|
ما معنى -نقطة التحوُّل 3-؟
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2666 - 2009 / 6 / 3 - 09:50
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
"التسمية" لا تدلُّ دائماً على "المعنى الحقيقي" لـ "المسمَّى"؛ وقد تَسْتَهْدِف حجب وتمويه هذا المعنى. ولكن الحذر والاحتراز من عدو كإسرائيل يُلْزِماننا أن نأخذ كل قول أو فعل لها مأخذ الجد، ولو ثَبُت وتأكَّد، بعد ذلك، أنَّنا قد أفْرطنا وغالينا في هذا الأمر، فأنْ تذهب النتائج بما توقَّعنا خير ألف مرَّة من أن يذهب بنا حُسْن الظن، وحُبُّ العيش في اطمئنان، وكأنْ لا مخاطر حقيقية تُحْدِق بنا.
ليس بلا سبب اختارت إسرائيل لمناورتها العسكرية الأكبر في تاريخها التسمية، أو الاسم، "نقطة تحوُّل 3"؛ وليس من الحكمة أن نتوقَّع أن تحيطنا قيادتها العسكرية والسياسية علماً بهذا السبب، فَتَرْك العدو، الذي هو نحن، يُخمِّن ويتكهَّن ويفتَرِض هو في حدِّ ذاته هدف إسرائيلي. وربَّما يكون الهدف الإسرائيلي أوسع وأكبر، وهو أخذنا على حين غرة، أي ونحن غارقون ذهنياً في ما يشبه الجدل البيزنطي، فإنَّ لـ "المناورة"، أكانت عسكرية أم سياسية، معنى آخر، هو "الخداع"؛ و"الحرب خدعة"؛ وقد تأتي خدعتها على شكل "مناورة"، فإسرائيل اليوم ليست بقوَّة وجبروت إسرائيل الأمس، وتشتد حاجتها، بالتالي، إلى الخداع والمراوغة والحيلة.
اجتهاداً، ولو ذهبت به النتائج، أقول إنَّ إجراء المناورة الكبرى في حزيران، الذي هو عربياً "حزيران فوبيا"، يمكن أن يكون لنا كطرف الخيط في سعينا إلى معرفة السبب، أي سبب تلك التسمية.
إنَّ إسرائيل لم تعرف، في تاريخها القصير، والذي نتمنى أن يكون، على قصره، أطول من مستقبلها، من "نُقَط التحوُّل" إلاَّ نقطتين، هما "حرب 1948" لجهة نتائجها الميدانية والسياسية والإستراتيجية والتاريخية، و"حرب 1967"، التي من رحمها خرجت "إسرائيل الثانية"، التي هي الآن، حيث يحكمها نتنياهو وليبرمان وأشباههما، في تلموديتها السياسية القصوى، وفي سعيٍ، بعضه ظاهِر، وبعضه مستتر، للتحوُّل إلى "إسرائيل الثالثة"، التي حبلت بها "إسرائيل الثانية"، وتحتاج ولادتها إلى "نقطة تحوُّل ثالثة"، أي إلى حرب ثالثة، لجهة تشابه وتماثُل نتائجها مع حربي 1948 و1967.
بحسب هذا الاجتهاد، يمكننا، وينبغي لنا أيضاً، أن نفهم المناورة "نقطة تحوُّل 3" على أنَّها إعداد وتهيئة لحرب إسرائيل الثالثة (أي لِصُنْع المجد الإسرائيلي الثالث) إذا لم نتطرف أكثر في سوء الظن، أو في حُسْن التوقُّع، ونقول إنَّ المناورة ذاتها قد تكون هي مبتدأ هذه الحرب.
والسمة الجوهرية لهذه المناورة، على ما أراها، إنَّما هي اختبار قدرات إسرائيل على مواجهة عواقب حرب إقليمية شاملة تشنها هي، وكأنَّ تلك المناورة تستهدف، في المقام الأوَّل، اختبار قدرة الجبهة الإسرائيلية الداخلية على مواجهة رد الفعل العسكري لإيران، التي تعرَّضت لضربة عسكرية إسرائيلية كبرى، استهدفت في المقام الأوَّل منشآتها المتوفِّرة على تخصيب اليورانيوم، والتوسُّع في تخصيبه، وصولاً إلى اكتساب طهران القدرة على أن تصنع القنبلة النووية في أي وقت تشاء.
لم نرَ، ولن نرى، في تلك المناورة ما يُظْهِر خطط إسرائيل واستعدادها للضربة العسكرية التي تعتزم توجيهها إلى إيران، أو يمكن أن توجِّهها إليها، فهذا الأمر، أي تلك الخطط وهذا الاستعداد، تحيطه إسرائيل بستار من السرِّية والكتمان، ولا تقبل لمناورتها أن تكون له التصريح أو التلميح.
