لماذا التخويف من الاخوان؟؟

عادل البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 03:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الإخوانفوبيا!!!
كاتب أكاديمي عراقي
منذ تأسيسها بمدينة الإسماعيلية عام 1928 على يد الشيخ حسن البنا (يرحمه الله) وجماعة الإخوان، كبرى الجماعات الإسلامية (ليس في مصر فحسب بل في العالم كله)، تتعرض إلى حملات شرسة من أطراف عدة منها سلطوية ومنها فئوية ومنها قوى خارجية، ومن صحف ووسائل إعلام متباينة الإتجاهات. وها هي اليوم تتعرض في مصر إلى حملة شرسة من قبل السلطة أدت إلى إعتقال المئات من أنصارها بذرائع متنوعة متجددة آخرها "قضية التنظيم الدولي"، و"غسيل الأموال"!!.. وكان الرئيس المصري قد شن حملة على الجماعة، وأعلن صراحة أنه لن يجيز قيامها لأن ذلك مخالف للدستور المصري الذي يمنع قيام أحزاب ذات صبغة دينية، ودعا مبارك أتباع الحركة للإنضمام الى الأحزاب المدنية المجازة القائمة في الساحة المصرية.

كما شهدت الشهور الأخيرة تصاعد الحملة الشرسة التي تشنها السلطات المصرية ضد الجماعة، من إعتقالات، وتوجيه اتهامات بالتآمر، وبالتدريب العسكري وتشكيل ميليشيا، وتهم التورط في غسيل أموال، وأخيرا طلعت علينا نيابة أمن الدولة العليا بإتهام عدد من الشخصيات العربية بالمشاركة في قضية (التنظيم الدولي) للاخوان. وأشار محضر التحريات في نفس القضية إلى 90 شخصاً من بينهم رئيس مجلس النواب العراقي إياد السامرائي والداعية السعودي عائض القرني والداعية المصري الشيخ وجدي غنيم المقيم بالخارج، فضلا عن الدكتور اشرف عبد الغفار الموجود رهن الإعتقال متورطون بتهمة (التنظيم الدولي) والارتباط بتنظيمات الاخوان الاخرى في العالم، وتلقي أموال بصورة غير مشروعة.

ولقد وصف المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف مسألة الزج بأسماء لشخصيات عربية في إطار الزعم بأن هناك خلايا تعمل ضد مصر، بأنها (حماقات أمنية! من شأنها أن توقع بين مصر وشقيقاتها الدول العربية)، وقال (إن تهمة التنظيم الدولي هي من جملة الافتراءات بهدف توجيه ضربة ماحقة للجماعة، بعدما اكتشفت السلطات حجم التأييد الشعبي الواسع الذي تتمتع به).

محامي الجماعة عبدالمنعم مقصود أعلن (أن التهم الموجهة إلى قيادات الجماعة؛ في محاضر التحريات هي نتاج خيال الجهات الأمنية التي تفرغت لشيء واحد ألا وهو إعلان الحرب بلا هوادة على الإخوان، وكل من يسعى لدعم الشعب الفلسطيني). وقال عبد المقصود إن محضري التحريات في (قضية التنظيم الدولي للاخوان) هي محض أكاذيب وافتراءات أشرف على إعدادها ضباط كبار في المؤسسة الأمنية يضاهون خيال مؤلفي أفلام الجريمة والإثارة. واختتم كلامه قائلاً: المطلوب إسكات صوت الجماعة ووقف نشاطها في رصد الفساد، والحد من حركتها لتمهيد وتيسير الفرصة للحزب الوطني .

د. ضياء رشوان الباحث في فكر الجماعات الجهادية إعتبر أنّ الزج باسم رئيس البرلمان العراقي في القضية نوعا من المسِّ بعلاقات مصر الخارجية، خاصةً أن السامرائي كان في القاهرة بزيارة رسمية يوم 23 يونيو الماضي والتقى خلالها رئيس الجمهورية وعددًا من كبار المسؤولين. أما أياد السامرائي رئيس مجلس النواب العراقي فقد نفى الاتهامات حول انتماءه للتنظيم الدولي او انه التقى احدا من قيادات الجماعة أو نوابهم خلال زيارته (القصيرة والمبرمجة من قبل الحكومة ومجلس الشعب)، وقال أنه متفرغ للشأن العراقي منذ 2003 واعرب عن اسفه للزج باسمه مطالبا الجانب المصري بتوضيح ملابسات الموضوع!.. والمعروف ان اياد السامرائي ليس هو مسؤول الاخوان بالعراق، وحتى في الحزب الاسلامي فإن د أسامة التكريتي بموجب الانتخابات الاخيرة اصبح هو المسؤول الأول وليس أياد السامرائي، كما أن المرشد العام لاخوان العراق يقيم خارج العراق (في اليمن) منذ سنين طويلة.

