بدون فهم الماركسية لا يمكن أبدا استيعاب الماوية رد على مقال
خالد المهدي
2009 / 7 / 10 - 09:24
" ... يمكن لكل إنسان أن يكتب ما يشاء و تفهم –حرية العلم- على أنها حق الإنسان في أن يكتب خصوصا عن أي شيء لم يدرسه ..." و أن "... يصم الأذان بضجيج الكلام الفارغ و الرنين الأجوف المتغطرس" إنجلز
بعد أزيد من أربع سنوات على نشر مقال "الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري ماوتسي تونغ"[1] تقدم عسو الزياني بمحاولة لنقد الأفكار التي قدمناها في ذلك المقال[2]. النقد الذي طرحه عسو الزياني و إن كان مرحبا به ، لأنه يكشف مضمون ماركسيته التي يتبناها، فإن توقيته يطرح العديد من علامات الاستفهام، طبعا من حق أي مناضل أن ينتقد أية أفكار و إن كانت قد طرحت قبل أربع سنوات، لكن في المقابل طول هذه المدة الفاصلة بين تاريخ نشرنا للمقال و تاريخ النقد الذي تقدم به الزياني يوضح تخلفه عن ما يقع وسط الحركة الشيوعية بالمغرب على طول هذه المدة، كما أن تناوله لمقال الموقع التاريخي باعتباره دفاعا عن الماوية يؤكد تخلفه حتى على الواقع الحالي للحشم . فالمقال الذي حاول عسو الزياني نقده لم يكن على الإطلاق دفاعا عن الماوية بل هو محاولة للتصدي للهجمات التي كانت تتعرض لها انجازات الثورة الصينية و إضافات الرفيق ماوتسي تونغ من طرف البعض ، ووضع مسألة تناول هذه الانجازات في سياقها التاريخي و إبراز منهج التعاطي معها.
وعلى كل حال فنقد صاحبنا و إن كان متأخرا (لأنه ظهرت بعد ذلك العديد من المقالات التي ندافع من خلالها على الماوية) فان ما عبر عنه من أفكار و مواقف باسم الماركسية اللينينية!! تفرض علينا نحن الماركسيين اللينينيين الماويين ضرورة تحليلها و التعاطي معها لسببين اثنين:
1- أننا نعتبر أن الماوية لا يمكن الدفاع عنها و تحصينها من التشويهات بدون نضال مبدئي و جدي للدفاع عن الماركسية و عن اللينينية . حيث أنه لا يمكن الحديث عن الماوية بدون ربطها بأصولها أي الماركسية و اللينينية.
2- التقدم في تجسيد مهمة النضال الإيديولوجي باعتباره يشكل إحدى المهام العاجلة و المباشرة في جدول أعمال الشيوعيات و الشيوعيين الحقيقيين ببلادنا ومن خلاله إبراز حقيقة مضمون كل من يرفع شعار الماركسية أو الماركسية اللينينية.
ونظرا لأن مقال/ رد عسو الزياني يحمل العديد من الكوارث الفكرية و السياسية ارتأينا أن نقسم ردنا إلى جزئين، الجزء الأول سوف نتناول من خلاله الموضوعات و الأفكار الفلسفية التي عبر عنها عسو الزياني و سوف نحاول من خلال ذلك إبراز طبيعة الإيديولوجية التي تتحكم و تسيطر على تفكيره في نقده لنا و إبراز مدى ابتعاده ليس عن معرفة الماوية التي ينتقدها بل ابتعاده عن الماركسية (دون أن نتحدث هنا عن اللينينية) التي يدعي تبنيها، و هذا ما سوف نقدمه في هذه الورقة.
أما الجزء الثاني فسوف نخصصه لتحليل ما قاله الزياني عسو بخصوص الثورة الصينية و لأن حجم المغالطات رهيب و فقدان أية معرفة بتاريخ الثورة الصينية ملفت للنظر في رد صاحبنا فسوف نخصص مقالا مستقلا عن هذا الجزء في القريب العاجل.
1- ليس كل من يحمل شعارا راديكاليا فهو ماركسي.
لقد قال لينين ذات مرة أن الماركسية لن تشوه إذا لم تشوه نفسها بنفسها.وهذا ما حصل تاريخيا و ما يحصل اليوم أيضا.
إن الماركسية ليست ترديد ما قاله ماركس و انجلز، إن الماركسية هي منهج علمي و ثوري، منهج التحليل الملموس للواقع الملموس و منهج للتغيير الثوري. فواهم ذلك الذي يعتقد أنه يمكن أن يحقق التغيير الثوري بمجرد ترديد ما قاله ماركس و انجلز أو لينين أو حتى ماو دون أن يمتلك القدرة على تحليل الواقع الذي يريد تغييره تحليلا علميا. وواهم أيضا ذلك الذي يظن أن بإمكانه تحليل الواقع تحليلا علميا دون الانخراط المباشر عبر الممارسة العملية في تغيير الواقع. إن ما يحدد علمية فكرة ما وصحتها أو سلامة موقف سياسي و صحته هي النتائج التي يحققها في الممارسة العملية، فهذه الأخيرة هي المعيار الأول و الأسمى للحكم على نظرية ما أو موقف سياسي معين. و هكذا فان العلاقة بين الممارسة و النظرية هي علاقة جدلية بمعنى وحدتهما و صراعهما في نفس الوقت فبالنسبة للماركسية النظرية هي مرتبطة في وحدة جدلية مع الممارسة العملية، انهما يشكلان طرفا التناقض في هذه الوحدة ، تطوير الممارسة يستمد من النظرية و تطور النظرية يستمد في علاقتها بالممارسة ، إن هذه المسألة هي التي عبر عنها الرفيق ماو في تطويره لنظرية المعرفة بوحدة النظرية و العمل حيث كتب قائلا: " اكتشاف الحقيقة عن طريق الممارسة العملية، وإثبات وتطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرة ثانية. الانطلاق من المعرفة الحسية وتطويرها بصورة فعالة إلى المعرفة العقلية، ثم الانطلاق من المعرفة العقلية لتوجيه الممارسة العملية الثورية بصورة فعالةفي سبيل تغيير العالم الذاتي والعالم الموضوعي. والعودة إلى سبيل الممارسة العملية ثانية، ثم المعرفة أيضا، وهكذا تتكرر العملية إلى ما لا نهاية له، ومع كل دورة يرتفع مضمون الممارسة العملية والمعرفة إلى مستوى أعلى. هذه هي كل النظرية المادية الديالكتيكية عن المعرفة، وهذه هي النظرية المادية الديالكتيكية عن وحدة المعرفة والعمل."[3] لكن هذه المسائل التي تعتبر من أبجديات الفلسفة الماركسية نجد عكسها لدى الزياني عسو "الماركسي" .
