منه: موقف رفاق (ب) الذي كان يرى أن الجبهة مجرد حلقات للعاطفين على التنظيم، وبالتالي هي حلقات يتحكم فيها التنظيمان ومخصصة للاستقطاب الشيء الذي يحيل مناضلي الجبهة في ظل هذا التوجيه إلى مجرد مطبقي القرارات دون أن يكون لهم أي دور فعال في بلورتها وصياغتها، وبالتالي فإن هذا الفهم الخاطئ للجبهة يقضي على مبادرات المناضلين لقد كان مفهوما نخبويا مجحفا، وهذا ما طبع ممارسة (ب) داخل القطاع الطلابي حيث كانوا يتهربون من النقاش داخل الجبهة لمشاكل يطرحها المناضلون عن حسن نية بدعوى أنها ليست من اختصاص الجبهة. كما يظهر ذلك جليا في كون جل المؤسسات التي كانوا يعملون فيها لم تناقش ولم تساهم في مسائل مصيرية في حياة الحركة الطلابية كما سيحدث فيما بعد بالنسبة للمؤتمر 15.
موقفنا من الجبهة كان يرى أنها تيار جماهيري للحركة الطلابية، فلجانها يجب أن تكون جماهيرية وديموقراطية، بحيث تبنى قياداتها على أساس انتخابي، فكما أن موقف (ب) نخبوي فإن موقفنا طبعته العفوية في أجلى مظاهرها رغم أنه كان يهدف أساسا إلى تطوير المناضلين وفتح باب المبادرة في وجههم، وتربيتهم على الروح الديموقراطية. فإنه كان يغفل الدور القيادي للتنظيم حيث ترك اللجان التي كانت تعاني من فراغ سياسي وإيديولوجي هائل لتقود الجبهة، الشيء الذي أسقطها في النقابية الضيقة. أما المفهوم الإنتخابي الذي كنا نطرحه كشرط لبناء الجبهة فإنه كان يضرب سرية تنظيم الجبهة من الأساس. والخلاصة هو أن كلا الموقفين يعبران عن الخط السياسي الذي كان يفهمه كلا التنظيمين.
ولم يجد مشكل الجبهة الحل الصحيح في هذه المرحلة لعدة أسباب، من أهمها المهام العاجلة التنظيمية التي كانت مطروحة على الحركة الماركسية اللينينية التي كانت تتمثل في الاستعداد إلى انتخاب التعاضديات من جهة والمهام السياسية والإيديولوجية التي كانت مطروحة آنذاك: ظهور جريدة المناضل الموحدة والملصقات.
د – وعقدت في هذه المرحلة كذلك ندوة بين التنظيمين حول مشكل الجهاز. وفي هذا المشكل كذلك ظهرت عدة آراء متباينة، حيث جاء رفاق (ب) بثلاثة مواقف مختلفة:
1 – موقف عدم الاستيلاء على الجهاز: وذلك لفقدان اليسار الماركسي اللينيني لسند جماهيري على الصعيد الوطني مما سيسهل على الحكم قمع اليسار بسهولة وتصفيته، لذا فالموقف الصحيح هو عدم الاستيلاء والتجذر داخل الطبقة العاملة والفلاحين دون إهمال القطاع العمالي؛
2 – موقف الاستيلاء على الجهاز: وذلك لكون اليسار أخذ يشكل قوة بارزة داخل الحركة الطلابية لذا فإن استيلائنا على هذا الجهاز ما هو إلا إعطاء الشرعية لهذا الوضع. أما الحكم فبإمكانه أن يقمعنا سواء كنا في قيادة المنظمة أو قاعدتها، أما عملنا داخل الجماهير الشعبية فهو بدوره رهين بعملنا داخل الحركة الطلابية.
3 – موقف الإستيلاء على الجهاز بأقلية وذلك لمراقبة تحركات الإصلاحية.
أما موقف تنظيمنا فكان يرى الاستيلاء على الجهاز، هذا الموقف الذي تبلور في ندوة لتنظيمنا في القطاع الطلابي التي عقدت لتحديد دور الحركة الطلابية كمفجر للتناقضات بين الحكم والجماهير الشعبية على صعيد مشكل التعليم. فمن هذه الزاوية يصبح الجهاز مهما ليس في حد ذاته بل من أجل إزالة كل العوائق التي تمنعها من القيام بهذا الدور المطلوب خصوصا وأن القيادة المسيطرة عليه كانت تستعمل الجهاز كورقة ضغط في كل حوارها مع الحكم العميل لضرب نضالات الجماهير الطلابية.
