أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - المسلم الملحد - صعوبة التحرر من التفكير الشمولي















المزيد.....

المسلم الملحد - صعوبة التحرر من التفكير الشمولي


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما يصبح المسيحي أو المسلم التقليديين علمانيين أو ملحدين فهما يصيران مسلما علمانيا أو مسيحيا ملحدا ولا يصير المسلم وهو الذي يهمني هنا أكثر علماني أو ملحد فقط.
الإلحاد ليس دينا (بينما الماركسية دين) وكذلك العلمانية وهذه هي معضلتهما ونقطة ضعفهما بالنسبة لحديثي الاعتناق لهما، فالعلمانية وهي التي سأركز عليها هنا ليست فكرا شاملا، إنها مثلا لا تعطي رأيا فيما يخص التدين وأي دين هو الفضل ولا حتى هل الإلحاد هو الأنسب أو الإيمان ، هي فقط تقدم رأي قاطع في قضايا محدودة ومفصلية كحرية الاعتقاد وفصل الدين عن السياسة وتبني النظرة العلمية المادية في القضايا القابلة لأن تقاس ماديا أو علميا وهكذا. وبينما تعتبر هذه هي نقاط القوة الكبرى للعلمانية بالنسبة للناس الذين اعتادوا التفكير العلماني ، تعتبر نفس هذه النقاط نقاط ضعف بالنسبة للعلمانيين الذين نشئوا في ثقافة شمولية دينية كالمسيحية التقليدية أو الإسلام، فمثل هؤلاء الناس انغرز عميقا في نفوسهم أن الثقافة الجيدة هي التي تقدم حلا لكل شيء في هذا العالم وبالتالي هم في نفس الوقت الذي يؤيدون العلمانية بعقولهم يناقضوها بقلوبهم والقلوب دائما هي التي تغلب العقول لدى جميع الناس. ما أعنيه أن الإنسان (أو الأمة) الذي اعتاد الثقافة التي تقوم على فكر شمولي يصعب جدا علمنتها. فالعلمانية هي في العمق تحرير للفكر من الأفكار الجاهزة ودعوة إلى الشك والتفكير المستمر والتخلي عن الثوابت والذين تربوا على العكس يحسون بضياع وانعدام وزن في مثل هذه الحالة لذلك تجدهم يسارعون إلى التمسك بثوابت من نوع جيد غير دينية مثلهم في ذلك مثل الطفل الذي لم يعتد المشي ما أن تبعد عنه حاجز كان يتمسك به في محاولتك لدفعه إلى المشي حتى يسرع إلى أقرب حاجز ويتمسك به.
العلمانية هي مذهب الحرية وبالتالي فهي تتبنى الثوابت في الحد الأدنى الممكن بعكس الشموليات التي هي فلسفات بل فلسفات متكاملة تقدم نظرة متكاملة للحياة حتى الشموليات المادية كالماركسية التي يمكن أن نقول عنها إنها دين متكامل لا وجود لله فيه ومع ذلك لم تنجح الماركسية في تحرير عقول أتباعها لأن مشكلة الفكر البشري ليست مع الله فالبروتستانت والبوذيين عدنهم اله ولكن ليس عندهم مشكلة تجاه الحرية. إن مشكلة البشرية هي مع المتحدثين باسم الله سواء سميناهم أنبياء أو ملهمين أم فلاسفة أم قادة. من الملاحظ أن الأنبياء موجودين في الماركسية والفكر العلماني العربي الحديث بنفس قوة وجودهم في الإسلام التقليدي.
في رسالة إلى صديق شبهت الثقافة ومنها الدين الذي ينشأ عليه الفرد بالحوض المملوء بصباغ والفرد بقطعة الخشب المغمورة في هذا الحوض وبالتالي فليس السطح فقط هو الذي ينصبغ بل الخشبة تتشرب الصباغ حتى أعماقها وهذا يختلف من فرد لآخر (درجة مسامية الخشبة) ومن ثقافة إلى أخرى(قوة لون الصباغ) لذلك عادة الأفراد الذين يتعرضون لهزات قوية في حياتهم هم الذين يتغيرون إنهم الذين يتعرضون لعملية حك وكشط قاسية.