ففي نقده لنا قدم الزياني عسو مثالين ليبين "افتراءنا" على انجلز باسم الجدل و أن تبنينا للديالكتيك مجرد ادعاء. وقد كتب قائلا: " سأكتفي بهذين المثالين فقط لإبراز التخبط الذي تخلل مقال المهدي من بدايته حتى نهايته فهو لم يكن منسجما بالمطلق"[4].
إذن ماهما هذين المثالين الذين فضحنا بهما الزياني؟
المثال الأول:
نقل الزياني فقرة من مقال "الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري ماوتسي تونغ" حيث استشهدنا بانجلز قوله : " ليست المبادئ هي نقطة انطلاق الاستقصاء بل هي نتيجته الختامية و هي لا تنطبق على الطبيعة و التاريخ الإنساني بل تستخلص منهما و ليست الطبيعة و عالم الإنسانية هما اللذين يتطابقان مع هذه المبادئ بل إن المبادئ لا تكون صالحة إلا بقدر ما تتطابق مع الطبيعة و التاريخ..." وقد علقنا على كلام انجلز بالقول: "... وهذا التحديد النظري إذا ما تمت ترجمته سياسيا فيمكننا أن نقول أن المهام السياسية لا تكون صالحة إلا بقدر ما تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته..." وهذا الكلام أثار حفيظة عسو "الماركسي" و كتب يقول : " قراء اللغة العربية يفهمون معنى "المبادئ" التي يقابلها بالفرنسية ...ويختلف عن معنى "القوانين" .... التي ضل يستعملها انجلز في أبحاثه لتحليل الطبيعة والتاريخ."
ماذا يريد أن يقول هنا عسو؟ لماذا هذا التخبط في الكلام؟ هل ترجمة الكلمات تكفي لنبين معنى المفاهيم؟ إن صاحبنا هنا مثل ذلك التلميذ الذي طلب منه أستاذه أن يشرح معنى "المبادئ" فقال له بثقة في النفس و بحماس إنها les principes!!
و على كل حال هذا لا يهم، ما يهم هو ما سوف يأتي من كلام صاحبنا حيث كتب "و لأن المهدي اجتهد و غير هذه المرة "المبادئ" ب"المهام السياسية" فقد وصل إلى نتيجة كارثية ينقلب فيها بشكل كامل المنهج الجدلي الذي تبناه في البداية."
أما ما هي هذه النتيجة الكارثية التي وصلت إليها بتغيير "المبادئ" ب"المهام السياسية" فان صاحبنا لم يقل أي شيء. و لكن كيف انقلبت بشكل كامل على "المنهج الجدلي" الذي تبنيته فعسو يقول الكثير. فبعد أن يكتب فقرة من الكلمات غير المتناسقة و المتناقضة في بعض الحالات يصرح قائلا:
"لنعد الآن إلى صاحبنا الذي خبر جيدا قوانين الجدل و أتانا بمقولة "...المهام السياسية لا تكون صالحة إلا بقدر ما تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته..." إذا كان يقصد بالمهام السياسية الصالحة أي تلك التي يمكن أن يدافع عنها و يسعى إلى تحقيقها الحزب الثوري، فهي مهام لا تتطابق مع الواقع الموضوعي ككل و تناقضاته ككل".
لماذا يا عسو؟ يجيب : "فهي مهام تعبر عن مصلحة أحد طرفي التناقض في هذا الواقع الموضوعي ضد الطرف الآخر".
لكن كونها تعبر عن مصلحة أحد طرفي التناقض، هل هذا ينفي تعبيرها و تطابقها مع "الواقع الموضوعي ككل و تناقضاته ككل"؟ هل هذا يعني أنها لا تعبر و لا تتطابق سوى مع "قطعة" من الواقع الموضوعي، مع جزء منه، مع طرف من طرفي التناقض؟ أهذه هي الماركسية التي تفهمونها؟ أهذا هو الجدل الذي وجدته عند انجلز؟ إن صاحبنا لا يعلم حتى تاريخ تطور الفلسفة الماركسية، و هو لا يعلم المعارك الضارية التي خاضها ماركس و انجلز من اجل الدفاع عن مفهوم و موضوعة "وحدة الواقع الموضوعي" و"وحدة العالم". الواقع الموضوعي بالمفهوم الماركسي (وليس تلك الماركسية التي يحاول أن يروج لها عسو الزياني) هو وحدة. ليس هناك واقعان موضوعيان، الواقع الموضوعي هو واقع موضوعي واحد تحدده العديد من التناقضات و عندما نصيغ شعارا سياسيا أو مهمة سياسية إذا لم تعبر عن هذا الواقع الموضوعي ككل (طبعا من وجهة نظر بروليتارية) فإنها لن تحضى بالنجاح، أما محاولة نقد هذه الفكرة بالقول أنها "مهام تعبر عن مصلحة أحد طرفي التناقض في هذا الواقع الموضوعي ضد الطرف الآخر" فان ذلك يثبت على أن صاحبنا لا يعرف حتى على ماذا يدور الكلام.
