هل ستصوت اسرائيل لجمال مبارك ؟
جمال محمد تقي
2010 / 1 / 16 - 19:42
2011 ستنتهي ولاية حسني مبارك الخامسة بعد ان استمر بالحكم 30 سنة متتالية ، وستنعقد ساعتها انتخابات رئاسية جديدة فصلت شروطها لتكون ملائمة للتجديد له او لانتخاب ابنه جمال مبارك الذي يتقدم الصفوف الاولى في الحزب الوطني ، حزب الاغلبية ، وحزب السلطة ، وحزب السيد الوالد ، حزب رجال المال ولاعمال والطبقة العليا من بيروقراطيي الدولة ـ التابعة والمشوهة ـ وقواتها المسلحة واجهزتها الامنية المتصاهرة مع سوق الاستثمار الخدمي والريعي والتجاري والبنكي المنفلت والذي يدار من قطط سمان مهجنة ومولدة من ماكنة التفريخ الطفيلي المتواكل على آليات التبعية غير المقيدة والمفتوحة على مصراعيها لمصالح الاحتكارات متعددة الجنسيات والمتخادمة مع المصالح الاسرائيلية ليس في مصر وحدها وانما في المنطقة كلها !
النظام المصري وضع مختارا كل اوراقه بيد الامريكان وبالتالي الاسرائليين ، واذا كانت 99 بالمئة من اوراق الصراع والبقاء بيد امريكا كما اعتقد السادات فان نظام مبارك يؤمن ويمارس على ان الاوراق كلها اي 100 بالمئة بيد امريكا مضافا لها اسرائيل !
نظام مبارك يعتقد ان مجرد استمرار بقاءه في السلطة هو بحد ذاته انجاز قومي ووطني بمعزل عن النتائج الكارثية التي يسببها استمراره بنهجه الذي يشكل حالة تراجع شاملة لمصر ومحيطها العربي وعلى كافة الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية !
صحافة النظام تصور مصر وكأنها تعيش عصرها الذهبي ، في حين ان كل الدلائل تشير الى عصر الانحطاط !
مصر فريسة الانفتاح المنبطح ، فريسة بيع السيادة والقرار المستقل ، فريسة الخصخصة الطفيلية ، والاستثمارات الشافطة لبركة دورة التنمية المنتجة في الاقتصاد المصري ، ولا ادل على ذلك سوى شهادات حسن السلوك والاصغاء التي تبروز تزايد مظاهر الشحة والقحط والجوع والبطالة والفساد الذي يضرب باطنابه اكثر من 80 بالمئة من الشعب المصري ، والتي تصدرها بحق سياسات اصحاب الحكم في مصر منظمات صندوق النقد الدولي والتجارة العالمية والبنك الدولي ، هذا الثلاثي الذي يشكل الذراع الطولى والتحتية لضمان مصالح الكبار في العالم ، والذي يهندس للبلدان التابعة والتائهة طرق تعبيد وتأبيد تبعيتها للراسمال الغربي وحريته في الزام اقتصاديات هذه الدول بما يمليه عليها من تقسيم للعمل ـ بلدان مستهلكة لا تنتج غير الخامات بما فيها الخامات البشرية ، ومحرم عليها الاستثمار بالزراعة النوعية او الصناعات الحيوية والاستراتيجية ـ نراه فاعلا في مصر وغيرها من البلدان الفاشلة عكس البلدان النامية التي لم تسلم مقدراتها لا سياسيا ولا اقتصاديا الى القوى المهيمنة عالميا ، وتبلورت من هذه النتيجة معادلة قياسية تقول انه كلما ابتعد الثلاثي الموبوء هذا عن دولة ما كلما استطاعت هذه الدولة من تحقيق نمو حقيقي وتطور اقتصادي وسياسي موازي ، والهند خير مثال ، فالراسمالية الوطنية رسخت تقاليدها الاقتصادية والسياسية وركزت على الصناعات الحيوية وعلى التحول من الاستهلاك السلبي الى الانتاج الحيوي زراعيا وصناعيا ، وبقي فيها دور القطاع العام ضامنا وموازنا لتعملق القطاع الخاص المحلي او الاجنبي او المختلط !
