|
عقل الدولة الضائع
ناهد بدوي
الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 06:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
العمل الاستشاري الهندسي في سوريا م. ناهد بدوية حتى نعرف ماذا يعني ضياع عقل الدولة، يكفي ان نستعرض ونتذكر، العشوائيات، المخالفات، يلبغا، ساحة الأمويين، ساحة العباسيين، مترو مدينة دمشق، مرآب المواصلات، .........وغيرها كثير. وكي نعرف أكثر وأكثر، يمكن أن نستعرض المفردات المألوفة جدا للمهندسين السوريين: ملحقات العقد، تعديل الدراسة، توقف، تأخر الانجاز، فشل التنفيذ بسبب قصور في الدراسات وأخطاء في التصميم. إرباكات كبيرة ناتجة عن الغموض الكبير في المواصفات، مشاريع لا تؤدي الغرض المطلوب منها....الخ. ماهو العمل الهندسي الاستشاري؟: من اللافت في سورية جهلنا جميعا، في ماذا يعنيه تماما هذا المصطلح، وهذا طبيعي جدا نظرا لانعدام وجوده عندنا فكيف نعرف شيئا غير موجود. طبعا ليس المقصود بالعمل الاستشاري الهندسي ما تقوم به المكاتب الهندسية الحالية المنتشرة بكثرة كالفطر، في أرجاء بلادنا، والتي تتشكل عادة من فرد واحد هو صاحب المكتب. العمل الذي تقوم به هذه المكاتب هو وضع التصاميم المعمارية والمدنية والكهربائية والميكانيكية للمباني والعمارات والدور السكنية، مشاريع لا يزيد فيها مستوى الخبرة الهندسية على كيفية استصدار الرخصة اللازمة للبناء. نقصد بالعمل الاستشاري الهندسي هو العمل الاستشاري الذي يعتمد على بنية مؤسساتية حقيقية، تتوفر فيها الاختصاصات العلمية المختلفة والخبرات الضرورية اللازمة لانجاز مشروع ما، كما يتوفر فيها تدرج هرمي من الخبرات في الاختصاص الواحد وبنية تحتية وإدارية تستطيع تحمل وتقديم المستلزمات الضرورية للمشاريع الكبيرة، سواء كانت مشاريع كبيرة للقطاع الخاص والموافق عليها من قبل الدولة، أو مشاريع تنموية في البنى التحتية التي تقوم بها الدولة والتي تشكل في الواقع المجموع الاستثماري والخدمي السنوي للموازنة الحكومية. العمل الاستشاري الهندسي إذن هو عقل الدولة، العقل الذي تنقل الدولة بواسطته أفكارها وخطتها وقراراتها ومستوى المشاريع والاستثمارات والخدمات التي تريدها لمواطنيها، والتي تحتاج إليها مؤسسات الدولة المختلفة كي تقوم بدورها كما يجب، وذلك بعد إقرار الخطة والموازنة. كما تحتاج الدولة إلى عقلها الهندسي الاستشاري قبل إقرار الخطة والموازنة أيضا، وذلك لرسم الاستراتيجيات والدراسة المسبقة لخطتها التنموية، وذلك بدراسة مدى ملائمة الخطة مع المستويات المختلفة المتعلقة بها المدينة، الدولة، الإقليم، العالم. وكذلك كلفتها والجدوى الاقتصادية، ومنطقيتها، أي كل مايلزم من الدراسات كي تتناسب الخطة الاستثمارية، من جهة، مع المتغيرات العالمية، والثورة التكنولوجية والمعلوماتية، من جهة أخرى مع خصوصية دولتنا، وناسنا، وتراثنا، ومناخنا، ومتطلباتنا. وتكون صياغة المراسيم والقوانين والقرارات بناء على هذا العقل (التخطيط الإقليمي ومناطق التطوير العقاري مثالا). من المألوف في بلادنا أن لايعطى العمل الفكري حقه، وغالبا مايتم تبخيس أهمية الدراسات واعتبار أن أجر الدراسة والأعمال الاستشارية مبالغ تدفع من