|
ايران والثورة...عودٌ على بدء (2)
عبد كناعنة
الحوار المتمدن-العدد: 2735 - 2009 / 8 / 11 - 04:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطور الفكر السياسي الشيعي:
الفكر السياسي الشيعي تأثر على مدار مئات السنين من نظرية "التقية" وهي أن يضمر المؤمن ما لا يفصح عنه خوفاً من بطش مغتصبي الحكم. وهي نتيجة مباشرة للتاريخ الدموي والإضطهاد الدائم لأتباع المذهب الشيعي وأئمة الشيعة على مدار التاريخ. لكن هذه النظرية، التقية، حولت المذهب الشيعي الى مذهب ساكن والحراك السياسي الشيعي الى سلبي ومسيحياني الى أبعد الحدود. فكان واجب المؤمنين ومهما وقع عليهم من ظلم، الجلوس وانتظار الإمام الثاني عشر الذي إختفى قبل مئات السنين لكي يظهر ويملأ الدنيا عدلاً. وكان الاعتقاد السائد لدى الشيعة بأن كل دولة غير دولة الإمام المهدي المنتظر هي دولة ظلم وكفر.
بداية التغيير في الفكر الشيعي فرضها التطور التاريخي الذي فتح باب الاجتهاد لأصحاب المذهب الشيعي حيث لا يمكن تعطيل أمور الدنيا والدين مئات السنين بلا البحث عن حلول ومواقف فقهية واعطاء أجوبة للمؤمنين. بدايةً تم بناية نظرية "النيابة العامة" حيث سمح للفقهاء ورجال الدين الشيعة بجمع الزكاة من المؤمنين (بعد ان كانت معطلة) نيابة عن الامام الغائب وسمح لهم بالخوض في الأمور الدينية لكن منع هؤلاء من قيادة الأمة أو التصدي لامور السياسة والتي بقيت محفوظة لعودة الامام.
في العام 1501 ومع بناء المملكة الصفوية في ايران على أيدي الشاة اسماعيل بن صفي الدين ومع اعتناق هذا الشاة للمذهب الشيعي كمذهب رسمي للدولة كان هناك حاجة الى نظرية تستطيع "التحايل" على نظرية "الانتظار" للإمام المهدي. واعطاء الملك شيء من الشرعية لكي يستطيع الحكم باسم الإمام المنتظر وهذا بالفعل ما كان حيث إدعى الشاة اسماعيل بن صفي الدين أن الأمام علي والإمام المنتظر قاما بزيارته وفرضا عليه إقامة الدولة الشيعية وأن يكون نائباًً للإمام حتى عودته. وكان له ما أراد تحت اسم "النيابة الملكية" للإمام. (الكاتب، 1998: 374-381).
لكن هذا التحايل لم ينطلي على الأغلبية المطلقة من رجال الدين الشيعة والذين رأوا أيضاً بفترة حكم الدولة الصفوية كاغتصاب للحقوق الشرعية للإمام المنتظر. في لجة الصراع السياسي داخل الدولة الصفوية ومن بعدها الدولة القجارية في ايران نشأ فريقان من الفقهاء سمي الأول "بالإخباري" وهو الفريق الذي قاطع الاجتهاد حتى أن غلاتهم حرموه ومنعوه واعتبروا أن على المؤمنين الشيعة البقاء على "الانتظار" الى يوم ظهور الإمام من غيبتة في حين كان الفريق الآخر والمسمى "بالأصولي" قد فتح باب الإجتهاد واسعاً في المذهب الشيعي وقسم المؤمنين الشيعة الى قسمين: فإما ان يكونوا مجتهدين واما ان يكونوا "مقلدين" أي أن يتخذوا لهم مجتهداً قيقلدوه في أمور دينهم ودنياهم. وهو الأمر الذي أعطى لرجال الدين الشيعة قوة ومقام والتفاف من قبل المؤمنين لم يحصل علية رجال الدين السنة.
التجديد الآخر في الفكر السياسي الشيعي كان مع ادخال الشيخ احمد بن محمد مهدي النراقي مفهوم "ولاية الفقيه" لقاموس الفكر الشيعي وهي النظرية والرأي الذي ذهب اليه الشيخ النراقي بناءً على استدلالات منطقية بحيث إعتبر النراقي أنه لا يمكن للأمة أن تستمر بلا وجود فقهاء يحكمون ويحكّمون بين الناس وأن العلماء وبما انهم خلفاء الأنبياء والأئمه فمن حقهم لا بل من واجبهم أخذ زمام الأمور الى أيديهم والتصدي للقيادة السياسية وليس فقط الدينية. مع العلم ان الشيخ النراقي لم يحصر الولاية بفقيه واحد بل شجع الفقهاء المختلفين كلٌ حسب مكانه بأن يعملوا الأطر السياسية من حولهم وأن يتصدوا للقيادة السياسية وأن لا يكتفوا بإعطاء الحكام صك الأمان لقيادتهم.
