هل سيجيب مؤتمر كوبنهاغن عن الاسئلة الصعبة ؟
جمال محمد تقي
2009 / 12 / 10 - 21:28
بما ان الحكمة تقول : في تشخيص سبب الداء قطع نصف الطريق باتجاه الشفاء ، فان التوصل لاجابات علمية وعملية ومنطقية وشافية للاسئلة الصعبة والمحرجة والملزمة التي صار يعرفها المتخصصون والمتابعون والقلقون على حد سواء وحول العالم ومن دون تزييف وضحك على الذقون او التملص من متطلبات واستحقاقات الموقف بتقليل شأنه اوحرفه عن مساره كأن يدعي البعض من علماء المال والاعمال المستخدمين في اساطين الاستثمار في كل شيء وبأي شيء وبلا قيود وحدود ، بان لا علاقة حقيقية بين الانبعاثات الغازية وبين التغير المناخي ، وان مايجري هو دورة طبيعية من دورات الطبيعة شهدت الارض مثلها في حقب قديمة وحديثة ،، هذا التوصل سيساعد بشكل جذري على قطع نصف الطريق نحو التصرف بمسؤولية جمعية ازاء اخطر تهديد طبيعي تتعرض له الارض ، وبما عليها ، فما فائدة الثروات والاسلحة والمدن العملاقة والمركبات الفضائية اذا كانت كلها مهددة بالغرق والطوفان في المجهول ؟
اهم هذه الاسئلة الملحة : من المسؤول حقيقة عن مناخ الغرق والجوع في عالمنا المضطرب اضطراب المناخ الحاصل في وحول محيط كوكبنا المهدد جديا بالمخاطر المعروفة وغير المعروفة ؟
في مؤتمر الغداء العالمي ـ مؤتمر الجوع ـ الذي انعقد في روما خلال شهر نوفمبر الماضي اكد امين عام الامم المتحدة بان كي مون : ان قضية الجوع وتزايده وعلى نطاق واسع حول العالم يتطلب تظافر كل الجهود الاممية لمعالجة مسبباته وليس القفز عليها بحلول جزئية تختزل بمساعدات الدول المانحة ، فبدون نظرة جديدة مختلفة عما هو سائد لا يمكن الوصول لحلول حقيقية . . والامم المتحدة تعقد امالا اوسع على القمة الدولية المخصصة لمناقشة التغير المناخي في كوبنهاغن واثاره المدمرة وما يجب ان يصار لمواجهته كاحد المخاطر التي تهدد العالم بمزيد من الجوع في البلدان الفقيرة من ناحية وايضا لان لهذا التغير مخاطر تمس الجميع اغنياء وفقراء وله مسببات يجب تحمل اعباء معالجتها وعلى وجه السرعة وخاصة بالنسبة للبلدان الصناعية ، فليس من المعقول ان يكون ثمن تزايد ثروات الدول الاغنى هوغرق وجوع العالم ! !
عشية مؤتمر كوبنهاغن ـ حاول بان كي مون الظهور بمظهر المتفائل بعد خيبته من مؤتمر روما للأمن الغذائي والذي شهد استخفافا من الدول المانحة حيث تغيب زعمائها واكتفوا بالوعود التي كانوا قد قطعوها بضخ عدد من مليارات الدولارات للصرف على برامج التنمية الغذائية في البلدان الفقيرة ، فقد اعرب عن ثقته هذه المرة في التوصل الى اتفاق متوازن يحل محل بروتوكول كيوتو ، محاولا اعطاء دفعة تفاؤل في مناخ لا يساعد على التفاؤل !
منظمة الهجرة العالمية من جهتها حذرت العالم بان التغير المناخي سيتسبب بهجرة ونزوح حوالي مليار انسان من المناطق المتضررة خلال العقود القريبة القادمة !
لقد تقاطر عشرات الالاف من اصدقاء البيئة وجماعات الخضر و منظمات حقوق الانسان والرفق بالحيوان والمناهضين للعولمة القاتلة التي لا ترحم لا البشر ولا الشجر ولا الحجر في هذا الكوكب المهدد بالانقراض ،، على العاصمة الدنماركية ليعلنوا استيائهم واحتجاجهم على لا أبالية واستهتار النظام العالمي المعتمد اصلا على حق القوة والثروة ، وتجنيه على التوازن البيئي وبالتالي على كل اشكال الحياة الفطرية على الارض !
العقدة والحل في موضوع ارتفاع حرارة الارض وذلك لتزايد معدلات الغازات الحابسة للحرارة عن معدلاتها الطبيعية ، هما يكمنان فيما صنعه البشر وما سيصنعوه هكذا يجزم المتخصصون النزهاء ، وهم يطرحون حلولا لايقاف التدهور وقبل فوات الاوان لان ارتفاع معدل حرارة الارض درجة مئوية واحدة خلال كل عشرة سنوات سيؤدي بعد خمسة عقود اذا استمر هذا المعدل الى غرق اكثر من نصف اليابسة ، بمعنى انه يؤدي الى هلاك الحضارة على اكثر من نصف الكرة الارضية وخلال القرن الحالي !
العبث العولمي المتسارع والمتوالي طرديا بتوازنات البيئة وبدافع التنافس البشري غير المقيد على تحقيق اكبر قدر من الثروة والقوة هو السبب المباشر لهذا التحول المتراكم والذي يقترب الى التحول النوعي كلما ارتفعت وتيرة الاستخدام السوقي لمنجزات الثروة العلمية التكنلوجية التي فتحت ابواب غير مطروقة للاستهلاك الكمالي والاستثمارات غير المكلفة للاستهلاك غير الرشيد لكل اسباب الحياة على الارض ومن امثلتها ـ الغطاء النباتي ، الطاقة المعدنية كالفحم والبترول ، الماء ، العناصر المشعة وايقاض ماردها ومحاولة استحلابها والذي لا حصر لانعكاساتها في الزمان والمكان ـ !