ولقد طبع آخر السنة أساسا –في غياب وانعدام الممارسة النضالية بعد المعركة- باشتداد الصراع الإيديولوجي والسياسي بين الإصلاحية واليسار الثوري حيث ظهرت الملصقات والمناقشات الجماعية كشكل جديد وأسلوب يومي متواصل ساعد من جديد على فضح الفكر البرجوازي الصغير وطرح البديل الثوري الشيء الذي سيكون له أثر كبير في المراحل التالية. فنهاية السنة كان يغلب عليها الطابع الدعائي والتحريضي إذا استثنينا منها نضال الانتخابات في آخر السنة في كلية الآداب والمقاطعة الناجحة في كل من كليتي العلوم والحقوق.
هكذا انتهت هذه المرحلة من تاريخ الحركة الطلابية في نهوضها الجديد واليسار يرسي قواعده داخلها رغم غياب الخط السياسي السديد وتبقى هذه المرحلة –رغم سلبياتها المتعددة- ذات دور كبير على مستقبل الحركة الطلابية، حيث ساعدت بشكل مهم على انتشار الفكر الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية الشيء الذي سيؤدي بدوره إلى لفظ الإصلاحية شيئا فشيئا عن الحركة الطلابية فكانت هذه المرحلة بمثابة بناء بعض الأسس للتبلور والانطلاقة التي ستعرفها الحركة الطلابية في المرحلة الثانية.
ثالثا: مرحلة التبلور والانطلاقة:
لقد ساهمت المرحلة اللاحقة من تاريخ الحركة الطلابية بشكل كبير على بلورة الفكر الثوري داخل القطاع الطلابي ووضع بعض الأسس التي ستنهض عليها الحركة الطلابية. فالتبلور يعني تبلور الخط السياسي الذي أخذ يتكامل خصوصا بعد هزة 15 يوليوز 1971. والانطلاقة تعني انطلاقة الحركة الجماهيرية وضمنها الحركة الطلابية، فالتبلور والانطلاقة هما نفس المفهوم بحكم الجدلية التي تربط بينهما.
أ – لقد تميزت هذه المرحلة بالأزمة الخانقة التي وصل إليها النظام خصوصا بعد محاولة 10 يوليوز الانقلابية التي أظهرت عمق التناقضات التي تنخر النظام والتي اتخذت في الصخيرات شكل انفجار دموي عنيف. فحتى تلك اللحظة كان الجيش بالنسبة للنظام هو المؤسسة القمعية الرئيسية التي يستند عليها. وهكذا وجد النظام نفسه بعد الصخيرات يفتقد هذه المؤسسة، ركيزته الأساسية وعموده الفقري. لقد خرج الحكم من أحداث الصخيرات مفكك القوى وهو في أشد الحاجة إلى مساندة سياسية قوية لاستعادة بناء وتنظيم جهازه القمعي، واسترجاع أنفاسه. فدخل الحكم الرجعي في مناورات سياسية مع القوى الإصلاحية المجتمعة في إطار الكتلة الوطنية هذه القوى التي كانت تنتظر مثل هذه الفرص للاستفادة من أزمة الحكم بسبب عزلتها عن الحركة الجماهيرية، وفشلها تاريخيا، بطبيعتها البورجوازية الصغيرة، في تجاوز أزمتها وتبنيها لاستراتيجية الانتظار والمساومة في وقت كانت فيه طبقتنا العاملة تخوض أكبر نضالاتها النقابية بعد الاستقلال الشكلي، تلك النضالات التي انطلقت متجاوزة قيود البيروقراطية النقابية، وضاربة عرض الحائط الحملة الديماغوجية التي بدأها الحكم مباشرة بعد الصخيرات لتجميد الحركة الجماهيرية، كما تجندت حركة الشبيبة للنضال في أعنف معاركها منذ مارس 1965 مما عمق أزمة الحكم وتشكل إدانة صارمة لمساومات الاصلاحية. فكان من واجب الحركة الماركسية اللينينية خوض النضال الجماهيري لإفشال مخططات الحكم للالتقاء مع القوى البرجوازية والدفع بحركة الجماهير في طريق النضال من أجل تعميق أزمة الحكم وعزله.
