تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الاشتراكية وقضية الصحراء المغربية //لخلط بين مفهوم الدولة الوطنية والتحرر الاقتصادي
بلكميمي محمد
2009 / 6 / 3 - 08:49
2+ - الخلط بين مفهوم الدولة الوطنية والتحرر الاقتصادي :
" ان النظام المغربي نظام تبعي للامبريالية ، ولذلك فان استرجاع الصحراء في ظل هذا النظام لايعني تحررها من التبعية للراسمال الامبريالي ". هذا هو المنطق الذي يفكر به اصحاب تقرير المصير للصحراء .
لكن ما علاقة الشروط الاقتصادية للتحرر الوطني ، المعروفة منذ زمن طويل والتي لايمكن انكارها ، بالمسالة السياسية التي نحن بصدد مناقشتها والمتعلقة بالتحرر السياسي من الاضطهاد الامبريالي ، المتمثل في بتر اطراف ترابية من الدولة المغربية ؟ ! .
ان المسالة المطروحة ليست مسالة تحرر اقتصادي للصحراء ، بل مسالة حق سياسي للمغرب في رسم حدود ديمقراطية لدولته الوطنية ، وهي الحدود التي لاتعني في الجوهر سوى الاستقلال السياسي ، أي حقها في المساواة في الوجود السياسي مع باقي دول العالم ، وحقها في السيادة السياسية على مجموع ترابها الوطني .
ان هذا الكلام يقودنا الى مناقشة مفهوم الدولة الوطنية بشيء من التفصيل .
ما معنى الدولة الوطنية ؟ في أي اطار يمكن تصنيف دول مثل المغرب والسعودية والارجنتين وكوريا الجنوبية ؟ هل هي دول وطنية ام لا ؟ .
ان نفس هذا السؤال قد طرح في السنوات العشر الاولى من القرن 20 ، داخل الاحزاب الاشتراكية الماركسية الاوربية ، واثار جدالا حادا بين قادة تلك الاحزاب وعلى راسهم كاوتسكي وروزا لكسمبورك ولينين .
لقد اثير هذا النقاش عندما نشر كاوتسكي سنة 1909 دراسة عنوانها " الاممية والمسالة الوطنية " ، حيث اطلق فيها مفهوم الولة الوطنية على الدول الاوربية الخاضعة للامبريالية والتي كان ابرزها رومانيا واليونان ودول بلقانية اخرى .
ان روزا لكسمبورك كانت اول المنتقدين لاطروحات كاوتسكي ، ولقد تصدت بعنف شديد لمفهوم الدولة الوطنية الذي استعمله كاوتسكي بالنسبة للدول التابعة للامبريالية ، وقد عللت رايها ذالك بالحجة التالية : في عصر الامبريالية ، يستحيل على الدول الصغرى الخاضعة لهيمنة الراسمال الامبريالي ان تكون دولا وطنية . ثم عمدت الى تحليل اقتصادي مفصل للبرهنة على ان اقتصاد الدول الصغرى تابع تبعية تامة للراسمال الاحتكاري الامبريالي . وفي الختام عارضت مفهوم الدولة الوطنية بمفهوم " الدولة – الفريسة " .
ان لينين قد تدخل بدوره في هذا النقاش ، فماذا كان موقفه ؟ لقد اتفق مع كاوتسكي على المضمون الذي اعطاه لمفهوم الدولة الوطنية ، ثم اخضع انتقادات روزا لكسمبورك لذلك المفهوم لحملة قاسية من النقد اللاذع . فقد اعتبر انتقاداتها لكاوتسكي " مثيرة للسخرية " واعتبر اراءها " صبيانية " . فلقد قال :
« فنحن عندما نقرا هذا النوع من التحليل ، لايمكن لنا ان نفاجا بسبب عجز الكاتبة عن ادراك المسالة المحددة التي هي بالضبط مجال النقاش . ان تلقين كاوتسكي دروسا مثل : ان الدول الصغرى تابعة اقتصاديا للدول الكبرى ، وان الدول البورجوازية تتصارع فيما بينها من اجل سحق ونهب الامم الاخرى ، وان هناك امبريالية وهناك مستعمرات ..هو من قبيل الكلام الصبياني المثير للسخرية ، لان كل هذا الكلام لاعلاقة له البتة بالموضوع » . ( لينين – المؤلفات – المجلد 20 – الطبعة الفرنسية ص 421 ) .