أي ليس الدافع لهذا الاندفاع البشري نحو الاستثمار في مولدات التوازن البيئي هو لسد حاجات موضوعية لبقاء الانسان ـ الغذاء والمعاشرة والماء والكساء والدواء والسكن والعمل والمعرفة ـ وتواصل انجازاته الذكية التي تحفظ بقاء نسله وتزيد من قدرته على اكتشاف الحقائق المطلقة والنسبية ، انما هو شره التنافس البشري على احتكار القوة والثروة ،، وما دمنا قد شخصنا مكونات العقدة فحتما سيكون الحل قد تجسد في تجاوز خط سير خيوطها واهمها هي تعطيل قوانين المنافسة على احتكار الثروة والقوة ، وحينها فقط سيكون الحل ممكنا بل ومتسقا وبدون استقطابات تفرغه من محتواه الطبيعي ، فخطوط سير البشرية اليوم تحدده آليات السوق التي لا ضمير لها لانها غير انسانية فهي تستثمربكل اشكال الامن الانساني من اجل تحقيق زيادة الثروة التي تتحول الى قوة لاستعباد من لا يملكوها !
ان العلة في فكرة الربح ذاتها والتي تهيجها المنافسة الراسمالية التي تقوم بالاساس على حركة بندولية لا تسمح للنظر بابعد من مؤشرات البورصة واسعار الفائدة ، فهل وصلت الانظمة الراسمالية المتقدمة الى تبصر حقيقي لنهاية خط سيرها والذي سيجر العالم كله اليه ، بحيث تكون قادرة على قهر شره الثروة والقوة لديها وتسخير ما تملكه منها للبحث في معالجة تداعيات سيرها المتوالد ، على اعتبار ان المعرفة قادرة على صنع المعجزات ؟
اشك في ذلك ومعي عشرات الالوف من المحتجين في شوارع كوبنهاغن ، ولا حل الا بالضغط على هذه الانظمة ومحاصرتها بملايين من البشر الذين يدركون حقيقة المخاطر القادمة لتسلم بما يجب ان يصار من تغيير اقتصادي اجتماعي وسياسي وفكري عالمي ينقذ البشرية من مصير محتوم !
الحل يكمن بمعالجة التصحر والجفاف نحوالثورة الخضراء حول العالم والتي ستمتص اغلب اكاسيد الكاربون وتنتج الاوكسجين الطبيعي ، وحتى يصير هذا ممكنا لابد من تسخير الموارد لتوفير المياه الصالحة واقامة المشاريع المنتجة للغذاء الرحيم بالبيئة ، وبذلك نكون قد حللنا عقدتين كبيرتين هما الجوع والبطالة !
الحل يكمن بالتوقف عن تحويل المواد الغذائية الى اشكال جديدة للطاقة الحيوية بحجة انها رحيمة بالبيئة ، وتسخير الموارد للاستثمار بالطاقة الطبيعية ـ اشعة الشمس ، الريح ، المد والجزر . . ـ !
الحل يكمن بالاستغناء التدريجي عن استخدام النفط والفحم والغاز كمواد رئيسية للتشغيل !
الحل يكمن في اعادة تأهيل كل المعامل والمصانع القائمة لتكون رحيمة بالبيئة !
الحل يكمن باعادة تأهيل انتاج موتورات السيارات لاستبدال البنزين بمادة لا تضر البيئة ، حتى لو على حساب السرعة لان مناخ المنافسة على الوصول اولا لتحقيق الربحية قد تعطلت مواصيله !
حلول عديدة يطرحها الاخصائيون ولكن قمة المناخ السائد في كوبنهاغن ليست على عجلة من امرها خاصة وان دول القمة تتمنى تنفيس المناخ بثقوب مستحدثة في بلدان الجنوب ، عسى ان ترفع عن كاهلها الاثمان الباهضة التي يجب ان تدفعها !
تقدمت الصين والهند بالتزامات جدية للمؤتمر بتخفيض نسبة ما تطلقه من غازات حابسة للحرارة بمقدار 20 ـ 25 بالمئة من اجمالي ما تطلقه سنويا حتى عام 2020 !
امريكا تقدمت بالتزام للتخفيض بمقدار 17 بالمئة فقط علما بانها والصين يتقاربان بنفس مقدار كمية العادم الغازي المقذوف من محرقات مكائنهما في الهواء العالمي ، فامريكا لوحدها تطلق ما مقداره 27 بالمئة من اجمالي العادم المقذوف سنويا في الهواء !
الامم المتحدة تقدمت بطالب الى دول قمة المناخ بتخصيص عشرة مليارات دولار لدعم جهودها لمكافحة اثار التغير المناخي ولتمويل البحوث المتخصصة في هذا المجال الملح حتى عام 2012 !
تسعى الامم المتحدة في ختام اعمال المؤتمر لوضع اتفاقية شاملة تحدد الالتزامات الممكنة لدول الشمال والجنوب ازاء التغير المناخي ، توقع عليها جميع الدول الاعضاء في المنظمة الدولية !
من كل الذي تقدم لا نتوقع حلول جذرية لمعالجة الكارثة وانما ترقيعات جزئية تحاول التخفيف من وطئة التغير القائم والتملص من استحقاقاته ، فما زالت دول القمة غير مستعدة للتفاعل بكل مفاعيلها مع المعطيات القائمة ، ويبدو ان تحدي التغير المناخي لم يطارد بعد وبقوة كافية الدول النافذة في قمة كوبنهاغن لذلك ستكون استجابتها لا تزيد كثيرا عن استجابات قمة روما للجوع العالمي !