|
الجديد فيما يتعلق بمسألة اوباما الجديد - القديم
عبد العزيز حسين الصاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2743 - 2009 / 8 / 19 - 08:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجدر الا نتوقع الكثير او حتي القليل من النشاط المكوكي لمبعوث الرئيس الامريكي السيد سكوت قريشن بين بلاده والسودان وماجاورنا، سواء فيما يتعلق بالاطار التطبيعي السوداني-الامريكي العام لمهمته او هدفها الدارفوري المحدد. تسويغ هذه الخلاصه لن يتم هنا بالبحث في المشهد المحلي وانما بالعوده الي السجال الذي أطلقه اختيار الناخبين الامريكيين لباراك حسين اوياما رئيسا لبلادهم. يخيل للمرء عندما يقرأ او يسمع مايقال كثيرا عن عناصر التجديد في الخطاب الرسمي الامريكي منذ مجئ الادارة الجديده اوائل هذا العام، ان مايمكن تسميته " عصر اوباما" في السياسة الامريكيه قد اشرق علي العالم. وبالاضافة الي ماأورده البعض في السجال مع هذه الرؤيه من ان السياسات الامريكيه لايصنعها في نهاية المطاف الرؤساء وانما " المؤسسة الامريكيه" المركبة من مكونات المصالح الاستراتيجيه وتأثيرات مراكز الثقل الاقتصادي-العسكري والسياسي الجمهوري -الديموقراطي، فأن هناك عنصرين غائبين عن وجهة النظر هذه يحاول هذا المقال ابرازهما. أول هذين العنصرين هو ان مايبدو تجديداً في سياسات اوباما ليس كذلك إلا لان ادارة سلفه جورج بوش كانت مغرقة في المحافظه ومزالقها العويصه وليس لصفات ذاتية في هذه السياسات، والعنصر الثاني هو ان السياسة الامريكيه هي، مثل سياسة اي دولة اخري، تتحدد الي درجة ما بردود فعل الأطراف المعنية تجاهها فهي تبقي علي قِدمها إذا كانت ردود الفعل هذه سلبيه. اذا أخذنا موضوع السياسة الامريكية تجاه العراق سنجد ليس فقط مايثبت وجود العنصر الاول وانما ان مايبدو تجديدا هو في الواقع من صنع السلف المحافظ، وبالتالي ان السياسة الامريكيه الجديده ليست كذلك الا في صياغات الخطاب الاوبامي والكاريزما التي خلعها عليه خيال العالم الثالث لمجرد انتمائه العرقي والديني الجزئي اليه. هذا الخيال ومعه بعض التحليلات اعتبر مادعاه الرئيس اوباما ابان حملته الانتخابيه " الانسحاب المسئول " من الورطة العراقيه ثم شروعه الفعلي في ذلك بعد استلامه مقاليد الامور الرسميه بخروج القوات من المدن، أحد ادلة التجديد. والحقيقة هي ان سياسة الادارة الحاليه لم تكن لتختلف في شئ عن سياسة جورج بوش السابقه لو بقيت مفردات الوضع العراقي دون تغيير خلال الفترة التي اعلن فيها اوباما التزامه بالانسحاب وبداية التنفيذ. فالوعد والتنفيذ الاوباميين جاءا بعد نجاح خطة الجنرال باتريوس قائد القوات الامريكية في العراق حتي اواخر العام الماضي وإبان رئاسة بوش في تخفيض مستوي العنف جذريا بزيادة عدد القوات الامريكيه الي 140 الفا وإنشاء مجموعات مسلحي العشائر العراقية السنيه المسماه ب " الصحوات ". هذه العشائر كانت الحاضنة الاجتماعية ومفرخة الكوادر لتنظيم القاعده، المكون الرئيسي في المجموعات المقاتله، وهما الحقيقتان اللتان اثبتهما نهائيا انحسار موجة العنف بمجرد تحول ولاءات العشائر وشبابها. وكانت هذه الموجة قد تصاعدت الي درجة الحرب الاهلية السنية- الشيعيه