مصر ضيعت الطريقين ، ففي العقود الاربعة الاخيرة وتحديدا منذ الانفتاح الساداتي وما تبعه من رهن للاقتصاد المصري بيد الثلاثي الموبوء واعتمادها على الاستهلاك الريعي بدلا من الانتاج الحيوي ، تكرست آليات التشوه والتخبط والتبعية ، فلا القطاع العام فيها تطور ولا الخاص ايضا ، القطاع العام اضطهد وحول الى عبأ تسعى السلطة الطفيلية للتخلص منه ، اما الخاص ففي اغلبه خدمي وريعي وتجاري مرتبط بتوكيلات متعددة الجنسية !
ليست هناك حروب خارجية تكلف الخزينة ، وليس هناك مساعدات تقدمها لافريقيا كما كانت تفعل ايام عبد الناصر ، بل هناك ريع اضافي من النفط والغاز ، وهناك مساعدة امريكية تقدر بحوالي 2 مليار سنويا ، كل هذا ومصر تعاني اضعاف ما كانت تعانيه بل انها تقف على حافة الانهيار ، علما ان الزيادة السكانية فيها هي زيادة طبيعية وهي اقل بكثير من نسبة الزيادة في الهند !
السبب في كل هذا يعود للنهج التبعي للدولة الذي افتتحه السادات وسار عليه بترف نظام حسني مبارك،
وما زاد الطين بلة هو ترافق هذا التراجع الاقتصادي مع فقدان السيادة على القرار المصري المستقل ، فبدلا من ان تكون اتفاقية السلام مع اسرائيل سدا لباب واسعة كانت تاتي منها ريح ذات سموم تضاهي رياح الخماسين وتتفوق عليها نوعيا ، اصبحت هذه الاتفاقية وتبعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعنوية ادوات للاختراق والتسرب والتحكم بكامل نهج الدولة المصرية ، فمصر لا تستطيع ان تخطو خطوة واحدة مهمة دون ان تحسب الحساب لمصالح ومشاعر وردود افعال جارتها اللدودة اسرائيل ، لا تستطيع ان تزيد اعداد جنودها في سيناء ، لا تستطيع ان تطور قواتها المسلحة تطويرا نوعيا ، لا تستطيع الخوض بتجارب الاستخدام النووي للاغراض السلمية ، لا تستطيع ان تطبق ميثاق الجامعة العربية ، لا تستطيع ان تبيع النفط والغاز لاسرائيل بالاسعار الطبيعية ـ تبيعه لها باسعار تفضيلية ـ لا تستطيع التعامل بقساوة مع شبكات التجسس الاسرائيلية ، لا تستطيع ان تتعامل بحيادية مع خلايا المقاومة التي تكتشف على الارض المصرية ، لا تستطيع ان تكون اكثر من وسيط او مراسل بين الاسرائيليين من جهة والفلسطينيين من جهة اخرى ، لا تستطيع منع بيع اسماك بحيرة ناصر التي يفتقدها المصريين للاسرائيليين وباسعار تفضيلية ايضا ، لا تستطيع الامتناع عن التنسيق المخابراتي مع اسرائيل ، لا تستطيع دخول اي حلف استراتيجي مع اي دولة في المنطقة عدوة لاسرائيل ، لا تستطيع حماية منابع النيل من التغلغل الاسرائيلي ، لا تستطيع حماية نفسها من الاضرار الاشعاعية للانشطة النووية الاسرائيلية ، لا تستطيع التصرف بحدودها مع جارتها غزة وبسيادة حقيقية ، لا تستطيع رفض المقترح الامريكي الاسرائيلي لبناء الجدار الفولاذي على الحدود بين مصر وغزة ، ولا تستطيع غير ان تدعي بان بناء الجدار الفولاذي مع غزة هو قرار مصري ولمصلحة مصرية ، لانها لا تستطيع ان لا تعتبر المصلحة الاسرائيلية مصلحة مصرية !
