كان للعراق جيشا هو سور للوطن واليوم لكل مكون سور !
جمال محمد تقي
2010 / 1 / 9 - 15:26
في 6 كانون الثاني من كل عام يتذكر العراقيون وبفخر عيد جيشهم الذي يعتبر المدرسة الاولى للوطنية العراقية وتجسيدا لهويتها الحداثية العابرة للقبلية والطائفية والمناطقية والاثنية ، جيش العراق المشبع بعقيدة الدفاع عن حدود البلاد وصون كرامة العباد ، هكذا هو ، ولهذا كان هو المستهدف الاول من اعداء العراق وعلى مر العقود ، ومنذ تأسيسه عام1921 بفوج موسى الكاظم وحتى تصيره كمصنع لتخريج الكفاءات وتربية الاجيال بخدمة العلم والانضباط باداء الواجبات العسكرية اوعند الحاجة المدنية اليه حيث يهب كأول المبادرين للانقاذ في حالات الفيضان والاوبئة واقامة المشاريع الكبرى التي تتطلب الايادي العاملة المنضبطة ـ مشاريع الري وكري الانهار ـ وحتى صدور قرار حله من قبل الحاكم المدني الامريكي بول بريمر بعد 9 نيسان 2003 !
قوة برية وجوية وبحرية وصاورخية عريقة يشهد لها الاعداء قبل الاصدقاء ، جيش كان حصنا منيعا ورادعا لاي عدون غاشم من الطامعين والمستعمرين والصهاينة المعتدين ، شارك في حرب فلسطين وابلى بلاءا ومازالت شواهده قائمة فيها ، شارك في كل الحروب النظامية ضد عدوانية واحتلالية الكيان الصهيوني ، كان المبادر في الدفاع البطولي عن سيادة العراق التي انتهكها النظام الايراني زمن الشاه وزمن الخميني وكانت حرب الثمان سنوات التي اججها النظام الطائفي في ايران على امل تصدير ثورته لتكون راية صفوية جديدة للهيمنة على مقدرات المنطقة ، خير شاهد على عزيمة هذا الجيش وامتلاكه لخواص الاقتدار النوعي !
داخليا لعب الجيش العراقي دورا مهما في تسريع عملية انتزاع السيادة الكاملة من الاحتلال البريطاني ، وقد دخل بحرب فعلية مع القوات البريطانية في مايس 1941 ورغم خسارته لتلك الحرب لكن تداعياتها جعلت الانكليز يخففون من قبضتهم على الحكم في العراق ، لم يكن جيشنا مستجيبا لدعوات زجه في مواجهة غضبات الشعب ، بل كان متحفزا للنيل من المستبدين بأمره ، وفعلا كان للاستعراض به امام الجماهير المنتفضة في اعوام 52 و54 و56 دور لا يستهان به في ايقاض المشاعر المعاكسة المنحازة لصفوف الشعب ، وكانت ومنذ تلك السنوات تدب بين صفوف مختلف رتبه تحركات لتنظيم عسكري سري يخطط للاطاحة بالنظام الملكي وينهي والى الابد التبعية لسياسات ـ ابو ناجي ـ وهي كنية عراقية يقصد بها بريطانيا العظمى ، فانتشرت خلايا الضباط الاحرار في اهم المعسكرات ومواقع التدريب والكليات ، وكان تفجر ثورة 14 تموز 1958 تتويج ناجح لكل سنوات التحضير والتخطيط !
حققت الثورة اهداف عظيمة كانت تتطلع اليها الاكثرية لساحقة من العراقيين ، وكان لثورة 23 تموز المصرية عام 1952 بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر اثرها الريادي في مساعي ضباط ثورة العراق واقدامهم !
لم يعي العسكر وقتها ان الثورة اذا لم تكتسي بحكم مدني يحترم الحريات العامة ويشيع الحياة الدستورية التي تؤسس لحكم المؤسسات والتي تحافظ على كينونة الدولة حتى لو تغيرت الحكومات ومن دون ان ينال تغيرها من استقرار الدولة بشقيها السياسي والمدني ، الرسمي والشعبي ، لقد استسهل العسكر القفز من قطار الثورة الى الدولة بحيث جعلوا ابوابها مفتوحة على ـ ثورات ـ هي في جوهرها انقلابات عسكرية فوقية تعكس صراعا حثيثا على السلطة !