لاسيما خلال 2006-2008 اثر قيام القاعده بتفجير أضرحة إمامين من ائمة الشيعه في مدينة سامراء وانتشار مقاتليها وانتحارييها في كل مكان تقريبا، بما في ذلك العاصمة بغداد، خطفا وقتلا جماعيا وفرديا وتدميرا للبني التحتيه. خلال هذه الفترة كانت سمعة ادارة بوش قد وصلت الحضيض امريكيا وعالميا فالجنود يتساقطون بالعشرات والعراقيون بالالاف، وادعاءات حقوق الانسان بدت خرقة بالية علي ضوء ماكشفت عنه ممارسات سجن " ابو غريب ". ولما لم تفلح النجاحات اللاحقة في تلميع صورتها فقد ظهرت صورة اوباما بالمقارنة لها نظيفة وناضره ولكن الحقيقة هي انه لولا خطة باتريوس-بوش لما اختلفت سياسات الولايات المتحده في العراق بين العهدين. ماذا يمكن لاي دوله مهما كان جبروتها ان تفعل عندما تجد نفسها في مطحنة تستنزف أرواح شبابها ومواردها الماليه وسمعتها سوي الانسحاب المهين؟ هذا كان الخيار الوحيد امام اي مرشح امريكي للرئاسه لو استمر خليط الحرب الاهليه وانفلاتات القاعده، والمرجح عندها ان اوباما لم يكن ليفكر في ترشيح نفسه أصلا. فيما يتعلق بالعنصر الثاني في كيفية التفكير بالتجديد الممكن في سياسات اوباما، أي كونه أمراً خارج سيطرته لخضوعه لردود فعل الاطراف الاخري، نأخذ النموذج الايراني. في خطاب تنصيبه قال اوباما بالحرف مخاطبا قادة العالم الاسلامي : " نحن نبحث عن طريق جديد للتقدم الي الامام مبني علي المصالح والاحترام المتبادلين. ( رغم كل شئ... ) نحن مستعدون لمد ايدينا اليكم اذا كنتم مستعدين لبسط قبضة أيديكم ". لم يتأخر الرئيس الايراني الجديد- القديم احمدي نجاد في رد التحية بعكسها عندما اورد في خطبة له بعد ذلك مباشرة قائمة طويلة بكل إقترافات امريكا ضد ايران طوال التاريخ المعاصر بما في ذلك مساندة صدام حسين في الحرب ضد ايران واسقاط طائرة ايرانيه مدنيه اثناء تلك الحرب. وثني المستشار الفني لنجاد ذلك في مارس 2009 بمنع وفد فني امريكي أُرسل كفاتحة شهيه لتحسين العلاقات، من مقابلة نظرائه الايرانيين قائلا ان ذلك سيتم فقط اذا اعتذر الجانب الامريكي عن الاهانات والاتهامات الامريكية لايران خلال السنوات الثلاثين الاخيره. أبتلع الجانب الامريكي الصد الايراني الخشن وهذه البدايات غير المشجعه ومضي في خطة التقارب القائمه علي اسقاط التصنيف البوشي لايران ك " محور شر " واعطاء فرصة للدبلوماسيه بدلا من تهديدات القوه وضمان حقوق ايران في التخصيب النووي السلمي مقرونا بالاستعداد للتفاوض. ولانقاذ خطة التقارب هذه اتخذت الولايات المتحدة الامريكيه موقفا لينا للغايه بالمقارنة للموقف الاوروبي ازاء اتهامات التزوير التي اثيرت من قبل التيار الاصلاحي ضد فوز احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو الماضي وعملية القمع الواسعه ضد المعارضين التي تبعت ذلك. مقابل ذلك رفع أحمدي نجاد عيار الصد فاستبدل المفاوض الايراني للمحادثات بشأن البرنامج النووي باخر أكثر تشددا واتهم التيار الاصلاحي بالتعامل مع المخابرات الامريكيه، فوجد الغزل الاوبامي لايران نفسه في مياه ساخنه ازاء انتقادات الجمهوريين في الداخل والاوروبيين في الخارج مااضطره للعوده الي لغة التصلب قائلا علي لسان وزير الدفاع بأن عرض التعاون الامريكي