عندما تتحدث عن مهمة القيام بالثورة فان هذه المهمة السياسة لا تعبر و لا تتطابق مع جزء من الواقع الموضوعي بل على الواقع الموضوعي ككل و على تناقضاته ككل، إذا أزلنا البرجوازية البيروقراطية و الملاكين العقاريين و احتفظنا بالعمال و الفلاحين وحدهم فان أي عاقل سوف يطرح السؤال الثورة الديمقراطية ضد من؟ عندما تتحدث عن ضرورة النضال من أجل الحرية السياسية و النقابية فان هذه المهمة لا تعبر ولا تتطابق مع جزء من الواقع الموضوعي كما يفهم صاحبنا بل مع الواقع الموضوعي ككل، الواقع الموضوعي الذي يوجد فيه قامعون و مقموعون مستغٍلون و مستغلون. إن صاحبنا "الماركسي" لا يعلم أن الخاصية الأساسية في قانون التناقض باعتباره جوهر الديالكتيك إنما هي وحدة و صراع الأضداد. لا يمكن أن يوجد عمال بدون رأسماليين لا توجد بروليتاريا بدون برجوازية. إن صاحبنا الذي يقول عن نفسه ماركسي لينيني بل و ينتقد الماوية حتى دون فهمها ينظر إلى الواقع الموضوعي و إلى الأشياء نظرة تختلف جذريا عن نظرة الماركسيين، إن صاحبنا هو ابعد حتى من دوهرينغ فهذا الأخير كان يعترف على كل حال بوحدة الواقع الموضوعي لكنه لم يستطع الدفاع عنها بل شوهها و إذا كان صاحبنا قد قرأ مؤلف انجلز ضد دوهرينغ و فهمه كما يحاول أن يوهم القراء فلابد انه وجد رد انجلز:" إن وحدة العالم تتجسد في ماديته، وهذه الأخيرة لا يثبتها زوج من جمل الغش و الاحتيال، بل يثبتها تطور الفلسفة و العلوم الطبيعية المرير و العسير".[5]
صاحبنا لم يكتفي بهذا القدر من الحماقات بل أصر على إضافة المزيد فبالنسبة له المهام لا تتطابق و لا تعبر عن الواقع الموضوعي ككل و تناقضاته ككل، ليس هذا و فقط بل إنها لا تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته". صحيح إن كنت تريد أن تقطع فكن حازما و اقطع مرة واحدة.
و إذا تساءلنا مع عسو لماذا لا تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته؟ يجيب صاحبنا " الماركسي" بل " الماركسي اللينيني" بالقول: " لأنه حينما نتحدث عن هذا الأخير فإننا نقصد واقعا موجودا (يا له من استنتاج عبقري)، أما حين نتحدث عن مهام سياسية فإننا نتحدث عن أهداف أي عن مستقبل (كذا) و بالتالي عن واقع غير موجود نسعى إلى تحقيقه"[6] بشرى للماركسيين اللينينيين ببزوغ هذه العبقرية انظروا جيدا "واقع غير موجود"، فافهم إن كنت قادرا على الفهم! إن هذا الكلام ليس بعيدا عن الماركسية بل انه بعيد عن المادية نفسها، وسوف اسمح لنفسي لكي أقول لبعض الرفاق الذين يعاتبوننا على نقل الصراع الفكري و السياسي إلى العلنية و على صفحات الإنترنيت ... الخ بدعوى أنه يشتت و يقسم صفوف المناضلات و المناضلين، إن هؤلاء الرفاق لا يرون الوجه الآخر من المسألة، الوجه الآخر من هذا الصراع الفكري انه يوضح (حتى لا نقول يفضح) مضمون ماركسية بعض المناضلين و يوضح حقيقة الضبابية و التفسخ الإيديولوجي وسط الحركة الشيوعية ببلادنا وهاهو ذا نموذج حي و ساطع عن ما نقول يثبت بالتجربة صحة الشعار الذي نرفعه: ضرورة النضال الإيديولوجي لتهيئة الأرض من أجل البناء.
لنعد إلى صاحبنا الذي أتحفنا بتحليله "الجدلي" حول "الواقع غير الموجود"و "إننا عندما نتحدث عن مهام سياسية فإننا نتحدث عن أهداف أي عن مستقبل و بالتالي واقع غير موجود نسعى إلى تحقيقه"[7]
لكن إننا إذ نرفع شعار النضال ضد الانتهازية فان هده المهمة السياسية لا نتحدث من خلالها نحن الماركسيون عن المستقبل، كما يتحدث صاحبنا، و إنما عن الحاضر و عن الواقع الموضوعي ككل، عندما نرفع شعار النضال ضد التحريفية فإننا لا نتحدث عن "واقع غير موجود نسعى إلى تحقيقه" كما يفهم ذلك الزياني بل عن واقع قائم موجود يفقأ أعين كل من يحمل هم الثورة و يسعى إلى حل إشكالاتها.
عندما يتحدث الشيوعيون داخل الحركة الطلابية عن النضال من أجل مجابهة التخريب الجامعي و على النضال من أجل رفع الحضر العملي و على مواجهة البيروقراطية فإنهم يتحدثون عن واقع موجود و يقدمون من أجل ذلك دمائهم و حرياتهم و ليس عن مستقبل و عن واقع غير موجود كما يفهم ذلك عسو الزياني.
عندما يرفع الشيوعيون داخل النقابات العمالية شعار النضال ضد البيروقراطية فإنهم يتحدثون ليس عن مستقبل و إنما عن واقع موجود حي و ملموس.
عندما نرفع شعار بناء الحزب الثوري لا نتحدث عن واقع غير موجود بل نتحدث عن الحاضر و عن واقع موضوعي موجود نتحدث عن الاستغلال الذي يتعرض له العمال و العاملات نتحدث عن الاضطهاد الذي تتعرض له الجماهير الشعبية نتحدث عن نخر الانتهازية للحركة العمالية و الحركة الجماهيرية نتحدث عن ضرورة هذا الحزب من أجل قيادة النضال ضد البرجوازية و الانتهازية... الخ.
وإذا كانت المهام السياسية لا تعبر عن الواقع و تناقضاته، و إذا كنا نتحدث عن المهام السياسية فإننا نتحدث عن " مستقبل" و عن "واقع غير موجود" فما العمل في الوقت الحاضر؟ الترويج للعمل الحقوقي، و تزييف وعي المناضلين و المناضلات و تشويهه بإيديولوجية التوافق الطبقي الحقوقية، أهذه هي الماركسية اللينينية؟ أهذه هي المهام السياسية العاجلة و المباشرة للحركة الماركسية اللينينية؟.