ان حداثة التجربة التاريخية وطبيعة الصراعات العالمية والمزاج العام وضعف خبرة الاحزاب السياسية وبكرية التنظيمات النقابية والشعبية وكثرة التحديات جعلت من الاستثناء حالة مستساغة وكأنها هي القاعدة !
ما يهمنا هنا هو التقييم الموضوعي لدور الجيش في الحياة السياسية العراقية ، فليس هو وحده من يتحمل مسؤولية التحولات الدراماتيكية التي عاشها العراق منذ 14 تموز 58 مرورا بثمانية شباط 63 و18 تشرين 63 ، ثم الانقلابات الفاشلة المتتالية حتى 17 تموز 1968 وما تلته من احداث وتطورات متتالية انقطعت باحتلال العراق مجددا وتدمير دولته وجيشه ـ كما يزعم البعض ـ والدليل ان هناك قوى اخذت اليوم تعتمد على مليشياتها لفرض اجندتها السياسية ، اي انها ان وجدت فرصة لاستغلال الجيش لتنفيذ مأربها لفعلت !
ليس الجيش العراقي الاصيل هو المسؤول عن النتائج المدمرة التي يعيشها العراق منذ احتلاله وحتى الان وهي فترة ليست بالقصيرة ـ سبع سنوات ـ ليس الجيش مسؤولا عن العمل الجاري لبناء عراق مفخخ وببرمجة امريكية قادرة على تفجيره من الداخل متى شاءت ، ان الاحزاب السياسية العراقية والقوى الفاعلة في المجتمع بما فيها الطبقة المثقفة كلها شريكة ، بل هي من ساهم في تطبيع مسلك الاعتماد على الجيش لحل خلافاتها الثنائية وترحيل نزعة التصارع والاقصاء والاستحواذ الى صفوفه !
كان عبد الكريم قاسم يردد دوما بان الجيش فوق الميول والاتجاهات وهو صادق بما يعنيه ، لكنه ايضا انحدر للعب بالميول والاتجاهات حتى راح نفسه ضحية مغدورة لهذا اللعب الذي لم يكن له طائل ، كان منتسبو الاحزاب العقائدية في الجيش يتطلعون ليكونوا ابطالا للانقاذ ، وهذا ما يعكس قصر نظر تلك الاحزاب والتي كانت تصر على اعتبار الجيش ميدانا حاسما لتحقيق تطلعاتها نحو السلطة !
اليوم وفي العراق ـ المحررـ امريكيا لكل مكون جيش هو سور له ـ للشيعة بدر وجيش الصدر وللكرد البيشمركة واللسنة الصحوات ـ وحتى ان يقضي الله امرا كان مقضيا فان هناك توافق على تكوين تشكيلات مشتركة تحل محل الجيش القديم وبنسب متفق عليها ، وهكذا الحال بالنسبة لنظام القبول بالكليات والمعاهد العسكرية الموروثة من الجيش السابق !
جيشنا اليوم بدون خدمة الزامية وبدون عقيدة وطنية وبدون مهنية ، اما الاقليات ـ التركمانية والمسيحية والصابئية والشبكية واليزيدية ـ فهي قد حرمت بشكل يكاد يكون كلي من ان يكون لها حصة ما في هذه التشكيلات العسكرية الاساسية المستحدثة ، علما انها كانت حاضرة وبقوة في تركيبة الجيش العراقي السابق بسبب من المهنية العالية التي كان يتمتع بها من ينتسب للجيش منها ، وبسبب من الزامية التجنيد والاحتياط العام الذي يشمل الجميع !
كان الجيش العراقي في السابق يساند القوات المحلية ـ الافواج الخفيفة ـ التي شكلتها دوائر خاصة في وزارة الدفاع لملاحقة قوات البيشمركة الكردية المدعومة من قبل ايران واسرائيل وشركات النفط الاحتكارية ، والتصدي لاعمالها التخربية ، وهذه الافواج تتكون من مقاتلين اكراد يسعون لاستتباب الامن والسلام في مناطقهم لتكون مشمولة بخطط التنمية والاعمار !
نعم كان لنا جيش هو سور للوطن واليوم لدينا جيش مسور بعقيدة المكونات الطاردة لعقيدة الوطن والمحللة لعملية تفسخه !