أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ناشر الصغير - العصفورة (قصة قصيرة)















المزيد.....

العصفورة (قصة قصيرة)


أحمد ناشر الصغير

الحوار المتمدن-العدد: 2694 - 2009 / 7 / 1 - 08:02
المحور: الادب والفن
    


كنا قي الصف الرابع الأبتدائي عندما كان مقررا علينا في مادة المحفوظات القطعة الشعرية التالية؛

قد كان عندي بلبل
في قفص من ذهب
وكان يشدو دائما
بصوت جدا عذب
فطارمني ونأى
فقلت : لا تغترب
فقال لي : حريتي
لاتشترى بالذهب
كانت معجبة جدا بهذه المقطوعة وكانت تقول لي ببراءة الأطفال : أنا لن أتزوج عندما أكبر , سالتها برهبة و حوف من أن تكون جادة فتنهار كل أحلامي أن تشاركني بناء عش كذلك الذي بنته عصفورة جوار بيتنا : لماذا؟
قالت : أحب أن أعيش حرة مثل العصفورة أطير متى ما أريد وأحط على الفنن الذي أريد.....قلت لها محاولا تغيير نظرتها للحياة
_ لكن العصفورة تتزوج وتبني عشا وتلد عصافيرا
قالت وهي تضحك بسخرية
_ ولكن العصفورة لا تلد انما تبيض
قلت لها مستخفا كي أشفي غليلي
_ وهل تنوين أن تبيضي مثل العصفورة ان شاء الله ؟
تجاهلت سؤالي وعندما كبرنا ودخلنا الثانوية درسنا في مادة الأحياء أن انثى الأنسان تبيض مرة كل شهر فان صادفت حيوانا منويا حملت وان لم فتنتحر البويضة في عملية تسمى "الحيض" ..عندما كانت المدرسة تشرح لنا الدرس كنت ارمقها وهي تنظر الي من خلف الكتاب متشفية وكأنها تقول لي : نعم أنا أيضا أبيض مثل العصفورة ...
كنت أنا مغرما بمادة الرسم وكانت لوحاتي تثير اهتمام واعجاب المدرسين والزملاء وكانت أجمل لوحة رسمتها لوحة تحمل تقاسيم وجهها مختلطة بملامح الموناليزا الشهيرة وكان من ينظر لها عن قرب يرى وجهها ومن يبتعد قليلا يرى الموناليزا ..أثارت اللوحة اعجاب الجميع وبدأت المدرسة كلها تتحدث عن علاقة حب تحت الأنشاء بيننا وتزايد همس البنات وثرثراتهم فابتدأت تتحفظ في الأقتراب مني كثيرا كما كنا في السابق وبدأيقل حديثها معي ولكني كنت أقرا في عينيها كل ما كانت تريد أن تقوله لي ونختتم حديث العيون بابتسامة شبيهة بابتسامة الموناليزا ...
وكأنه لم يكن يكفي ما صنعه الشواني من حواجز فتأبى الأقدار الا أن تضيف ملحا على الجراح
وتشاء الأقدار أن نفترق أيام الحرب الأهلية التي نشبت في الجنوب عقب الأستقلال فتسافر هي مع أسرتها الى فرنسا وألتحق أنا بأسرتي في شمال الوطن وتنقطع أخبارها عني ولكنها بقيت في خيالي تكبر كل يوم وأرسم لها أشكالا في مخيلتي تتلاءم مع تقدمنا في السن و أرسم شكلها المتخيل في لوحات رسام هاو حتى بلغ عدد اللوحات رقما جعل والدي يسألني من هذه الفتاة التي تتفنن في رسمها ؟ ألا تستطيع أن ترسم وجوها أخرى غيرها ؟

وبعد عشرين عاما من فراقنا وعندما كنت في رحلة عمل من باريس الى كراكاس على الخطوط الفرنسية و عندما وقفت المضيفة تشرح لنا تعليمات الطوارئ تسمرت عيناي في وجهها , بدأ قلبي بالخفقان بسرعة غير طبيعية وأحسست بالدماء تتوقف عن كافة أعضائي لتتدفق الى وجهي , وفي وسط الشرح تصادف أن وقعت عيناها علي فشعرت بارتباكها الشديد وهي تحاول أن تكمل تعليمات السلامة للركاب بسرعة , انها هي هي كما تخيلتها بآخر لوحة رسمتها , تيقنت أنها عرفتني مثل ما عرفتها , لم أستطع مواصلة النظر بوجهها فأحنيت رأسي الى أسفل وبدأت أفرك عيني لأتأكد أنني لست في حلم ...وغرقت في تذكر أيام الطفولة وسرحت كثيرا ..لا أتذكر كم مر من الوقت علي وأنا في هذه الحال حين أحسست بوقع أقدامها تتقدم نحو الكرسي الذي كنت أجلس عليه مثل جثة هامدة ..تمالكت ما تبقى لي من قوى لأقف على قدمي وأمد يدي لمصافحتها