إن صاحبنا لم يجتهد حتى لفهم ما قيل و ما يقال لذلك وضع نفسه في هذا الموقف الحرج. و يتهمنا بأننا نتبع "الموضة" و قلبنا الجدل.إن صاحبنا الذي انتقدنا بهذا السيل من الأفكار الغير ماركسية لم يفهم علاقة "المبادئ" ب"المهام السياسية و لم يستسغ القفزة التي قمنا بها من "المبادئ" إلى "المهام السياسية" و اعتبرها اجتهادا من خالد المهدي فكتب يقول: "و لأن المهدي اجتهد وغير هذه المرة "المبادئ" ب"المهام السياسية" فقد وصل إلى نتيجة كارثية (كذا) ينقلب فيها بشكل كامل عن المنهج الجدلي الذي تبناه في البداية"[8] الكارثي في هذا الكلام ليس هو هذا "النقد" بل انه يعتقد أن ذلك اجتهاد مني وهذا وحده يدل على أن صاحبنا لا يعرف حتى الموضوعات الأساسية للماركسية، إن هذه القفزة ليست اجتهادا من خالد المهدي بل إنها في أساس النظرية الماركسية. ففي مؤلفه المادية و نقد المنهج التجريبي كتب لينين قائلا : "... يطبق انجلز بكل وضوح في المحاكمة المذكورة طريقة "القفزة الحيوية" في الفلسفة أي انه يقوم بقفزة من النظرية إلى التطبيق. و ما من بروفسور من أولائك البروفسورات العلماء (و الحمقى) في الفلسفة الذين يسير وراءهم أصحابنا الماخيين يسمح لنفسه أبدا بمثل هذه القفزات المعيبة بالنسبة لممثلي "العلم الخاص" فان نظرية المعرفة التي يجب فيها "طبخ" "التعريفات" قولا بشكل أدهى، هي بنظرهم شيء، بينما التطبيق شيء آخر تماما أما عند انجلز فان التطبيق البشري الحي كله يقتحم نظرية المعرفة بالذات مقدما "المعيار الموضوعي للحقيقة "... "[9]
إن صاحبنا "الماركسي" لا يفهم الطابع الحزبي للفلسفة الماركسية و لا يعلم حتى حجم المعارك التي خاضها المعلمون الكبار في هذا الباب. و هو في نقده لنا في هذا المثال الأول فقط لم يقف عند هذه الحدود بل أطلق العنان لتفكيره ليتقوى بالمزيد من الحماقات فكتب قائلا: "وحسب فهم صاحبنا (يقصد خالد المهدي) فانه للتحقق من صلاحية مهامنا السياسية الآن ، يجب أن ننتظر فترة من الزمن و التحقق هل مهامنا تطابقت مع الواقع أم لا؟ و دائما حسب هذا الفهم الذي يبتعد عن المادية الجدلية (هكذا إذن!) فانه يجب أن تطرح السؤال عن صلاحية المبادئ و المهام السياسية التي صاغها لينين مثلا في روسيا و ماو أيضا في الصين عن المرحلة السابقة لأنها لم تتطابق مع الواقع الموضوعي؟... و يجب أن نطرح السؤال عن صلاحية المهام السياسية للامبريالية التي تطابقت في أحيان عدة مع الواقع؟"[10]
انظروا إلى ما وصل إليه صاحبنا .
هل بالفعل لم تتطابق و لم تعبر الشعارات السياسية التي رفعها لينين في روسيا و ماو في الصين مع الواقع الموضوعي؟ وإذا كان عسو الزياني يقول أن المهام السياسية للامبريالية لم تتطابق في أحيان عدة مع الواقع الموضوعي فليقل لنا على الأقل أين لم تتطابق معه و تعبر عنه ككل؟
صراحة لا أستطيع أن أتخيل فيما كان يفكر عسو عند كتابة هذه الحماقات باسم الماركسية اللينينية. ألم يكن النضال ضد الانتهازية مهمة سياسية أكد الواقع ضرورتها و هذا الواقع الموضوعي نفسه أكد صحتها ؟ أليس بناء حزب من طراز جديد مهمة سياسية أملاها الواقع الموضوعي و اجتاز الاختبار بنجاح من خلال الممارسة العملية أي من خلال الواقع الموضوعي نفسه ؟ أليست ضرورة سيادة البروليتارية في شخص حزبها الثوري بالريف مهمة سياسية أملاها الواقع الموضوعي و كانت الضامن لنجاح الثورة في الصين؟
"و حسب فهم صاحبنا (أي خالد المهدي) فانه للتحقق من صلاحية مهامنا السياسية الآن، يجب أن ننتظر فترة من الزمن و التحقق هل مهامنا تطابقت مع الواقع أم لا ؟ " إن طرح السؤال بهذه الصيغة ينم عن فقدان حتى المعرفة بألف باء الماركسية. فمن أين إذن يجب أن نستمد الجواب عن صحة مواقفنا السياسية و مهامنا السياسية؟ أليس من الواقع الموضوعي؟ أليست الممارسة العملية المباشرة؟ أليس من التجربة العلمية؟
لكن الماركسيون عندما يتحدثون عن التجربة العلمية و عن الممارسة العملية فإنهم لا يتحدثون عن تجربة شخص بل على التجربة الإنسانية ككل وعلى ما راكمته الطبقة العاملة و شعوب العالم من خيرات و تضحيات.
مثلا مهمة النضال ضد الانتهازية بوصفها مهمة سياسية للحاضر و ليس للمستقبل و لـ:واقع غير موجود: حسب ادعاء عسو الزياني، هي مهمة صالحة أكدت التجربة العملية صحتها ، تجربة الثورة البلشفية التي تكللت بالنجاح أكدت صحتها و تجربة الثورة الألمانية التي قادت عظماء البروليتاريا ألألمانية (روزا و ليكبنخت) إلى الإعدام و فشل الانتفاضة أكدت أيضا صحتها.
"إن الممارسة العملية و التطبيق البشري الحي هو المعيار الموضوعي للحقيقة"[11] هكذا يرد لينين على الماخيين، "إن نجاح أعمالنا يثبت توافق (تطابق gnummitsniereÜb ) إحساساتنا مع الحقيقة الملموسة " هكذا يعترض انجلز على اللاعرفانيين، "إن طرح مسألة ما إذا كان "التفكير البشري يتطابق مع الحقيقة الملموسة" (أي الموضوعية) في معزل عن الواقع العملي إنما هو سكولائية- هكذا يقول ماركس في الموضوعة الثانية عن فيورباخ.