من هنا فإن "نظرية ولاية الفقيه" هي ليست نظرية مستحدثه لدا الإمام الخميني في القرن السابق وانما سبقه اليها علماء آخرون كانوا قد عبدوا له الطريق لينقل هذه النظرية الى مرحلة والى مستوى أعلى.
الخمينية وولاية الفقيه المطلقة:
على الرغم من أن نظرية ولاية الفقيه هي ليست في أساسها من تفتقات ذهن الامام الخميني لكن مما لا شك به أن هذه النظرية إرتبطت باسمه بشكل كامل لكونه المتبني لها واستطاع من خلال أعماله الفقهية ومحاضراته المختلفة أن ينقل هذه النظرية نحو "المطلق" (في مراحل معينة من الثورة الايرانية- وهو الأمر غير الموجود اليوم على الرغم من الاعتقاد الخاطئ بقدرة الولي الفقيه فعل ما يشاء) وكان هو أول المطبقين لهذه النظرية من خلال الثورة الايرانية في العام 1979.
الخميني دمج ما بين نظريتي "النيابة العامة" و "ولاية الفقيه" وحوّل الفكر السياسي الشيعي من مجرد اعطاء صكوك للحكام ليحكموا باسم رجال الدين الى حكم مباشر من قبل رجال الدين الشيعة. اما الخطوة الإضافية التي قام بها الخميني في بدايات الثورة وما قبلها كانت وجوب اتفاق رجال الدين وبالأساس مراجع التقليد (وهي المرتبة العليا ضمن هرمية رجال الدين بحسب المذهب الشيعي) على توكيل أحدهم ليكون هو الولي الفقيه مع إشتراط سموه من ناحية فقهية من جهة وإشتراط العدل والعلم به. وبالتالي فقد تم إسقاط الشروط الأساسية التي كان يقوم عليها الفكر الشيعي الكلاسيكي والذي كان يحصر القيادة السياسية بالإمام المعصوم عن الخطيئة وان يكون من نسل النبي محمد من جهة إبنته فاطمة الزهراء والامام الأول علي بن أبي طالب.
لقد كان التطوير الخميني لنظرية ولاية الفقيه هي ثمرة تطور الفكر الاجتهادي لدى الشيعة وهي كذلك ثمرة مقت الخميني ورجال الدين "الثوريين" للسلبية التي إتسم بها المذهب الشيعي على مدار عصور وعصور، واستمرار الإحتكام الى نظرية "الانتظار" حتى مجيء الامام المعصوم. لقد بلغ بالامام الخميني أن شبه هذه النظرية (أي نظرية الانتظار) في كتابه الحكومة الاسلامية بأنها أسوء من أن يقال عن ان كل الدين الاسلامي ما هو الا دين منسوخ (الخميني 1979: 25-26).
يكفي الامام الخميني هذه المقولة لكي يعتبر وبحق رجل دين "ثوري" الى أقصى الحدود (قد لايكون ثورياً بالمعنى الكلاسيكي أو الماركسي للكلمة لكن ومع ذلك فهو ثوري). فهو يقلب مئات السنين من المفاهيم بتعاليمه الجديدة. الامام الخميني أكد على أن الإمامة كمؤسسة وكضرورة يجب ان تستمر أيضاً في فترة غياب الإمام المهدي وإلا فسيبقى الدين والحدود وامور الناس معطله لفترة آلاف السنين قد يستمر خلالها الإمام غائباً مختفياً عن أنظار المؤمنين. وبالتالي فإن الأفضل لقيادة الأمة، بحسب رأي الخميني، في زمن غيبة الإمام هم رجال الدين. وأكثر من ذلك يستمر الإمام الخميني ليقول في كتابه "الحكومة الاسلامية" أن الله أعطى للحكومة الاسلامية في فترة الغيبة، كل ما كان للنبي ولأمير المؤمنين (علي بين ابي طالب). أي أن الحكومة الاسلامية متمثله بالولي الفقيه لها الحاكمية المطلقة على رقاب العباد تماماً كما كان للنبي محمد الحاكمية المطلقة في فجر الديانة الاسلامية. وفي احدى الرسائل التي أرسلها الإمام الخميني الى رئيس الدولة بعد انتصار الثورة قال أن باستطاعة الحاكم تدمير المساجد اذا كانت مصلحة الدين والدولة تحتاج الى ذلك وإن لم تكن هناك طريقة أخرى لإصلاح الوضع. (الكاتب 1998: 423).
(يتبع)
#عبد_كناعنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايران والثورة... عود على بدء 1
-
هل ينجح اليسار الفلسطيني بأن يتحول الى بيضة القبان؟
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|