لماذا لم تمنع امريكا هجمات 11 ايلول
اسماء اغبارية زحالقة
2004 / 4 / 29 - 08:10
تجاهل بوش لتهديدات "القاعدة" والتركيز على "العدو" الخطأ، العراق، سبّب احداث 11 ايلول وورّط امريكا في حرب قد تتحول لفيتنام. السؤال الذي يجب ان يطرح هو: ما مصدر الخطر الحقيقي الذي يهدد الشعب الامريكي والعالم؟ هل هو العراق، ام بن لادن ام هي في الحقيقة ادارة بوش التي تهدد بجر العالم كله الى حلقة مفرغة من الحروب؟
اسماء اغبارية
لعلها صدفة ان تدلي كوندوليزا رايس، مستشارة الامن القومي الامريكي، بشهادتها امام اللجنة المكلفة التحقيق في احداث 11 ايلول 2001، في وقت عاد فيه العراق ليتحول الى ساحة حرب. ولكن العلاقة بين الموضوعين ليست صدفة.
قيام امريكا باستغلال احداث 11 ايلول بهدف تحقيق مخطط مبيّت لضرب العراق، سرعان ما تحول الى فضيحة جديدة، اضيفت الى فضائح الكذب في اسلحة الدمار الشامل العراقية ومزاعم نشر الحرية والديمقراطية في الشرق الاوسط.
الشهادة الاكثر حساسية في هذا الاتجاه، كانت تلك التي ادلى بها ريتشارد كلارك، بصفته مستشار بوش لشؤون مكافحة الارهاب، امام اللجنة القومية للتحقيق في 11 ايلول، وكذلك في كتابه الجديد "في مواجهة كل الاعداء".
اكد كلارك ان ادارة بوش لم تهتم اطلاقا بمكافحة الارهاب، واهملت مخططات وضعها امام بوش لحظة توليه منصبه في كانون ثان (يناير) 2001، هدفها مكافحة القاعدة التي باتت في تقييمه هو والسي. اي. ايه. تشكل الخطر الرئيسي. المشكلة الاكبر كانت ان الادارة، بتحريض من الثلاثي تشيني ورامسفيلد وولفوفيتش، لم تغير موقفها حتى بعد العمليات في 11 ايلول. ففي اليوم التالي للعمليات طلب بوش من كلارك ايجاد علاقة بين العمليات وبين صدام حسين، واصر على طلبه، حتى بعد ان اكد كلارك ان القاعدة وراء الموضوع. وقد اضطرت الادارة الامريكية في 28 آذار ان تعترف بصحة المعلومات.
لتفسير الاصرار الامريكي، كشف كلارك عن امر مهم وهو ان الادارة كانت مصرة على توجيه الطاقات ضد روسيا و"الدول المارقة". وهو امر سبق ان اشرنا اليه في وثيقة خاصة نشرتها "الصبّار" حول الاحداث (تشرين اول، 2001)، جاء فيها: "الجهود الامريكية في الفترة التي سبقت انهيار الابراج الامريكية كانت موجهة ضد روسيا... ولم يكن بن لادن العدو الاول، بل الدول المارقة مثل ايران والعراق وكوريا الشمالية، بحجة انها تهدد بشكل مباشر الامن الامريكي".
احداث 11 ايلول اعطت دافعا لسيطرة المحافظين الجدد على ادارة بوش، وهؤلاء سعوا لاستغلال الاحداث لتطبيق المخطط الاستراتيجي للامن القومي الامريكي، المبيّت منذ عام 1992. وجوهر المخطط هو قلب المفاهيم العالمية من خلال شن الحرب على العراق، وفرض سياسة خارجية جديدة هدفها المعلن هو ضمان المكانة المتفوقة لامريكا في العالم باستخدام التفوق العسكري، دون حاجة للرجوع للمؤسسات الدولية مثل الامم المتحدة ومجلس الامن.
الارهاب: الدعاية الانتخابية
انصبت شهادة كلارك على الادارة الامريكية كالماء البارد في برد الصقيع، لتزيد من تآكل مصداقية ادارة بوش الموشكة على انتخابات رئاسية. المشكلة ان شهادة كلارك تفضح الاساس الذي بنى عليه بوش حملته الانتخابية، اذ انه يروج لنفسه ك"رئيس حرب"، وكمن فعل كل شيء لحماية الشعب الامريكي، من خلال تحركه ضد القاعدة وغزو العراق.
