أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - تأملات في معراج العجائبي ابن عباس















المزيد.....

تأملات في معراج العجائبي ابن عباس


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 19:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لا نريد التطرق لمنزلة ابن عباس * في المرويات الإسلامية ومدى عمقها واتساعها في عموم الثقافة الإسلامية التقليدية من حيث تفسيراته للقرآن الكريم ورواياته لأحاديث الرسول المصطفى وتأويلاته لعالم الخلق والبناء الكوني والظواهر الطبيعية فقد أصبحت مروياته ركناً أساسيا من أركان تلك الثقافة رغم ميثولوجيتها الخلابة الساحرة المدهشة التي يصدقها العقل الفقهي المشيخي بوصفها حقائق تاريخية ويصر هذا العقل على تكرارها في وقتنا الراهن دون مساءلة أو فحص ويعيد إنتاجها وعياً وقناعة وكأنها أحداث وقعت فعلياً في سالف الزمان وعلى المسلمين المعاصرين تصديقها وعدم الانجرار إلى الشك في مضامينها أو الارتياب في حدوثها حتى يصل الأمر إلى تكفير أي عقل لا يؤمن بالخوارق والعجائب والأساطير التي يسردها أشياخنا الأسلاف.
المهم في ورقتنا هنا هو أن نشير إلى تمايز ابن عباس في مغامراته الإبداعية عن بقية الرواة باعتباره كنزاً يبعث الحياة في الكلمات والأشياء فيؤسطرها تخيلياً بما يتلاءم مع الخيال الإسلامي وذائقته، بل وحاجته الروحية والثقافية والاجتماعية معتمداً في سردياته على خزين الثقافات الدينية المختلفة وأساطير الحضارات القديمة خاصة الفارسية (المزدكية ) والهندية واليهودية التلمودية إضافة إلى ذوقه الأدبي الرفيع وثقافته اللغوية العالية، بمعنى إننا نتحدث عن ابن عباس لا بوصفه عموداً شاهقاً من أعمدة المشرعين والفقهاء الإسلاميين السالفين الذين أرسو دعائم الدين الإسلامي فقد كان حبر الأمة في التفسير القرآني وبحر في العلوم القرآنية خاصة التأويل والتفسير، بل نتحدث عنه هنا بوصفه مبدعاً وخلاقاً يمتلك عقلاً تخيلياً نادراً وموسوعياً يدلو بدلوه في كل صغيرة وكبيرة تخص حياة المسلمين وما بعد حياتهم ومعارفهم وعلومهم عن الطبيعة والكون من خلال سرديات فاتنة في عذوبتها الخيالية وساحرة في أعاجيبها وخوارقها قل نظيرها في الماضي والراهن بل نكاد أن نقول إن ابن عباس يقف في الصف الأمامي من صفوف المبدعين العالميين في مجال الأسطرة والدليل على ذلك إبداعه في حقل المعراج المحمدي، هذا الحقل الذي أثار جدلاً واسعاً بين النقاد وأهل الأدب المقارن مازال محتدماً إلى يومنا هذا خاصة فيما يتعلق بدانتي وقصيدته " الكوميديا الإلهية " والتي تسمى كتاب القرون الوسطى لدى الأوربيين حيث يذهب بعض الباحثين إن قصة المعراج المحمدية هي المصدر الذي استقى منه دانتي عناصر قصيدته ولعبت هذه القصة دورا حاسما في أعظم قصيدة مسيحية. بالطبع لا يوجد في القرآن الكريم سوى إشارة موجزة لقصة المعراج وردت في سورة الإسراء: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، انه هو السميع البصير " ثم زيد عليها شرح كثير وأضيفت إليها إضافات طويلة من جانب شراح القرآن ومفسريه وكانت تلك الآية منبعاً لكل المعراجات الروحية التي ألفها المتصوفة والكتاب الإسلاميين على اختلافهم مثل المحاسبي في كتاب التوهم/ وابن عربي في إيحاءات مكة/ وابن شهيد في التوابع والزوابع/ وأبي العلاء المعري في رسالة الغفران... استنادا على تلك الآية من القرآن الكريم كان ابن عباس من رواد القرون الوسطى الأوائل في إبداع قصته المعراجية بخياله المحلق وعبقريته العجائبية، معتمداً في سردها (كما في الشروحات والتفسيرات الأخرى) على تقويل النبي الكريم مباشرة دون رواة وسطاء، أي إن ابن عباس يُنسب مروياته وسردياته إلى سماعه المباشر لأحاديث الرسول دون اللجوء إلى سماعها من رواة آخرين وهذه المنهجية المباشرة جعلت تلك المرويات موضع تصديق تام في الذهنية الإسلامية وأبعدتها عن الشكوك والطعون في صحتها إلا ان سؤالاً مثيراً للقلق يبرز أمامنا هو: كيف لصغير سن لم يرَّ محمداً إلا في عام الفيل وكان عمره حين توفى الرسول لا يتجاوز ثلاث عشرة سنه أن يروي هذا العدد الكبير من الأحاديث التي تربو على 1660 حديث، ولكن ابن عباس نفسه يُبعد مثل هذه التساؤلات فيورد حديثاً عن احد الصحابة البارزين يعزز مصداقية مروياته فيقول: كان عمر يدعو ابن عباس ويقربه ، ويقول : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وتفل في فيك ، وقال : "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ( تهذيب التهذيب 5 /279 ).
