|
موقف بعض الأدباء والكتاب والمثقفين العرب من العراق والعراقيين
جاسم العايف
الحوار المتمدن-العدد: 2610 - 2009 / 4 / 8 - 10:36
المحور:
الصحافة والاعلام
يبدو الموقف المؤسساتي، المدني، والرسمي، العربي الحالي من العراق والعراقيين ، خاضعا لاشتراطات، وممارسات ، ليست في واقعها جديدة، فتشير أزمنة مضت إلى أن تلك المؤسسات ، ومنها مؤسسات وجهات عدة، مدنية، يفترض فيها أن تتعامل مع الأحداث والمحن التي كان يتعرض لها العراقي من منطلق المبادئ التي يطلق عليها بـ"التضامنية " إلا انه ثبت تعاملها مع العراق والعراقيين على وفق منطق"البقرة الحلوب". ففي عقد السبعينيات بدأت السلطة تبحث عن مثقفين ((عرب)) تدعمهم بالأموال والمناصب ليرتقوا المشهد، العراقي- العربي ، قوّالين، كذابين، متواطئين مع السلطة تدعيماً لمشروعها القومي الزائف، وكانت السلطة ذاتها تتعامل مع العراقي،عامة، بالقوة والبطش والتهديد والتغييب ، لغرض أن يصبح العراقي عامة و المثقف الوطني العراقي خاصة الذي لا يعمل على مشروعها بالذات عبداً لسلطتها عبر اكراهاتها المتعددة المتنوعة، أو لتهيمن عليه حالة دائمة من التوتر للدفاع عن النفس والقناعات، في وطن لا قانون فيه ولا مَنْ يدافع أو يُذَكر،حتى بأدنى حقوق المواطنة، وليبقى المثقف الوطني مأزوما بلحظة التفكير الذاتي بالمواطنة العراقية وهويتها وحقوقها،بعد إهدارها وتغييب ملامحها عمدا من قبل النظام ، وهو يرى ذلك المشهد الذي تم فيه وبإصرار متواصل تغييب الذات العراقية والتضحية بها كقربان لا بد منه على مدرجات مسلخ الوهم القومي ،البعثي بالذات، ويبقى المثقف الوطني العراقي محدقاً ومأخوذا ، بالمشهد العراقي وتقاليده ، حيث جاهل انقلابي معتوه، مغامر، مقامر، مشبوه، من سقط المتاع، يرتقي سدة الحكم مع سلاحه ومرتزقته ليستبيحوا الشرف والذمم . وبعد أن بدأ النظام البعثي- العفلقي تكريس قوة القمع السلطوي والذي ذبح عبره، قطاعا واسعا من الشعب العراقي ، وانسجاما مع منطق التحالفات والتواطئات الدولية الذي ميز تلك الفترة، والتي تم فيها مع سبق الاصرار تبيض صفحات سوداء مريبة لمسؤلين حكوميين وحزبيين معروفين بدمويتهم وبارتباطاتهم المشينة بأجهزة المخابرات الدولية،وتحولوا بين عشية وضحاها إلى(ديمقراطيين وثوريين) ، وخلال تلك الفترة منحت الشرعية للنظام تمهيدا لتأهيله اجتماعيا، بعد أن كاد يلفظ أنفاسه من خلال الرفض والمحاصرة الشعبية له، ولتاريخه الدموي المعروف، وتم العمل في الداخل على وفق ما ينسجم و مصالح قوى كبرى وضع الشعب العراقي ومصالحه الوطنية ومستقبله رهينة لسياساتها ومخططاتها الستراتيجية الدولية، وتم التغاضي عن فضح خروقات النظام اللانسانية ضد مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية العراقية. وما أن وصلت السكين البعثية لـ"حد الرقبة "، تم البحث عمن يتضامن مع تلك القوى، عربيا ، وعرض الأمر عليها لمساهمتها بفضح سياسة " التقتيل والتغييب" التي بدأ النظام يصعد منها، فرفضت قوى عربية كثيرة ذلك، كونها مرتبطة بعقود إعلانية، لمجلاتها ومطبوعاتها، وبرامجها ، ممولة بالـ"الدولار" من النظام العراقي، وبمجرد، أي إشارة تضامنية مع القوى العراقية، التي بدا يفتك بقواعدها النظام"الحليف" فأنه سيعمد لوقف ذلك "الكرم " الإعلاني، مما سيجعلها تتوقف نهائيا عن الصدور، وللعلم فأن غالبية سوق و قراء تلك الجهات ومجلاتها وكتبها ودور نشرها من العراقيين، كما إن قوى ديمقراطية أخرى في بلد عربي آخر رأت إن مجرد التضامن العلني سيجعلها أيضا تخسر الدعم الـ "دولاراي" الذي يقدمه لها النظام وهي تستعد للانتخابات المحلية*. وفي قارة أخرى كان الجزار صدام حسين يُمنح ارفع الأوسمة وتجرى له الاحتفالات "الشعبية" التي تتميز بها الأنظمة "التوتليارية" وهو يستمر في الداخل بسياسة الذبح المعروفة، أما في دولة كبرى ،أصبحت، في ذمة التاريخ، فكان يصنف و يستقبل بصفته " احد ألد أعداء النظام الامبريالي العالمي"..!! تٌُرى كم كان يتم التضحية بالعراقيين على مصالح ومذابح الأيدلوجيات ومنافعها الدولية دون أدنى احتجاج علني!؟..وان حدث ذلك الاحتجاج فغالبا ما كان سريا وخجولا!!. وها إن الأحداث تتكرر ثانية للعراقيين ولكنها هذه المرة بدموية اشد وأقسى، وبأصطفافات، يسارية- تقدمية- دينية- سلفية متزمتة- قومية،غريبة على المنطق والواقع وحتى التحليل السليم. فبعد زلزال 9 /4 /2003 وسقوط النظام ، وتبيان التوجهات العملية لنظام "المحاصصة الطائفية"، نأى غالبية المثقفين والأدباء والكتاب والفنانين العراقيين بأنفسهم و نشاطاتهم عن الانغماس في هذا "المستنقع"، ولازالوا ، ورثة اصلاء للثقافة الوطنية العراقية وتوجهاتها . وعمد غالبيتهم لوضع تصوراتهم ، التي تنحصر في ان احتلال العراق زائل ، بالتمكن من استقراره ،امنيا-اجتماعيا ، وان على العراقيين ان يلعبوا دورهم الوطني بكشف كل المخططات التي تضمر العداء لوطنهم، و إذكاء عوامل تفتيته، تحت أي شكل أو غطاء كان ، والسعي بدأب وإصرار لتفعيل قيم المجتمع المدني ودولة القانون ومؤسساته. كل هذه التوجهات العملية لم يتم استيعابها أو الاهتمام بها من قبل غالبية الهيئات والمنظمات والاتحادات العربية ، مختزلين ، العراق وشعبه وعمقه الحضاري بالنظام السابق ، ورئيسه بالذات، ولم تتم أي محاولة لفهم واستيعاب مواقف ، غالبية العراقيين من الاحتلال ، من جهة، ومن النظام المنهار وبربريته ووحشيته ، من جهة أخرى. كما لم يتم مساعدة العراقيين في تجاوز محنهم الراهنة ، لأسباب كثيرة، يقع في مقدمتها ما كان يتعامل به النظام السابق في منح (الهبات) لعدد كبير من الأدباء والكتاب والإعلاميين، والمثقفين والسياسيين العرب من كل التوجهات. تلك "المكارم" المغموسة بدماء العراقيين وجوعهم وحرماناتهم وعذاباتهم الدائمة. ومن خلال مراقبة اغلب توجهات قادة المنظمات- الثقافية وغيرها- في العالم العربي، نلاحظ انها لم تعبأ بما يجري للعراقيين من ذبح وقتل وتدمير لوطنهم ، وبعضهم يتشفى بما يحصل فيه، مطلقا على الأعمال القذرة البربرية ، التي تنال الناس في الأسواق ومناطق العمل والسكن ، والطرق الخارجية، وتجهز على البنى التحتية ، صفة(المقاومة). وهذه المنظمات ليست في تاريخها وواقعها أكثر من (لوبيات) تسوق برامج ورؤى ومواقف دول المقر، أو في الأقل تتناغم معها، من خلال رئاسة بعض الأفراد الذين يمتون بصلة حزبية-آيدلوجية نفعية لها، علينا هنا استذكار ما كان يعمد إليه النظام المنهار و (استقتاله) من اجل أن يضيّف بعض المقرات ، ويمنحها تسهيلات لا حد لها للسيطرة عليها ، و مرة أورث رئاسة اتحاد الكتاب والأدباء العرب، بصفته حق مكتسب له، إلى احد ممثليه ، بعد إقصاء،أو اعتقال، رئيسه (المنتخب)، من مناصبه السياسية. كان على تلك المنظمات إدراك حراجة اللحظة العراقية الراهنة ، والوقوف مع الشعب العراقي ، والأدباء والكتاب والمثقفين والفنانين العراقيين المتمسكين بوحدة شعبهم، وثقافتهم الوطنية، وتمتين العلاقة معهم و فضح كل الجهات والمخططات والنوايا التي تحاول استغلال الأوضاع الراهنة فيه ، وتعمل على إقصاء العراقيين عن مجالهم ومحيطهم العربي ،خاصة عمقهم الثقافي في التاريخ العربي ، ومكانهم الطبيعي فيه..