فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 2707 - 2009 / 7 / 14 - 09:12
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أن الأحتفاء بثورة 14 تموز 1958 يكتسي بأهمية وطنية كبيرة في الظرف الراهن , لسبب يميزها إنها ثورة عراقية وطنية أحدثت تحولات جذرية عميقة في المجتمع والدولة ولتأثيراتها الأقليمية والدولية كما إنها ثورة ذات طابع شعبي , إنتصرت عندما إقتحمت الجماهير والقوات الوطنية ساحة الحرية والديمقراطية وبهذا فأنها عبرت عن مطامح وتطلعات الملايين من أبناء الشعب العراقي , ولا تستطيع أي جهه عراقية أن تتنكر للثورة ولدورها ولمبادئها الوطنية السياسية والأقتصادية والأجتماعية والتعليمية والثقافية وفي مجال الخدمات . وإنها تجسد الحقيقة المطلقة للنضال الجماهيري طيلة العقود التي إمتدت من ثورة العشرين إلى ثورة تموز, فأن الأحتفال بها هو إحتفال بالنضال الوطني لشعبنا وأحزابة السياسية التي قدمت التضحيات الجسام من أجل تحرر الوطن ونيل إستقلاله التام وأن بلدنا بحاجة اليوم لمبادئها الوطنية التي تعبر عن الأرادة الشعبية التي إنتزعت حريتها وتحررها من السيطرة الأستعمارية وشيدت آنذاك وطناَ حراَ ذات سيادة كاملة وكرامة ووحدة وطنية راسخة لشعبنا دون تمايز قومي أوطائفي مقيت .
تأثير الثورة على الصعيد الوطني :
كان للثورة تأثير على مسيرة التأريخ المعاصر لشعبنا , فأحدثت تحولات جذرية عميقة في الدولة والمجتمع , فحصلت بجدارة على لقب الثورة العراقية الحقيقية الأصيلة , فهي من حيث الجوهر أحدثت تغيرات على مصالح الطبقات والفئات الأجتماعية المختلفة للمجتمع , من المنطلقات السياسية والأقتصادية والأجتماعية من جهه ولتأثيرها على النظام السياسي من الجهه الأخرى . فأن التغيرات الجذرية التي قامت بها ثورة تموز لا يمكن لأي منصف أن يغض الطرف عنها أو يتناساها فهي حقيقة ساطعة إلى اليوم راسخة في ذاكرة شعبنا العراقي . حررت العملة العراقية من الكتلة الأسترلينية وألغت النظام الأقطاعي وقوانينه وحررت الملايين من الفلاحين الفقراء من إستغلال الأقطاعيين لهم , وذلك بأصدار قانون رقم 30 لسنة 1958 للأصلاح الزراعي , وقد أصدرت الثورة قانون رقم 80 وقد حررت بموجبه 99.5% من الثروة النفطية العراقية من سيطرة الشركات النفطية الأحتكارية , وقد تطورت وإزدهرة الصناعة الوطنية , وقد بنت الثورة مئات الأحياء السكنية ووزعتها على الفقراء من أبناء شعبنا في كل محافظات العراق ( ومدينة الثورة هي معلم وشاهد على هذا الأنجاز الكبير لثورة 14 تموزالخالدة) , وبعد أسابيع قليلة من عمرها تم سن الدستور المؤقت للبلاد بهدف إقامة سلطة القانون وإشاعة الديمقراطية في الحياة السياسية , وأكد الدستورعلى شراكة العرب والأكراد في هذا الوطن كما تهيأت الظروف لأجازة أحزاب سياسية ومنظمات إجتماعية ومهنية تمارس النشاط العلني مثل نقابات العمال والأتحادات الفلاحية ورابطة المرأة العراقية وبقية التنظيمات النسائية وإتحاد الطلبة العام وإتحاد الشبيبة الديمقراطي ونقابات مهنية للمعلمين والمهندسين والحقوقيين والأطباء ....إلخ.وقد صدر قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي ضمن حقوق المرأة , إنها ثورة أصيلة تحررية لقد دخلت التأريخ فهي ليست ظاهرة سطحية أو إنقلاباَ عسكرياَ مجرد إنه غير الحكم من الملكي إلى الجمهوري إنها قد حققت الأنجازات السياسية والأقتصادية والأجتماعية وقد حررت منتجي الشعب ( العمال والفلاحين ) من الأستغلال. وقد إمتد تأثير ثورة تموز على الساحتين العربية والدولية وأضعفت التواجد العسكري الأستعماري في الشرق الأوسط .