نعود إلى قصة المعراج المحمدية فقد لاحظنا اضطرابات والتباسات جذرية وواسعة بين رواتها من ناحية مضمون النص المروي ومن ناحية أسلوبه، ويختلف الرواة هل حدثت هذه القصة وكان النبي في حالة يقظة أم في حالة نوم ويزعم البعض إن القصة مجرد منام من المنامات وعن رؤية الله يقول البعض إن النبي رأى الله وجهاً لوجه على هيئة شاب بينما يقول آخرون إن النبي رأى الله على هيئة نور وقد كثر آنذاك المشككون - خاصة من المناوئين للدعوة الإسلامية - بمصداقية قصة الإسراء والمعراج النبوية وطعنوا بها وكذبوها وعلى رأسهم المعارض الكبير أبو جهل، فقد ذكر ابن عباس: َ"قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَة فَقَالُوا إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس قَالُوا ثُمَّ أَصْبَحْت بَيْن ظَهْرَانَيْنَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمِنْ بَيْن مُصَفِّق وَمِنْ بَيْن وَاضِع يَده عَلَى رَأْسه مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ قَالُوا وَتَسْتَطِيع أَنْ تَنْعَت لَنَا الْمَسْجِد وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَد وَرَأَى الْمَسْجِد فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا زِلْت أَنْعَت حَتَّى اِلْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْض النَّعْت قَالَ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ حَتَّى وُضِعَ دُون دَار عُقَيْل أَوْ عِقَال فَنَعَتَهُ وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ قَالَ وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْت لَمْ أَحْفَظهُ قَالَ فَقَالَ الْقَوْم أَمَّا النَّعْت فَوَاَللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ فِيهِ " (تفسير ابن كثير) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة : "قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي الْحُجْرَة وَقُرَيْش تَسْأَلنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس لَمْ أُثْبِتهَا فَكُرِبْت كَرْبًا مَا كُرِبْت مِثْله قَطُّ فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيَّ أَنْظُر إِلَيْهِ مَا سَأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتهمْ بِهِ"(تفسير ابن كثير).
يعود الفضل الأكبر لابن عباس دون غيره في تنظيم وترتيب قصة المعراج وبسطها بشكل تفصيلي ووافٍ وسردها بطريقة عجائبية تثير الاندهاش والاستغراب وتفصح عن قدرات هائلة لهذا المبدع الكبير، نورد أدناه نماذج من إبداعاته الخارقة:
أولا: البداية
قال ابن عباس عن النبي قال: " كنت في بيت أم هاني...... وإذا بالباب قد طرقه طارق فخرجت فاطمة لترى من بالباب فرأت شخصاً عليه الحلي والحلل وله جناحان أخضران قد سد بهما المشرق والمغرب وعلى رأسه تاج مرصع بالدر والجوهر مكتوب على جبهته لا إله إلا الله محمدا رسول الله فقالت فاطمة ما تريد قال أريد محمدا....قال فخرج النبي فلما رآه جبريل عليه السلام قال يا حبيبي قم والبس ثيابك وسكن قلبك فأنت في هذه الليلة تناجي ربك..." / (ابن عباس، قصة المعراج،بيروت .مكتبة التعاون) تختلف بداية قصة المعراج التي يرويها ابن عباس عن بقية الرواة جملة وتفصيلاً ولا ندري لماذا حصل هذا التباين والالتباس رغم إن الجميع من أصحاب النبي ومن معاصريه ومن كبار الرواة والمفسرين، فقد قال انس ابن مالك:
"لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِد الْكَعْبَة أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَة نَفَر قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ... فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى اِحْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْد بِئْر زَمْزَم فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيل فَشَقَّ جِبْرِيل مَا بَيْن نَحْره إِلَى لَبَّته حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْره وَجَوْفه فَغَسَلَهُ مِنْ مَاء زَمْزَم بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفه ثُمَّ أَتَى بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهِ تَوْر مِنْ ذَهَب مَحْشُوّ إِيمَانًا وَحِكْمَة فَحَشَا بِهِ صَدْره وَلَغَادِيده - يَعْنِي عُرُوق حَلْقه - ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا فَنَادَاهُ أَهْل السَّمَاء مَنْ ....... قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام " (تفسير ابن كثير ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ جَبْرَائِيل لِمِيكَائِيل اِئْتِنِي بِطَسْتٍ مِنْ مَاء زَمْزَم كَيْمَا أُطَهِّر قَلْبه وَأَشْرَح لَهُ صَدْره قَالَ فَشَقَّ عَنْهُ بَطْنه فَغَسَلَهُ ثَلَاث مَرَّات وَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ مِيكَائِيل بِثَلَاثِ طِسَاس مِنْ مَاء زَمْزَم فَشَرَحَ صَدْره فَنَزَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلّ وَمَلَأَهُ عِلْمًا وَحِلْمًا وَإِيمَانًا وَيَقِينًا وَإِسْلَامًا وَخَتَمَ بَيْن كَتِفَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّة ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ (تفسير ابن كثير).
ثانياً: البُراق
بُراق وهو اسم الدابة التي أسرى بها النبي محمد إلى المسجد الأقصى ثم عرج إلى السماء وقد اتفق اغلب الرواة على هذا الاسم إلا انهم اختلفوا في توصيفها وقدراتها فجعل منها ابن عباس حسب مخياله المترع بالإبداع كائناً مصنوعاً من معادن ثمينة يسير على الأرض ويشق الفضاء الكوني ويتكلم مثلما يتكلم البشر. فيقول: " قال النبي (ص) فخرجت إلى الصحراء فإذا بالبراق قائما وجبريل يقوده وإذا هو دابة خير من دواب الدنيا وما فيها عرفها من اللؤلؤ الرطب منسوج بقضبان الياقوت يلمع بالنور وآذانها من الزمرد الأخضر وعيناها مثل كوكب دري يوقد لها شعاع كشعاع الشمس شهباء بلقاء محجلة الثلاث مطوقة اليمين عليها جل مرصع بالدر والجوهر..." (ابن عباس/مصدر مذكور)
ثالثاً: السموات السبع
مثلما ذكر القرآن الكريم بوجود سبع سموات لا يختلف ابن عباس عن هذا الرقم في معراجه ولكنه يذهب ابعد من ذلك في تفصيل طويل يطلق العنان لخياله فينسب اسم خاص لكل سماء ويصف ساكنيها وما يحدث بها من أمور خارقة فيسمي السماء الدنيا بالرفيعة وهي سماء من دخان، والثانية الماعون وهي سماء من حديد، والثالثة المزينة وهي سماء من نحاس، والرابعة الزاهرة وهي سماء من فضة، والخامسة المنيرة وهي سماء من الذهب الأحمر، والسادسة الخالصة وهي سماء من ياقوتة خضراء، والسابعة العجيبة وهي سماء من درة بيضاء ويذكر ابن عباس (طبعاً كما في كل مرة عن النبي) إن بين سماء وأخرى مسافة خمسمائة عام وسمكها مثل ذلك ويرتقي النبي من سماء لأخرى فوق براق بأسرع من طرفة عين. لنأخذ نماذج بعض الكائنات الغرائبية التي يبتدعها ابن عباس من خلال خياله المترع بالأعاجيب والتي تسكن تلك السموات، النموذج الأول نجده في السماء الأولى يقول: " وإذا بملك نصفه من ثلج ونصفه من نار فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار له ألف رأس في كل رأس ألف ألف وجه في كل وجه ألف ألف لسان يسبح الله تعالى بألف ألف لغة لا يشبه بعضها بعضا...وهذا الملك موكل بأكناف السموات وهو انصح الملائكة لبني ادم"(ابن عباس/مصدر مذكور) لاحظنا إن ابن عباس ينسى ما يذكره أحيانا فيعيد تكراره في موقع آخر فعلى سبيل المثال نجد إن هذا الملك الثلجي الناري يتكرر ذكره في السماء السادسة. النموذج الثاني هو ملك الموت عزرائيل ويسكن السماء الرابعة، يقول ابن عباس في وصفه: " ملك عظيم الخلقة والمنظر قد بلغت قدماه تخوم الأرض السابعة ورأسه تحت العرش وهو جالس على كرسي من نور والملائكة بين يديه وعن شماله ينتظرون أمر الله عز وجل وعن يمينه لوح وعن شماله شجرة عظيمة إلا انه لم يضحك أبدا، هذا هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب البيوت والدور ومعمر القبور وميتم الأطفال ومرمل النساء ومفجع الأحباب ومغلق الأبواب وخاطف الشباب..." (ابن عباس/ مصدر مذكور)