- معقول ؟؟ هل هذا ممكن؟
- أنا غير مصدق أيضا !!
- حسنا , سأكمل عملي وأعود لك

ذهبت لتقوم بعملها , تأملتها وهي تبتسم دون ملل ودون توقف وتعمل في خدمة الركاب بمنتهى اللياقة والأدب ولا حظت في عيون الركاب الأعجاب والأمتنان لها , بدأت أفكر في الأسئلة التي سأسألها عندما تفرغ من عملها , ياترى ماذا يكون سؤالي الأول لها : هل تزوجت ؟؟ ألن يكون هذا السؤال استفزازيا لها وتدخلا في شأنها الخاص ؟؟ لا, لا يليق أن أطرح هكذا سؤال ؟؟ اذن أسألها : كيف حال الأهل ؟؟ لكنني لم أكن أعرف أهلها ولم تكن لي علاقة بهم ... ياالهي ما أصعبها من لحظة عندما تعيش عمرك تحلم برؤية انسان وعندما يمنحك الله فرصة رؤيته لا تملك ما تقول له ...أغمضت عيني وقررت أن لا أفكر بالموضوع وأترك كل شئ للظروف ...أغمضت عيني وتنهدت بعمق وتظاهرت بالنوم مثل أغلب الركاب فقد كان الوقت ليلا ونحن نطير فوق المحيط ...سمعت خطواتها وهي تقترب ..لا تزال نفس النغمة هي هي لم تتغير ..أستطيع أن أعرف وقع خطاها من بين ألف قدم ..حولت مقعدي الى المقعد المجاور وجلست هي على نفس المقعد الذي كنت أجلس عليه ....بادرتني بالكلام وهي تضحك
- قد كان عندي بلبل في قفص من ذهب
قهقهت ضاحكا حتى كاد من كان حولي أن يستيقظ من شخيره
- مازلت تذكرين هذا الشعر
- وهل تظنني أنساه ؟ هل نسيته أنت ؟
- أبدا , لن أستطيع نسيان أجمل أيام حياتي
- لقد كان هذا الشعر هو مادفعني أن أفضل حياة الفضاء على حياة الأرض
- وهل قطعت صلاتك بالأرض ؟ ألم تعودي تهتمين بمن هو على الأرض
- بلى , اسمح لي بالصراحة فأنا انتقلت من بلاد النمور الى بلاد العصافير وتعلمت أن أشقشق بما في نفسي دون حواجز
- لا عليك , قولي ماتريدين ..
- أحببت شخصا على الأرض , كنت أحلم أن أضمه الى صدري وأطير به في الجو بعيدا عن عيون الناس
تسارعت خفقات قلبي أكثر وأكثر وبدأت أقلق من القادم
- لم يكن من السهل علي أن أنساه , ولم يكن بالأمكان أن أراه , فقررت أن أطير بعيدا في الجو وعندما أفرغ من خدمة الركاب أذهب الى مقعدي وأتخيل نفسي أهبط كالعصفورة الى حضن ذلك الأنسان لأشعر بالدفء والراحة بين أحضانه , أدمنت هذا العمل وهذا النوع من الخيال حتى أصبحت أحب الفضاء أكثر من الأرض .

ياالهي !! هل أسألها من هو ذاك الأنسان السعيد ؟؟؟ لا..لا.. أنا لا أريد أن أعرف ...

- وهل يعلم ذلك الأنسان بحبك له ؟
- هو لا يعلم ..ولكنني متأكدة أنه يحبني ..
- لماذا اذن لا تصارحيه وتتزوجان
- أتزوج !!!ههه أنت تريدني أن أقتل هذا الحب بالزواج وأدمر سعادتي بيدي
مازالت كما كانت عنيدة ومشاكسة لا تؤمن الأ بالحرية ولا تعتقد بشئ آخر , ماذا أقول لها ؟؟
- أنت تعلمين أن الزواج هو طريق السعادة والبنين والبنات هم عصافير حديقة الحب التي يتم انشاءها بجهد الزوجين
- أبدا , ليس ذلك صحيحا , فالحب يبدأ بالخفوت عقب ليلة العرس ويستمر بالخفوت حتى قدوم الأطفال فيموت

صعدت من صدرها نهدة أحسست بحرارتها تلفح وجهي وغيرت نبرة صوتها وهي تحاول تغيير مجرى الحديث