ونظرا لبنية البرجوازية الصغيرة وارتكازها أساسا على الطلبة والمثقفين، وفي ظروف تنامي الحركة الجماهيرية الجديد والوضع السياسي العام، وجد التنظيم نفسه في طريق مسدود له. فجاء انعقاد الندوة الوطنية في بداية يناير لترسى الأسس السياسية والتنظيمية لمرحلة جديدة، ورغم السلبيات العديدة التي فاجأت اللجنة الوطنية، فقد شكلت قفزة هامة نحو تنظيم ثوري وسجلت اندحار المفاهيم الاصلاحية وتوطيد الخط الجماهيري وانبثاق مثقفين بروليتاريين الشيء الذي شكل بداية التحول الطبقي داخل التنظيم. كما سجلت هذه الندوة خطوة مهمة في درب التوحيد بين اليسار الثوري الشيء الذي سيكون له دور حاسم في الفترة المقبلة.
وفي ظل الشروط الجديدة أخذ تنظيمنا داخل القطاع الطلابي يتهيكل طبقا للتوجيهات الجديدة للندوة الوطنية حيث فرضت قيادة القطاع الطلابي الذي أصبح مباشرة تابعا لقيادة التنظيم عوض الناحية التي كانت تعاني من صعوبات كثيرة، فتم ضرب كل الهياكل السابقة الشكلية مثل مجلس التنسيق ومجلس الأطر –كما تم تطعيم التنظيم– خصوصا داخل المعركة التي سنخوض غمارها –بمناضلين جدد أثبتوا نضاليتهم في المرحلة الأولى في النشوء الجديد للحركة الطلابية، هذه الدماء الجديدة التي سيكون لها دور مهم في بناء النضال المرير الذي ستشهده الساحة الطلابية.
كما تم بناء الجبهة على أسس صلبة أكثر من السابق خصوصا بعد حل الخلاف الذي كان داخل اليسار حولها فأصبحت بالفعل تنظيما شبه جماهيري تحت قيادة وتأطير اليسار. ولقد ساعد وضوح الخط السياسي كثيرا على ذلك. نتج عن كل هذا تطوير الجبهة والمناضلين حيث تم توسيعها ووصلت في ظروف المعركة الجديدة مرحلة عالية من ديناميتها وتطورها نتيجة تطور العمل الدعائي المكثف في كل المعاهد والكليات الرئيسية. هذه هي الشروط التي مهدت للانطلاقة الجماهيرية في القطاع الطلابي، زيادة على شروط أخرى ساهم الحكم بنصيب وافر فيها نذكر من بينها النظام الجديد للبكالوريا الذي أثار سخط جماهير التلاميذ حيث لمسوا فيه بجلاء الأعباء السياسية التي يرمي إليها إقرار تعليم نخبوي محض بالحكم على مئات التلاميذ بالطرد المقنن. فانطلقت النضالات الأولى من مرحلة أكتوبر – يناير والتي شهدت نضالات محدودة على شكل 48 ساعة متتابعة تفاديا للخطأ الجسيم الذي أسقطتنا فيه الاصلاحية في المعركة السابقة ولقد استفاد التنظيم من هذه النضالات المحدودة لبناء الجبهة وتطويرها استعدادا للمعركة الكبرى، كما عرف التنظيم نفسه بناء متقدما داخل هذه المعارك حيث كان بالفعل طليعة وقائدا لها.
ب – ومع انطلاق الحركة الجماهيرية عرف تنظيمنا بداية القمع المسلط عليه منذ نهاية يناير وذلك نتيجة للنضال السياسي والإيديولوجي الذي بدأ التنظيم يباشره علنا منذ نشأته، الشيء الذي جعل مجموعة من الرفاق معرضين لهذا القمع نظرا لمساهمتهم الواسعة فيه.
رغم أن حملة القمع هذه استطاعت أن تؤثر على التنظيم فإنها لم تستطع أن تشل المعركة الكبرى، معركة فبراير – مارس المجيدة بل كانت من الدوافع التي زادت من تأجيجها، وكعادتها سارعت الاصلاحية إلى لعب دورها التقليدي، دور رجل الإطفاء الذي يطفئ النضالات الملتهبة. لكن رغم محاولتها المتواصلة، فإنها لم تستطع إجهاض المعركة. فشعارنا السياسي الذي رفعناه في تلك المرحلة والنضال الذي رافقه استطاع أن يضرب كل هذه المحاولات من الأساس حيث شكلت هذه النضالات الخطوة الأولى في ضرب الحوار الذي كان آنذاك جاريا بين الحكم والأحزاب الاصلاحية.