تأثيرات ثورة 14 تموز على الوضع الأقليمي والدولي :
كان لثورة تموز تأثير على محيطها الأقليمي والدولي فقد إتخذت الحكومة مجموعة من الأجراءات في مجال السياسة الخارجية تركت آثاراَ على الأوضاع الأقليمية والدولية , وكان طابع التوجهات الجديدة للجمهورية الفتية هي مساندة ودعم حركات التحرر العربية والوطنية وساهمت في تقويض النفوذ الأستعماري في المنطقة وقد كانت هذه التوجهات الجديدة سريعة جداَ وأحدثت صدمة وردود فعل لدى الدوائر الغربية . فقد إنسحب العراق رسمياَ من حلف بغداد . وقد حررت هذه الخطوة العراق من فلك الأحلاف العسكرية الأستعمارية , وبنفس الوقت قوضت التواجد الأجنبي وأصبح الجيش العراقي حراَ لا يتحرك بأوامر الأنكليز والأمريكان ليتحول إلى أداة لضرب الشعوب العربية . وقد أقامت الثورة في أيامها الأولى علاقات دبلوماسية مع الأتحاد السوفياتي ومجموعة من بلدان أوربا الشرقية آنذاك وعقدت معها إتفاقيات إقتصادية وتجارية وثقافية , وساندت الثورة نضال الشعوب العربية الواقعة تحت الهيمنة الأستعمارية والأحتلال وقدمت المساعدة والأسناد للشعب الجزائري والشعب الفلسطيني وشعب ظفار وتبنت الثورة سياسة عدم الأنحياز وألغت جميع الأتفاقيات المعقودة بين بريطانيا وأمريكا التي هي مخلة أصلاَ بالسيادة والأستقلال الوطني , إنها قد غيرت موازين القوى في المنطقة لصالح قوى التحرر والديمقراطية وقد وجهت الثورة ضربة قوية إلى الوجود الأستعماري في العراق , والذي كان يشكل العراق حلقة هامة من الناحية الأستراتيجية والأقتصادية والجغرافية . وبهذا قد تزعزت مواقع الأمبريالية في المنطقة . وقد إستعدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لبدء التدخل العسكري لأسقاط الجمهورية العراقية الفتية . إلا أن هذا التحرك العسكري قد إصطدم بالمواقف الصلبة للأتحاد السوفياتي آنذاك ووجهه إنذاره الشهير يحذرهم من التدخل , مما إضطر الأمريكان والأنكليز إلى سحب قواتهم من لبنان والأردن. ولقد خسرت الشعوب العربية وكل حركات التحرر الوطني والعالم دولة الأتحاد السوفياتي بتفكه وإنهيار تجربته الذي كان مسانداَ وداعماَ لنضال الشعوب ومحافظاَ على السلم والأمن الدوليين . وأن التآمر لم يتوقف لأجهاض الثورة من قبل القوى الداخلية والخارجية المرتبطة بالدوائر الأمبريالية , وأن الذين أسقطوا الثورة في 8 شباط 1963 الأسود , هم نفسهم الذين سلموا العراق هدية للمحتل الأمريكي وإذ يحتفل شعبنا هذه الأيام بأنسحاب القوات الأمريكية من المدن , فأن ذكرى ثورة تموز ستحل على شعبنا وسيكون لها هذا العام وقع خاص , وأن تنكر لها البعض فأن جماهير الشعب تتذكر إنجازاتها الثورية وستبقى وفيه لها وتحتفل بذكراها .
الأستنتاجات :
1- أن شعبنا اليوم بحاجة للمبادئ الوطنية لثورة 14/ تموز , وأهدافها السياسية وإلاقتصادية وإلاجتماعية والثقافية والتعليمية وفي مجال السياسة الخارجية فكان للثورة محتوى تحرري ديمقراطي ,وما يعيشه شعبنا هذه الأيام من حرمان من أبسط الخدمات وعدم توفير فرص العمل ومن التفاوت في توزيع الثروة فأن شعبنا بحاجة لمواصلة السير لأستكمال مسيرة ثورة تموز ونهجها الوطني.
2- الحياة السياسية الآن تواجه صعوبات وعراقيل وتعقيدات مضره بالوطن والعملية السياسية ومن معالمها المحاصصة الطائفية والقومية المقيته , ولكن ثورة تموز قد أنعشت الحياة السياسية وضمنت حرية العمل الحزبي والنقابي في سنتها الأولى وشرعت قوانين لذلك بما فيها حقوق المرأة , وهيأت مناخ سياسي للحياة الديمقراطية وإجراء إنتخابات للمنظمات المهنية نزيهه وبعيدة عن التزوير وجسدت الثورة الوحدة الوطنية ولم تكن في فترتها طائفية مقيته معرقلة ومدمرة لنهوض البلد ولوحدة الشعب . فالدستور المؤقت الذي شرع بعد الثورة بأسابيع نص على مساواة العراقيين في الحقوق وأعلن عن ضمان الحقوق القومية للشعب الكوردي في إطار الجمهورية العراقية .