هكذا هو حال مصر بعد توقيع اتفاقية الاستسلام مع اسرائيل ، وبعد ان سار على نهجها وبتمعن نظام حسني مبارك ولمدة تجاوزت الثلاثة عقود حيث فقدت خلالها مصر حصانتها الداخلية ناهيك عن الحصانة الخارجية ، وتناسبت خلالها نسب التعاشق بين النظامين ـ الاسرائيلي والمباركي ـ وعن بعد وقرب ، حتى ان نظام مبارك لعب دورا في اخراج اسرائيل من دائرة الحرج اثناء عدوانها على جنوب لبنان وحربها على غزة عندما حمل النظام المصري حزب الله وحماس مسؤولية ما جرى ويجري !
لا اعتقد بعد كل هذا ان لا يكون لاسرائيل تطلعات ما بصدد مسألة مهمة واستراتيجية في بلد كمصر يكون لشخص الرئيس فيها دور الحسم ، فهل يعقل مثلا ان تهتم المخابرات الاسرائيلية بمواصفات وزير خارجية مصر ولا تهتم بمواصفات الرئيس البديل لمبارك خاصة وانه في سن متقدمة من عمره ـ 81 سنة ـ ؟ وهل يعقل انها تخطط لتطويق مصر بحزام من الانشغالات الذاتية لاضعاف عمقها الاستراتيجي وقطع منابع قوتها ولا تهتم بماهية الرئيس المصري القادم ؟
انها مهتمة برؤساء صحف مصريين ومهتمة بخصال شيخ الازهر فكيف لا تهتم بالرئيس ؟ بل كيف تقف مكتوفة الايدي ازاء مجهولية البديل لاهم واخطر وظيفة في مصر كلها ؟ مصر اكبر الاقطار العربية ولها ثقل تاريخي وجغرافي وسياسي وثقافي ومعنوي يصعب تجاوزه ، مصر التي من اجل عزلها عن الصراع العربي الاسرائيلي تخلت اسرائيل عن احتفاضها بارض سيناء التي تفوق مساحة اسرائيل الحالية ، مصر بشعبها الذي يعتبر اسرائيل جسم غريب ، شعب اصيل ينبض لاي نداء ياتيه من بغداد الى تطوان !
اسرائيل تدرك كل هذا وتدرك ان رئيسا شعبيا يمتلك الشرعيتين الانتخابية والروحية بمعناها العروبي يكون قادرا على تغيير المعادلة غير العادلة المجسدة الان في العلاقات الاسرائيلية المصرية ، والمصرية العربية !
من كل الذي تقدم لا اعتقد ان من مصلحة اسرائيل تجريب رئيس اخر قد يفتح الباب لرؤساء اخرين بعده ربما يضمرون ما لا يحمد عقباه بالنسبة لها ، وعليه فان تجديد ولاية مبارك او اختيار ابنه جمال بديلا عنه هو الخيار الانسب لها لان شرعية الابن نابعة من سياسة ابيه وبما ان ابيه قد شرعن ما لاسرائيل في مصرالان ، فان الابن سيكون امينا عليها ، فهو نفسه امتدادا لهذه الشرعية التي اذا خرج عليها سقطت شرعيته المكفولة بالضمانات الاسرائيلية والامريكية !
شأن اسرائيل هو شأن اسرائيل ، لكن الشعب المصري المتذمر يبقى هو صاحب الشأن الاول والاخير !
هامش :
ورد قبل يومين على لسان مصطفى الفقي مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري وضمن حديث صحفي له نشرته جريد "المصري اليوم" نص مثير يقول فيه : لابد من موافقة امريكا وعدم اعتراض اسرائيل على رئيس مصر القادم ! !