ولقد تشكل تبني القاعدة الطلابية للشعار السياسي هذا أول ضربة للإصلاحية التي تقلصت من المعركة مما شكل بالنسبة لنا انتصارا جديدا للخط السياسي الذي بدأ يتبلور في هذه المرحلة. فلقد استطاع شعارنا السياسي هذا أن يضرب الشعار النقابي التي حاولت القيادة الاصلاحية للمنظمة الطلابية فرضه على القاعدة الطلابية بمناورتها المعهودة، الشيء الذي يؤكد بالفعل أن اليسار الماركسي اللينيني كان هو القيادة السياسية للحركة الطلابية. ولقد تعددت محاولات الإصلاحية لإجهاض المعركة خصوصا بعد فشل الحوار مع الحكم وبعد معركة الدستور التي ساهمت الحركة الطلابية بنصيب وافر في إفشاله. إلا أنها كسابقاتها باءت بالفشل.
ج – ونظرا للأهمية التي اكتسبتها هذه المعركة البطولية في تاريخ الحركة الطلابية، ونظرا للأساليب الجديدة التي ابتكرتها الحركة الطلابية مع مظاهرات كبيرة وأساليب دعائية جديدة، فإن هذه المعركة تستلزم منا أكثر من وقفة نقدية لاستخلاص أهم دروسها. فلقد أثبتت هذه المعركة النضالية بشكل واضح صحة الدور الذي كنا – وما زلنا - نسنده للحركة الطلابية في مسيرة الحركة الطلابية الجماهيرية، فالحركة الطلابية في تلك المرحلة لعبت بالفعل دور المفجر للتناقضات بين الحكم والجماهير على صعيد مشكل التعليم باعتباره إحدى واجهات التناقض الأساسي بين الحكم والجماهير وبارتباط وثيق مع حركة التلاميذ البطولية، وهذا لا يعني أن الحركة الطلابية ستقوم بدور الجماهير في تحطيم النظام، فهذه مهمة القوى الجذرية في المجتمع المؤهلة تاريخيا للقيام بهذا الدور (العمال والفلاحون الفقراء). إلا أن الحركة الطلابية في ظل غياب الحزب الثوري الذي سيقود الجماهير في إنجاز تلك المهمة، تشكل فئة طليعية من حركة الجماهير بجانب حركة التلاميذ وإفراز مناضلين ثوريين سيؤدون مهمتهم بجانب الجماهير الشعبية في بلورة الحزب الثوري قائد الثورة. ويتجلى هذا بشكل واضح في كون الحركة الطلابية قد تمكنت – في معركتها هذه - وعبر التحامها بحركة التلاميذ من تعميق أزمة الحكم وإحباط مخططه الرامي إلى ضم القوى السياسية البرجوازية إليه للخروج من أزمته كما أنها تمكنت بنضالها المجيد من إيصال وعيها بالوضع السياسي إلى جزء من الجماهير الشعبية، هكذا – أيضا - فإن رفع الشعار السياسي في المعركة يساعد على ضرب الخط النقابي الضيق الذي كانت تتشبت به الاصلاحية، حيث عجزت عن فرض شعاراتها الاصلاحية النقابية، بعد أن عجزت عن اجهاضها هادفة من وراء ذلك إلى استعمال الحركة الطلابية كورقة ضغط في الحوار الذي كان يجري آنذاك، وقد أثبتت المعركة بشكل قاطع أن النضال السياسي هو أمر حاسم بالنسبة للنضال النقابي نفسه، لأن تعزيز مركز النقابة في مواجهة مخططات الحكم التصفوية سيقوي مركزها في أي نضال مطلبي ويعطيها حماية الجماهير الطلابية. وهذا ما كان يخدمه شعارنا أيضا. إلا أن النضال السياسي يجب أن يرتبط بعمل كثيف وواسع من أجل تسييس الجماهير الطلابية، تلك المهمة التي طرحناها ولم نستطع أن نخلق الأشكال المتطورة التي تضمن تسييسا أوسع للقواعد الطلابية، وذلك باستغلال كل الإمكانيات الموجودة وخلق أشكال أخرى مثل (الندوات، الحلقات، أجهزة المنظمة الطلابية).
هناك دروس أخرى تتعلق بأشكال النضال التي بلورتها المعركة السابقة، وهنا كذلك يجب تسجيل عدم قدرة استيعاب كل الطاقات النضالية للحركة الطلابية. فلقد تم تطوير المظاهرات بشكل جماهيري ولكن ظل ينقصنا التأطير والتنظيم وذلك رغم إحداثنا للجان الصدام ولجان الأخبار ولجن القيادة. فكانت مبادرة الجماهير تتجاوزنا. ولم نستطع أن ننظم العنف الذي واجهت به الجماهير الطلابية عنف قوات القمع ولا أن نكون طليعته فكانت هناك محاولة لتنظيم هذا العنف إلا أنها كانت فاشلة لعزلتها عن التنظيم ولانعدام توجيه محكم في هذا المشكل. كما يجب أن نسجل كذلك عدم إمكانياتنا تحقيق بعض الشعارات التي رفعناها منذ نشأتنا داخل الحركة الطلابية من أجل ضمان التعبئة الدائمة للحركة الطلابية. فشعار الجامعة الموازية لم نستطع – ولو لفترة قصيرة - إنجازه خلال هذه المعركة، الشيء الذي ساعد على تسرب اليأس والسأم للطلبة بل وحتى لبعض المناضلين.