أكبر محاسن العلمانية هي إنها تقريبا محايدة فيما يخص فلسفة الحياة أي إنها شفافة أو عديمة اللون إذا تابعنا تشبيه الثقافة بالصباغ ، وهذه نفسها هي نقطة ضعفها عندما يأتي الحديث إلى الأشخاص الذين نشئوا ضمن ثقافة(دين) شمولية، الثقافة الشمولية تعطي أجوبة لكل قضايا الحياة الفلسفية إنها صباغ بلون واحد وبشدة قاتمة. يحس هكذا فرد بالضياع وبالتالي هو يهرب من ثوابت إلى ثوابت ولكن من نوع آخر. حتى يمكن للخشبة المنقوعة بصباغ قاتم جدا أن تغير لونها فهي بحاجة إلى صباغ بلون آخر ولكن أيضا شديد القتامة. الأفراد الذين نشئوا في ثقافة علمانية حقيقية لا يعانون هذه المشكلة. الخشبة غير الملونة أو الملونة بخفة يمكنها أن تحافظ على حالها أو تتقبل أي لون مختلف حتى لو كان لونا خفيفا.
سأضرب مثلا على ما سلف من القول فعندما يتعلق الأمر بالحظ مثلا أو التفاؤل أو التوفيق فان العلماني الذي كان مسلما قدريا لا يعتقد إن توفيق الله هو الذي سيقوده إلى النجاح ولكنه لا شعوريا عاجز عن التخلص من التفاؤل غير العلمي الذي يجعله يعتقد لأن الأمور ستصير إلى حالة حسنة من تلقاء ذاتها أو نتيجة لصدفة حميدة، بينما البوذي أو البروتستنتي أو الليبرالي الذي لا يعرف غير الفكر الليبرالي، لا يعتقد أي منهم أن شيئا سيحصل من تلقاء نفسه وحتى الصدفة السعيدة وان كان لا ينكرنها فهو لم يعتد الاعتماد عليها.
وهنا يتضح الفرق فالعادة تشكل خلقا قاهرا والمسلم الذي صار ملحدا أو علمانيا قد اعتاد الاعتماد على الصدفة الحسنة بل هي الركيزة الأساسية لتفاؤله في الحياة، اعتادها بمسمى التوفيق الإلاهي، بينما ينبع تفاؤل غيره من حبه للحياة كما هي وثقته بنفسه وتقديره لذاته، والفرق كبير للغاية.
مثل آخر وهو قبول الآخر فنحن نلاحظ أنه في معظم الحالات أن المسلم الذي كان يكره الإلحاد والملحدين عندما يصير ملحدا يصير كارها للإسلام، بينما لا يفعل ذلك العلماني الحقيقي أو البوذي لأنه لا يملك في ثقافته موقف شعوري من حب أو كره تجاه الثقافات المغايرة لثقافته.فهو لم يكن في يوم من الأيام يعتقد أنه يمتلك فكرا كاملا، بعكس المسلم الذي يعتقد أن فكره كامل وهو الأفضل وهذا يقود حتما إلى اعتبار فكر الآخر ناقصا ذلك انه إذا سلمنا بوجود فكر كامل فهو وحيد، إذ لا معنى للقول عن فكر أنه هو الأفضل إذا كان له مثيل. وبما أن النفس البشرية تكره النقص فهو حتما يحب فكره ويكره الأفكار الأخرى بدرجة أو أخرى. يحاول كثيرون إنكار ذلك ولكنها محاولة دبلوماسية مكشوفة ، البشر يتعلمون من بعضهم ويقلدون بعضهم في كل شيء من اللباس إلى الطعام فلماذا لا يقلدون بعضهم فيما يتعلق بالدين، ببساطة لأنهم يعتبرون الآخر سيئا ويعتبرون أنفسهم كاملين وهنا لا مجال للتقليد ولا للأخذ عن الغير. الأديان التي ربما تأخذ من غيرها هي أديان غير شمولية، علما أن كل لأديان تفعل ذلك في المرحلة الأولى،مرحلة تشكلها قبل أن تتصلب وتتجمد.
ومثال ثالث فعندما يأتي الحديث إلى القانون فالليبرالي لم يعتد على أن يكون لديه قانونين واحد ديني والآخر مدني لذلك هو يكون شفاف تجاه القوانين فالليبرالي السيئ يخالف كل القوانين والليبرالي الجيد يلتزم بكل القوانين ويعتبر في أعماقه أن كل مخالفة للقانون هي تصرف سيء. بالنسبة للمسلم الذي كان ملحدا لا يستطيع التخلص من الازدواجية تجاه القوانين فهو لم يكن يشارك في وضع القوانين ولم يصبح كذلك فهو انتقائي تجاه القوانين فمثلا هو قد يعتبر أن الضرائب غير عادلة وبالتالي لا يعتبر أن التهرب من دفع الضريبة تصرف سيء. لقد خلق الإسلام قديما مشكلة عويصة عندما قال أن الله هو الواضع الحقيقي للقوانين والشرائع بحيث أصبح كل من لا