أجل شي غير ملموس، رغم أن المبلغ المدفوع للدراسة حتى ولو بدا انه كبير الا أنه يعتبر مبلغا صغيرا جدا أمام الكلف الاضافية التي يسببها ضعف أو تعثر أو غياب العمل الاستشاري الحقيقي حيث أن الجهة الدارسة، لها تأثير كبير على تكلفة المشروع، وتشير الأبحاث العلمية، التي تمّت في الدول المتقدمة، وفي بعض دول الخليج العربي أيضاً، أن العمل الاستشاري ينعكس على تكلفة المشروع بما يقارب الـ:50 % من تكلفته الكلية، مع أن نصيبه في كافة الأحوال لن يتجاوز 3% في ظروف بلادنا، وقد تصل في أحيان كثير في الدول المتقدمة إلى 7-10% ، وقد تصل في بعض أنواع المشاريع النوعية إلى 14%). وهذا ليس غريباً، إذ أن المصمم هو الذي يحدد مواصفات المشروع وشكله وطريقة إنشاءه، وهو الذي يترجم احتياجات صاحب المشروع أو الإدارة إلى أشياء ملموسة، وبالتالي بقدر ترجمته لهذه المتطلبات، وبقدر إتقانه لعمله، وبقدّر تمكّنه من علوم التصميم والمواد الحديثة، وبقدر خبرته في هذه النوعية من المشاريع بقدر ما يكون تصميمه ناجحاً بجميع المقاييس، وهذا يساهم، بالتأكيد، في تخفيض تكاليف الإنشاء، ويزيد من عمره الافتراضي أو الاستثماري. يصرف سنويا قرابة المليار دولار على العمل الاستشاري في المنطقة العربية نصيب الشركات الاستشارية العربية منها حوالي الـ 17%، ونصيب سورية من ذلك "صفرمكعب"، نتيجة الغياب الكامل لمهنة تعتبر من أهم المهن في العملية التنموية. ألا يحق لنا أن نسأل عن الأسباب الكامنة وراء عدم نشوء عمل استشاري هندسي في بلادنا؟
تعثر عملية الانتقال من قطاع الدولة الى القطاع الخاص لم تعرف سورية العمل الاستشاري الهندسي الخاص منذ عشرات السنين. ومنذ عام 2004 بدأت محاولات متعثرة لصياغة البنية التحتية القانونية والتنظيمية اللازمة لبناء عمل استشاري هندسي خاص. الا انه في بداية العام 2009 تسارعت الخطى في هذا الاتجاه وان كانت مازالت خطى متعثرة وغير مكتملة. وذلك بصدور القرار 122 عن نقابة المهندسين والذي يحدد شروط العمل الاستشاري وكذلك صدور عدة قرارات عن رئاسة مجلس الوزراء بصدد هذا الشأن مثل القرار رقم 11 والقرار رقم 12 لعام 2009. واستمر التخبط بأن تم تجميد العمل بالقانون 122 في مؤتمر نقابة المهندسين والعودة الى القرار 88 الغير مكتمل والغير واضح. وحدد مؤتمرا استثنائيا خاصا بالعمل الهندسي الاستشاري في شهر آب من هذه السنة. ومازلنا ننتظر جميعا استكمال البنية القانونية والتشريعية الناظم للعمل الاستشاري الهندسي في سورية. وقد مر العمل الهندسي الاستشاري في سورية على ثلاثة مراحل: 1- العمل الاستشاري الهندسي الحكومي: عاش العمل الهندسي الاستشاري الحكومي مرحلته الذهبية في الفترة 1978- 1988 قد كان العمل الهندسي الاستشاري فعليا، ويمتلك الحد الأدنى من المستوى الفني المطلوب، أؤكد هنا على توفر الحد الأدنى فقط لأنه بالتأكيد كان يعاني أيضا من الأمراض والنواقص الكبيرة. ويمكن أن أذكر هنا أبرز الجهات الاستشارية التي اطلعت على تجربتها: الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية: وهي أهم جهة استشارية وكانت تمتلك كل مواصفات الشركة الهندسية الاستشارية سواء من حيث البنية الادارية والمؤسسية الناظمة لعدة مجالات عمل هندسية، تخطيط مدن وضواحي سكنية، طرق وجسور، صرف صحي ومحطات معالجة.....الخ، وكذلك من حيث توفر الكفاءات في التخصصات الهندسية المختلفة. وبدلا من أن تتطور، على العكس، تراجعت بشكل دراماتيكي حتى لم تعد تستطيع منافسة حتى المكاتب المحلية. لقد استفادت الشركة العامة الدراسات من احتكارها للمشاريع ولم تتنبه إلى ضرورة رفع نوعية عملها أو الى تطوير بنيتها. فقد كانت المشاريع تنهال عليها بدون أي جهد مبذول، وفي شروط تنعدم فيها المنافسة. وقد كان حجم عملها أكبر من قدرتها الفنية على استيعابها. فنتج عن ذلك الكثير من الأخطاء في الدراسات المقدمة للمشاريع المختلفة. وتراجع السوية العلمية فيها. ولعل مستوى الرواتب والأجور شكل عاملا حاسما في هذا التدهور حيث كانت نقطة النكوص والتراجع هي لحظة اخضاع الشركة لقانون العاملين الموحد والذي أدى إلى تخفيض الرواتب، والى إدماج الشركة في البنية البيروقراطية السقيمة المعادية للكوادر الحقيقية، ولكل تطوير وحركة وعلم، مما سبب احباط كبير لكوادر الشركة، وبدء المرحلة الطاردة للكفاءات ونزوح الكوادر الهامة منها. فرع الدراسات- 9- في مؤسسة الإسكان العسكرية: وكان أشبه بمكتب استشاري ضخم وحديث حيث اقتصر العمل به على مجال هندسي واحد وهو مجال الأبنية. الفرع -9- هو المكان الذي عملت به بعد تخرجي مباشرة، وحتى الآن مازلت أفخر بالخمس سنوات الأولى من عملي الهندسي هناك حيث توفرت فيه عناصر العمل الهندسي الاستشاري الحقيقي والتي لم أشهدها فيما بعد في سورية سواء في القطاع الخاص ام قطاع الدولة هذه العناصر: البنية المؤسسية المتناسبة مع العمل الاستشاري وتوفر الكوادر الممتازة في الاختصاصات المختلفة، وتنظيم العمل بشكل يسمح بعملية تدريب وبناء الكوادر الجديدة والشابة، لأن الخريج الجديد كان يدخل مباشرة في دراسة مشاريع كبيرة دون أن يؤثر ذلك على سوية العمل، وذلك من خلال مجموعات العمل المشكلة التي كانت تتشكل لدراسة هذا المشروع بشكل هرمي من حيث الخبرة. وبذلك يتاح للمهندس الشاب التعلم والمشاركة والاستشارة من الخبرات الكثيرة المتوفرة بالقرب منه. العنصر الثاني في نجاح تلك التجربة كان هو شعورنا اننا مهندسين هامين للمؤسسة وعلمنا مطلوب وهام، ولم نكن نخضع للاعتبارات الاخرى التي كانت سائدة في البلد ( الولاء، الانتماء السياسي). كما أن العناصر الإدارية كانت تعمل في خدمتنا وخدمة العملية الإنتاجية. على خلاف الوضع الذي أضحت عليه المؤسسة فيما بعد، حين أصبح الموظف الإداري هو الأساس، ويستطيع ان يستبيح حقوق المهندس وينتهكها عندما يشاء وكيفما يشاء. والعنصر الأهم من كل ذلك أن الرواتب كانت أفضل من أماكن العمل الأخرى لذلك فقد كانت من الأماكن الجاذبة للكوادر. هذا الفرع انتهى تألقه كذلك مثل شركة الدراسات بعد إخضاعه لقانون العمل الموحد عام 1988. 2- العمل الهندسي الاستشاري في الفراغ: بعد تراجع العمل الهندسي الاستشاري الحكومي وانعدام العمل الاستشاري في القطاع الخاص، في فترة التسعينات تقدم دور الوحدات الهندسية الجامعية التي أنشأت بعد صدور قرار التفرغ لأساتذة الجامعة. وقد استثمرت هذه الوحدات اسم الجامعة الكبير، وغياب العمل الاستشاري الحقيقي في سورية، كي تحتكر دراسة كل المشاريع الحكومية الكبيرة ومشاريع البنية التحتية. وجميع من هو مطلع على وضع هذه الوحدات، يعرف أنها عبارة عن اسم الدكتور ومجموعة من طلاب كليات الهندسة، الذين يعملون بأ جر زهيد وبدون أي آلية إدارية متطورة أو محاسبة أو تدقيق. والأمثلة كثيرة جدا على المشكلات والخسارات الفادحة التي نتجت عن دراسات تمت في الوحدات الهندسية الجامعية، واذا اعترض أي دكتور بأن وحدته لم تكن كذلك، واثبت ذلك بالدليل الملموس، فإن ذلك لن يكون أكثر من الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. القاعدة التي تقول بأنه مر على سورية حوالي عقدين من الزمن كان العمل الهندسي الاستشاري في الفراغ. 3- العمل الهندسي الاستشاري في القطاع الخاص: مرت سنوات طويلة للآن دون أن يتم السماح للقطاع الخاص بالدخول مضمار العمل الاستشاري الهندسي مما حرم البلد من توطين هذه الصناعة (من المألوف عالميا اعتبار العمل الاستشاري فرعا صناعيا رافدا للدخل القومي). في حين أننا نعرف جيدا بان جزءا لايستهان به من العمل الاستشاري في الخليج والسعودية يقوم على أكتاف المهندسين السوريين، لا بل أن بعضهم يملك شركات استشارية عربية وأجنبية. وفي سياق توجه البلاد الى اقتصاد السوق، وافساح المجال للقطاع الخاص وإعطاءه دورا كبيرا في الصناعات المختلفة.. كان من الأولى أن يتم البدء بتمكين القطاع الخاص في العمل الهندسي الاستشاري قبل غيره من القطاعات، لأن هذا القطاع بالذات سيساعد الدولة في عملية انفتاحها، وسيكون عقلها المساعد بدلا من إطلاق الأعمال الخاصة جسدا يتخبط بدون رأس. ولأن ذلك يرفع من المستوى الاقتصادي والعلمي للبلاد وبالتالي سوف نحصل على النتائج المرجوة من السماح للقطاع الخاص بالعمل، أي مساعدة البلاد على التطور وليس خلق مجالات عمل متخلفة وفاسدة أكثر من مؤسسات الدولة. ما هو العائق اليوم من تشجيع القطاع الخاص لبناء شركات ومكاتب استشارية وطنية تقوم بتطوير المهنة داخل بلادنا ودخول السوق في البلاد العربية وبلدان الجوار؟!. ماذا ينقص المهندس السوري كي يلحق بالمهندس اللبناني والمصري والأردني والتركي والايراني؟ لا يختلف المهندس السوري عنهم سوى بأن بلادهم تملك شركات استشارية ضخمة وكبيرة معروفة عالميا، لدرجة أن إحدى الشركات الاستشارية اللبنانية كان لها ترتيب عالمي مع العشرة الكبار عالميا. طبعا يوجد حاليا بعض المكاتب الهندسية الاستشارية الخاصة التي تشكلت بناء على القرارات التي لم تكتمل بعد، لذلك لم تتمايز بنيتها كعمل هندسي استشاري حقيقي بعد. دور الفساد في إعاقة تطوير العمل الهندسي الاستشاري: ان النقص الهندسي في الدراسات للمشاريع، واختفاء مراحل كاملة عنه مثل دراسات الجدوى الاقتصادية ودراسات الهندسة القيمية ودراسات الأثر البيئي. واختصار مراحل العمل التصميمي، ونقص التحريات الحقلية والدراسات الأولية للمشاريع، كل ذلك هيأ للفساد بكافة أشكاله جوا خصبا للنمو والتوسع. فعندما تكون المواصفات عائمة وغير محددة بشكل جيد، وعندما يغيب التحديد يكون من السهل التلاعب بالكميات والمواصفات، ويكون من السهل صياغة ملاحق للعقد بقيم تتجاوز قيمة العقد نفسه. وهنا يمكن أن نطرح السؤال التالي: ألا يبدو بأن غياب مهنة العمل الهندسي الاستشاري تستفيد منها الشرائح الفاسدة بشكل أساسي ؟!. لقد امتلكت هذه الشرائح الفاسدة الدور الأساسي في تغييب مهنة العمل الهندسي الاستشاري.. وهذا من الأسس الجوهرية لهذه المشكلة. ما هو المطلوب؟ الخطوة الأولى يجب أن تبدأ من التشريعات فهناك حاجة إلى تشريع يوضح آليات ومراحل العمل الاستشاري الهندسي، وتشريع يعطيه حقوقا وحضورا في حياة البلاد الاقتصادية التي ترسم لها الدولة، وقد بدأ ذلك فعلا، مثلا، بدأت الجهات العامة بوضع شرط أن يكون المتقدم لعروض الدراسات، من المكاتب الاستشارية المتكاملة، حيث كان يحق لأي مكتب التقدم إليها. كما أن هناك حاجة لتوضيح الأسس التي يجب أن تقوم عليها هذه الشركات الهندسية الاستشارية، وهنا يكون دور نقابة المهندسين، وقد بدأ ذلك بالفعل منذ عام 2004. إلا أن موضوع نقابة المهندسين أيضا له شجون كثيرة، رغم أنها أصلح جهة موجودة في سورية للقيام في هذه المهمة حتى الآن، إلا أنها أعجز من أن تقوم بهذه المهمة كما يجب، وذلك لأسباب كثيرة لا تتسع لها هذه الدراسة، والدليل على ذلك تخبطها وعجزها حتى الآن عن اقرار صيغة متكاملة للمكاتب الاستشارية الهندسية. إلى جانب سن القوانين والتشريعات اللازمة، يمكن للدولة أن تبدأ بخطوة أولى هامة تساعد على تطوير العمل الهندسي الاستشاري في سورية، وهو إعادة النظر ودراسة كل العوامل والأسباب التي أدت الى تدهور وضع الشركة العامة الدراسات والاستشارات الفنية، وذلك لتأهيلها ورفع سويتها وجعلها نموذجا للعمل الهندسي الاستشاري بحيث تضطر كل المكاتب الهندسية الاستشارية الخاصة الى تطوير آليات عملها وتقنياتها كي تستطيع منافستها. أما كيف يتم ذلك فالجواب سهل جدا ويعرفه الجميع بأن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ونرضيه ماليا ومعنويا، وأن يكون الفساد هو أول الخاسرين. إن الدولة يجب ان يكون لديها جهة استشارية حكومية تكون بمثابة المرجعية القانونية والفنية لها. ويمكن لشركة الدراسات أن تتحول شيئا فشيئا، إذا ماتم تطويرها وتحديثها، إلى الجهة التي تقوم بتدقيق كافة الدراسات. على غرار مايسمى في مصر ب"المجمعة العشرية"، وهي الجهة الحكومية التي تقوم بتدقيق كافة الدراسات في مصر، وكلمة العشرية تدل على العشر بنود التي تدققها في مشاريع الدراسات المقدمة لها. المطلوب من نقابة المهندسين على كل الأحوال يمكن أن نطالب نقابة المهندسين بمناسبة انعقاد المؤتمر الاستثنائي بما يلي: 1- ان تضع الآليات الناجعة لمعالجة الأمراض والاعاقات التي أصابت العمل الهندسي في السنوات الماضية واجتثاث بؤر الفساد دون هوادة. ودراسة اسباب الممارسات المهنية غير الصحيحة، والظواهر السلبية في مجال الاعمال الهندسية الاستشارية سواء في دراسة الجدوى الاقتصادية او الدراسات الأولية والتفصيلية والاشراف على التنفيذ وفي صيانة واستثمار المشاريع، وبما يؤمن رفع مستوى المهنة وتقديم الخدمات الاستشارية التي تحقق الغايات المنشودة وضمن الكلفة الاقتصادية للمشاريع. لم تكن نقابة المهندسين تقوم بكل هذه المهام، لأن أفق تفكيرها ونشاطها كان مقتصرا على تنظيم عمل المكاتب الفردية، وبما يخص عملية الترخيص تحديدا. بحيث أن أي مهندس يحمل اختصاصا خارج المعماري والمدني كان يعاني من غربة حقيقية في النقابة، حيث أن وجود المهندس الكهربائي والميكانيك والصحي في عملية الترخيص شكلي جدا. أما الاختصاصات الأخرى ( طرق، جسور، طبوغرافيا، محطات معالجة، هندسة اقتصادية.........