خالد اغميروا
الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 10:18
المحور:
الادب والفن
احتجاج....؟؟
لم تمر سوى أربع ساعات على اضطجاعه في السرير حتى رن جرس الساعة, حينها رفع يده بصعوبة ليسكته, انقلب على ظهره, فتح عينيه وحدق في سقف الغرفة التي امتلأت بأشعة الشمس المتسللة من زجاج النافدة, نهض متثاقلا من فراشه, ارتدى سرواله المرمي على الأرض, أخذ القميص المعلق على طرف السرير واتجه إلى المطبخ يجر قدميه, فتح باب المطبخ فانبعثت منه رائحتا هاربة من رائحتها لتلفح وجهه, لكنه لم يأبه لها لابد أنه تعود عليها...
أطباق وفناجين متراكمة غير مغسولة في حوض المطبخ, تنتظر المنقذ الذي سيخلصها من أوساخها التي بدأت تتعفن, نظر إليها متعجبا, ومد يده وأخرج من بين الركام فنجانا ثم فتح الصنبور ليغسله, وضعه على الطاولة وصب فيه القهوة المتبقية في الإبريق من ليلة البارحة. حمل الفنجان وخرج إلى الباحة حيث توجد أريكة ومائدة صغيرة, وضع عليها فنجان القهوة ثم نظر إلى ساعة يده, ارتشف من الفنجان وأخذ يبحث فوق الأريكة وتحتها وكأن شيء ضاع منه. زحزح الأريكة قليلا فوجد الفردة الأولى من الحذاء,لكن أين هي الفردة الثانية؟ لا وجودا لها هنا, ربما تكون تحت السرير؟ ليست هنا أيضا, لم يبقى سوى خلف خزانة الكتب, ها قد وجدها... غريب من أتى بها إلى هنا؟ لابد أنها كانت تختبئ من الفردة الأخرى؟
ارتدى الحذاء وعاد إلى الغرفة ليأخذ هاتفه النقال وبعض النقود من على المنضدة, اتجه ناحية الباب بخطوات سريعة, وقبل أن يغلقه ألقى نضرتا على المنزل, ثم رفع كتفيه وأغلق الباب.
................................................
نضر إلى الساعة مجددا, دس يده في جيبه ليخرج قطعتا نقدية, قطع الشارع إلى الجهة الأخرى متجها إلى الدكان: ـ السلام عليكم.
ـ وعليكم السلام.
ـ سيجارتين من فضلك.
ـ تفضل.
ـ شكرا.
وضع سيجارتا بين شفتيه وأدخل الأخرى في جيب القميص, أخرج القداحة من جيب السروال أوقد السيجارة وأعادها إليه, ثم نضر إلى الساعة مجددا...
تأخر ربع ساعة عن الموعد لكنهم لم يسألوه عن السبب, ناوله أحد رفاقه لافتتا مطوية و انطلقوا جميعهم إلى مكان الاحتجاج؟؟؟؟
صوت المطر
أسدل النهار ستارته,ليأخذ الليل دوره من مسرحية اليوم,حينها يعود كل منا إلى المنزل المتواضع- إن لم نقل الصندوق المتواضع- فبعد نهار شاق ومضن, نعود لنلتف حول المائدة الصغيرة نتطلع إلى أوجه بعضنا البعض كأننا لم نلتقي مند مدة طويلة أوكأننا غرباء عن بعضنا ,ولولا هذا اللقاء كل ليلة لنسي كل واحد منا الآخر.
الأب هو آخر من يصل إلى (المنزل),وعندما يأتي يبدأ بالاطمئنان علينا واحدا بواحد خائفا من ألا يعود أحدا منا,فكلنا نعمل ونساعده على إعالة هذه (الأسرة), سوى أخانا الأصغر الذي قررنا أن ندخله إلى المدرسة علنا نعوض به ما حرمنا منه نحن الستة,وأن يكون بيننا على الأقل من هو قادر على القراءة والكتابة لنستفيد منه إذا دعت الحاجة. وقد كان هو بمثابة الأمل لنا, والذي نسعى لأن يحقق ما لم نستطع تحقيقه نحن...