قبل ايام معدودة فقط من ادلاء كلارك بشهادته، كان بوش يخاطب القوات العائدة من العراق، قائلا ان "الخناق يضيق على الارهابيين"، وان "غزو العراق قضى على "دولة تدعم الارهاب".. وزعم ان "الحرب التي تقودها واشنطن على الارهاب جعلت الولايات المتحدة والعالم اكثر امانا". (الجزيرة نت، 19 آذار)
ولو كان بوش يتوقع ان يُتهم بان اهماله لتحذيرات القاعدة سبّب عمليات 11 ايلول، لتروّى قليلا قبل ان يهاجم منافسه جون كيري في 3 آذار، متهما اياه بالافتقار لخطة منسجمة للدفاع عن الولايات المتحدة من هجمات جديدة. ولما تبجّح باتهام ادارة كلينتون بانها لم ترد بشكل مناسب على الهجوم الأول الذي تعرض له مركز التجارة العالمية في نيويورك عام 1993، الامر الذي قاد للعمليات في ايلول 2001.
والملاحظ ان بوش يعمل بشكل منهجي لبث شعور بالهلع في صفوف شعبه. فعدا عن حالة التأهب التي تحذر باستمرار من احتمالات وقوع عمليات، يخاطب بوش الامة في كل مناسبة ويحذرها من الخطر، كما فعل في مناسبة الذكرى الاولى لتأسيس وزارة الامن الداخلي في آذار الماضي، عندما دعا بلاده ل"عدم الانسياق وراء شعور خاطئ بالامان، لان الارهابيين لا يزالون يسعون لضرب اميركا"... مشيرا الى ان "هذا هو الواقع الذي يجب ان تتعايش اميركا معه" (الجزيرة، 4 آذار).
شهادة رايس
اضطر البيت الابيض للسماح لكوندوليزا رايس، مستشارة الامن القومي، للشهادة علنا امام لجنة 11 ايلول، وذلك بعد مانع بحجج دستورية مختلفة، مما اثار علامات استفهام وشكوك. وما زاد الشكوك قرار بوش نفسه اعطاء اجابات موجزة للجنة في التحقيق المغلق معه، وما اثار الاستغراب اصراره على مرافقة نائبه ديك تشيني في التحقيقات.
يشار ان بوش عين لجنة التحقيق الرسمية بنفسه في اعقاب الاحداث، وهي مؤلفة من عشرة اعضاء من كلا الحزبين. وكان المفروض ان تقدم توصياتها في تموز (يوليو) القريب، ولكن يقدر بان التوصيات لن تنشر قبل اقرارها في البيت الابيض لدواعٍ امنية، الامر الذي يمكن ان يؤجل نشرها الى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
افتتاحية "نيويورك تايمز" (9 نيسان) علّقت بان المطلوب جماهيريا من اللجنة ان تفحص: هل كان بالامكان منع الاحداث لو تعاملت الادارة مع القاعدة تعاملا خاصا وليس كواحدة من القضايا التي تستدعي العلاج؟ هل كان رد فعل الرئيس على التقارير المرفوعة اليه بشأن التحذيرات من امكانية وقوع العمليات، سريعا وعنيفا بما يكفي؟ وهل طالب موظفيه بالعمل على اعداد خطط لمواجهة الخطر المحدق؟
في شهادتها التي استمرت نحو ثلاث ساعات امام اللجنة في 8 نيسان (ابريل)، دافعت رايس عن الرئيس بوش، مؤكدة انه عرف ان يقيّم خطورة تهديد القاعدة. ولكنها اعترفت انه كانت هناك معلومات اشارت الى ان القاعدة تخطط لهجوم ضخم على المصالح الامريكية، الا ان "المعلومات القليلة كانت عامة جدا، ولم توضح مكان وكيفية ومن سيقوم بهذه الهجمات".
وركّزت اللجنة على مستند معين مؤرخ في 6 آب (اغسطس) 2001، اي قبل شهر من الاحداث، تم رفعه للادارة الامريكية، وينص على ان بن لادن سيضرب امريكا في عقر دارها. غير ان رايس قلّلت من اهمية المستند مشيرة الى ان "الاضواء كانت مسلطة خارج حدود امريكا". وتناقض هذا الموقف مع امتناع رايس عن النزول عند طلب اللجنة تسليمها نسخة عن المستند، متذرعةً بحساسيته.