كل ما رأيناه، ونراه، إنَّما هو اختبار قدرة إسرائيل، أو جبهتها الداخلية، على مواجهة رد الفعل العسكري الإيراني، وعلى مواجهة احتمال أن تدخل أطراف أخرى الحرب، كـ "حزب الله" وسورية و"حماس".
إذا نحن بالغنا وغالينا، بحسب شهادة الواقع بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، فعزاؤنا هو أنَّ إسرائيل قد فاقتنا في المغالاة والمبالغة إذ أجرت مناورتها وكأنَّ تعرُّضها إلى هجوم عسكري (صاروخي) بهذا الاتِّساع الإقليمي أقرب إلى الاحتمال منه إلى الافتراض، وأقرب إلى الواقع منه إلى الاحتمال، فالإسرائيليون الذين جبلوا على معاملة الخطر الافتراضي على أنَّه خطر محتمل، والخطر المحتمل على أنَّه خطر واقعي، لا يتحسَّبون لخطر هجوم عسكري إقليمي واسع كهذا إلاَّ عملاً بالقول "إذا كان عدوك نملة فلا تَنَم له"!
إسرائيل، والتي على جبروتها العسكري، المُسْتَمَد معظمه من قوَّة وخصوصية تحالفها مع الولايات المتحدة، يستبدُّ بها دائماً ذعر أمني مرضي، نراها في استمرار تتوفَّر على افتراض وتخيُّل وتوقُّع كل المخاطر التي يمكن أن تتهدَّد أمنها ووجودها، ولو كان بعضها على هيئة حجر في يد طفل فلسطيني؛ فتُجري مناوراتها العسكرية بما يوافِق هذه المخاطر، حجماً ونوعاً، وكأنَّها لا تحتمل نكسة عسكرية، بالمعنى الحقيقي للنكسة، وليس بالمعنى السياسي العربي.
ويكفي أن تُظْهِر لنا إسرائيل، وتؤكِّد، أنَّها لا تحتمل خسائر بشرية بحجم الخسائر البشرية التي ألحقتها آلتها العسكرية بقطاع غزة، مثلاً، حتى لا يبقى من سبب وجيه يدعونا إلى استبعاد احتمال أن تُكشِّر إسرائيل عن أنيابها النووية إذا ما ألحقت بها صواريخ إيرانية أو عربية خسائر بشرية بذاك الحجم.
ولن نستبعد، أيضاً، احتمال أن يتَّخِذ الإسرائيليون من الفلسطينيين دروعاً بشرية، يتَّقون بها شر تلك الصواريخ، فهروب قسم كبير من المدنيين الإسرائيليين من بيوتهم ومدنهم، للانتشار بين الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة الغربية، يمكن أن يكون جزءاً من الحل الإسرائيلي لمشكلة تساقط الصواريخ على المراكز السكانية الإسرائيلية الكبرى، ويمكن، بالتالي، أن يزيد إسرائيل اقتناعاً بالضرورة الأمنية الإستراتيجية للاحتفاظ بـ "يهودا والسامرة"، مع ما فيهما من دروع بشرية فلسطينية.
كل هذا الذي توقَّعناه يمكن أن تذهب به النتائج؛ ولكن تبقى الحقيقة الكبرى التي لا ريب فيها، والتي لن تأتي النتائج إلاَّ بمزيدٍ من التأكيد لها، ألا وهي إنَّ إسرائيل لا يمكنها، ولأسباب تشبه الأسباب الجينية، إلاَّ أن تعيش في الحرب، وبالحرب!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا المسخ لمفهوم -الأكثرية-!
-
فكرة قريع!
-
أعْتَرِف بإسرائيل على أنَّها -دولة يهودية صهيونية فاشية-!
-
تناقض -النظام الديمقراطي- في لبنان!
-
.. ونحن أيضاً عقبة في طرق السلام!
-
لو كان الفساد رجلاً..!
-
في -فوضى الفتاوى-.. كاد يُحرَّم الحلال ويُحلَّل الحرام!
-
ما يردع إسرائيل عن مهاجمة إيران!
-
-جمود تفاوضي- حتى نهاية العام الحالي!
-
-ساعة الحقيقة- في البيت الأبيض!
-
السياسة في فضائها المنحني!
-
عندما نتبادل مع إسرائيل القلق من إيران!
-
لعبة ضارة تدعى -التدليس اللغوي-!
-
مُثَلَّث أوباما!
-
-عباريم- تَحُدُّه -الأوهام- غرباً و-الحقائق- شرقاً!
-
ردٌّ من جواد البشيتي على ما نُشِر من تعليقات على مقالته -ويس
...
-
ويسألونكَ عن -الجاذبية-..!
-
أغْمَضوا أعينهم فرأوا -غموض- نتنياهو!
-
ثقافة -الانحطاط الثقافي-!
-
صحافتنا مصابة ب -أنفلونزا الرقابة الذاتية-!
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|