الحكومات الطائفية في العراق غير مؤهلة لانتزاع سيادته من المحتلين !
جمال محمد تقي
2010 / 1 / 2 - 01:46
سخرت ايران من ردة فعل الحكومة العراقية على احتلالها لبئر الفكة النفطي في محافظة ميسان ، عندما نقلت علمها من على البئر لتضعه على السواتر الترابية المحيطة به والتي اقامتها فور تقدمها مسافة 200 مترا داخل الحدود العراقية مع اقامتها لنقطة حراسة مقابل البئر من الجهة الايرانية مع ملحقات تخص مضاجع افراد القوة المحتلة ، معتبرة ان البئر يقع ضمن منطقة متنازع عليها ، داعية الحكومة العراقية لتنشيط دور لجنة ترسيم الحدود للبت بالموضوع !
أن مجرد تجاوب الحكومة مع هذه النبرة الايرانية هو تفريط بحق مثبت ولا غبار عليه ، بل هو واضح وضوح الشمس حتى بدون الحاجة لدعامات اسمنتية في المنطقة المحتلة لان مثل هذه الدعامات سوف لن تمنع المحتل من اقتلاعها واعادة غرسها داخل الارض العراقية ، فالحقل مكتشف منذ ما بعد اتفاقية 1975 وجرت عمليات حفره وتهيئته للانتاج في عام 79 لكن الحرب بين البلدين حالت دون مواصلة العمل به والتي كانت شركة نفط الجنوب هي المسؤول التنفيذي لمشروع حقل الفكة بمجموع اباره الاربعة والتي تقع جميعا داخل الاراضي العراقية وباعماق كافية لالغاء اي شبهة باعتبارها حقول مشتركة ، وبعد انتهاء الحرب الايرانية العراقية تم مواصلة العمل في حقل الفكة ومن دون اي تخرصات ايرانية ، حتى احتلال العراق ، حيث راحت تراود ايران اطماع كبيرة بالاراضي والمياه والثروات العراقية مستغلة حالة الفوضى التي ساهمت هي الى جانب المحتلين الامريكان باشاعتها من خلال تفكيك وتخريب معظم اعمدة الدولة ومؤسساتها ، ودعم سيطرة الاحزاب الطائفية الموالية لها على مواقع السلطة فيه ، والتي جعلت من العراق وكانه حديقة امامية لايران ، فمن الايماء بحق ايران بتعويضات لها على العراق جراء حرب الثمان سنوات والتي قدرها عبد العزيز الحكيم وقتها بمئة مليار دولار ، الى تصريح حسين ابراهيمي مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الايراني الذي ضاعف المبلغ مضيفا له فرق التصريف بين عام 88 وعام 2009 ليقول ان من حق ايران على العراق 1000 مليار دولار كتعويضات عن خسائر ايران في حرب الخليج الاولى ، ومن الصمت المطبق على حقيقة استيلاء ايران على اكثر من مائة طائرة عراقية حديثة كانت قد هبطت لديها اضطراريا اثناء حرب الخليج الثانية ، الى اجراءاتها المدروسة لتيبيس شط العرب والتمدد عليه ، وتغيير مجاري مصبات نهري الكارون والكرخة للاضرار بالمزارعين العراقيين ودفعهم للهجرة ، الى تشكيل مافيات متخصصة بتهريب النفط ، الى التطاول على الموانيء العراقية العائمة ـ خور العمية والفاو ـ الى والى والى !
اما الاحزاب الطائفية الحاكمة فهي علاوة على تسهيل مهمات الايرانيين للتغلغل في كل شؤون العراق السياسية والاقتصادية ـ النفطية والزراعية ، والتجارية ـ والعسكرية والدينية فهي جعلت من العراق ورقة من اوراق الضغط المتبادل بين ايران وامريكا ، وساحة لتصفية الحسابات ، فاذا جاءت تلك الاحزاب مع الغازي الامريكي فانها اتت بالغازي الايراني عبر مسميات شتى منها فيلق بدر وعودة المهجرين والتوابين ، الى جعل الايراني يدخل العراق ومباشرة وبدون فيزا الى مطار النجف او عبر المراكز الحدودية التي تخضع لنفوذ فيلق بدر !