أما المتهم الآخر وهو الشيخ عائض القرني فقد سخر من التهم وقال ان سبب الزج باسمه هو موقفه المبدئي والحاد من مسألة الكيان الصهيوني وحكم من يتعاون او يتصالح معه، وقال "أن أصابع صهيونية قذرة تغلغلت في مفاصل النظام المصري على المستوى الأمني والسياسي. وأضاف: " للاسف فالأمور تصمم في الموساد والتنفيذ يكون في القاهرة، هذه الفاقعة الإعلامية الشائعة من بعض أصابع الموساد الإسرائيلية في مصر".

بالرغم من كل مايثار ضد هذه الجماعة، فإنها في نظر الكثيرين من المفكرين تعد من أوضح الحركات الإسلامية منهجا وفكرا، وأكثرها إعتدالا ووسطية، ومن يتصفح أدبيات المرجعية الفكرية للجماعة يجدها تنطلق من خطين غير متناقضين هما رسائل (حسن البنا 1906-1949) التي تتسم بالبساطة وسهولة الأسلوب والإختصار، وفكر (سيد قطب 1909-1966) المتسم بالعمق الإيديولوجي. ووجه الاختلاف بينهما أن حسن البنا كرس نفسه للتنظيم وللإصلاح بدءا بإصلاح الروح وأعطاهما الأولوية، أما سيد قطب فقد أعطى الفكر والاعتقاد السياسي الأولوية، فكرس نفسه للتمييز بين الكفر والإيمان في علاقة الحكم والحاكم بالمحكومين. ولعل من ابرز الأزمات التي مرت بتأريخ الجماعة كانت أواخر الأربعينات بعد أن تصدت الجماعة لفساد الحكم الملكي وإنتهت بإصدار النقراشي باشا رئيس وزراء مصر في 8/12/1948 قراراً بحل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها ومن ثم إنتهت الأزمة بإغتيال الإمام حسن البنا في 12/2/1949، وبعد ثورة يوليو 1952 حصلت المحنة الثانية بنشوب الصدام بين عبدالناصر والجماعة 1954 وإتهامها بتدبير محاولة إغتياله ومن ثم زج بقيادييها في المعتقلات وأعدام عدد منهم من بينهم عبدالقادر عودة وتم حل التنظيم. والأزمة الثالثة كانت عام 1965 مع عبدالناصر أيضا حين أعلنت السلطات المصرية عن كشف مؤامرة إخوانية، وعلى أثرها تم إعدام المفكر الاسلامي سيد قطب عام 1966 مع عدد من كبار قياديي الجماعة، وزج بالمئات من أنصارها في السجون حتى إطلاق سراحهم على يد الرئيس أنور السادات أوائل السبعينات. ورغم أن كل أزمة من تلك الأزمات كانت قادرة على محو التنظيم تماما إلا أن الجماعة كانت تمتلك مقومات الديمومة والإنبعاث وفي كل مرة كانت تنطلق من محنتها إلى دورة جديدة من الحياة والعمل وكأنها تنطلق لأول مرة. وللجماعة مواقف مشرفة في حرب فلسطين 1948 وفي المقاومة ضد الانكليز في القنال.

إن الحملة الجديدة على (الإخوان)، من قبل أطراف عديدة مختلفة الإتجاه والتفسير، تؤكد أن الجماعة باتت تشكل خطرا على الكثيرين سواء من السلطويين أو من الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى، فالسلطة تتغافل عن حقيقة مد الجماعة المتوسع بين صفوف الشباب والطلبة وعموم الجماهير، بالرغم من الإعتقالات والمطاردات ومنع إجازة الجماعة أو التصريح لها بالعمل السياسي، فان الأحزاب والقوى الأخرى أصبحت توقن أن زمام الأمر في الشارع قد بات بيد الجماعة، رغم أنها محاربة ومحظورة من السلطة.. كما أن القوى الدولية باتت تدرك الحجم الحقيقي للأخوان في الشارع المصري والعربي، وأصبحت تتفهم توجهاتهم الوسطية المعتدلة ونبذهم للعنف..

كثيرون يرون أنّ مسألة (التنظيم الدولي) للجماعة، هي (مفخرة) لمصر التي لها الفضل في بزوغ حركة تنويرية وسطية تدعو الى العدالة والانصاف وتحكيم شرع الله دونما عنف ولا إرهاب وهذا ما شهد به سياسيون ومفكرون ومحللون عالميون من شتى الاتجاهات والأفكار، وإذا كنا نقبل اليوم أن يكون للاحزاب الشيوعية مرجعية عالمية (تجمع الاحزاب الشيوعية)، وللحركات الاشتراكية مرجعية (الاشتراكية الدولية)، فلماذا نرفض أن يكون لحركات الاعتدال والتنوير الاسلامي (مرجعية دولية) ينبغي لمصر أن تفخر بأنها أم الدنيا، وأم المسلمين!

#عادل_البياتي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات