أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آلان كيكاني - أنا وجدي














المزيد.....

أنا وجدي


آلان كيكاني

الحوار المتمدن-العدد: 2811 - 2009 / 10 / 26 - 18:37
المحور: الادب والفن
    


استفقت اليوم في الصباح الباكر , كما كل يوم , على زعيق مزامير السيارات وهدير محركاتها وصياح الباعة المتجولين في الأزقة القريبة من بيتي , ضغطت على زر التشغيل في جهاز التحكم بالتلفاز عن بعد وأنا لا أزال ممدداً على سريري أملا في سماع صوت فيروز الذي ألجأ إليه كلما ساء مني المزاج , لكن كانت هناك قناة إخبارية تنقل على الأثير مباشرة مشاهد لقتلى وجرحى ناجمة عن انفجار سيارة ملغمة في إحدى بقاع العالم , كبست زر القناة التالية فكانت تبث ندوة لعلماء البيئة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الجليد في القطب الشمالي وما ينجم عنه من ارتفاع منسوب البحار والمحيطات , الأمر الذي يقلص مساحة اليابسة ويهدد الحياة على سطح كوكبنا الأرضي , أما القناة الثالثة فكانت ترسل برنامجا عن القحط والجفاف والتصحر وانتشار المجاعة في العالم . أطفأت التلفاز ومددت يدي إلى سماعة الهاتف كي التمس من مدير الجهة التي أعمل فيها إجازة ليوم واحد ناسيا أن خط الهاتف مقطوع منذ أيام لأسباب مالية .
نهضت من الفراش ارتدي ثيابي , فقد قررت اليوم زيارة جدتي في القرية التي رأيت فيها النور لأول مرة منذ أربعين سنة والواقعة على سفح جبل شاهق لنحتفل سوية بيوم ميلادي الأربعين وطمعا بقضاء يوم واحد في عزلة وانفراد بعيدا عن ضوضاء المدينة وهوائها الملوث .
اعتلت السيارة التي تقلني ربوة في أحد أطراف المدينة فلاحت ملامح أبنيتها العالية وهي تسبح في غمامة سوداء من الدخان والغبار , ثم شق الميكروباص طريقه وسط الازدحام إلى الطرف الآخر من المدينة , مسحت وجهي بمنديل ورقي أبيض فاستحال لونه إلى الأسود. في الطريق رن جهازي الخليوي خمس مرات وكان السؤال الأول بعد التحية في كل مكالمة هو : أين أنت ؟.!
نزلت من السيارة على بعد ميل من منزل جدتي وسلكت سيرا على الأقدام طريقا صخريا يؤدي إليه , استهواني على الطريق قضاء حاجتي في العراء خلف أشجار كانت هناك , الأمر الذي اعتدت عليه في الطفولة حين كنت أعيش مع جدتي , عندما قضيت نصف حاجتي أفزني رنين جرس هاتفي المحمول فانتصبت واقفا كالملسوع , كانت النغمة تنبئ باستلام رسالة , فتحتها وقرأت التالي : عزيزي المشترك , الرجاء تسديد فاتورتك وإلا سنضطر إلى قطع خط جوالك .
أمام بيت جدي القديم المبني من الحجر والمسقوف بأعمدة خشبية والمحاط بالأشجار والزهور استقبلتني جدتي بحفاوة , جدتي التي تجاوزت التسعين والأرملة منذ خمسين سنة فقد فصلت أيادي القدر جدي عنها وكان له من العمر سبعين .
تأبطت جدتي يدي وجالت بي أرجاء البيت تطلعني على الأثاث والأدوات مما كانت تستخدمه وجدي : عدة أوان من الآجر وطست وإبريق من النحاس تقبع على رفوف في المطبخ , وعدة طنافس ووسائد وأفرشة ولحف بالية تتراكم فوق بعضها في غرفة وحيدة هي للنوم وللضيوف , وفي إحدى حيطانها تجويف على هيئة بوابة تسدها صفيحة من الخشب فتحتها وكان فيها كل ما استخدمه جدي من ملابس في حياته : عدة سراويل فضفاضة وجوارب وسترات من الصوف الخالص حاكتها جدتي له , وفي زاوية من الخزانة كان كتابه المقدس الوحيد الذي كان يروي به عطشه الروحي .

طلبت من جدتي أن تحدثني عن جدي فقالت : كان يقضي وقته من طلوع الشمس إلى مغيبها في الحقل إما حارثا أو باذرا أو حاصدا , وفي فترة الظهيرة كنت أحمل له الزاد إلى الحقل , رغيفان من خبز التنور وحبتين من البصل ودن صغير من اللبن الرائب , يهوي حبة البصل بيده فيغديها فتات يرش عليها قليلا من الملح ثم نتناولها بنهم مع الخبز واللبن , ثم يجمع قليلا من الحطب ويشعل فيها النار ويضع عليها إبريق الشاي .
بعد هنيهة من الصمت سألتها مازحا : وفي الفراش يا جدتي ؟
قهقهت جدتي من فمها الأدرد ككهف هجره سكانه وهزت رأسها وقالت : كان الفراش يتذمر من حركاته , يا بني.

ضحكت فتموجت طبقة الشحم الكثيفة على كرشي المقببة كالفطر تموج ماء راكد قهقهت عليها رياح عاتية , وإذ قهقهت طقطقت علبتا الفياغرا وخافض الكولسترول في جيبي , نظرت إلى الحائط في الصدر , كانت صورة جدي معلقة عليه , قديمة كأنها التقطت من خلف السديم تفرست فيها وأطلقت تنهيدة طويلة .



#آلان_كيكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين ينمو الجسد وتتوقف الشخصية عن النمو
- يوم خجلت كوني طبيباً
- عيشو وجانيت
- حديث شيوخ


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آلان كيكاني - أنا وجدي