رابعاً: الموت
نعثر على عينة بديعة من عجائب ابن عباس تتعلق بالموت وبكيفية قبض الاراح وقد وردت روايتها في السماء الرابعة وعلى لسان عزرائيل ملك الموت: "إن ربي مكنني من ذلك وسخر لي من الملائكة خمسة ألاف أفرقهم في الأرض فإذا بلغ العبد اجله استوفى رزقه وانقضت مدة حياته أرسلت له أربعين ملكا يعالجون روحه وينتزعونها من العرق والعصب واللحم والدم ويقبضونها من رؤوس أظافره حتى تصل إلى الركب ثم يريحونه ساعة ثم يجذبونها إلى السرة ثم يريحونه ساعة ثم يجذبونه إلى الحلقوم فتقع في الغرغرة وأتناولها كما تسل الشعرة من العجين فإذا انفصلت من الجسد جمدت العينان وشخصتا لأنهما يتبعان الروح فاقبضها بإحدى حربتي هاتين فالروح الطيبة اقبضها بحربة النور وأرسلها إلى عليين والروح الخبيثة اقبضها بحربة السخط وأرسلها إلى سجين...." (ابن عباس/مصدر مذكور)
خامساً: جهنم
يُذهلنا ابن عباس في تصويره المخيف لجهنم التي تقع في السماء الخامسة حيث يقول: " فإذا هي سوداء معتمة مظلمة ممتزجة بغضب الله وقيل إن نار الدنيا لها ضياء لأنها غسلت في بحر القدرة سبعين مرة حتى صار لها شعاع ونور ينتفع به فرأيت سبعين ألف بحر من غسلين وسبعين ألف بحر من غساق وسبعين ألف بحر من قطران وسبعين ألف بحر من رصاص مذوب على ساحل كل ألف مدينة من نار في كل مدينة ألف قصر من نار في كل قصر سبعون ألف تابوت من نار وفي كل تابوت سبعون ألف صندوق من نار في كل صندوق سبعون ألف صنف من العذاب ورأيت فيها حيات كأمثال النخيل الطويل وعقارب كأمثال البغال ورأيت فيها سبعين ألف بئر من الزمهرير..." (ابن عباس/ مصدر مذكور)
سادساًً: الجنة
نلاحظ إن ابن عباس يصل إلى ذروة توصيفاته العجائبية في وصف الجنة فيثير غرائز المتلقي خاصة غرائزه الجنسية إذ تكون المرأة احد هذه المثيرات الرئيسية بجانب الولدان والأنهار والطعام والذهب والفضة وهي تقع في السماء السابعة حسب جغرافيته، لنقرأ وصفه للجنة في هذه الفقرة المدهشة: " تأملت في أرضها فكانت بيضاء مثل الفضة ورأيت حصباءها اللؤلؤ والمرجان وترابها المسك نباتها الزعفران وأشجارها ورقة من الفضة وورقة من ذهب والثمار عليها مثل النجوم المضيئة والعرش سقفها والرحمة حشوها والملائكة سكانها والرحمن جارها...سرنا بين أشجارها وما فيها من سرور وعيون وحور وأبكار وقصور عاليات وولدان كأنهم الأقمار وخدم وحشم وكرم وأنعام ونعيم ومقام وخلود وسعود ودوام وفرح في جوار الملك العلام ورأيت قبة من لؤلؤة بيضاء معلقة بلا علاقة تحملها ولا تمسكها لها ألف باب من الذهب الأحمر على كل باب ألف وصيفة ورأيت داخل القبة ألف مقصورة في كل مقصورة ألف غرفة في كل غرفة ألف سرير على كل سرير ألف فراش من الإستبرق بين كل فراش وفراش نهر من ماء يجري وفوق كل فراش حورية تحير الناظر وتدهش الخواطر كحلاء نجلاء شكلاء دعجاء غناء أحسن من الشمس والقمر خلقها الله من قدميها إلى ركبتيها من الكافور الأبيض ومن ركبتيها إلى صدرها من المسك الاذفر ومن صدرها إلى وجهها من النور الأزهر...." (ابن عباس/ مصدر مذكور)
سابعاً: المطر/ الرعد/ البرق
عن ابن عباس يسأل النبي محمد احد الملائكة: " لِم سميت ميكائيل؟ لاني موكل بالمطر وبالنبات أكيل الماء بالمكيال وازنه بميزان وأرسله إلى السحاب إلى حيث شاء الله تعالى فعند ذلك قلت له وما الرعد وما البرق قال يا حبيب الله البرق إذا حملت السحاب الماء أرسل الله إليه ملكا يسوقه حيث يشاء فتقع له زمجرة وقعقعة فيضرب بسوطه فيخرج منه النور هو البرق..." (ابن عباس/ مصدر مذكور).