يقول السفير الايراني في بغداد حسن كاظمي قمي : ان هناك سوء فهم ، فالبئر محط نزاع ، اي ليس هناك احتلال ، لانه لو كانت هناك نية بتجاوز الحدود العراقية من قبل القوات الايرانية لاعلمتني حكومتي بنيتها تلك !
اي سخرية اكثر من هذه ، علما ان هذا السفير يمارس دورا شبيه بدور المندوب السامي ، فهو ومن خلال قنصلياته المنتشرة في اغلب محافظات العراق شمالا وجنوب ، يمول منظمات للمجتمع المدني ومكاتب تجارية تقوم باعمال مخابراتية لصالح ايران ، ويقيم علاقات مباشرة مع من يفترض بهم مواطنين عراقيين عاديين ، سعادة السفير يتصل بالنواب ويناقشهم بالقوانين المطروحة على جدول اعمال اجتماعاتهم ، ويعرض عليهم الدعم المالي في حملاتهم الانتخابية او لقضاء حاجاتهم الشخصية واقلها دعوتهم للاستجمام في ايران ، وكانت الفضيحة التي اثارها النائب مثال الالوسي عن اتصال السفير ومحاولات شراء مواقفه وبعد رفضه كيف كانت التهديدات تنهال عليه ومنها ما نفذ فعلا بقتل ولديه !
اخر المتمة اعلن عن اجتماع بين السفير الايراني ومجموعة نافذة من النواب لغرض منع مناقشة احتلال ايران لبئر الفكة بذريعة ان المشكلة قد حلت ، وفعلا لم يتداول البرلمان اي مناقشة للتجاوزات الايرانية حتى من باب رفع العتب !
موفق الربيعي مستشار الامن الوطني المقال وعضو البرلمان ، يطالب بايقاف ردود الافعال والتصريحات المسيئة لعلاقة حسن الجوار مع ايران ، ويصف الغضب الشعبي من التجاوزات الايرانية المرئية وغير المرئية بالعنتريات الفارغة !
برهم صالح رئيس وزراء حكومة اقليم كردستان كان بزيارة لطهران في نفس الوقت الذي احتلت به القوات الايرانية بئر الفكة العراقي ، ووقع مع الجانب الايراني اتفاقية لرفع نظام التاشيرة لدخول المسافرين بين ايران والاقليم ـ وكانه دولة قائمة بذاتها ولذاتها ـ وحمل رسالة من نجاد الى اوباما ، ووقع على اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري بين البلدين ، نفسه برهم صالح كان قد صرح سابقا بان بعض دول الجوار تتطلع الى مليء الفراغ بعد الانسحاب الامريكي !
كثير من التسريبات الصحفية تشير الى تعاون مخابراتي قوي بين حزب الطالباني المتحكم بالمنطقة الحدودية ومنافذها الشمالية مع ايران وبين المخابرات الايرانية بسبب تقارب اهداف الطرفين باضعاف اي حكومة مركزية في بغداد ، لتضمن ايران لنفسها ذراعين يعملان لصالحها وبشكل مباشر هما الطرف الطائفي في جنوب العراق والطرف العنصري في شماله ، اضافة لتعهد طالباني بالخرس الكامل ازاء التجاوزات الايرانية على الحدود الشمالية وقصفها المتواتر للجماعات المعارضة العابرة للحدود !