ليس مفتوح النهايات زمنيا، بينما ذهب نائب الرئيس ابعد من ذلك بالتلميح الي أن ضربة اسرائيلية لايران لن تكون صادمة للمزاج الامريكي. بنفس هذا السياق جاءت أفعال ( اسلاميه ) أخري ، غير رسميه هذه المره، لتزيد من ضيق مساحة أي تجديد أوبامي ممكن او حتي مجرد نوايا بهذا الاتجاه. هذه امتدت من العاصمة الاندونيسيه جاكرتا الي ولاية كارولاينا الشماليه الامريكيه مرورا بولاية باوشي النيجيريه. في الاولي وقعت تفجيرات في فندقين يوم 18 يوليو الماضي وفي نيجيريا سقط المئات قتلي وفي الولاية الامريكيه كشف النقاب يوم 29 يوليو المنصرم عن مجموعة امريكيه تخطط للقتل العشوائي، والقاسم المشترك في الحالات الثلاث وشلالات الدماء والفوضي متشددون اسلاميون هم علي التوالي : الجماعة الاسلامية، حركة " التعليم الغربي حرام " وشبان تدربوا في افغانستان. معذور في الواقع من يخيل اليه احيانا ان مجتمعات المسلمين لاتنتج غير متشددين جاهزين دوما لقتل أنفسهم وأي غربي، وخاصة امريكي، يجدونه أمامهم حتي لو كان وسط عشرات المسلمين. ف ( المسلمون ) حاضرون في أي مقتلة علي مايبدو في اي زمان ومكان، لذلك تشحب في الذاكره صورة المسلم – الضحيه، أفراداً كانوا مثل السيده مروه الشربيني التي اغتيلت في المانيا أو جماعات مثل شعب الايغور في الصين، وتبقي صورة المسلم- الجلاد لتوصد الابواب تماما إزاء أي احتمالات تجديد اوباميا كان او غير ذلك فنقرأ في تصريح محقق مكتب التحقيقات الفيديرالية الذي كشف المجموعة الامريكيه بأن «الإرهاب الذي يمثله المتطرفون على أميركا لم ينته. وتهدف هذه المجموعات التي تعيش بيننا الى النيل من حريتنا وديموقراطيتنا ". متروك للقارئ بعد هذا العرض للممكن والمستحيل أوبامياً ان يقدر حظوظ نجاح مهمة مبعوثه السيد قريشن، فالمشهد السوداني لايخلو من مؤشرات للعنصرين اللذان يحددان مدي اختلاف السياسات الامريكيه الحالية عن سابقتها في اي مكان.
#عبد_العزيز_حسين_الصاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انقلاب 25 مايو السوداني كان عقاب التاريخ لليسار
-
امراه وخليجيه : يضع سره في اضعف خلقه
-
العلاقة السودانية-الفلسطينيه: مالايستحسن ان يهمله التاريخ
-
العروبه سودانيا ثم الجمهوريه- الملكيه والاحتلال التحريري
-
الدراس النيكاراجوي حول كيفية ترويض الغول الامريكي
-
الناصريه، والبعث ايضا، كظاهره غير قوميه
-
محنة اليسار مع ابطاله الجدد
-
ليس اوكامبو وانما جاريث ايفانز و ال R2P
-
من تاريخ البعث في السودان -حسن احمد عبد الهادي
-
اضاءات تاريخيه: محجوب الشيخ البشير
-
حول تقرير الحزب الشيوعي السوداني: اكتوبر 64 كثوره مضاد للديم
...
-
كتاب - مرجعات نقديه للتجربة البعثية في السودان-
-
ماالذي يجعلك استثناء ك ذكريات وتأملات سودانيه فيما خص الوحده
...
-
حكاية مارادونا وشافيز واليسار الجديد- القديم
-
السودان : من يخشي التدخل الخارجي ...الحميد ؟
-
عن فرج بن غانم وشئ من التاريخ
-
الانتقال الديموقراطي : الوسيلة قبل الغايه
-
تقرير الحزب الشيوعي العراقي : صوت للعقل
-
اخضرار قناة الجزيره وشيوعيون وبعثيون
-
اخضرار الجزيره وشيوعيو وبعثيون سودانيون
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|