ثامناً: العرش والديك
يقول ابن عباس عن النبي محمد: " يا أخي اسرافيل في أي مكان أنا قال يا حبيب الله ارفع راسك فرفعت راسي وإذا أنا بالعرش وجميع ما رايته في السموات والارضين السبع بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة ونظرت فإذا بملك على صورة الديك عنقه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض عرفه افرق اصفر واخضر وهو ساجد يقول في سجوده سبحان الله العظيم فإذا سبح ذلك الديك سبحت ديوك الأرض جميعا وأجابو بما يقول ولما تسمعه ديوك الأرض تميل أعناقها وتصغي بآذانها لاستماع ذلك التسبيح من ذلك الديك وتخفق بأجنحتها مجاوبة بالتسبيح والتقديس لله الواحد القهار وإذا سكت سكتت..." (ابن عباس/ مصدر مذكور)
لا ننكر إن جميع الديانات دون استثناء زاخرة مروياتها بمثل هذه الخوارق والأعاجيب بحيث تشكل القسم الأكبر من متنها التاريخي ومن المؤسف أن يظل العقل الإسلامي التقليدي يتعامل مع تلك القصص والنصوص بشكل استسلامي دون غربلتها أو إخضاعها للفحص والنقد بأدوات ومناهج العلوم الحديثة، بل يصدقها بيقين تام ولا يراها غير حقائق تاريخية وقعت أحداثها حقيقة وفعلاً وكلما تعمق يقين المؤمن بها زاد صلاحه وحصل على الفلاح، مازال اغلب المسلمين يخافون اختراق دائرة المسكوت عنه ويرتعبون من كشف الأضابير المغلقة التي علاها تراب الأزمنة السحيقة، ينزعجون من التعامل مع النصوص التراثية بأدوات نقدية صارمة معاصرة تضعها في مصاف الإبتكارات الإنسانية الباهرة في حقل ما يسمى بالميثولوجيا وإن القائمين بإبداعها – مثل ابن عباس – هم من الشوامخ العجائبية النادرة في تاريخ الثقافة والأدب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عم النبي محمد، حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير ، ولد ببني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخواء البدوي في خيمة القذافي
- لماذا لا يندرج المسلمون في الحداثة ؟
- علماء الجهالة في المجتمعات الاسلامية
- ما هكذا تورد ياشيخ الإبل ؟! مصرف الزوية اعلى نماذج الفساد ال ...
- معنى التسامح في الاسلام
- ما معنى التنوير
- الظلاميون يقرعون الطبول
- نقد ثقافة الجماهير اسلامية
- اليوبيل الذهبي لاتحاد الادباء والكتاب في العراق
- التعليم في المجتمعات الاسلامية..الاستاذ اولاً
- انتبهوا: السيد مانديلا يطرق الابواب
- الشيطان في المعنى الاسلامي
- خيانة العقل في الإعجاز العلمي: كروية الأرض نموذجاً
- كيف يقرأ المسلمون احوالهم
- الثواب والعقاب في الخطاب الاسلامي
- محنة النساء في الذهنية التقليدية
- انصر اخاك ظالماً او مظلوماً: البشير نموذجاً
- مفهوم العلم بين الاسلام والحداثة
- عصا البشير وضربات الجزاء
- في الاعجاز العلمي...من يضحك على من؟!


المزيد.....




- تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد ...
- قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
- وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا ...
- مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو ...
- الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر ...
- مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
- شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها ...
- -نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام ...
- ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
- الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - تأملات في معراج العجائبي ابن عباس