على ما يظهر أن صاحبنا بعيد عن الماركسية وعن تاريخها و عن انشغالات الماركسيين ككل و انشغالات الحركة الشيوعية ببلاده بشكل خاص، فهو لم يدرك حتى لمن كان موجها الكلام و ما هي حتى خلفياته، فمقولة انجلز التي أوردناها في مقال الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري ماوتسي تونغ، و التي أحلناها إلى المستوى السياسي كانت موجهة للرفاق الذين يقولون بتحريفية الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية و الداعين إلى رفع شعار الثورة الاشتراكية الآن في بلادنا لذلك قلنا لهم ما مضمونه: أن هذا الشعار أو ذاك ليس قالبا و ليس مستمدا من هذا المفكر أو ذاك و إنما يجب أن يستمد من الواقع الموضوعي ومن تناقضاته. لكن صاحبنا لم يدرك ذلك و ها نحن نوضح له الأمر وحتى إن أراد أن ينتقد فلينتقد شيئا يفهمه أولا.
لقد تعمدنا أن لا نستشهد بماو و ما قدمه من إضافات في هذا الصدد حتى نوضح أن صاحبنا أو لنقل أن أفكار صاحبنا لا علاقة لها لا بالماركسية ولا باللينينية، فكيف يمكن له أن ينتقد الماوية التي تأسست على الماركسية اللينينية و طورتها؟
لننتقل الآن إلى المثال الثاني الذي تناوله عسو الزياني لنقد أفكارنا حول منهجية تناول الثورة الصينية و فكر ماوتسي تونغ فقد كتب يقول : " المثال الثاني هو هذا المقتطف الذي اختلط فيه كلام انجلز بكلام المهدي "... و اكتشاف هذه القوانين التاريخية (أي غير الأزلية) و دراستها هي التي يمكن أن توفر للإنسان إمكانية توجيهها لما فيه مصلحته .لأن الإنسان لا يستطيع تغير تلك القوانين، بل إن مسعاه الواعي يكمن في تغيير الشروط التي تفرز هذه القوانين و تسمح بظهور هذا القانون أو ذاك و بتغييره للشروط التي تجعل، من تلك القوانين قوانين فاعلة لا يغيرها و لكن يفرز شروطا تجعلها خامدة لبروز قوانين أخرى، فبالمرور عبر هذه الضرورة يستطيع الإنسان أن ينتقل إلى الحرية أي يصبح سيد نفسه و سيد تاريخه، أي أن يصنع بوعي منه 27 "الإحالة 27 هنا هي إلى كتاب انجلز "ضد دوهرينغ" دون أن يحدد أين يبتدأ كلام انجلز و أين ينتهي".[12]
هذه الالتفاتة المميزة لصاحبنا عسو الزياني تستحق الإشادة لكن من قال أن الإحالة هي لكلام انجلز فلو كان الأمر كذلك وجب ترميز بداية الكلام و نهايته. إن الأمر لا يتعلق بمقتطف من كلام انجلز و إنما لفكرة انجلز حول الضرورة و الحرية. غالبا أن صاحبنا "الماركسي" لا يعرف تلك الموضوعة التي تعتبر من الكلاسيكيات، و على كل حال، لنتقدم لنرى بماذا جادت به قريحة صاحبنا "المدافع" عن الجدل فقد كتب يقول: "إن انجلز الذي يعتبر من الرواد الذين كتبوا في موضوع الجدل، يتم الافتراء عليه باسم هذا الجدل, نعم كما جاء في المقال " ... كل قانون له خاصيته و شروطه التي يفعل فيها"، لكنه اختزال لحركة الواقع المادي في وعي الإنسان"[13] ماذا يريد أن يقول هنا عسو؟ صراحة إن المرء يعجز عن إدراك كلام من يتحدث عن شيء لا يدركه. إن صاحبنا تحدث لكي لا يقول شيئا.
لكن عقابا لصاحبنا "الماركسي" "المدافع عن الجدل" سوف نسترسل في كلامه فقد أراد أن يقدم تفسيرا لفهمه للجدل و أعطانا المثال التالي فلننتبه جيدا: "كأن نقول في الفيزياء إن إضافة كمية من الجسم A إلى كمية من الجسم B تعطينا حتما آخر X. لهذا و دون إعادة ما ذكرت حول المثال الأول فالإنسان حين يكتشف القوانين و يقوم بدراستها ليس من أجل توجيهها كما ذكر المهدي"[14] و من أجل ماذا يا عسو؟ يجيب :" بل يسعى إلى التأثير في الواقع وفق القوانين التي تتحكم فيه. هذا مع العلم أن الإنسان و تدخله يخضع أيضا لقوانين أيضا في هذا الواقع و ليس منفصلا عنه"[15] هذا صنف من المحاكمات النظرية التي لازال مترسخا مع كامل الأسف في قلب الحشم. أولا نريد أن نهمس في أذن عسو لنقول له: أن العلم الذي يهتم بنتائج إضافة جسم A إلى الجسم B هو الكيمياء و ليس الفيزياء.
الإنسان "يسعى إلى التأثير وفق القوانين التي تتحكم فيه" هذا تحصيل حاصل و ليس حجة أو دليل لنقد ما قلناه، وقد سمى لينين هذا النوع من المحاكمات بالديماغوجية. لكن صاحبنا لن يقف عند هذا الحد بل قدم تفسيرا آخر قائلا : "المتغير هو الواقع المادي أما القوانين فهي دائما كما هي لأنها دائما مشروطة بوجود محدد" للتبسيط (جميل هذا التبسيط) حين نقول كمية A و كمية B فهذه هي شروط القانون و لا نتحدث عنه بغيرها، و التحول إلى الجسم X هو القانون".
جميل أيضا هذا التوضيح يستحق التنويه "كمية A و كمية B هذه هي شروط القانون "يا سلام!! بل و لا نتحدث عنه بغيرها "اللهم زدني علما". و التحول إلى الجسم X هو القانون". هذا ليس بالجدل و إنما الدجل.