د – وفي الأخير استطاعت الإصلاحية أن تجهض المعركة مستغلة تنازلات الحكم عن بعض المطالب التي رفعناها كإطلاق سراح المعتقلين من طلبة وتلاميذ والاعتراف باستقلال الجامعة، وحق الوداديات للتلاميذ، الشيء الذي أعطى نفسا جديدا للإصلاحية وساعدها على إجهاض المعركة بعقدها للتجمعات على صعيد كل كلية. ومباشرة بعد المعركة مع النظام، خضنا معركتنا الثانية مع الاصلاحية التي وصلت في هذه اللحظة إلى قمة إفلاسها نتيجة خيانتها –من جهة- ونتيجة التحول الموضوعي والذاتي للحركة الطلابية بين المؤتمر 14 وبداية المؤتمر 15 حيث بدأت قاعدتها تشكل أساسا من ضحايا الاصلاحية ومؤتمراتها العديدة بوصول أفواج عديدة من التلاميذ ضحايا معركة إيفران إلى الجامعة، تسرعنا في خوض الانتخابات على صعيد الكليات (انتخابات التعاضديات) حيث شكلت انتخابات تعاضدية الحقوق نجاحا باهرا لممارستنا داخل الحركة الطلابية الشيء الذي شكل مقدمة لانتخابات المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
عرفت هذه الفترة بشكل أساسي انتصارا عظيما لليسار الثوري ببلادنا، فقد سجل المؤتمر 15 انتصارا للخط الثوري داخل الحركة الطلابية واندحار الخط الإصلاحي في قيادة منظمة أ.و.ط.م هذا الانتصار تتويج لسنتين من النضال المستميت لمناضلي اليسار الماركسي اللينيني داخل القطاع الطلابي. ولقد كانت التعبئة طوال أيام الانتخابات مهمة جدا عبرت عن اليقظة والحماس الذي يتشبع بهم مناضلو اليسار الثوري. فبهذا الانتصار استجابت الحركة الطلابية لشعارها الخالد التي كانت ترفعه في كل مناسبة ضد الاصلاحية: "لا إصلاح لا رجعية قيادة ثورية". وفي فترة الاستعداد للمؤتمر أي في فترة صياغة القرارات والبيانات السياسية للمؤتمر لم يكن هناك أي توجيه معكم يذكر من طرف التنظيم الذي انكمش على نفسه في صيف 72 نتيجة القمع الشديد الذي وجه إليه في فترة ماي – يونيو. فكان الاعتماد في هذه المهام على مبادرات بعض الرفاق في ظل انعدام التوجيه السياسي المحكم للتنظيم.
هـ - تبقى الخلاصة واضحة في هذه الفترة من تاريخ الحركة الطلابية. لقد تمكنت الحركة الطلابية من أن تلعب دورها السياسي العام وأن تكون بالفعل المفجر للتناقضات بين الحكم والجماهير، إلا أن هذا التفجر لا نشترطه في الحركة الطلابية وحدها، بل يربطها بحركة التلاميذ وباقي الحركة الجماهيرية (مظاهرات المدن الصغيرة والكبيرة في نضالات 1972). أما فيما يخص شن النضال السياسي ضد النظام فلقد استطاعت الحركة الطلابية كذلك أن تثبته خصوصا في المرحلة التي كانت تتميز باللقاء السافر بين الحكم والإصلاحية. ولم يستطع القمع إلا أن يعمق نضال الحركة الطلابية ويوسعه.
أما فيما يخص عملنا التنظيمي داخل القطاع الطلابي، فإن الفترة سجلت تكثيف العمل التحريضي والدعائي، إلا أنه لم يكن هناك الطرف الجدلي للمسألة ونعني به التنظيم. فلقد ساعد القمع المسلط على هذه الوضعية زيادة على عدم التوجيه المحكم الذي كان يعاني منه اليسار. فرغم أن المعركة قد أفرزت مناضلين مخلصين في هذه الفترة، لم نستفد تنظيميا منهم، باستيعابهم وهذا ما يشكل إحدى مظاهر الضعف الأساسية لازمة تنظيمنا في المرحلة المقبلة.