|
سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2678 - 2009 / 6 / 15 - 08:45
المحور:
الادب والفن
تشكل القصيدة عند فاطمة ناعوت وعيا متجددا بالذات ، و الأشياء ، و التجارب الحياتية الجزئية ، و العلاقات المعقدة بين العالم الأنثوي الداخلي للمتكلمة ، و الصوت المبدع الخفي في التكوينات ، و الأحداث ، و الذكريات ، و غيرها . إن الصوت يذوب في القصيدة ؛ ليحقق عملية اتساع الوعي بهذا العالم الجديد الذي تختلط فيه الموجودات ، و التجارب الحياتية ، و التاريخية بفانتازيا النص ، و مجاله الكوني ذي العلاقات المفتوحة التي تفكك الروابط الحتمية بين العلامات . إن كتابة فاطمة ناعوت تبدأ بتفجير المدلول الإبداعي في الظواهر ، و الأشياء ؛ مثل إصبع عازف البيانو ، و اللون الأزرق ، و الزجاج ، و غيرها ، ثم تعيد بناء العلاقات بين العالم ، و تجربتها الأنثوية انطلاقا من اتساع المدلول الإبداعي الأول في الممارسة النصية ، و قد صار صوت المتكلمة جزءا من آثارها المتجددة ، و كأنها تؤكد أن السياق الشعري يشبه الحياة نفسها ، أو يسهم بدرجة كبيرة في إحداث التغيير المستمر في بنيتها ، مثلما تتغير هوية المتكلمة حين تتحد بالفضاءات الدلالية الجديدة في النص . و منذ ديوانها الأول – نقرة إصبع – ترتكز فاطمة ناعوت على الرؤية الشعرية نفسها كدال يذوب في الشخوص ، و الظواهر ، و الأزمنة ، ثم يراكم الخبرات الجديدة في الوعي الأنثوي المبدع دون نهاية ؛ و قد بدا هذا واضحا في ديوانها " اسمي ليس صعبا " ؛ إذ اكتسبت الأشياء الصغيرة ، و الألوان حضورا داخليا مبدعا ، و ديناميكيا ، و مختلطا بالصوت ، و السيرة الشخصية . إن عملية التداعي النصي في كتابات فاطمة ناعوت لا يمكن فصلها عن خصوصية الذات المدركة ، و تطورها الوجودي / الإبداعي من داخل التعددية السيميولوجية في القصيدة ؛ فهي تجمع بين المآسي ، و الأساطير ، و التشكيلات المكانية ، و الحالات الفريدة . ترى جوليا كريستيفا في " علم النص " أن حركة النص المادية تتميز باللانهائية ، و الاختلاف ، و تجاوز المركز ، و الغاية ، كما أن الممارسة النصية تزحزح الخطاب عن مركزه ؛ لتنبني كعملية نثر داخل لامتناه اختلافي ( راجع / جوليا كريستيفا / علم النص / ترجمة فريد الزاهي / دار توبقال بالمغرب مع سوي بباريس 1991 ص 10 و 13 ) . إن خاصية الانتشار اللامركزية عند كريستيفا تتحقق في كتابة فاطمة ناعوت ؛ إذ يكون الدال مفتتحا لهوية جديدة ، و مجالات منتجة للتو من فانتازيا العالم . و قد صارت النظرة الإبداعية للعالم الآن مختلطة بما في التداعي النصي الشعري من تناقض ، و تشبيه كما هو عند دريدا ، و بودريار ، فضلا عن تغير الدال الأنثوي طبقا لخاصية اللانهائية ، و هو ما نجده في تجدد العالم الداخلي للمتكلمة في جميع دواوين فاطمة ناعوت . و يمكننا متابعة هذا التطور الخلاق للذات في دواوينها الثلاثة الأولى ؛ نقرة إصبع ، و على بعد سنتيمتر واحد من الأرض ، و قطاع طولي في الذاكرة ؛ إذ يحول الفن الخبرات اليومية إلى سياق شعري حتى يصبح الوعي مجالا للتحليل الإبداعي ، و جزءا منه في قطاع طولي في الذاكرة . في نص " قوس مائل " – من ديوان نقرة إصبع – تستدعي الشاعرة سياق الفن في نسيج الواقع ؛ فنقرة إصبع العازف تستعيد البدايات ، و لحظة النشوء المتواترة في الكون ، و من ثم ينتقل التغيير من الفن إلى الواقع ، ثم عملية الاختيار ، و تأويل الذات انطلاقا من الأماكن الفنية – الحلمية ، و قد صارت واقعا تشبيهيا أصيلا ، و متجددا ، و لا