أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مازن كم الماز - المثقف الصعلوك / البقاء خارج المؤسسة














المزيد.....

المثقف الصعلوك / البقاء خارج المؤسسة


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 2694 - 2009 / 7 / 1 - 09:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فقط أولئك الذين بقوا خارج المؤسسات السائدة يمكنهم أن يقولوا الحقيقة , كمهمة أخيرة ممكنة للمثقف , في تناقض مع المهام الوظيفية المختلفة التي يقوم بها المثقف المؤسساتي لصالح المؤسسة و النظام أو القوى السائدة , فلكل نظام و قوة مسيطرة حقيقته الخاصة , ربما كان فوكو هو الأكثر قدرة على شرح تلك العلاقة بين السلطة و الحقيقة , عندما تنتج السلطة حقيقتها و بالمقابل تنتج الحقيقة سلطتها , فالحقيقة ليست إلا تعبيرا ثقافيا عن سلطة ما , و لسبب ما كان المثقف الصعلوك أسبق على ظهور المثقف المؤسساتي , فالشعراء الصعاليك ظهروا قبل نبوة محمد و قبل حسان بن ثابت و علوم الفقه و الحديث و الكلام , و ظهر السفسطائيون قبل أفلاطون , ربما كانت المؤسسة الثقافية و السياسية تحتاج إلى زمن أكبر لتتشكل وتتطور , و ربما كانت تحتاج إلى محرض يتمثل في ثقافة الصعاليك الخارجة على المؤسسة , الهادمة لذات منطق وجود المؤسسة و قوانينها القائمة على نفي الاختلاف و الإصرار على واحدية المرجعية و الحقيقة و أخيرا السلطة , فقط أشخاص مثل نجيب سرور , المعري كانوا قادرين على قول الحقيقة , الحقيقة الفعلية لا الحقيقة التي تمثل السلطة الزمانية أي بمعنى الحقيقة في وجه السلطة أو القوة السائدة , فالقضية هنا أن من يوجد خارج المؤسسة هو فقط من يستطيع تحدي الحقيقة التي ترعاها السلطة , لكن أن تكون خارج المؤسسة له تبعات صريحة , فكان على نجيب سرور أن يجوع و يتشرد و يدخل المصحات النفسية التابعة للسلطة , و على المعري أن يأكل العدس طوال حياته , و ليقولوا حقيقتهم الهرطقية التي تعبر عن الواقع الفعلي أنتج المثقفون الصعاليك على الدوام وسائلهم الخاصة لقول الحقيقة , "أميات" نجيب سرور / أجمل هجائية للوضع القائم , الكتابة الكابوسية لكافكا , لا يعني هذا أن المثقف المؤسساتي هو مثقف مرتزق بالضرورة , لكنه يمارس دون شك وهم البحث عن الحقيقة , السائدة , من خلال احترامه للمؤسسة , أو على الأقل لشروط و منطق وجودها و سيادتها , لذلك مثلا سنجد ديوجينس الكلبي يختلف تماما في علاقته بالسلطة عن أفلاطون و أرسطو , سمح هذا للكلبييين ليس فقط بالرفع من شأن الحرية ككل بل و التشديد الاستثنائي على حرية التعبير ضمن إطار الحرية العام , و أن يمارسوها في مواجهة السلطة بالتحديد , هكذا أمكن لديوجينس الكلبي أن يرد على سؤال الكسندر العظيم عن أمانيه التي يمكن لذلك الملك أن يحققها : ( ابتعد عن الضوء ) * , و عندما يرى الكلبيون أن أي فعل لا تسبب ممارسته في الخفاء الشعور بالخجل يمكن ممارسته علنا , هذا المستوى من تطابق العلن و السر في الممارسة غير متوفر و لا حتى لأشد المؤمنين بالحقائق السائدة , إلا للصعاليك الخارجين على المؤسسة و حقيقتها المزيفة , اعتبر ديوجينس الكلبي أن الحياة المتساوقة مع العقل هي تلك التي تتناغم مع الطبيعة لا مع قيود الحكومة , نعود ثانية إلى فوكو , إلى تشخيصه لعلاقة السلطة بالجنون و الشذوذ الجنسي , عملية إقصاء الآخر و عقابه , هكذا تضع المؤسسة السائدة تعريف المعقول و الطبيعي وفقا لحقيقتها , و تمارس عزل و إقصاء الآخر أو المخالف في مشافي أو مصحات أو سجون , هنا تصبح الحقيقة مرتبطة مباشرة بالسلطة , بالمؤسسة الرسمية , أو بالمؤسسات الرسمية , و تصبح هذه الحقيقة هي الفضاء الوحيد المقبول لممارسة التفكير "الجدي" , للتعامل مع الحقيقة , و مع المعقول و الطبيعي , و يقبل الجميع تقريبا , بمن فيهم من يعتبر نفسه خارج المؤسسة أو السلطة بمنطق تلك الحقيقة و بعزل الفضاء الآخر , الهرطقي , المتمرد , الخارج على المؤسسة , على أنه خارج عن المعقول و الطبيعي , كان هيغل رمزا للمثقف المؤسساتي , و لذلك اعتبر أن الوضع القائم هو أساس المعقولية , و من هنا ولدت أسطورة اليوتوبيا كحالة منافية للعقل , بقدر ما هي معادية للوضع القائم , خلافا للأوهام التي اعتبرت التغيير فعل طليعي لنخبة تعمل في إطار المؤسسة , فإن التغيير هو فعل أشمل ينخرط فيه أساسا المقهورون ضد المؤسسة تتراجع فيه المؤسسة باستمرار إلى مواقع دفاعية جديدة دون أن تسلم أبدا بحق الآخر أو المقهورين في نقض معقولية الوضع القائم أو في نقض حقيقته الأحادية , نعم تمارس النخبة تأثيرا بالتأكيد لكنها كانت دائما محافظة و ضد التغيير الجذري الذي كان نتيجة لنضال تحاول هي بإصرار الإبقاء عليه في إطار السائد و تحت وصايتها , إنها حارس السائد , حارس الحقيقة التي تعبر عن السائد , الحارس الذي يقف بحماسة عند قضبان السجن الذي تعزل فيه السلطة ما تصفه بالشذوذ الهرطقي , عملية ضم الجديد إلى الفضاء السائد و تجييره لصالح السلطة القائمة – القديمة أو سلطة ما جديدة , كانت دائما وظيفتها في فترات التغيير الثوري , يجب ألا نبالغ هنا في دور الفضاء الموازي لفضاء السلطة و مؤسستها الرسمية , فضاء المثقفين الصعاليك , في حالة التغيير , ففي الأغلب كان هذا الفضاء بالكاد مجالا لخطاب معارض بشكل جذري , يقوم على قدرة استثنائية في الجهر بالحقيقة المسكوت عنها , بل و التي تصر المؤسسة على إدانتها بوصفها هرطقة أو جنون أو شذوذ , أسوأ ما في الموضوع هو محاولة المؤسسة تحويل الذكرى الماضية لمثقفين صعاليك إلى ما هو أشبه بموظفين في المؤسسة , محررين في صفحاتها الثقافية , و مرددين لكل مدائح الوضع القائم , هذه هي قمة الخيانة , خيانة الحقيقة , من جانب المثقفين المؤسساتيين........