هناك معلومات خطيرة وعلى مستوى كبير من الاهمية سربتها منظمة الرصد والمعلومات الوطنية وهي منظمة اعلامية عراقية مستقلة تقول : ان هناك تنسيقا خفيا ومعقدا ومتشابكا بين الاجهزة الامنية الاسايش التابع للطالباني وبين قيادة قوات بدر وتحديدا هادي العامري مسؤول المنظمة ورئيس لجنة الامن في البرلمان العراقي وابنه النقيب حسن هادي العامري وبين اطلاعات الايرانية بواسطة ضابط اتصال متنفذ اسمه خدادات حسيني تسهل دخول معدات للعمليات الخاصة والسرية جدا بغطاء رسمي ومزود بكل الاوراق الرسمية التي لا تثير الشكوك لانها تعمل بغطاء وزارة الكهرباء ووزيرها التابع لحزب الحكيم ـ كريم وحيد ـ وتقول المعلومات انه قبل التفجيرات الاخيرة في بغداد كانت قد دخلت من نقطة الحدود الايرانية مع السليمانية عبر معبر ـ سقز ـ ثلاث شاحنات قاطرة ومقطورة محملة بمادة ـ السي فور ـ شديدة الانفجار والتي اعلن لاحقا بانها نفس المادة المستخدمة بالتفجيرات الاخيرة وكانت مموهة على انها تحمل مواد ومعدات لحساب وزارة الكهرباء ، وهي قد وصلت فعلا الى بغداد عن طريق الخالص ثم تركت بمخزن الوزارة في منطقة الحسينية ، ولا يعلم مصيرها حتى الان او حتى تفجيرات الاحد والاربعاء والثلاثاء الدامية ، الاخطر في هذه المعلومات انها تحكي عن مخطط استكمالي لتفجير جسور بغداد المهمة كلما اقترب موعد الانتخابات وان الحمولة اياها تغطي العمليات القادمة واكثر !
الشيء الاكيد ان هناك مستويات مختلفة ومركبة من التنسيق الاجرامي لاغراض سياسية منها السعي لارباك الامريكان او للنيل من حظوظ المالكي في الانتخابات القادمة ومن الناحية الكردية فان استمرار هذا المسلسل سيجعلهم اقوياء اكثر وقادرين على انتزاع مكاسب جديدة على حساب الجميع ، وهناك مساعي اخرى ترتبط بخيوط دقيقة منها خيوط بعض الجماعات التابعة للقاعدة والتي اوتهم ايران وراحت تستخدمهم متى تشاء ـ بعض جماعات انصار الاسلام ، والجماعات المقطوعة من القاعدة والملاحقة والهاربة من محافظة ديالى الى ايران ـ تتواصل بمستويات معقدة مع شبكات التنفيذ التي تسهل لها المهمة ومن جهات نافذة ، بحيث لا تترك اثر ما يدينها ، فجرى مثلا تفجير وزارة المالية بسيارة خاصة بنقل الاموال لكن الوزارة اعلنت انها لم تفقد اي من سياراتها تلك ، والجواب واضح ان السيارة نفسها كانت قد دخلت من ايران بشكل رسمي مزيف ، ويبدو ان الضغط الامريكي على معابر الجنوب والوسط جعل الايرانيين يفكرون بالبدائل الشمالية دون التسليم بعدم تكرار محاولات التمرير من المعابر الاخرى !
اوضاع وصلت لهذا المستوى من الاختراق والتمزق لا يمكن اصلاحها الا بتغيير جذري لبنية السلطة القائمة وعقيدتها ، وشرعية وجودها ، فالبنية لابد ان تكون عراقية خالصة بوطنيتها نابذة لكل اشكال المحاصصات الطائفية والعرقية ، اما العقيدة فهي عقيدة الدولة الوطنية الغير قابلة للتجزئة ، وشرعيتها منبثقة من اخلاصها لشعب هذا الوطن بمعزل عن كل الهويات الاخرى ، وبذلك ستسقط كل شرعيات الاستقواء بالمحتلين ايا كانوا امريكان او ايرانيين !
ان استرداد العراق لقوته لا يكمن في تطبيق بنود الاتفاقية الامنية وانما بانسحاب كل المحتلين وباسرع وقت ممكن واعتماد العراق على ابناءه لحماية نفسه وقبل كل هذا ان يتولى الزمام من هو مؤمن بقدرة هذا الشعب العظيم والمنهك على التجاوز الكبير من خلال سيادة قوى توحد العراق بوطنيتها ولا تضعفه بالتعامل على اساس المكونات ، فالوطنية يجب ان تكون المكون الاساس للحفاظ على جسد الوطن !
حكومات الاحتلال حتى لو كانت منتخبة كما يزعمون فهي غير قادرة على حماية الوطن مهما حاولت خداع الناس بالاعلانات الفارغة !