واستبعدت رايس التقديرات التي اشارت الى انه كان بالامكان منع الاحداث لو تم استخدام المعلومات الاستخباراتية التي وصلت الرئيس. واشارت بهذا الصدد الى الفشل الاستخباراتي النابع من عدم التنسيق، المتجذر تاريخيا، بين السي اي ايه والاف بي اي، والذي منع المخابرات من رؤية الصورة الكاملة.
وقد تحججت مستشارة الامن القومي بفشل الادارات الامريكية طيلة السنوات العشرين الماضية في مواجهة خطر الارهاب، وان بوش انتهج في البداية اسلوب كلينتون. وسرعان ما تعرضت رايس لانتقادات على هذا التصريح، لان الفرق بين ادارة بوش وسابقاتها ان بوش نسب لنفسه دور حماية الامن القومي من الارهاب، الامر الذي لم تفعله بقية الادارات على الاقل.
ونفت المستشارة الادعاءات بان الرئيس بالغ بالنسبة لخطر صدام على حساب الحملة لمكافحة الارهاب. ومع هذا اكدت ان ضرب العراق بُحث فور العمليات بضغط من رامسفيلد وولفوفيتش، ولكن مستشاري بوش اوصوه بمحاربة افغانستان.
والحقيقة ان محاربة الارهاب لم تكن في سلم اولويات الادارة الامريكية، وهو ما كشفته رايس، اذ قالت: "الولايات المتحدة ببساطة لم تكن في حالة استنفار... الارهابيون كانوا في حرب ضد الولايات المتحدة التي لم تكن حتى ذلك الحين في حالة حرب معهم".
الكذب خدمةً للامبراطورية
ولم تهمل امريكا عبثا تهديدات "القاعدة"، فهي ابدا لم تنظر للاسلام الجهادي كعدو استراتيجي. وليس فقط عدم التكافؤ بين القوتين جعل امريكا تستهتر بمجموعة هامشية مؤلفة من بعض الافراد مسلحين بالبنادق، بل التحالف الذي جمع بين الادارة الامريكية والحركات الجهادية كقوة ردع للشيوعية.
وكانت نتيجة تجاهلهم لمصدر الخطر الحقيقي وتركيزهم على العراق، اولا: اعطاء القاعدة الفرصة للانتعاش الامر الذي انتهى باحداث 11 ايلول، كما ان الجهود الطفيفة المبذولة في حرب افغانستان والعثور على بن لادن، قياسا بتلك المبذولة في العراق، ادت الى مزيد من تقوية الحركات الارهابية. وثانيا: ادت مواصلة التركيز على ضرب العراق، الى توسيع الارهاب على نطاق عالمي، ومن ذلك ما حدث في مدريد.
وكان المفروض ان تغير الولايات المتحدة موقفها الاستراتيجي، وبدل ان تقول ان العراق هو الخطر ان توجه جهودها ضد خطر الارهاب. ولكن هذا كان من شأنه تأجيل كل الخطة الاصلية لقلب مفاهيم العالم المتعلقة بالغاء الامم المتحدة ومجلس الامن والتحول لامبراطورية.
الادارة الامريكية متهمة بالكذب مرتين، الاولى على العالم عندما ادعت ان للعراق اسلحة دمار شامل، والثانية عندما كذبت على شعبها برفضها الاعتراف بان التهديد الاستراتيجي يأتي من الارهاب وليس من العراق. ما يثير قلق المواطنين الامريكان هو عدم قدرة ادارة بوش على التقييم الموضوعي للوضع الامني، وبالتالي على تحديد الاعداء. الثمن قد يكون المزيد من العمليات الارهابية.
من جهة اخرى، الهجوم على "العدو" الخطأ، العراق، ورط امريكا في حرب كانت في غنى عنها مما يكلفها المزيد من الضحايا الامريكان. السؤال الذي يجب ان يطرح والحال كهذه هو: ما مصدر الخطر الحقيقي الذي يهدد الشعب الامريكي والعالم؟ هل هو العراق، ام بن لادن، ام هي في الحقيقة ادارة بوش التي تهدد بجر العالم الى حلقة مفرغة من الحروب؟