3- يواجه شعبنا الآن خطرإستبداد احزاب الاسلام السياسي, من خلال تعاملهم المزدوج وإلتفافهم على القوانين وتطويعها لخدمة أهدافهم البعيدة المتمثلة بالأنقضاض على السلطة بأسم القانون وفرض دكتاتوريتهم بأسم الديمقراطية , وما نلاحظه الآن من دور سلبي في عرقلة سن قانون الأحزاب وقانون الأنتخابات وإصرارهم الغير معقول والذي لا يخدم المصلحة الوطنية بتمسكهم بموقفهم بأن لا يكون العراق دائرة إنتخابية واحدة في إنتخابات البرلمان القادمة هذا ما يؤكد إنهم يهيئون المستلزمات القانونية للتفرد بالسلطة وفرض دكتاتوريتهم بأسم القانون والديمقراطية التي شوهوها وهي منهم براء, وهم سبب في كل الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية,كماعملوا بكل طاقتهم على تراجع الفن والسينما والمسرح والموسيقى ,أن شعبنا يدرك جيداَ أن ثورة تموز في أيامها الأولى قد دعمت الثقافة والفن والموسيقى والسينما وقد تجسد الوعي والثقافة بعمق في المجتمع وأنصفت ثقافة وأدب وفن قوميات شعبنا المتآخية . أن الأحتفال في ثورة تموز لهذا العام هو مناسبة لتفعيل النشاطات الجماهيرية ونشر الثقافة الوطنية الديمقراطية والعمل من أجل المواطن والوطن.
4- في ثورة تموز أصبح البلد ذات سيادة كاملة ولعب دوراَ مؤثراَ في محيطة الأقليمي والدولي لصالح حركات التحرر الوطني وقوى السلام والديمقراطية في العالم .وعلى الصعيد الداخلي, ضمنت الثورة الحقوق الكاملة للمواطن ودون تميز كما كان قبل الثورة ودعمت ذلك بقوانين وقضاء عادل , فرسخت ثورة تموز الوطنية الحقة وتماسك النسيج الأجتماعي وتعمق مفهوم حب الوطن , وتجسد الأستعداد من قبل المواطنين للتضحية في سبيل مصالح الشعب و الصالح العام وخصوصاَ فيما يخص أمن الوطن وسلامته , إن مجتمعنا في هذه الأيام بحاجة ماسة لهذه الروحية وهذه المشاعرالوطنية , التي أضعفتها قوى الأسلام السياسي الظلامي المتطرف وحولتهم إلى صواريخ وقنابل موقوته ضد شعبهم ووطنهم . وأحزاب الأسلام السياسي المهيمنة الآن على السلطة تعمل على تبسيط وعي المواطن لغرض قيادته لتكريس وخدمة مصالحها الأنانية الضيقة ولتحقيق أهدافها في الهيمنة والتفرد من خلال إمساكها بالسلطة .
5- لقد سعت الثورة في أيامها الأولى لتأسيس لنظام مدني ذات قانون ديمقراطي , وأحييت ودعمت وساندت منظمات المجتمع المدني , وقد أنهت السلطة الأجتماعية للشيوخ والأقطاع وقد تغير نمط حياة الفلاحين نتيجة لتوزيع الملكية من ناحية ولألغاء الأنظمة القبلية من ناحية أخرى وسن قانون الأحوال الشخصية لحماية حقوق المرأة . فأن الثورة إرتباطاَ بما حققته من تحولات جذرية في كافة الميادين في المجتمع والدولة بقيت تأثيراتها حتى اليوم رغم كل الحملات الأعلامية الظالمة ضدها ورغم كل تحركات وتآمر القوى المضادة لها.
6- أن ثورة 14 تموز 1958 هي حصيلة النضال المشترك لكافة أبناء الشعب العراقي وأحزابة السياسية الناشطة آنذاك وهي التي استطاعت تحقيق الأستقلال السياسي والأقتصادي وتحرر الوطن وتوطيد الوحدة الوطنية لشعبنا وتحقيق الحرية والأمن وضمان حق المواطنة .
7- ما ميز أحداث ثورة تموز هو شعبيتها والدعم الجماهيري اللامحدود لها منذ الساعات الأولى لنجاحها إلى اللحظة التأريخية في الدفاع عنها في يوم 8 شبط 1963 الأسود , وهذا ما أغاض ويغيض القوى المعادية لها حتى هذا التأريخ, وليس خافياَ على أحد إرتبط ذلك النشاط والتحرك الجماهيري الواسع لدعم الثورة والدفاع عن الجمهورية بالدور السياسي والنفوذ الكبير في الأوساط الشعبية للحزب الشيوعي العراقي .
8- أن كل المتغيرات الجذرية التي أحدثتها الثورة خلال العامين الأولى من عمرها إنها تعد مأثرة عظمى لشعبنا العراقي وأحزابه السياسية آنذاك وللثورة وقادتها وعلى رأسهم الشهيد عبد الكريم قاسم , إنها حققت الحرية والديمقراطية والتحرر من التبعية الأجنبية وتحرير مصادر ثروتنا المسروقة من قبل الشركات الأحتكارية وغيرها من المنجزات والتي كان لها أن يتحقق الكثير لولا تحرك أعداء الشعب والوطن لأسقاطها .
4-7-2009
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