|
سيد القمني شعلة التقدم الإنساني في وجه الظلام !
صلاح يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2715 - 2009 / 7 / 22 - 06:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يعد سيد القمني مجرد كاتب صحفي يكتب مقالاته لمناكفة أرباب التخلف في المحروسة، ولم يعد مجرد مفكر تؤرقه أحوال أمته البائسة، وهو لم يكن كاتباً يمارس الترف الفكري لأنه لا يجد ما يفعله سوى الجلوس خلف الكيبورد. سيد القمني لا يحارب طواحين الهواء ولا يشهر سيفاً دونكيشوتياً في وجوه خصومه الذين تسببوا في هزيمة العقل العربي ما أدى إلى هزيمتنا الفاضحة والمخزية في الاقتصاد والزراعة والدفاع القومي وفي شتى صنوف المعرفة ومجالات الحياة. يدرك القمني أن هزيمة العقل تؤدي إلى انتكاسة حضارية شاملة في كل الميادين، لذا لم يتوجه سيد القمني لمناقشة موروثنا الثقافي بعقلية ناقدة ألمعية بمحض المصادفة، بل كان يعي ويدرك تماماً أن معركته إنما هي معركة العقل العربي الإسلامي الذي هزم بصورة ساحقة عندما هزم ابن رشد وحرقت مؤلفاته بضمنها كتابه الأكثر شهرة " تهافت التهافت " في واقع 77 مجلداً، فأي طاقة تلك التي بذلها العلامة ابن رشد في نفس المعركة التي يخوضها القمني الآن ؟
لقد أنتجت مصر المعاصرة للعالم العربي كوكبة من المفكرين والكتاب العظام أمثال محمد العشماوي والمرحوم خليل عبد الكريم وحسن حنفي نصر حامد أبو زيد والشهيد فرج فودة والمرحوم محمود أمين العالم ومن قبل طه حسين وقاسم أمين وغيرهم. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا الحملة ضد سيد القمني وحسن حنفي بالذات ؟! هل كانت الجائزة التي حصل عليها سيد القمني هي القشة التي قصمت ظهر البعير ؟ أم أن دهاقنة الفكر الديني وباباوات الإسلام قد فهموا أن الجائزة هي تصريح واضح من الدولة المصرية لإطلاق حرية الفكر والإبداع والنقد دون رهبة من مقدسات هي من تأليف بشر تمخضت عن التحالف الطويل والقديم بين الأنظمة الفاسدة والدين ؟!
بعد قراءتي لكتاب رب الزمان الذي اقتنيته من معرض للكتاب أقيم في بغداد عام 1998، تعرفت على سيد القمني، وفور انتهائي من قراءة الكتاب لم أحتفظ به، بل قمت بتمريره إلى صديق شغوف بالمعرفة، ليقوم هو بدوره بتمريره إلى آخرين. لم يكن أمامنا في ظل حكومة صدام ونظام البعث الفاشي سوى خيار تداول الكتب بسبب ندرتها. بعد ذلك وقع في يدي كتاب للقمني بعنوان " الفاشيون والوطن " وهو عبارة عن سلسلة من المقالات كان قد كتبها في مجلتي روزاليوسف والقاهرة. لم يكن القمني مجرد مثقف يريد التعبير عن وجهة نظره بمقالة واحدة كل عام أو عامين، لقد كان - وما زال - يخوض حرباً ضارية ضد رموز التخلف، ويسعى بكل ما أوتى من إبداع عقلي لأن يفكك ما ترسخ في الأذهان كمقدس بينما هو من صناعة السلطة وعقيدة السيطرة على عقول الدهماء والعامة. بعد قراءتي لملاحم " الفاشيون والوطن " صممت على اقتناء الأعمال الكاملة لهذا المحارب. لقد كان سيد القمني إنساناً يسعى لاستنهاض أمة بأسرها، وأغلب الظن أنه نجح في مهمته، إذ يكفي أنه قام بتأسيس مدرسة في نقد الخطاب الديني هي الآن جاهزة لاستكمال ما كان قد بدأه وكرس لذلك جل حياته.
لقد أوليت اهتمامي لدراسة الحضارات القديمة في واد النيل ووادي الرافدين، وقد استنتجت من خلال اطلاعي على بعض المؤلفات أن الحركة النقدية للمعتقدات في مصر والعالم إنما كانت موجودة منذ طرح الإنسان القديم تصوراته عن الإله والحياة الأخرى ومتعلقات الغيب من جنة ونار وعذاب وشياطين. سأهدي القاريء العزيز بعضاً من أشعار الشكاكين والملاحدة في مصر الفرعونية:
شدد عزيمة قلبك على النسيان إجعله ممتعاً لك أن تتبع هواك وأنت عائش زد كثيراً مباهجك ولا تدع للتراخي سبيلاً إلى قلبك اتبع هواك وما هو صالح لك كيّف أمورك في الدنيا وفق أوامر قلبك إلى أن يحل يوم النواح عليك عندما لا يسمع ساكن القبر نواحهم *** احتفل باليوم البهيج لا تكن متعباً فيه هاكم: لا يأخذ إنسان سلعة معه بلى، لا يعود أحد مرة ثانية ذاك الذي ذهب هناك
لقد كنت سابقاً على وشك المشاركة ببعض المقالات عن الجذور التاريخية للإلحاد مع الإخوة سامح سلامة وبسام البغدادي، وربما أتفرغ الآن لإنجازها، رغم أن القمني لم يعلن إلحاده بل يواظب على الدوام كتابة ( صلى الله عليه وسلم ) كلما أتى على ذكر النبي محمد.
مهما يكن الأمر، فالناس العقلاء لا يتقبلون بسهولة أموراً تتناقض مع البداهة الإنسانية، حيث شدد الفيلسوف ديكارت على أن أنه لا يصح للمرء أن يتقبل أمراً ما لم يكن متأكداً أنه كذلك بالبداهة، فهل من البداهة أن ينشق البحر أو يبتلع الحوت إنساناً ؟ وهل حقاً أن الشمس تغرب في عين حمئة وأن الشياطين تسرح وتمرح في وقت ما بين العصر والمغرب ولذلك فالصلاة مكروهة في هذه الأوقات ؟ وماذا مع البلاد التي لا تغرب فيها الشمس أو أنها لا تطلع حيث لا عصر ولا مغرب ؟ متى يستيقظ العقل العربي ويدافع عن نفسه ضد القمع الوحشي الذي يمارسه دهاقنة الإسلام ؟ والسؤال الأخير: ما هي الإجراءات المقترح اتخاذها من قبل المثقفين العرب فيما لو حدث مكروه لسيد القمني ؟!! هذا هو السؤال !!!
#صلاح_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرف الغربي والشرف العربي الإسلامي
-
حماية الحوار المتمدن من المتطفلين ومرضى الوهابية: الحائرة نم
...
-
الإسلاميون في الحوار المتمدن
المزيد.....
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|