بدأنا نسمع قطرات المطر ترتطم بالقصدير, وكانت تصدر صوتا أشبه بصوت قرع الطبول الإفريقية,لكنه لم يكن يريحنا,ليس بسبب الصوت بل بسبب تلك الكوارث التي تقترب منا كلما اشتد الصوت, فكثيرا ما تنتهي بنا مثل هذه الليلة تطفوا بنا الصناديق التي نسكن فيها فوق سطح الماء كقطعة خشبية. انقطعت الكهرباء فأخرج أبي شمعة كان يضعها في جيبه كأنه كان يتوقع انقطاع الكهرباء,أو ربما أنه لم يعد يعول على نور الكهرباء فحضورها كغيابها بالنسبة لنا, ثم أخرج من جيبه الآخر علبة الكبريت فأوقد الشمعة ووضعها وسط المائدة, و طلب من أمي أن تعجل بإحضار الخبز والشاي,وهما بطبيعة الحال الأكلة الوحيدة التي نعرفها, فبرغم من أننا نعمل جميعنا إلا أننا لا نستطيع توفير أكثر من شاي وخبز و نادرا ما نشتري بعض الخضار و القطنيات.
طلبت منا الأم أن نصبر قليلا حتى تفرغ من وضع بعض الأواني تحت الثقوب التي تنزل منها قطرات الماء, فأمر أبي الأخ الأصغر بلهجة صارمة أن ينهض لمساعدة أمه كي تسرع في تحضير الأكل:
- انهض وساعد أمك, فأخوتك تعبون من العمل وأنت لا تفعل شيء سوى أنك تذهب إلى المدرسة. كانت القطرات التي تهوي وسط الإناء تكسر الصمت الذي بيننا, فلا حديث يدور كل منا منطو على عالمه الخاص يغوص في أحلامه وأفكاره التي لا تنتهي, والتي تذهب به خارج هذا الصندوق,بل خارج الواقع كله, وفي الغالب تراها دائما باديتا على وجوهنا اليائسة, ولا أضنها تختلف كثيرا, فالكل يحلم بأن ينتشل من هذا الوضع البئيس إلى وضع آخر أحسن منه, ولا تهمنا الطريقة المهم هو أن نكون أفضل,آه لو كان الأمر بيدي لقدرة لنفسي أن أعيش في قصر,تبا للأقدار وتبا للناس...
لقد كنت أحسد الأطفال في مثل سني, و أنا أراهم يذهبون إلى المدرسة كل يوم عندما أكون متجها إلى الورشة التي أعمل فيها, فهم لا يفكرون في الفقر ولا في إعالة أسرهم. لكنني رغم ذلك كنت أصبر نفسي وأدعي أن المدرسة لا تجدي في وضعنا هذا, المهم هو أن نبحت عن ما نسد به رمقنا.
أفزعني صوت أبي وهو يستعجل الأم بعد أن ضاق بهذا السكوت,فأجابته الأم أنها على وشك الانتهاء, ثم نظرت إلى الإناء الذي وضعه أخي تحت القطرات التي تتسرب من السقف فوجدته على وشك الامتلاء وحولت نظري لأتفحص وجوه إخوتي, فرأيتهم لا زالوا يغو صون في أحلامهم التي تشبه الغيبوبة, ثم إلى أبي الذي بدا عليه الضجر من هذا الوضع الممل,وقبل أن أعود إلى أحلامي أنا أيضا سمعت شيء ما قد وقع على الأرض,فأصدر صوتا أخرج الكل من غيبوبته.إنها أمي....لقد تعثرت في الإناء .....
#خالد_اغميروا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