إن المثال الذي أورده صاحبنا حول" إضافة كمية A إلى كمية B تعطينا الجسم X" هو مثال سيئ للحديث عن قانون التحول من الكم إلى الكيف. لنأخذ بدورنا مثالا ملموسا لنوضح تيهان صاحبنا "الجدلي". الماء H2O إن الماء يمكن أن نحصل عليه بإضافة ذرتان من الهيدروجين إلى ذرة من الأوكسجين، أو لنقل بإضافة كمية من الأكسجين لضعفها من الهيدروجين سوف نحصل على جسم آخر مختلف عن الأوكسجين و الهيدروجين هو الماء . هل في غياب الأوكسجين و الهيدرجون لا يمكن أن نتحدث عن قانون التحول من الكم إلى النوع كما يدعي عسو الزياني؟ هل بالفعل أن الأوكسجين و الهيدروجين "هي شروط هذا القانون و لا نتحدث عنه بغيرها " أنا لم أسمع و لم أقرا لا عند انجلز ولا حتى عند نبي المسلمين مثل هذا الكلام.
وهل "التحول إلى الماء" هو قانون؟ القانون ليس هو التحول إلى الجسم X القانون تعبر عنه المعادلة الكيميائية كلها.
لكن حتى و إذا أضفنا ذرة أوكسجين إلى ذرتين من الهيدروجين فإننا لن نحصل على الماء، تستلزم شروطا معينة لتحفيز عملية التفاعل بين الجسمين يلزم درجة حرارة معينة و تلزم درجة معينة من الضغط و بدون هذه الشروط لن تتم عملية التفاعل لكي يتم التحول إلى الماء. هذا الكلام نجده في كتاب الكيمياء للسنة الأولى من الإعدادي أو ربما في كتب أقل من ذلك. غير أن صاحبنا "الماركسي" له علمه الخاص به.
لنأخذ مثالا آخر: تفاعل الكربون و الأوكسجين فإذا أضفنا ذرة الكربون إلى ذرة الهيدروجين (طبعا مع وجود شروط أخرى و في محيط ملائم يسمح بعملية التفاعل سوف نحصل على أول أوكسيد الكربون CO لكن إذا ما أضفنا ذرة أخرى من الكربون (أي كمية أخرى) فإننا سوف نحصل على ثاني أوكسيد الكربون CO2 و هو مختلف نوعا عن أول أكسيد الكربون و يمكن أن نأتي بمئات الأمثلة لكي نوضح أن قانون التحول من الكم إلى النوع لا هو مرتبط بA ولا ب B و يمكن أن نتحدث عنه رغم غياب الكربون و الأوكسجين.
لكن التوضيح المقبل الذي قدمه صاحبنا يكشف جيدا فهمه للجدل فقد كتب قائلا: " فأن نقول عن هذا القانون خامدا يعني أضيفت إلى بعضهما الكميتين A وB ولن نحصل على الجسم X وهذا غير ممكن (كذا) إلا إذا أضيفت كمية من جسم آخر اختزالا نسميها C. و هنا سنتكلم ليس عن قانون جامد و لكن عن قانون آخر شروطه هي الكمية A وB و C إلى بعضهما".
لكن الكل يعلم انه إذا أضيفت كمية من A إلى كمية من B ليس بالضرورة سوف نحصل دائما في جميع الشروط على X إن ذلك مرتبط بشروط التفاعل: الحرارة، الضغط، ووجود المحفز...الخ.
لندع كل ذلك جانبا و لنعد إلى الفكرة التي حاول صاحبنا نقدها : "فالإنسان حين يكتشف القوانين و يقوم بدراستها ليس من أجل توجيهها كما ذكر المهدي"[16] لنعد إلى انجلز إذن لنرى من يفترى عليه باسم الجدل. يقول انجلز في مؤلفه "ضد دوهرينغ" الذي قرأه غالبا صاحبنا:
" إن هيغل هو أول من فهم بشكل صحيح العلاقة بين الحرية و الضرورة. فالحرية بنظره هي معرفة الضرورة. " إن الضرورة عمياء مادامت غير مفهومة" فليس في الاستقلال الموهوم عن قوانين الطبيعة تتجسد الحرية بل في معرفة هذه القوانين و في الإمكانية المرتكزة على هذه المعرفة لإجبار قوانين الطبيعة بصورة منهاجية على أن تفعل فعلها من اجل أهداف معينة"[17] اسمع و افهم أيها "الماركسي": " إجبار قوانين الطبيعة بصورة منهاجية على أن تفعل فعلها من أجل أهداف معينة"، أعتقد أن الكلام هنا واضح و قوي و مباشر "إجبار قوانين الطبيعة" أليس ذلك يعني" توجيهها لما فيه مصلحته". ماذا سيقول لنا عسو الزياني عن انجلز يا ترى؟! رغم كل ذلك فان صاحبنا لا يخجل من القول "سأكتفي بهذين المثالين (تبارك الله) لإبراز التخبط (كذا) الذي تخلل مقال المهدي من بدايته حتى نهايته فهو لم يكن منسجما بالمطلق، إضافة إلى انه أغمض عينيه عن الأسئلة و الانتقادات التي توجه إلى الماويين من طرف الماركسيين اللينينيين على المستوى العالمي"
هكذا إذن، لكن بعد كل ما قدمناه من توضيح سوف يظهر من يتخبط و من يفتري على انجلز. أما فيما يخص غض النظر على الانتقادات الموجهة إلى الماويين، فعلى الأقل أن يقول لنا عسو ما هي هذه الانتقادات و ليقل لنا من هم هؤلاء الماركسيين اللينينيين على المستوى العالمي" خصوصا انه يدعي انه أممي، أم أن الأمر يتعلق بمجرد ادعاء صبياني؟.
لقد أوضحنا بما فيه الكفاية ابتعاد صاحبنا عن الماركسية وعن ما يقع على صعيد الحركة الشيوعية العالمية أو بالمغرب فكيف له أن ينتقد الماوية و هو غير ملم حتى بأبسط أبجديات الماركسية؟ على كل حال لكل إنسان الحق في أن يقول ما يشاء خصوصا عن المسائل التي لا يعرف عنها شيئا.