يعجبه قانون يتأول ويفتي بأن هذا القانون هو قانون لا يرضاه الله وبالتالي فهو غير ملزم بتطبيقه، وحتى عندما يصير هذا المسلم علمانيا فهو لا يتخلص من هذه المشكلة. ومع مثل هذه المشكلة فان مجرد التفكير بإيجاد مجتمع مدني هو أمر مستحيل. لقد جاء الإسلام ليحرر الناس من عبادة بعضهم فإذا بهم أشد الأمم عبادة للبشر حتى أن كل ما يسمى بعالم أو مدعي علم اله يطاع ويعبد. هذه النقطة نفسها تقود الناس إلى ثقافة التبرير لأن الشيء يكون حسنا أو قبيحا بقرار من الله ولما كان لا أحد يستطيع إقناع الناس حتما بماهية قرار الله فان لكل منهم ادعاء ما يريده هو ونسبته إلى الله، ولما كان ما من شيء يتم إلا بإرادة الله ولما كان الله في العمق حكيما، أصبح من الممكن بل من الواجب تبرير كل شيء ليكون حسنا وفي هذا يقولون مقولتهم المشهورة: ليس في الإمكان أبدع مما كان. وبالتالي فان الناس بدل أن يعملوا ما هو مطلوب منهم ويحزنوا لفشلهم ويحاولوا المرة تلو المرة، يلجئون إلى تبرير فشلهم وإلقاء اللوم على غيرهم فإذا بالفشل يصير نجاحا.
هذا كله يبين لماذا لا يصير المسلمين بسهولة حتى الملحدين منه علمانيين فالتحرر من التفكير المثالي ليس أمرا سهلا. التفكير المثالي تفكير مريح للغاية بقدر ما هو ساذج، انه تفكير عاطفي غريزي من اعتاده ينظر إلى العالم كما يفعل الشخص المغرم الواقع في الحب، يرى العالم الذي يريد أن يراه وليس العالم الفعلي، انه كإدمان الكحول ليس من السهل على من أدمنه الإقلاع عنه حتى لو أراد ذلك، ما لم يكن ذو إرادة قوية فالمعرفة وحدها لا تكفي بدون الإرادة القوية.
نعم أنا أعتقد أنه دون تبني دين جديد وليكن إسلاما حديثا فمن الصعب حل مشاكل المسلمين عن طريق تحولهم إلى علمانيين، وهناك شاهد تاريخي فالأمم المسيحية البروتستانتية هي أكثر الأمم المسيحية نجاحا وهي أنجح بكثير من الأمم المسيحية التي تحولت إلى الإلحاد، ببساطة لنقارن بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. بالطبع المسيحية التقليدية مثلها مثل الإسلام دين مثالي شمولي.
لذلك أقول أننا بحاجة إلى – بروتستانتية إسلامية – بمعنى حركة إصلاح ديني حقيقية وعميقة وجريئة، فكثير من المسيحيين الذين تحولوا إلى علمانيين أو ملحدين في روسيا وأميركا اللاتينية ما زالوا عاجزين عن إتمام تحديثهم بنجاح رغم أنه مضى عليهم أكثر من ثلاثة قرون بينما أمم الشرق الأقصى تتقدم بسرعة كبيرة رغم حداثة عهدها بالتحديث، ذلك أنها لم تكن تعتنق فكرا مثاليا شموليا. أما أوربا فإنها احتاجت لوقت طويل جدا لتتحول إلى ثقافة علمانية فعلية والأهم أن الوقت اللازم كان متوفرا.





#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البهاء الخلاب
- الزانية والزاني
- زانية وأفاك
- هل نقترب من الفجر؟
- الحرية الجنسية وقيام الساعة
- مطر الله
- تعالوا نتعلم لذة الحياة
- بروتستانتية إسلامية
- أيها المغرمون النشوى قوموا إلى الصلاة يرحمكم الله
- ثورات البشرية على الوثنية
- اللغة والفقه مع قليل من الويسكي
- ما بعد الحكمة
- الله والبشر والفيزياء
- علاقة الخوف الديني و الجنسي بالعنف
- النار التي تنضج الطعام ولا تحرق، الثقافة غير قابلة للتجزيء
- هل المواطن العربي العادي غائب فعلا؟
- الحرية والعمل
- زيارة شيطان
- تأملات في الماركسية
- الحجاب الخارق


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - المسلم الملحد - صعوبة التحرر من التفكير الشمولي