الخ) فهي تندب حظها لأنه لاوجود لها في عالم المكاتب الهندسية في نقابة المهندسين. 2- العمل على وضع إجراءات تفعل العلاقة ما بين مكونات العمل الاستشاري (متطلبات الادارة والدارس والمدقق والمشرف) لتفادي القصور الحاصل في إعداد بعض الأضابير التنفيذية. 3- ترسيخ ثقافة العمل المؤسساتي والنجاح الجماعي عوضا عن منطق الاستحواذ والعمل الفردي. ومقاربة آليات ممارسة العمل الاستشاري إقليميا وعالميا، وتحسين شروط المنافسة من خلال التدريب والتأهيل المستمر للكوادر في ظل تعاظم حاجة السوق المحلي والإقليمي للخدمات الاستشارية. 4- أن يكون للمكاتب الهندسية الاستشارية هيئتها النقابية المستقلة، لتمكينها من القرار المستقل ومن العمل وفق قوانين وأنظمة عصرية قادرة على مواكبة المتغيرات العالمية واخذ دورها كاملا في تنظيم مزاولة مهنة الهندسة الاستشارية باستقلالية وفق القوانين والأنظمة المرعية، وان يكون بإمكانها الدفاع عن مصالح وحقوق العاملين بمهنة العمل الهندسي الاستشاري. 5- تقديم نماذج عقود متطورة للخدمات الهندسية الاستشارية، وطريقة جديدة لطرح العطاءات والمناقصات تتناسب مع أعمال الدراسات، والزام الجهات العامة بها، وذلك لأن عقود الدراسات الهندسية لدينا مازالت تستند إلى القرار رقم 51 لعام 2004 والذي يشمل جميع أنواع التعاقدات والتوريدات الحكومية بكافة أشكالها وتنوعها، دونما أخذ بالاعتبار لمضمون العقد وطبيعة أعماله أو أشغاله، فمن غير المعقول أن تُطبق هذه الأسس، التي تستند أساساً إلى العرض ذي السعر الأدنى، في عقود الدراسات التي تختلف بمضمونها عن عقود الإنشاء والتوريد وغيرها. فطبيعة أعمال الدراسات، والتصاميم، والإشراف الهندسي مختلفة، وهي عمل إبداعي وفكري أو عقلي بالدرجة الأولى، وتخضع لمعايير فنية مختلفة ومتنوعة، بما في ذلك المعايير الإبداعية الخاصة بالتصاميم. أي أن المستوى الفني في عقود هذه الدراسات، أهم بكثير من السعر المتدني للعرض. مع العلم بان جميع الدول في العالم، تقريباً، لديها عقوداً نموذجية وخاصة للخدمات الهندسية، معظمها مُستمد من عقد الفيديك الخاص بالتصاميم والدراسات الهندسية، أو كما يُعرف بين أهل الاختصاص "بالكتاب الأبيض"، (والفيديك: هو الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين). 6- الدفاع عن الحد الأدنى لأجور العمل الهندسي الاستشاري، عند التعاقد مع الدولة أيضا، وليس مع القطاع الخاص فقط كما هو الوضع الحالي، ومعاقبة المهندسين الذين يقدمون أسعارا بخسة للأعمال الهندسية. وكلنا يعرف انه لا يمكن للمكاتب الهندسية الاستشارية أن تتطور أذا لم تستطع عائداتها من الدراسات تغطية نفقات مقرات حديثة ومتطورة وكوادر وكفاءات متخصصة وأدوات برامج دراسات حديثة. 