ما تبقى من مقال عسو الزياني حاول أن يخصصه لنقد مسار الثورة الصينية و مواقف و أفكار الرفيق ماوتسي تونغ و أفكارنا نحن، بل نقد حتى ما لم نقله. نقول لعسو أن ماو علم الماركسيين اللينينيين انه لا يحق الكلام لمن لم يقم بالتحقيقات. صاحبنا يقول أننا نقول "أن الديمقراطية الجديدة أو الشعبية و ما إلى ذلك من التسميات التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني و يرددها الماويين كديكتاتورية الشعب هي تطوير و تعميق لديكتاتورية البروليتاريا "[18] إن هذا الكلام وحده يوضح أن صاحبنا ليس له علم خاص به بل أيضا حمقا خاصا به أيضا. أين قال أو يقول الماويون مثل هذا الكلام؟ هنا في المغرب أو في أي مكان كان ؟ و نرفع هنا التحدي في وجه عسو إن كان قادرا على إثبات مثل هذا الكلام، هل هو مجرد تلفيق أم أن صاحبنا يعتقد أن الماويين يقولون مثل هذا الكلام؟ في كلتا الحالتين فان صاحبنا وصل إلى درك من الجهل و عدم المسؤولية يصعب التخلص منهما، و كما قلنا ذلك سابقا سوف نعود إلى كيفية تناول صاحبنا الزياني لتاريخ و مسار الثورة الصينية فحجم الجهل و الإجحاف و الضلال كبير جدا بحيث لا يتسع له هذا المقال.
لكن مع ذلك سوف نبدي بعد الملاحظات السريعة حول خلفيات هذا النقد الذي يحاول أن يخلص إلى أن ماو "كان مقاوما من أجل استقلال بلاده عن الامبريالية اليابانية إلا انه لم يكن يمتلك رؤية ماركسية عن الثورة و عن حزب الطبقة العاملة"[19] و انه "يروج لمصالح البرجوازية"[20] و" كتابات ماو و محاولاته التوفيقية بين الرجعية و التقدمية..." و أن الأفكار الماوية ليست تطويرا للماركسية اللينينية بل كانت رجوعا "للوراء و اعتماد المناهج ما قبل الماركسية"[21].
أولى هذه الملاحظات أن صاحبنا يتحدث عن الفلسفة و التاريخ و السياسة و الاقتصاد أيضا دون ذكر مرجع واحد ( باستثناء بعض المقتطفات من كتابات ماو) و لا واحد كأنما ما يقوله حقائق لا تستدعي البرهنة مثال ذلك قوله: "تواجد الرأسمال الخاص إبان الثورة الثقافية الصينية". دون أن يشير من أين أتى بهذه الكذبة.
إن الأسلوب الذي تناول به صاحبنا مسار الثورة الصينية و تاريخها هو أسلوب صحفي مبتذل لا يرقى ليس لتناول قلم ماركسي بل لا يرقى حتى لقلم صحفي يتعاطى بشكل مهني و شريف مع المواضيع التي يتناولها.
ثاني هذه الملاحظات وهي الأهم في اعتقادنا هو خلفية هذا الهجوم على ماوتسي تونغ باعتباره "توفيقي بين الرجعية و التقدمية" و "غير ماركسي" ... الخ من الأوصاف التي لا تصلح إلا للتعبير عن "خط انتهازي" و عن مفكر و سياسي "انتهازي" بالمعنى السياسي طبعا للكلمة. إذا كان الأمر كذلك فما موقف صاحبنا من الحركة الماركسية اللينينية إبان مرحلة السبعينات التي اعتمدت على هذا المفكر في صياغة الشعارات السياسية و الإيديولوجية؟
صاحبنا و البعض من طينته الذين يشنون اليوم هذا الهجوم على ماو ليس فقط لان تطوير و استحضار أفكاره في قلب الحركة الشيوعية بالمغرب لم تصدر منهم أو لم تصدر قبل "اتفاق مسبق معهم" بل إن هذا النقد الموجه اليوم للماوية و ماوتسي تونغ له خلفياته السياسية و هي ما يجب كشفه أمام المناضلات و المناضلين. إن خلفياته السياسية الحقيقية هي تعويض المهام الثورية بالعمل السلمي و الحقوقي المبتذل. إن هذا النقد لماو يراد به فتح الباب للهجوم على تجربة الحركة الشيوعية ببلادنا إبان مرحلة السبعينات بعد أن استعصى هذا العمل على الانتهازيين السابقين. فما معنى أن تستند حركة أو منظمة يقال عنها ماركسية لينينية و ثورية على أطروحات خط "توفيقي" و "انتهازي"؟.
إن هؤلاء السادة ليست لهم الجرأة، على الأقل لحد الآن، لطرح تقييمهم لتجربة الحملم و ليست لهم الشجاعة الكافية للتنصل بشكل علني من تلك التجربة ،فهم يعلمون حجم حضورها وسط المناضلات و المناضلين، لكن تقدم الصراع الفكري و السياسي وسط الحشم الذي يساهم فيه الماركسيون اللينينيون الماويون بشكل مبدئي و مسؤول و واع قادر على توضيح ذلك و كشف المستور لجميع المناضلات و المناضلين . إن نضال اليوم يرسم عن حق ما سوف يصبح تاريخ الغد .
ليتمعن الجميع فيما قاله و يقوله صاحبنا عسو على ماو و على الثورة الصينية من جهة و عن الحملم و منظمة إلى الأمام و 23 مارس إبان السبعينات من جهة ثانية، و الحقيقة فإن عسو ليس الوحيد الذي يجب الانتباه إليه، هناك أيضا من يوقع ب " رفيق زروال" فهما يتقاسمان نفس وجهة النظر حول ماوتسي تونغ رغم التطاحن بينهما في مسائل أقل شأنا من مسألة النظرية، و تلك هي خصال المثقفين المبتذلين على كل حال .
أصحابنا يدعون دفاعهم عن تجربة الحركة الماركسية اللينينية بالمغرب إبان السبعينات و يهاجمون الانتهازيين مثل أنصار حزب النهج الديمقراطي و يلومونهم و يصرخون في وجههم على أنهم ليسوا امتدادا لمنظمة " إلى الأمام " و أنهم تحريفيين في حين أن أصحابنا هم الورثة الشرعيون لتلك التجربة و أنهم هم "الماركسيون اللينينيون " رفاق" زروال و سعيدة...الخ .
