|
رسالة مصر إلى محمد حسنين هيكل
شريف حافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تابعت في السنوات الماضية، الأحاديث المختلفة على مختلف القنوات الأرضية والفضائية، حول حديث البعض حول ذكرياتهم الخاصة بتاريخ مصر. وأنا من عشاق قراءة التاريخ، ورغم إنتمائي بالفعل للفكر الساداتي، إلا أنني وعندما أقرأ التاريخ، أحاول أن أكون موضوعياً، لأن مصر، ليست السادات فقط، ولكنها الكثيرين من القادة والزعماء، والمسئولين والناس. وليس عيباً أن أقول أن السادات أخطأ في كذا أو كذا أو عبد الناصر أخطأ في كذا أو كذا..فنحن عندما نتناول تاريخ، علينا الإستفادة من دروسه حتى ننهض!
وكنت أقرأ مؤخراً المُبدع المصري، الدكتور لويس عوض، في كتابه الجميل، "أقنعة الناصرية السبعة: مناقشة توفيق الحكيم ومحمد حسنين هيكل"، حيث تناول نقطة "موضوعية كتابة التاريخ" وأن معاصري الحدث لا يرون الرؤية التاريخية ولكن جزء من الصورة، وأن الأجيال المستقبلية هي التي ترى الحقيقة بعد ذلك بشكل أكثر كمالاً، فقال في الصفحات 15 – 17 من كتابه: "فمن عاش في عصر محمد علي ولا سيما أيام مذبحة القلعة، لم يكن يرى فيه إلا سفاحاً مُريداً. وقد رسم الجبرتي صورة غير مضيئة لمحمد علي لأنه أمم أوقاف الدين فيما أمم من أراضي مصر الزراعية، ونحن نرى الآن في محمد علي مؤسس مصر الحديثة الذي بنى جيشها الوطني وحرر إرادتها من التبعية التركية وأنشأ صناعتها ومعاهد العلم والتكنولوجيا فيها ونظم زراعتها ورقاها وجعل منها أقوى دولة في الشرق الأوسط وبنى كثيراً من جسورها الحضارية مع أوروبا."
"ومن عاش في عصر إسماعيل لم يرى فيه إلا سفيهاً إستدان نحو مائة مليون جنيه لينفقها على ملذاته وإهتماماته الأرستقراطية، ولكننا نعرف الآن أنه أنفق أكثر هذه الأموال في حفر قناة السويس وفي حفر الترع وتوسيع الرقعة الزراعية بمساحة مليون فدان وفي ربط مصر بالسكك الحديدية والتلغراف وفي بناء جيش وطني قوامه نحو مائة ألف مقاتل (بعد 18,000 مقاتل) بنى به أبراطورية إفريقية نيلية تضارع أمبراطورية محمد علي العربية: فرفع العلم المصري على أوغندا وألغى تجارة الرقيق حيثما سارت جنود مصر. كذلك نعرف أنه تسلم البلاد وليس فيها إلا نحو 115 مدرسة وتركها بعد 16 سنة وفيها 4500 مدرسة بعضها للبنات، ولم تكن فيها صحيفة واحدة فعرف عهده قُرابة 30 صحيفة ومجلة، ولم يكن فيها نظام قانوني واضح فأدخل فيها أحدث قانون مدني وجنائي وإداري كان معروفاً في عصره (قانون نابليون). ولم يكن في مصر هيئة تشريعية فأنشأ إسماعيل فيها أول برلمان مصري، بدأ إستشارياً صورياً في 1866 ثم نضج وإستأسد عبر 12 سنة حتى شارك إسماعيل في 1879 في قيادة الحركة الوطنية ضد النفوذ الأوروبي ..."