7- العمل على تطبيق المنهجيات الحديثة في الدراسات الهندسية والبدء بتأهيل المهندسين الاستشاريين بها. يشير الدكتور المهندس محمد شاكر في مقاله في نشرة كلنا شركاء بأن "ليس المقصود هنا تقنيات التصميم نفسها، من برمجيات حديثة وحواسيب، وإن كان اليوم ضرورياً، وإنما المقصود هو منهجية أو فلسفة التصميم نفسها. فالمشاريع الحديثة ضخمة، ومعقدة لدرجة كافية، ولذلك فهي تحتاج إلى منهجيات حديثة، أو لنقل أنها غير مستخدمة في بلادنا، فالتصميمات الحديثة تعتمد على روح العمل أو الفريق الجماعي، ويحتاج التصميم الهندسي إلى مراجعة وتقييم في كل مرحلة من قِبل فريق متخصص وخبير، وتعتمد التصميمات الحديثة على تحقيق الأداء المتميز للمشروع بأقل تكلفة ممكنة، وبالتالي تحقيق أعظم قيمة للمشروع، وهذا الأمر يستدعي مناقشة كم كبير من الأفكار التصميمية في مختلف التخصصات الهندسية في المشروع، ويستدعي الأمر كذلك مناقشة كافة البدائل الممكنة،التي تحقق أقصى فائدة أو تؤدي إلى تحسين الأداء العام للمشروع، كما يستدعي الأمر مناقشة التصاميم، لا بل المشاركة في طرح الأفكار التصميمية، مع المستخدم النهائي للمشروع end user، وهذا ما يُسمى بتقنية الهندسة القيّمية Value Engineering أو إدارة القيمة Value Management كما تُسمى حديثاً، وخاصة تفسير المدرسة أو المنهجية الأوروبية لها، كتقنية تستخدم لإدارة قيمة المشروع (وليست تكلفته كما يعتقد البعض) منذ بداية مرحلة التخطيط له، في حين أن المنهجية الأمريكية (مهد الهندسة القيّمية) تؤكد على استخدامها في مراحل التصميم المختلفة. وعلى الرغم من أن مصطلح ومنهجية الهندسة القيّمية في التصاميم الهندسية ليست حديثة، ولكن كثير من عتاة وجهابذة المصممين في بلادنا لم يسمع بها، وإذا سمع بها لا يريد للعارفين بها أن يشاركوه كعكة التصميم!!، مع العلم أنه قد أثبتت تجارب تطبيق الهندسة القيّمية في مختلف دول العالم، بما في ذلك دول الخليج العربي، خاصة في المشاريع الضخمة أو النوعية، فوائد كثيرة، ووفرت على الخزينة العامة مليارات الدولارات في مختلف دول العالم". خاتمة الهدف الأساسي من هذا المقال هو فتح حوار واسع في الأوساط الهندسية حول كيفية تطوير العمل الهندسي الاستشاري في سورية، بما يؤدي إلى إعادة الاعتبار إلى مهنة الهندسة، بعد إهمالها لعقود طويلة.
#ناهد_بدوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسوية الثالثة التعددية والاختلاف وتغيير العالم
-
لماذا نحن ممنوعات من السفر؟!
-
لو كان سيفي اكبر من وردتي كيف أكون؟
-
ابتسامة عدنان محفوض
-
إسراء وفداء وهمزة الحرية
-
لماذا مٌنعت من مرافقة زوجي في رحلته الطبية؟!
-
عمي الطاهر أحتفي بك وبجريدة السفير
-
كم من الحب خسرتِ أيتها البلاد
-
شِدّة الشِعر في فيلم هالة العبدالله
-
الاحتلال والديكتاتور
-
العنف ضد النساء والعنف ضد المجتمع
-
الديمقراطية ضحية الاحتلال والحرب
-
مجتمع إسلامي أم مجتمع ذكوري؟؟؟
-
عذرا عمر أميرلاي
-
عودة الروح _ جيل السبعينات وجيل الألفية الثانية
-
عودة الأيديولوجية القديمة
-
أنا مثلكم موجوعة، وأشعر باليتم
-
نساء ممنوعات من السفر ونساء مسرحات من العمل
-
القمع التافه
-
لماذا تأخر الشرق الأوسط عن الديمقراطية
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|