المتقاعد المغربي.
لطفي الإدريسي
2010 / 1 / 11 - 23:01
جرد لواقـع المتقـاعد
بالمجتمع المغربي
لماذا تبدو صورة المتقاعد مغربيا كشخص انتهت مدة صلاحيته؟
لماذا تعيش هذه الشريحة المجتمعية على إيقاعات إنتاج ومعاودة إنتاج الأعطاب؟
لماذا لا يتقبل المجتمع فكرة التقاعد؟ ما الغاية من رفع سن التقاعد إلى 65 سنة؟
ماذا أعدت الدولة لهذه الفئة ؟
هذه الأسئلة وغيرها سنحاول من خلالها الإجابة هذه التساؤلات ؟
يتضح بجلاء ولا يختلف اثنان على أن وضعية المتقاعدين مغربيا لا تبعث على كثير من الارتياح وذلك يرجع بالأساس إلى وضعية ومكانة هذه الشريحة من الأفراد داخل الوسط الاجتماعي، العقل الجمعي والثقافي السائد يكرس هذه الدونية انطلاقا من الهشاشة وصولا إلى صعوبة جلب الاعتراف، فالمجتمع بدوره لا يرى في المتقاعد سوى ذلك الشخص المنتهية صلاحيته وقدرته على العطاء والخلق والإبداع. فهو يؤشر مغربيا في كثير من الأحايين على ماهو دوني ودائما يؤشر على اللاجدوى وعدم الفعالية.
ويبقى للسياسة الاجتماعية للدولة النصيب الأوفر في تكريس هكذا وضع، فالمشكل والظاهرة تحتمل رؤية شمولية فيتقاطع ما هو إداري مع ماهو ثقافي
واقتصادي وسياسي مع سجلات الاجتماعي، فإذا شفرنا أحد العلب السوداء لهذه المسألة نجد أن الزاوية الإدارية لنظام التقاعد تفيد وتكرس دائما إنتاج ومعاودة إنتاج نفس الأعطاب، فهكذا نظام رغم كل الإصلاحات التي خضع لها ولازال لم يصل بعد لما يتمناه المتقاعدون وهذا يلاحظ ويسجل من خلال البرامج الدولتية إذ يفتقر عدم اعتماد منطق التحفيز وهندسة الكفايات والموارد البشرية فليس هناك أدنى اهتمام بالفئة المذكورة، فجلهم يغادر في صمت، ولا يكافئون حتى على أزهى سنوات عمرهم التي قضوها وتفانوا في خدمة تلك الإدارة أو مصلحة أو الوزارة ، بل لا يتم حتى الاستفادة من خبرتهم المهنية، كي يستفيد منها الجيل الجديد الملتحق .
كما قلنا في السابق فالظاهرة تحتمل أكثر من مقاربة فليس فقط ما هو إداري هو السبب في تكريس أوضاع الهشاشة، بل فالبعد الاجتماعي بدوره حاضر بثقله حيث يحدث نوع من عدم القبول للدور والمكانة الجدد داخل الأسرة أو العائلة أو المجتمع بصفة عامة. فالأدوار والمكانة الاجتماعية يطالهما نوع من التغيير إذ يلزم نوع من الوقت لتقبل الوضع الجديد. وهذا الانتقال البنيوي من وضع العمل إلى وضع نهاية العمل فهو موت رمزي، وغالبا ما يؤدي إلى تصدعات داخل النسيج الأسري ويظهر هذا من خلال آليات تدبير اليومي ، هذا اليومي الاجتماعي الذي تعود على نمط معيشي متكرر بشكل دوري ويومي، يجد نفسه أمام وضع جديد، فكيف إذن يمكن تقبل واستصغاء فكرة التخلي عن الشغل بين عشية وضحاها؟ فالتحول لا يمر بردا وسلاما دون خسائر فحتى الزوجة التي لن تكن متعودة على تقاسم المجال والفضاء (أي البيت) تجد نفسها أمام هكذا وضع جديد وتكون مجبرة على تقاسمه.
من هنا قد تبدأ بعض مؤشرات عدم القبول الاجتماعي ويبدأ العد العكسي لتقديم التنازلات، والتبعية واختلال في مستوى الراسميل والسلط الرمزية. فالاعتراف والوجاهة في المجتمع المغربي تأتي كما نعرف عن طريق المكانة الاجتماعية أي العمل، ولاسيما إذا كان هذا العمل مع المخزن. فهو يؤشر إذن على الاعتراف والاحترام والقيمة داخل الوسط المجتمعي، وهذا الأخير عنوان النجاح والفلاح ، وهو من توكل له مهمة التحكم والقيادة وتحمل المسؤولية، كل هذه المكتسبات والإنجازات يتحصل عليها عن طريق المنصب. فكيف سيكون إذن الآل والمآل بعد إحالة الموظف أو العامل على المعاش؟
كخطوة ذكية قصد تضميد جراح هذه الفئة قامت الدولة المغربية برفع سن التقاعد على سن 65 سنة ، وهذه الخطوة أملتها الضرورة والتي يعكسها بجلاء وضع المغرب. كما أملتها أيضا التوقعات المفترضة للمغرب القادم، الأرقام والمعدلات الإحصائية التي تدلي بها الجهات " المندوبية السامية للتخطيط" تؤكد بجلاء أن معدلات الشيخوخة في ارتفاع دائم ومستمر، إضافة إلى كون المغرب يعرف
تطورات ديموغرافية وهذه سابقة يعيشها في تاريخه، إذ أصبح الهرم السكاني يتكون من فئة عريضة من المسنين، فالخطوة الذكية إذن تكمن في سد الفراغ الذي أحدثته المغادرة الطوعية في الخبرات والمؤهلات والمناصب، فالمجال الإداراتي مغربيا فقد موارد بشرية هامة . وقصد تلافي هذا العجز تم رفع سن التقاعد إلى 65 سنة عوض 60 سنة. إضافة إلى تماشي الجهاز الدولتي وخضوعه للبنك الدولي، فالحل يتمثل بالاستعانة بنفس الأطر والموظفين، ويجب فهم رفع سن التقاعد لعمر 65 سنة جاء عقب مخططات إستراتيجية عقلانية.
فالسياسة الاجتماعية مغربيا لا تتوخى الحل النهائي للأزمة، وإنما إيجاد حلول مناسباتية ترقيعية تفيد في الأخير إلى معاودة إنتاج نفس الأعطاب.
لماذا لا يتم التفكير في هذه الشريحة ؟ لماذا لا توضع مخططات واستراتيجيات هيكلية وسياسات مندمجة، تكون مفتوحة على همومهم وتتوخى الإنصات إليهم، لا نريد لهذه المشاريع والبرامج والمشاريع أن تكون بدافع الرحمة والشفقة وإنما لتجدير ثقافة الاعتراف والمواطنة أي الحق الطبيعي في الحياة الكريمة وبزوغ فجر تتحقق فيه العدالة الاجتماعية كي نتفادى في الأخير الموت الاجتماعي البطيء. لا نقصد بهذا الموت البيولوجي وإنما الموت العضوي.
بقلم : عادل بلعمري
الطالب الباحث في علم الاجتماع.