تُرى كيف يمكن تصور شكل وحجم ومعطيات الثقافة العربية- الإسلامية تاريخيا وحاضرا دون العراق والعراقيين؟؟. يبدو العراق، مع الإقرار بمعوقات تجربته حاليا، نبتة غريبة في المنطقة العربية- الإقليمية ، التي تخشى استقراره، ونموه، ورسوخه ، وما سيخلفه ذلك ، من إشعاعات فكرية- اجتماعية ، ستغير ما هو راكد آسن فيهما . ستبقى قضية تعامل كثير من المثقفين والكتاب والأدباء و السياسيين العرب مع الدكتاتور ،ونظامه و حزبه ، وحروبه العبثية المتواصلة، ودفاعهم عنه حتى بعد اندحاره ، من أسوأ الصفحات في تاريخ الثقافة العربية عندما التف العشرات لا بل المئات منهم حول حاكم جاهل وحشي في وقت تم فيه تشريد عشرات الآلاف من الخبرات العلمية والأدبية والثقافية والفنية والأكاديمية والسياسية العراقية ، وما هو مثير للدهشة والشفقة حقا على صعيد الثقافة العربية ، هو قلة الأصوات والأقلام العربية التي تجرأت للتصدي للدكتاتور ونظامه ومنهجه الإجرامي ، وهو يمارس أبشع التسلكات والسياسات ضد العرب ذاتهم ، احتلاله الكويت مثلا، ونهب حتى الممتلكات الخاصة بالمواطنين الكويتيين بصفتها "غنائم" حرب . و ما يثير الرثاء هو ذلك الضمير الجمعي الذي عليه طائفة واسعة مما يوصف بـ"الانتلجنيسيا" العربية عبر تصفيق العديد منهم لهذا الطاغية، الذي دخل السياسة من باب الاغتيال ، والعمل على تمجيده حد التأليه وتأليف بعضهم الكتب- مدفوعة الثمن- والتي صدرت بأفخر الطبعات عنه وعن سيرته المتميزة بالإجرام والوحشية والغدر و(البلطجة) منذ صباه، في محاولة منهم لتلميع صورته المعروفة جيدا، وبذا يكون هؤلاء قد أسهموا في صناعة هذا ((الوحش)) و نظامه المبني على القتل والجريمة والفظاظة وانتهاك الحرمات ،ممارسين ازدواجية أخلاقية دفاعا عن مصالح ومكاسب شخصية لا تليق بمن يوصف كـ ((كاتب أو مثقف)) حيث هذه الصفة لها علاقة وثيقة بالضمير الإنساني ونقاوته ، وستبقى صفحة تعامل المئات من هؤلاء عندما اشترى النظام نسبة كبيرة منهم و من العاملين في الحقول السياسية و الثقافية والإعلامية العربية ، و انفرادهم بالعراق و الشعب العراقي حاليا كما سابقا بالكره والعداوة ، تحت ظلال أوهام المخاتلة الثقافية والتعمية الإعلامية بما هو قومي ؛ وسوف تظل تلك الصفحات اسود الصفحات في تاريخ الثقافة العربية ،ولن يصبح الكّّّتاب والمثقفون العرب فاعلين في نسيج مجتمعاتهم ،إلا بعد أن يقرروا الانحياز فقط للحقيقة وللحرية والإنسان ..ألان وفي ظل اللحظة العراقية الراهنة ومعطياتها، علّ أولئك الذين شاركوه كل جرائمه ، يعتذرون للشعب العراقي علنا بعد الفوات ، وأن يتعهدوا إلا يسهموا مستقبلا في صناعة أي دكتاتور عربي حاكم قادم ، تحت أي شعار أو رداء، و في أي مكان وزمان . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * لتفاصيل أكثر راجع في هذا الشأن ما نشره الأستاذ "عادل حبه" في صحيفة "الزمان" اللندنية بعد سقوط النظام مباشرة ، وما كتبه أيضا على شبكة الانترنت العالمية.
#جاسم_العايف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو انتخابات لمجالس المحافظات العراقية.. نزيهة- شفافة
-
قراءة في كتاب-المرأة والجنس..بين الأساطير والأديان-
-
من اجل القاص والروائي -كاظم الأحمدي-..
-
-عربة النهار-للشاعر هاشم تايه.. سردية الشعر وإنتاج المعنى
-
زمني مع جريدة -الصباح-..!؟*
-
عزف منفرد من اجل المربد الخامس
-
عزف منفرد:-..على حكايتي في مجلس محافظة البصرة..!؟
-
حكايتي في مجلس محافظة البصرة ومع رئيسه بالذات..!؟
-
صور العراق في العام الخامس على سقوط النظام ألبعثي
-
الشاعر( احمد جاسم محمد) في قراءات شعرية بمقر اتحاد ادباء وكت
...
-
تلك المدينة..الفيصلية - 3- .. يوم الثيران
-
الخبير النفطي ،مدير شركة نفط الجنوب، -جبار اللعيبي- -:-النفط
...
-
((طريدون)) ترسو على ضفاف جمعة أدباء وكتاب البصرة الثقافية
-
الشاعر(محمد طالب محمد) الهروب من الموت الى الموت *
-
أوهام النخبة وصمت العامة
-
((جناحان من ذهب)) للقاص (احمد ابراهيم السعد)
-
-على جناح ليلكة-..الأشعار الأخيرة ل-أطوار بهجت-
-
(البار الامريكي ) مجموعة قصصية جديدة للقاص العراقي -وارد بدر
...
-
المتقاعدون وقانونهم الجديد
-
شاعر الظل الراحل يرثي شاعراً رحل قبله ومختارات من اشعاره
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|