والقارئ يدرك من العرض السابق لكلمات الدكتور لويس عوض، أن الذي يعيش الحدث، غير هذا الذي يقيمه بعد وقت، حين تمر السنوات، ويستطيع عبر القراءة أن يحلل بحق ما حدث. وللأسف، فان تاريخ مصر وفي كثير من الأحيان يُكتب وفقاً للأهواء، ولأنني قرأت الكثير من هذا التاريخ من كتب المعاصرين لنا اليوم، فقد وجدت الكثير من الأخطاء، التي لا يمكن النظر إليها على أنها أخطاء عابرة ولكن أخطاء "متعمدة"، رغبة من الكاتب في تشويه رئيس أو زعيم وفقاً للأهواء، وفي النهاية يصور نفسه على أنه معادي أو معارض لنظام الحكم "الحالي" وأنه يعارض السابق أيضاً، رغم أنه يريد أساساً، أن يُظهر كم ولاءه في محو إنجازات "الفرعون" السابق، ويرى في هذا خدمة للنظام الحالي، ولكنه في الحقيقة يهين مصر ككل بهذا الإسفاف وعدم الحيدة في الرواية التاريخية، ويشوه الدروس التي ممكن أن تشتقها الأجيال القادمة من أجل التنمية الحقة!
وعلى رؤوس من يقومون بهذا الفعل، "الأستاذ"، أو هكذا لقب عبدة الشخص الواحد، السيد محمد حسنين هيكل!! هكذا لقبوه، رغم التشويهات "المُريعة" التي قام بها للتاريخ، وسأعرض هنا، تشويه وحيد لأن تشويهات هيكل للتاريخ المصري الحديث، لا تُعد ولا تُحصى!
فها هو كتابه "الإنتقامي" الكبير عن الرئيس الراحل الشهيد، محمد أنور السادات، "خريف الغضب" والنسحة التي أملكها، نُشرت من قبل "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" ولدي الطبعة الثالثة عشر لسنة 1986 م – 1406 هـ. وأملك في الوقت نفسه النسخة الإنجليزية للكتاب. وقد قرأت النسختين، لأجد ما يلي:
أولاً: الحديث عن النسب العائلي للسادات ولون جسده (مذكور في الكتاب العربي: زنجي!!!) لم يركز عليه محمد حسنين هيكل باللغة الإنجليزية كثيراً لأنه يدرك بالطبع، أن الهجوم العنصري على السادات، غير مقبول في الغرب.. وهو ما أدهشني، حول الكيل بمكياليين في مخاطبة القارئ العربي بشكل، ومخاطبة القارئ الأجنبي بشكل آخر، من قبل رجل، المفترض أنه كان رجل دولة، وليس رجل لا يفقه ما يقول أو أنه عابر سبيل!
ثانياً: لقد تعرض محمد حسنين هيكل في كتابه وبالنص، للرئيس السادات بشكل غير مسبوق في التسفيه لرجل حاول بقدر الإمكان خدمة بلاده.. وكان هيكل في هذا الإطار ينتقم من رجل سجنه، ولكنه ضل طريقه، فانتقم من تاريخ بلد غالية وشعب عظيم بأكمله.. وتلك ذلة لا تغتفر بأي حال من الأحوال!!
ثالثاً: مثال واضح من أخطاء هيكل "المتعمدة" في الصفحة 10 من كتابه خريف الغضب الذي ذكرت أعلاه، حيث كتب "الأستاذ" محمد حسنين هيكل:
"لماذا كان الحزن على السادات في الغرب أكثر منه في أمته؟ ولماذا شيعه إلى مثواه الأخير عدد كبير من الساسة الأجانب، بينما لم يشترك في موكب الجنازة سوى الموظفين الرسميين المصريين وبعض الزوار الأجانب؟"
وبالطبع، فان هيكل يعرف لماذا لم تشارك الجماهير في موكب جنازة الشهيد بطل الحرب والسلام عن حق، ورغم أنف أي شخص، أياً كان ورغم أنف محمد حسنين هيكل ذات نفسه!!!
أيها السيدات والسادة يعرف هيكل أنه بعد أن تم إغتيال الرئيس السادات، تم فرض حظر التجول على طول البلاد وعرضها، وأصبح المصريون حبيسو بيوتهم، لأنه كان هناك يومها خوف من إندلاع أعمال عنف وقيام إنقلاب عسكري، لأن من قتلوا الرئيس السادات كانوا ضباطاً في الجيش.. وإن كان هيكل لم يكن يعرف هذا، فان تلك مصيبة، وإن كان يعرف وهو ما أنا متأكد منه، لأن هيكل ليس بجاهل، فان المصيبة أعظم!