- جاء دورك الآن في الحديث , خبرني عن نفسك ...هل مازلت ترسم ؟
- نعم , مازلت أرسم ...ولكني أرسم وجها واحدا فقط ...لم ترق لي بقية الوجوه

ضحكتُ وضحِكت هي وكأني بها فهمت ما أقصده

- لابد أن هذا الوجه قد أسرك
- كثيرا جدا , لا تتصوري أني أعيش معه كل لحظة من حياتي
- هل لديك صورة لآخر لوحة رسمتها ...أريد أن أراها
تحسست حقيبتي تحت المقعد وأخرجت منها صورة لآخر لوحة رسمتها , خطفتها مني بلهفة أم توشك أن تحضن طفلها بعد حرمان طويل من رؤيته ..

نشرت اللوحة أمام وجهها , وعلت وجهها ابتسامة بمساحة المحيط الذي نطير فوقه ثم ذهبت في غيبوبة بصرية, تأملتها مليا وغبت أنا عن نفسي أيضا, تحسست لساني لأقول شيئا لكن كل لغات العالم تبخرت منها فجأة , نظرت اليها فاذا هي تغرق في اللوحة لا تحيد عنها ببصرها , ساد وجوم لوقت قصير تخيلته عمرنا الذي أنفرط ..طفحت من عينيها دمعتين كأنهما حبتي لؤلؤ على زهرتي نرجس , ضمت اللوحة الى صدرها ثم طبعت قبلة قوية على خدي مازالت أتحسس آثارها ألى اليوم ثم غادرت المقعد مسرعة الى مقاعد المضيفات دون أن تنطق بكلمة واحدة ,
انتظرت على مقعدي كثيرا علها تعود وكنت أتأملفي وجوه المضيفات علها تعود فلقد توقعت أنها ربما ذهبت لتغسل ما اختلط من دموعها بخدها ولكن لا جدوى ....جاء صوت قائد الطائرة ليخبرنا بقرب الهبوط في المطار فتوقعت رؤيتها وهي تتأكد من ربط الركاب لأحزمة المقاعد ولكن لا جدوى , هبطت الطائرة وتعمدت أن أتأخر بالنزول علي أراها ...هبطت سلم الطائرة بخطى مترددة وكأن حبلا كان يشدني لأعود مرة أخرى , كانت عيوني تنظر الى الخلف وقدماي تخطوان الى الأمام بكسل شديد ...وعندما وصلت أسفل السلم حانت مني التفاتة أخرى فرأيتها تلوح لي بيدها مودعة وترسل قبلة من شفتيها عبر الأثير ....لم أكن أعلم ما يجب علي عمله فواصلت سيري وكانني أمشي على مسامير تنغرز في قدماي كلما خطوت الى الأمام ....

وأخيرا وبعد أن وصلت الى الفندق الذي سأقيم فيه لا أعلم كيف وصلت اليه , وبينما كنت أنتظر اتمام اجراءت التسجيل وتسلمي لمفاتيح الغرفة سمعت صوت أم كلثوم يصدح في أرجاء البهو:
يا حبيبا زرت يوما ايكه طائر الشوق أغني المـــــــــــي
لك ابطاء المذل المــــــنعم و تجني القادر المحـــــتكـــــم
و حنيني لك يكوي اضلعي و الثواني جمرات في دمــــي
اعطني حريتي اطلق يديا انني اعطيت ما استبقيت شيئا
اه من قيدك ادمى معصمي لم ابقه و ما ابقى عليـــــــــا
اين من عيني حبيبا ساحرا فيه عز و جلال و حيــــــــــــاء
واثق الخطوه يمشي ملكـــا ظالم الحسن....شجي الكبريـاء

القيت بجسمي المثقل المتعب على احدى الكنبات وأسلمت أذني وحواسي لكوكب الشرق التي احسست انها كانت تغني من اجلي أنا وحدي.....






#أحمد_ناشر_الصغير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تختار الشعوب الوحدة مع الحياة
- أزمة الرأسمالية والحلول الأسلامية
- العلمانية أولا والديمقراطية ثانيا
- بين حانا ومانا ضاعت لحانا
- علماء اليمن أم جهلاء اليمن
- ازهار واذكار
- رسائل قصيرة للشعوب العربية
- جامعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العربية
- الطوفان القادم والتغيير النائم
- الطب النبوي في علاج السيدا بالسائل المنوي
- رسالة الى جورج بوش
- خارطة طريق جديدة
- كتاب الأثير في سيرة الحميرلأبن كثير حققه ولخصه لكم أحمد الصغ ...
- قصة نفط وادي المسيلة


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ناشر الصغير - العصفورة (قصة قصيرة)