مازن كم الماز

* تقول كتب التاريخ أن أفلاطون التقى ذات يوم بديوجينيس الكلبي و هو يغسل بعض الأعشاب بالماء فسأله "لو أنك توددت لديونيسيوس( الملك ) لما كنت تغسل الخس الآن" , فرد عليه ديوجينيس بذات الهدوء "لو أنك كنت تغسل الخس لما كنت مضطرا للتودد إلى ديونيسيوس" .





#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تنقلب رأسمالية الدولة البيروقراطية على نفسها
- الرياضة كبديل للسياسة
- رسالة من مقهورين إلى مقهورين
- ملامح الثورة الإيرانية الجديدة
- أوشفيتزالفلسطيني
- يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
- عن خطاب السيد أوباما
- من الاستبداد إلى الاستبداد
- مزايا و محدودية الديمقراطية الكويتية
- وقفة مع كلام المفتي عن الحرية
- في نقد أخلاق العبيد
- في نقد النزعة الإنسانية
- نقد نقد الماركسية و القومية السائدة سوريا
- محاولة لتعريف الأناركية
- في ذكرى رحيل نزار قباني :الشاعر و الزعيم
- في مواجهة قانون الأقوياء
- شيطنة الأصولية
- الشيوعية -التحررية- : لا ديكتاتورية , بل أقصى حرية للمنتجين
- ما بعد خروج الإخوان السوريين من جبهة الخلاص
- الإله و الإنسان


المزيد.....




- العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب ...
- ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا ...
- الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ ...
- صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م ...
- كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح ...
- باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا ...
- شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
- أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو ...
- زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
- مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مازن كم الماز - المثقف الصعلوك / البقاء خارج المؤسسة