ويصعب علي، بعد ذلك، تصديق من يتعمد التشويه في معلومة يسيرة المعرفة كتلك، في أيٍ من كتاباته الأخرى، لأنه يروي، ولديه غرض في نفس يعقوب، وليس بهدف رواية التاريخ المصري باخلاص للمصريين والعالم!
وأنا إذ أكتب هذا المثال من كتاب كتبه "الأستاذ"، أقول له ولأمثاله: كتابة التاريخ، ليست رداً لجميل زعيم، وليست تسفيهاً لزعيم آخر، ولكن الحكم عليه بحيدة من أجل هذا الشعب وهذا الوطن. إن تحريف الأديان، لأمر هين بالمقارنة، لأن الناس تجد الحقيقة بسهولة بقلوبها، ولكن تشويه التاريخ، لمُعضلة أخلاقية لا يقوم بها إلا من يكره بلاده ويفضل غيرها!!!
إن كتابة التاريخ لا تتم وفقا للأهواء، ولكن وفقا للوقائع وتحليلها، وإن كنت تكره السادات، فاني لا ألومك ولا أتدخل في مشاعرك! ورغم صغر سني بالمقارنة معك، فاني أعترف أني كنت مثلك، أرى التاريخ يوماً من منطلق الأهلي والزمالك، أو ناصري وساداتي، ولكني ومع كثرة القراءة، لمن كتب ضد أو مع أو بحيدة، إحترمت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأقف اليوم مُنادياً بالحيدة التاريخية، لأني أحب مصر أكثر من إحترامي لعبد الناصر وعشقي للسادات!
يجب أن نكتب التاريخ كما حدث ونحلله، حتى تستفيد الأجيال القادمة من دروس وأخطاء الماضي، وكي نستطيع أن ننمي بلادنا بمنطق العقول، وبحب القلوب لها. وليس حباً أو كرهاً لشخص أو أشخاص أو منظومة! وأنا بالطبع أعترف بخطأ السادات في مسألة التعامل مع الإخوان، رغم عشقي للرجل، لأني أحب مصر أكثر مما أحب السادات.. أتمنى من كل كاتب يكتب تاريخ هذا البلد، أن يحب مصر مثلي.. نعم مثلي! نعم! فانني بالفعل مغرورو بحب هذا البلد ولن أتركه، بوصفي مواطن فيه، أبداً لأي شخص يريد تشويهه! أحبوا مصر وإخلصوا لها، تعطيكم! وأمنوا بامكانياتها وإعترفوا بأخطاء زعمائها وإنجازاتهم، دون تشويه وتسفيه! ومن يريد الإنتقام، إنما يسيئ إلى نفسه وليس سواه، لأن مصر ومن أخلص لها، باقية ذكراها وذكراه حتى قيام الساعة!
#شريف_حافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي كلام
-
هل قذف المُحصنات أصبح حلالاً؟ (2)
-
هل قذف المُحصنات أصبح حلالاً
-
السلع الإسلامية
-
واجعل نساءهم غنيمةً لنا
-
صباح الفل يا رقابة!
-
القوة ليست قنبلة نووية
-
أكره اللون
-
تجاربنا تكون شخصياتنا
-
حقائق لمن يريدها دولة إسلامية -3
-
حقائق لمن يريدها دولة إسلامية (2)
-
حقائق لمن يريدها دولة إسلامية
-
إنها العنصرية وليس الدين!
-
الاحتيال باسم الله
-
إعادة تعريف الليبرالية
-
أهل الذمة قبل أهل الملة
-
أطالب بالعدل والحق فى قضية -القمنى-
-
ألا يؤمنون بآية -إقرأ-؟
-
صدام الصنم والإله
-
عذراً مسلمى الصين!
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|