حسنا لنرى إلى أي حد أن هؤلاء السادة من شاكلة " سو الزياني" و " رفيق زروال " هم منسجمين أولا مع ما يقولون و ما يعلنونه علنا ؟ عسو الزياني كتب يقول منتقدا تجربة الثورة الصينية و على الأخص تجربة الثورة الثقافية التي لم يفهم منها شيئا :
" ... أصبح المفهوم السائد لهذه الديكتاتورية خلال الثورة الثقافية الصينية، هو إقناع المعارضين للاشتراكية من رأسماليين ( كذا ) و أكاديميين و غيرهم عبر النقاش " العميق " و حمايتهم في نفس الوقت " [22]. "الثورة الثقافية 1966 /1976 لم تنته بفتح آفاق جديدة تقدمية للثورة الصينية ، بل بانعطافة بارزة نحو الرأسمالية و التراجع عن المكتسبات"[23] . " إن التذبذب بين قطبي الصراع في الصين ، الذي طبع كتابات ماو و محاولاته التوفيقية بين الرجعية و التقدمية ، هي نفسها الميزات التي طبعت السياسة الخارجية للحزب الشيوعي و النظام الصيني على عهد ماو "[24] . " هذه الأفكار الماوية ليست تطويرا للماركسية اللينينية ، بل كانت رجوعا إلى الوراء و اعتمادا لمناهج ما قبل الماركسية "[25] تكفي هذه المقتطفات لنستنتج أن ماو كان مجرد " انتهازي " يوفق بين الطبقات حسب ادعاء صاحبنا و أن الثورة الثقافية كانت دفاع عن الرأسمالية و عن البرجوازية و أن الأفكار التي أتى بها ماو و سياسة الحزب على عهده بالداخل و الخارج أيضا كانت بعيدة عن مضمون و ممارسة الماركسيين اللينينيين .
لكن في المقابل ماذا كانت تتبنى الحركة الماركسية اللينينية و على الخصوص منظمة " إلى الأمام " و "23 مارس " إبان النصف الأول على الأقل من سنوات السبعينات .
"إن تطور وانتصار الثورة الثقافية في الصين وألبانيا قد بعث الصورة الحية للاشتراكية وزود النضالات الثورية العالمية بمد ثوري جديد"[26]
" هذه الأطر تندمج بأصلب المثقفين الثوريين، و تتسلح ليس فقط "بتكوين إيديولوجي عام" و "خط سياسي عام" بل أن تستوعب الجوهر الخلاق للماركسية اللينينية ولإسهامات الرفيق ماو تسي تونغ و تستوعب الخط الخط السياسي المحدد للثورة المغربية، إن هذا الاستيعاب الجدلي و الحي لنظرية ماركس انجلز لينين و ماو تسي تونغ مسألة حاسمة في تكوين هذه الأطر على أساس إجادة استعمالها في تحليل الواقع الملموس."[27]
" العمل بصورة أساسية على استيعاب الحقيقة العامة للماركسية اللينينية والاسهامات العظيمة للرفيق ماو تسي تونغ والرفاق الفيتناميين والتجارب الأممية ودمجها بواقعنا الملموس."[28]
إن «"الأفكار الكبرى للثورة الثقافية العظمى في الصين قد مكنت من إحياء وإغناء النظرية الماركسية اللينينية التي كانت التحريفية العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي بلد ثورة أكتوبر وبلد لينــــين قد أسدلت عليها ستارا كثيفا من الحريف والتشويه. لقد أعادت الثورة الثقافية رفع الراية المجيدة للأممية البروليتارية ورفع راية الخط الجماهيري. ونحن الماركسيون اللينينيون لم يكن انفصالنا قطيعة مع التحريفية المحلية فقط، بل ومع كل خط التحريفية العالمية، وفي نفس الوقت استيعاب المساهمة العظيمة للثورة الثقافية ولخطها الجماهيري الذي يستند إلى قوة الجماهير الخلاقة في صنع الثورة وقيادتها. واستنادا إلى هذه المساهمة استطاع المناضلون الثوريون في مختلف جبهات العالم إدراك خيانات التحريفية وإزالة التشويهات والغموض الذي كانت تحجب به المبادئ العظيمة للماركسية اللينينية."
ما هي الخلاصة التي يمكن لأي عاقل أن يستخلصها من هذه المقارنة ؟ الحركة الماركسية اللينينية و على الخصوص "23 مارس " و " إلى الأمام" كانت منظمات تتبنى خطا انتهازيا و تعتمد مناهج "ما قبل الماركسية " لكن صاحبنا و أمثاله ليست لهم الشجاعة لقول ذلك مباشرة .
صاحبنا و أمثاله ممن يهاجمون ماو و الثورة الصينية و في نفس الوقت يهللون و يعلنون دفاعهم عن تجربة السبعينات ليس لهم حتى الحد الأدنى من الشرف و من الانسجام الفكري و السياسي و لا يبرهنون إلا على عدم احترام أنفسهم .هذه هي طينة مهاجمي أو لنقل بعض مهاجمي الثورة الصينية و فكر ماوتسي تونغ .
حتى و إن لم تعلنوا عداءكم المباشر لتجربة زروال الذي تتمسحون باسمه و لتجربة الحركة الماركسية اللينينية فان الماركسيين اللينينيين الماويين هنا لكشف عدائكم لهذه لتجربة الذي يخفي محاولاتكم لإجهاض أي فكر ثوري حقيقي و تعويضه بالنضال السلمي المبتذل و النضال الحقوقي الذي يزيف وعي المناضلات و المناضلين حتى و إن كان مغلفا بشعارت راديكالية براقة .
خالد المهدي
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=168146
[2] . عسو الزياني : ملاحظات حول مقالّ-الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماوتسي تونغ- لصاحبه خالد المهدي. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=175311
[3] . ماو تسي تونغ: " في الممارسة العلمية، في العلاقة بين المعرفة و الممارسة العملية/العلاقة بين المعرفة والعمل"
[4] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[5] . إنجلز "ضد دزهرينغ"
[6] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[7] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[8] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[9] . لبنبن : المادية و نقد المنهج التجريبي ص 241
[10] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[11] . لبنبن : المادية و نقد المنهج التجريبي
[12] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[13] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[14] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[15] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[16] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[17] . إنجلز "ضد دزهرينغ"
[18] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[19] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[20] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[21] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[22] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[23] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[24] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[25] . عسو الزياني، نفس المرجع السابق
[26] . منظمة إلى الأمام " سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري"
[27] . منظمة إلى الأمام "من أجل خط ماركسي لينيني بحزب البرولبتاريا المغربي"
[28] . منظمة إلى الأمام: " نحو تهييء شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية"