كيف خدمت خلية حزب الله نظام مبارك
اسماء اغبارية زحالقة
2009 / 5 / 19 - 09:04
بدل المساهمة في تحويل مقاومة اسرائيل الى صراع يخدم اجندات غريبة، سواء مصرية او ايرانية، لا علاقة لها بقضايا الفلسطينيين او المصريين او الشعوب العربية عموما، كان حريا باليسار ان يتخذ موقفا مستقلا والخروج عن المعادلة الثنائية وان يسعى لطرح نفسه بديلا سياسيا لكلا الحزبين او المحورين.
الكشف عن خلية حزب الله في مصر الشهر الماضي، نقل العلاقات المتوترة اصلا بين حزب الله وايران من جهة وبين النظام المصري من جهة اخرى، الى ذروة جديدة من التصعيد. والسؤال ماذا يريد كلٌّ من الطرفين من التصعيد الجديد؟
ماذا يريد نصر الله
ليس من الصعب التكهن بمُراد زعيم حزب الله، حسن نصر الله، من نشاط الخلية في مصر. فهو يسعى للاستفادة من الظهور بمظهر الداعم الوحيد للمقاومة الفلسطينية، وذلك لتحسين مكانته السياسية بلبنان المعتمدة على خيار المقاومة، علما ان الانتخابات النيابية هناك على الابواب. التزامه بقرار مجلس الامن 1701 الذي اعقب حرب لبنان الثانية والذي ينص على تجميد المقاومة في جنوب لبنان، جعله ينقل ساحة المعركة الى غزة، عبر الاراضي المصرية، مخاطرا بالتحرش بالزعيم المصري، ومستغلا وضع الانقسام الفلسطيني وحاجة حماس لاي دعم، لاثبات صحة خيار المقاومة وتوسيع مجاله في المناورة.
ولا شك ايضا ان حزب الله يعمل كوكيل لايران التي تسعى الى زعزعة هيمنة مصر على القضية الفلسطينية ومدّ ذراعها للمناطق الفلسطينية من خلال حماس. وايران بذلك تعلن عدم اكتفائها بلعب الدور الرئيسي في العراق من خلال الحكومة الشيعية، بالاضافة للدور المحوري في لبنان من خلال حزب الله، بل تريد دخول العالم العربي من اوسع ابوابه، اي من باب القضية الفلسطينية.
الصراع بين ايران ومصر ليس جديدا، وهو آخذ بالتكهرب يوما بعد يوم. فمصر التي تنظر بعين القلق الى توسع النفوذ الايراني في العالم العربي والى تسلحها النووي، تسعى الى فرملة "الاجتياح" الايراني الذي يهدد بزعزعة دور مصر كلاعبة محورية في المنطقة. في هذا الصراع، يدفع الشعب الفلسطيني الثمن. فالدولتان تتصارعان على النفوذ وعلى حفظ مصالحهما مستغلّتان الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، على نحو يؤزم القضية الفلسطينية ويُبعد حلها.
ماذا يريد مبارك
ولكن لا تقتصر مصلحة النظام المصري في حفظ نفوذه الاقليمي فحسب، بل هو يستغل قضية خلية حزب الله لحفظ بقائه المتزعزع خاصة على خلفية الازمة الاقتصادية العالمية التي تضرب ما تبقى من مصداقية لحكم "الحزب الوطني" واتباعه الاعمى للسياسة الرأسمالية النيوليبرالية التي زادت الفجوات الاجتماعية وعمقت الفقر واوصلت مصر الى حافة الجوع بازمة الغذاء التي وصلت مداها في ابريل 2008، مما ادى الى تحرك عمالي وشعبي معارض بشدة لهذه السياسة، وجعل الجماهير تجرؤ على تشخيص مبارك كعنوان مسؤول عن الازمة والمطالبة الصريحة باسقاطه.
ويسعى مبارك لاستقطاب جميع التيارات السياسية الداخلية الى صفه تحت شعار حفظ السيادة المصرية، بهدف تقوية نفسه داخليا والتلطيف من حدة المعارضة التي يتعرض لها سواء من جانب الاخوان المسلمين او الليبراليين ومن التحركات العمالية والشبابية الشعبية.
وقد استغل النظام موضوع خلية حزب الله لضرب عصفورين بحجر واحد: رص الصفوف لصالحه من جهة وتثبيت نظامه، وضرب مصداقية المعارضة بكل اطيافها سواء الاخوان المسلمين او الليبراليين امثال حركة "كفاية" برئاسة ايمن نور، وحتى المعارضة الشعبية الجديدة. فقد سعى النظام الى تحديد معادلة "من ليس معي فهو مع ايران"، والادعاء بان المطالبة باسقاط نظام مبارك بغض النظر عن اسبابها، تصب في نهاية المطاف في خدمة ايران التي تسعى لزعزعة السيادة المصرية.
ويدعي النظام المصري ان الاخوان يقفون مع ايران اما "كفاية" فمع "الفوضى الخلاقة"، وهو مصطلح يستخدم لوصف سياسة الرئيس الامريكي السابق، جورج بوش، في الشرق الاوسط والذي سعى من خلاله الى خلق انقلابات على الانظمة لفرض رجاله والمتعاونين معه على الدول العربية.
الاخوان المسلمون الذين كانوا ولا يزالون يتمسكون بخط داعم للمحور الايراني على اعتبار انه مع المقاومة وضد المحور الامريكي-الصهيوني الذي يشمل النظام المصري ايضا، اضطروا ازاء تجاوز ايران وحزب الله الخط الاحمر في شأن الخلية، ان يخرجوا علانية ضد تدخل حزب الله السافر بالسيادة المصرية.
كما استغل مبارك الكشف عن خلية حزب الله ايضا لضرب مصداقية الاحتجاجات الشعبية العمالية والشبابية المعارضة له. فقد تزامن الكشف عن الخلية مع محاولة من بعض حركات الشباب احياء ذكرى مرور عام على احداث 6 ابريل التي طالب فيها عمال المحلة الكبرى بحريات سياسية ونقابية وحازت على دعم جماهيري منقطع النظير. وقد يكون التزامن بين الحدثين محض الصدفة، ولكن لا شك ان النظام حاول الاستفادة من موضوع الخلية لتصوير شباب 6 ابريل والحركات اليسارية المطالبة باسقاط نظامه والمعارضين لسياسته الاقتصادية بانهم في افضل الاحوال ساذجون ويخدمون بغير قصد الاهداف الايرانية، وبذلك إفراغ الحركة من مصداقيتها الشعبية واعتبارها تصب في مصلحة ايران وتضرب السيادة المصرية.
التضارب في مواقف اليسار المصري
وكان ابرز من خرج بحدة ضد حزب الله هو الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع المصري، اذ اعتبر خليته عملا ارهابيا، وقال: "ان كل هؤلاء نسوا أن هناك شيئا اسمه السيادة الوطنية وهى خط أحمر للجميع ونسوا أننا لن نسمح لأحد بأن يجتاز حدود السيادة الوطنية." وتساءل - "لماذا نُبقي على هذه الأنفاق التى يتسلل منها الإرهابيون؟"، ودعا إلى عمل جدي لوقف هذا التسلل.
وهنا لا بد من الاشارة الى التضارب في مواقف اليسار المصري والتي تساعد مبارك في تطويقه. ففي حين يدعم حزب التجمع الوطني نظام مبارك ويتحالف معه، ويعارض نصر الله وايران وحماس بكل القوة، يقف اليسار الراديكالي موقف المعارضة من النظام المصري ويدعم في نفس الوقت نصر الله والمحور الايراني على اعتبار انه معارض لنظام مبارك.
لسبب غير مفهوم لا يكتفي اليسار بمعارضة مبارك بل يرى ان عليه بالمقابل دعم الطرف النقيض. ان دعم طرف على حساب طرف، على اساس القاعدة المحدودة "عدو عدوي صديقي"، يتجاهل حقيقة ان كلا الطرفين، نصر الله (او ايران) ومبارك، لا يعبران عن مصالح شعوبهما، ومجرد المنافسة بينهما تهمّش الشعوب العربية وتفاقم قضاياها الاساسية وبالذات الفقر والبطالة وتأتي للتهرب منها، وهي بالتأكيد لا تقرب حل القضية الفلسطينية بل تؤزّمها وتعمق الانقسام الداخلي وبالتالي تكرس الاحتلال. وفي نفس الوقت هذه المنافسة تزيد في إضعاف اليسار وتهميشه، فآخر ما تحتاجه شعوبنا هو ان نقف موقف المصفق او المشجع لهذا الفريق او ذاك، علما ان من يدفع ثمن اللعبة هو الشعوب ذاتها.
هذا الموقف ضيق الافق خدم في نهاية المطاف مبارك نفسه، لانه استعمل نفس معادلة "عدو عدوي صديقي" لضرب مصداقية اليسار وتصويره ولو تلميحا وكأنه خائن ومتواطئ مع الايرانيين ضد السيادة المصرية، او في افضل الاحوال كمجموعة شباب سُذّج ومبتدئين سياسيا، ولذا ايضا غير جديرين بتولي القيادة.
البديل المستقل لكلا المحورين
بدل المساهمة في تحويل مقاومة اسرائيل الى صراع يخدم اجندات غريبة، سواء مصرية او ايرانية، لا علاقة لها بقضايا الفلسطينيين او المصريين او الشعوب العربية عموما، كان حريا باليسار ان يتخذ موقفا مستقلا والخروج عن المعادلة الثنائية وان يسعى لطرح نفسه بديلا سياسيا لكلا الحزبين او المحورين. هناك طاقات هائلة في الازمة الاقتصادية العالمية يمكن استغلالها لاستنهاض الحركة العمالية التي بدأت بذورها في مصر، واعتبارها رافعة يمكن ان تجلب رياح التغيير في كل العالم العربي المتعطش للعمل الكريم، للديمقراطية الحقيقية والحرية.