ثم يضيف لينين قائلا :
" ليست الدول الصغرى وحدها ، بل ان روسيا نفسها تابعة بشكل تام ، من الناحية الاقتصادية ، الى الراسمال الامبريالي المالي للبلدان البورجوازية الغنية " . ( المصدر السابق ) .
ثم يقول :
" ان كل هذه الاشياء ، بطبيعة الحال ، يعرفها جيدا كاوتسكي وكل ماركسي اخر . الا ان هذه المسائل لاعلاقة لها ، بالمطلق ، بالدولة الوطنية ". ( نفس المصدر ).
ثم يختتم لينين قوله قائلا :
" انه لمن الخطا فهم عبارة الدولة الوطنية ، بمعنى اخر غير معنى الوجود كدولة متميزة " ( نفس المصدر ).
والخلاصة اذن ، هي ان الخطا الذي سقطت فيه روزا لكسمبورك ، والقائم على الخلط بين مفهوم الدولة الوطنية ( الذي لايتعدى السيادة السياسية الوطنية ) ، والتحرر الاقتصادي ، هو نفس الخطا الذي وقع فيه اليوم اصحاب تقرير المصير ، عندما لم يميزوا بين التحرير السياسي للصحراء وتحريرها الاقتصادي .
ان هذا التمييز بين العامل الاقتصادي والعامل السياسي في المسالة الوطنية ، واصبح مثلا في الطريقة التي تعامل بها الصينيون مؤخرا مع مسالة هونكونغ . فهم عندما ارادوا استرجاع هذه الجزيرة الى السيادة الوطنية ، لم يشترطوا على الامبريالية الانجليزية ضرورة تغيير النظام الاقتصادي للجزيرة ، أي تحويله الى نظام اشتراكي مشابه للنظام القائم في جمهورية الصين الشعبية ، بل لقد قادوا مفاوضاتهم مع الحكومة الانجليزية على قاعدة هذا المبدا : " بلد واحد ونظامان اقتصاديان اثنان " . وهذا معناه بكل بساطة ، ان الحكومة الاشتراكية الصينية قبلت ان تظل هونكونغ ، بعد عودتها الى السيادة الصينية ، تابعة للراسمال الامبريالي الانجليزي والراسمال الغربي بوجه عام . وهذا الموقف سديد تماما لانه يلتقي مع المفهوم اللينيني للدولة الوطنية الذي لايربط وجودها بالتحرر الاقتصادي ، ففي مثل هذه الحالات ، ان حل المسالة الوطنية يعتبر مقدمة ضرورية من اجل انضاج شروط حل المسالة الاجتماعية ( التحرر الاقتصادي ) .
واذا رجعنا الى تاريخ حركات التحرر الوطني ، فاننا نجد نموذجين من ذلك التحرر : النموذج الذي تحقق فيه في نفس الوقت ، التحرر الوطني ( الاستقلال السياسي عن الدولة الكولونيالية ) والتحرر الاقتصادي ( التحرر من الاستغلال الراسمالي الامبريالي والمحلي ) . وهذا النموذج قد قادته احزاب اشتراكية بروليتارية في اطار جبهة وطنية ديمقراطية .
اما النموذج الثاني : ومنه المغرب ، فهو لم يحقق سوى التحرر الوطني ( جزئيا بالنسبة للحالة المغربية ) . ولقد كانت القيادة الطبقية لهذا النموذج ، تحت سيطرة البورجوازية .
الخلاصة التي اراد عبد السلام المؤذن ان ينتهي اليها من كل ماسبق ، هي ان الدولة المغربية الحالية ، رغم ان الطبقة السائدة فيها هي البورجوازية الكبرى ، ورغم ان هذه الطبقة خاضعة اقتصاديا للامبريالية ، الا انه مع ذلك ، فان تلك الدولة دولة وطنية لان لها وجود سياسي متميز عن الدولة الامبريالية التي تستغلها اقتصاديا .
في الحلقة المقبلة سنرى مبدا تقرير المصير ليس مطلقا كما جاء في المقالة .