يمكن فصله عن السياق الأول . تقول : " أحترم عازف البيانو / نقرة إصبع تخلق عالما / قوس مائل ، محور ، قاعدة ارتكاز ، كرة بلون أزرق باهت / مسطحات ماء / ست قارات بلون أخضر / قارتان بلون الثلج / عدا قارة بلون الضياع " . لقد اختلطت الأماكن بالخريطة الداخلية الأنثوية ، بما تحمل من دوال الخصوبة ، و البروز الفريد للعلامة / الأرض ، و كأنها تتجدد من داخل التخيلات الإبداعية التحريفية للثوابت ؛ و من ثم تتشكل هوية المتكلمة من تلك اللحظة الفريدة التي تتوحد فيها بالتشكيل الفني المتجدد لعناصر الوجود . و في نص " بصمة " تستنزف الشاعرة وجودها الواقعي ، و تعيد إنتاجه في الطيف المجازي الذي يستبق الحياة ، و يتعثر فيها في آن . إنها تؤكد الهوية في الفراغ المبدع الذي يتجاوزها ، و كأنها تفكك الأصل المادي للصوت ، و تعيد قراءته وفقا لنشوئه الفني . تقول : " بعد المشي ثلث قرن على الطرقات / نظرت خلفي / تأكدت أن قدمي / لم تترك أثرا واحدا على الأرض / ربما لأنني لم أتقن فن المشي في طفولتي / أو لأني كنت أحاول / أن أطير على بعد سنتيمتر واحد من الأرض / و لأني لست عصفورا / فإنني حتى لم أزقزق " . إنها تثبت فعل المشي ثم تفرغه من الأثر ؛ فهو يشبه الطيران ، أو هو طيران يتحدى الأبنية ، و العلاقات المنطقية من داخلها ؛ فالفراغ يستعيد أسئلة الوجود ، و العدم ، كما يعلقهما في الطيف المبدع الذي يشكل البصمة دون مادة ، و يمارس الطيران على الطرقات نفسها ، و قد ثارت على بنيتها ، و شكلت من بهجة المحو أصواتا فنية تقاوم حدود المادة ، و التاريخ . و في نص " من منكم بلا خطيئة ؟ " تتسع الذات ، و تتحد بتواتر فكرة الخطيئة في الوعي الجمعي ، و التاريخ البشري بشكل عبثي يحتمل البراءة ، و سلطة الذنب غير المبررة معا . إنها تحاول إقصاء الخطيئة ، و من ثم العقاب ، ثم تفكك مدلول الخطيئة نفسه بتواتره في الماضي ، و احتمالات وقوعه في المستقبل ، كما تؤكد التمرد الأنثوي ، و تجليه كأداء متجاوز لسلطة العقاب . تقول : " و أقسم أني بكيت الأميرة ديانا / و كيف و أنا لم أصل للأربعين / يؤكدون أني شاركت في حرب طروادة / كما اني لم أر آدم / حتى أقنعه بأن التفاحة شهية جدا / و لن أدلي برأيي في الحرب العالمية الثالثة " . لقد ساهمت الأخطاء القديمة – مثل التي ارتبطت بحرب طروادة – في إحداث عالم تشبيهي حلمي تتكاثر فيه الخطيئة في وعي المتكلمة بشكل بريء ، و إبداعي يناهض مأساة العقاب . إن خطايا هيلين ، ثم القائد أجاممنون ، و زوجته كليمنسترا ، ثم أوريست قبل طروادة ، و بعدها تتجرد من مركزيتها الأولى حين تتبلور في عالم المتكلمة الشعري ، و كأنها تعزز من اللعب التمثيلي على مثاليات التطهير في المآسي الإغريقية . و في نص " ديسمبر " يؤجل النص بنية الاكتمال في الذات ، و القصيدة ، و الزمن معا ؛ فاجتماع الأضداد في المتكلمة ، يوازي تداخل البدايات ، و النهايات في ديسمبر . إن ديسمبر يستبق البدايات الجديدة ، و يشبهها ، و يقاوم اكتمال الأنثى ، و القصيدة ، و السنة ، و من ثم تتسع الذات لتشمل الأبيض ، و الأسود ، و النهايات ، و النشوء المتجدد في دال ديسمبر . تقول : " بالتأكيد سوف أنام قريرة العين / حين أقنع نفسي / أن رقعة الشطرنج بلونيها / داخل جمجمتي / ليست دليلا على التناقض / بل ربما خدعت أصدقائي ، و أوهمتهم / أن ديسمبر لا يحمل كل تلك الأكاذيب / لكنه مجرد كلمة تناسب نهايات القصائد " . لقد صار ديسمبر موضوعا للقصيدة ، و زمنا لاكتمالها الوهمي في الوقت نفسه ؛ إذ انتقل من الكلية إلى التجزؤ كدال يحتل صوت المتكلمة المتناقض ؛ ليقاوم حدود الصوت ، و القصيدة ، و يفكك بنيته الزمنية في تجدده الجزئي الشعري . و في نص " حتى المستحيل " – من ديوان على بعد سنتيمتر واحد من الأرض – تتحول بقايا الذات المتعالية / المنتهكة إلى أثر للعشق ، و التفكك ؛ فقد حولت الشاعرة أحلام السقوط إلى تميمة للحياة ، و تجدد للأنوثة ، و هي تيمة متكررة في هذا الديوان ؛ فقد انتقلت المتكلمة من السماء إلى النفايات ، و لكن أثر السماء الشعري مازال حاضرا في آثار الصوت ، و الجسد ؛ فقد استبدل المأساة من داخلها ، و حقق البهجة في سياق تدميري نيتشوي معلق . تقول : " كانت حبالي معلقة بالسماء / فاختل عزم الحركة / و دارت حول محورها / دورة الموت / ربما كان ضروريا إذن / أن أقص الحبال تلك / و ألج / بلا خجل / مخزن النفايات / و لن أنسى بالتأكيد / أن أترك بعض وجهي / و خصلة من شعري مع قنينة البكاء بالخارج كتميمة عشق لكل النساء " . لقد انتزعت المتكلمة قداسة الموت من اللاوعي الجمعي ، و أعادت قراءة طاقته المتوهجة في سياق تجدد الحياة الأنثوية ؛ إذ حملت دوالها ؛ و هي الشعر ، و الدموع ، و بقايا الوجه تلك الطاقة الإبداعية الفريدة التي انقلبت على المأساة من داخلها ؛ فالحزن هنا معلق بالبهجة التي تبعث الحياة في سياق الموت . و في نص " رقصة الحب " يمتزج الحضور القوي للمأساة ، بالرغبة في المحو ، و التجدد ، و الذوبان في قوة الأنوثة القديمة في الأدب ، و الأساطير ؛ فالمتكلمة تستعيد امرأة مكبث ، و هي تتميز بالقوة ، و الانهيار معا في نص شكسبير ، و كذلك الماء الذي ارتبط بالأم ، و الأنوثة في الأسطورة ؛ لتمحو حتمية المأساة ، و قانون الهيمنة المحرك لها من داخل العلامات الاستثنائية الأنثوية . تقول : " الدموع تلك / التي أظل ليلا كاملا / أغسل بقاياها / بأجود أنواع الصابون الفرنسي / و أنا أستدعي صورة امرأة مكبث / فرق كبير / بين زئير الأسد بالغابة / و .. مالك الحزين فوق الماء / يؤدي رقصة الحب " . إن الرقص هنا يشبه الحزن ، و يقاومه بحركة الانفعال الإبداعي الجسدي اللاواعي ، و اتحاده الخفي بقداسة الحب ، فيحول الحزن إلى رقصة مأساوية بهيجة تتفكك داخليا بمحو العنصر الحتمي ، و انتصار العنصر النسائي في النص . و في نص " شيء عن رجل الظلال " تشكل المتكلمة الآخر بأخيلة الوعي الفني ، و تكشف عن ملامحه التشكيلية الفريدة المنتجة للتو في مسافة إبداعية تصل الوعي بالواقع ، ثم تتحد بصورته الجديدة الحاملة لدوال الأنوثة ؛ مثل السمكة ، و الوجه من منظور المتكلمة ، و انفعالها الداخلي بحضور الآخر . تقول : " أوهمك أني رسامة / تحتاج بشكل مهني / أن تتأكد بأناملها / من مناطق الظلال و النور / على وجهك / .. حاولت مرة / أن تكون سمكة / ثم أحبت / كل السمكات / في طبقك " . لقد انتشرت أخيلة المتكلمة هنا بصورة نصية في الآخر ، فأصبح جزءا من صوتها ، و تفسيرها لوجودها في العالم . و في نص " على بعد سنتيمتر واحد من الأرض " – و هو مقاطع شعرية صغيرة – تستمر الشاعرة في تحليل الأشياء ، و العلامات ، و تخييلها ؛ لتقاوم ظهورها الواقعي الأول ؛ فالشيء يمتد فيما يليه من فراغ ، و كذلك تأويلاته اللانهائية المحتملة . هل تمسك الشاعرة بطاقة الأشياء المنفلتة من تجسدها المحدود ؟ أم تخرج من تكوينها في ثورة تشبه الحياة الخفية في العناصر الكونية ؟ تقول في أحد المقاطع : " نظارتي / زرقاء العدسات / تعالي سريعا / ليس صحيحا أن الأزرق / مجرد لون / الأزرق صفحة تكويني " . إن الشاعرة تقبض على المادة الإبداعية المجردة في إيحاءات اللون ، و ذلك لتفكك مدلول العدسة ؛ فهي جزء من زرقة الماء كدال داخلي في الذات ، و تشير إلى الصفاء المتعالي ، و الغموض الشعري المنعزل معا . العدسة هنا فراغ ، أو مجال للعب الإيحاءات الذاتية ، و الكونية . و تقول في مقطع آخر : " حبات رمل في كفي / تسربت من أصابعها / سيبيل / ثقبت رأس أبولو / فسالت من عينيه هزائمي " . ثمة سر سحري في كف المتكلمة ، تولدت عنه – ضمن التداعيات النصية – العرافة سيبيل التي ارتبطت في الوعي الجمعي بالتنبؤ ، و الشاعرية ، و السحر ، و الأمومة ، و يستدعي هذا السر دوال البهجة ، و الشفاء ، و العدالة عند أبولو ، ثم تأتي الهزيمة كمدلول استثنائي في النص يتعارض مع القداسة الأصلية ، و الاتساع الأول للذات ؛ فبعد سيطرة الحزن في بداية الديوان ، أصبح هنا استثناء ، و مقدمة لقداسة الأنثى . و يتميز المقطع السابق بجماليات النص الجامع طبقا لمدلوله عند جينيت ؛ إذ يجمع بين التداعيات السيميولوجية المميزة للشعر الحداثي ، و النزعة السردية المؤولة للصوت المتكلم . و في مقطع آخر تقول : " لا تتوقعي مني / مزيدا من الاهتمام / أيتها الوردة الجميلة / بعد يوم أو اثنين / تسكنين سلة المهملات / لأنك لست من البلاستيك " . الوردة تتجرد من حضورها الجسدي في الوعي ؛ فهي أثر ، أو طيف مؤجل ، مثل المجاز الشعري الكامن في الواقع . هل تحتل الوردة صورتها البلاستيكية الأخرى لتتجرد طاقتها الإبداعية ؟ أم أنها تظل طيفا يعلو على المادة من داخلها ؟ أم أنها صوت المتكلمة الخفي ، و الذي يقاوم العدم من داخله ؟ و في نص " وجه " – من ديوان قطاع طولي في الذاكرة – تشكل الكتابة النصية مجموعة من الطاقات المتناثرة للأشياء ، و الأطياف ، و الأعمال الفنية ، و الأصوات ، و كأننا أمام واقع تحكمه عملية التداعيات التكوينية المميزة للكتابة دون اكتمال . تقول : " أدخل البئر كل صبح / أسرق الأشباح / الكراسي / أكوابا نصف فارغة / و لوحات مبتلة لم تزل / و في المساء / أكنس الخرز / أباعد بين الغمام / أحتضن الوجه الذي / تخبو قداسته / شيئا فشيئا / ثم يغدو / فكرة " . لقد كان الاتساع العلاماتي في النص منبعا للوجه ، الوجه مادة قيد التشكل ، مثل الذات ، و الصوت ، و الحب ، و القصيدة . إنه في حالة نشوء مستمرة مناهضة لثبات المادة ، و الجسد . هل حمل الوجه صورة تموز في الأساطير ، فصار دائريا دون اكتمال ؟ أم أنه امتداد العلامات النصية فيما وراءها من أطياف ، و أفكار ، و بذور نصية جديدة ؟ و في نص " صيرورة " تعيد الشاعرة إنتاج ثنائية الحياة ، و الفناء من داخل وسيط التحول الأسطوري ؛ إذ إنه يجسد الخروج عن حدود الكينونة ، و إعادة تركيبها بشكل إبداعي متغير ، كما يعزز من النظرة الإبداعية للعالم ؛ فالذات لا تتفكك بصورة سلبية ، و إنما تتحرر من مخلفاتها ، و آلامها في الصيرورة المجازية للجسد حين يتحد بعوالم اللاوعي ، و الطاقة المتوهجة للحكايات ، و الأساطير . تقول : " نظرة وحيدة تحكي / كيف أنصهر داخلي / أمسى جسدي مجوفا / محشوا قشا و أرقا / قريبا / سأطالب بشيء من الميتامورفزيس / ألملم كل زوائدي / أظافر ، أنوفا ، و أقلاما / أحورها / جناحين " . هل انفصل الصوت عن تاريخه الصلب ، و صار جناحين مجردين طليقين يمارسان اللعب الحر ؟ أم أن عوامل التحول كانت كامنة في التفكك كخروج مستمر عن الذات التاريخية ؟ و في نص " تشكيلات مراوغة " ترسم المتكلمة جسدها كعمل فني يتحد بالآخر في الواقع الإبداعي ، و مفرداته ؛ مثل الزجاج ، و الطيران ، و القراءة ، و قد اتسع مجاله ليتجاوز العمل المنفرد . تقول : " أي مفردة / تنبؤك بأني / أود الآن أن تضمني / ثم أضيع في زجاجك / و أستنسخ في أبعاد متوهمة / أي مفردة أخطها / فتقرأني / تقرأني أنا / بعيدا عن غوايات القصيدة " . الزجاج يحاكي الصوت ، و يفرغه من صلابته ، و حدوده . إنه مرآة الأنثى التي تتوحد بالآخر خارج الأصوات ، و الأجساد بمدلولاتها المعروفة ، و من ثم جاء الطيران كاستنساخ مضاعف للزجاج ، الذي يكمن فيه الآخر ، و يختفي ، و يذوب دون مركزية للفن ، أو الواقع على حد سواء . و في نص " قطاع طولي في الذاكرة " تبدو الذات المتكلمة كمجال تشبيهي يحاكي المعمار المقدس للمعبد ، إنها تفجر الكينونة في العلاقات المكانية التي تقع بين المجاز ، و الواقع ، و الأسطورة ؛ فهي تستخدم دوال الردهة ، و الفتحات ، و الجدران ، و الممرات ، و الغرف لتحلل الوعي كمجال كوني مقدس يحتوي الذات ، و يتجاوز الألم ، و العدم ، و الجسد . تقول : " الضوء يخدع و يناور / يلتف حول الحجرة / و يدخل قدس الأقداس / من ثغرات العراميس / مرتين في العام / لا في أيلول و آذار / لكن في الردهة الصامتة / نصف المعتمة مرة / و مرة في غرفة الطعام " . العتمة النسبية تستعيد الحضور ، و الذاكرة ، و الجسد ، و حالات اليأس ، و الغموض الأنثوي المتعالي في آن . أما الضوء فيشير إلى الإبداع ، و التغير المضاد لصلابة الذاكرة ؛ إذ يتحد بالصمت ، و الفراغ ؛ ليكسبهما طاقة تشبيهية تفكك مدلول الجدران ، و صمت المادة ، فالردهة تتسع تدريجيا مثل الوعي ، و تصير حلما لا نهائيا بالتجدد . إن تجربة فاطمة ناعوت الشعرية تتميز بأمرين : الأول : الثراء ، و التراكم الذي يشبه خبرات الحياة نفسها ؛ فكتابتها تؤكد أن جميع الأحداث ، و الشخوص ، و الذكريات ، و الأشياء تحمل مدلولا شعريا ، و خبرة داخلية فريدة . الثاني : تشكل الوظيفة الشعرية عندها مجالا جديدا من العلاقات المفتوحة بين الأنا ، و الآخر ، و العنصر الكوني ، كما تشكل معنى الوجود في سياق تأويلي مستمر . محمد سمير عبد السلام - مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات جمالية في الأنا الأعلى
-
تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل
...
-
العولمة ، و الاختلاف
-
شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا
...
-
الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا
...
-
التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ
...
-
الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
-
تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد
...
-
صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
-
دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
-
وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل
...
-
انطباعات حسية تقاوم العدم .. قراءة في نصوص منى وفيق
-
الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت
...
-
مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش
-
السينما .. فن الأشباح
-
الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال
...
-
عن الفوتوغرافيا
-
الرغبة في تخييل العالم .. قراءة في قارورة صمغ ل فاطمة ناعوت
-
القوة الخلاقة للرعب و التمرد في كتابة هنري ميلر
-
سحر توفيق تستعيد الرجل بلغة أنثوية
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|