أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - طارق حجي - ماذا فعل 23 يوليو 1952 بمصر؟ (1)















المزيد.....

ماذا فعل 23 يوليو 1952 بمصر؟ (1)


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2603 - 2009 / 4 / 1 - 09:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قام محمد علي و عهده و عهد خلفاءه وبإحداث تغييرات كبرى في مصر جعلت مصر هي درة المجتمعات العربية. و قد تعددت و تنوعت هذه التغييرات فمنها ما كان سياسيا ، فقد عرفت مصر الدستور و البرلمان منذ أقل قليلاً من مائة و خمسين سنة. و منها ما كان إقتصاديا ؛ فقد كانت الإسكندرية خلال سني العقد الأخير من القرن التاسع عشر إحدى أكثر عشر مدن في العالم جذباً للإستثمارات الخارجية. و منها ما كان تعليميا و ثقافيا ؛ فقد كانت بمصر كلية للطب منذ أقل قليلاً من قرنين و كان بها من يترجم أرسطو و جوستنيان منذ أكثر من قرن من الزمان. كما أن سنوات ما قبل 1952 هى التى كونت العربي الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب.



كان المجتمع المصري هو أول مجتمع في افريقيا و الشرق الأوسط الذي تطور و وجد فيه مفهوم المواطنة بمعناه الحديث.



شهدت حقبة ما قبل 1952 تجربة مصرية ليبرالية عارمة في السياسة والثقافة معاً.



تكونت خلال السنوات ما بين 1805 و 1952 طبقة وسطى مصرية ربما كانت من حيث الجودة واحدة من أرفع و أرقى الطبقات الوسطى في العالم (يومئذ).



كانت الطبقة الوسطى ذات النوعية الرفيعة قبل 1952 طبقة صغيرة (عددياً) و لم تستوعب حتى 10% من المصريين.



باستثناء المصريين من أبناء الطبقة العليا و سائر مستويات الطبقة الوسطى (الوسطى العليا، و الوسطى الوسطى، و الوسطى الدنيا) فقد كان المصريون الآخرون (ربما أكثر من 90% من المصريين) يعيشون في ظروف معايشة بالغة البؤس و الفقر و التخلف و البدائية و القسوة (كتاب واحد مثل " المعذبون في الأرض " لطه حسين يدل على بؤس حياة تلك الأغلبية العظمى من أبناء و بنات الشعب المصري الذين عاشوا و ماتوا في فقر و جهل و مرض و شروط حياتية بالغة التدنِي).



تدل التداعيات السياسية في مصر خلال السنوات من 1942 و حتى 23 يوليو 1952 أن استمرار الحال كان من الظلم البين للأغلبية العظمى من المصريين. و أن " شيئاً ما " كان من الضروري (و ربما من المحتم) أن يحدث.



رغم أن ما وقع يوم 23 يوليو 1952 قد سماه قادته بأنفسهم " إنقلاب " و " حركة جيش مباركة " (ثم أطلق عليها بعض المثقفون إسم " الثورة ") و بالتالي فإنه لم يكن ثورة شعبية، إلاَّ أن 90% (على الأقل) من المصريين و المصريات تعاطفوا مع حدوثها و أملوا خيراً.



حتى سنة 1936 لم يكن يدخل الكلية الحربية إلا من كان أهله يملكون حداً أدنى من الملكيات. و مع إتفاقية 1936 المعروفة، ألغِيَ هذا الإشتراط. و كان من بين أول أبناء البسطاء الذين استفادوا من هذا الإلغاء (في 1936) معظم من قادوا حركة الجيش يوم 23 يوليو 1952 – و المعاني السياسية و الثقافية و الإجتماعية و الطبقية لتلك الحقيقة أوضح من أن يشرحها أحد. كما أنها حقيقة لا تعاب. فهي ترجمة واضحة لما سبق و أن أوضحته من كون الطبقة الوسطى المصرية قبل 1952 كانت ممتازة النوع، صغيرة الحجم، و أن أكثر من تسعين في المائة من المصريين كانوا يعيشون ليس فقط خارج العصر و إنما في ظل ظروف حياتية شديدة البؤس. و عندما سمح لأبناء بعض الهؤلاء بدخول الكلية الحربية فقد كان من الطبيعي (إذا واتتهم الفرصة) أن يقوموا بمحاولة تغيير الأمور، بل و قلب الطاولة تماماً.



إن المستوى التعليمي و المعرفي و الثقافي و الإقتصادي و الإجتماعي لكل المجموعة التي قامت بحركة الجيش يوم 23 يوليو 1952 كان بين " بسيط " و " متواضع " و " ضحل ". و أيضاً ليس في ذلك عيب. فليس هناك ما يشترط أن يكون الثوار من نوعية تشي غيفارا. و بدون شك فأن المستوى القيادي لكل هؤلاء كان (كنتيجة طبيعية للمستويات الأخرى) بين " بسيط " و " متواضع " و " ضحل " (عبد الحكيم عامر كمثال لقائد عام لقوات مسلحة ضخمة تمت ترقيته من رتبة رائد إلى لواء و هو في الثالثة و الثلاثين من عمره و ظلت لغته و أسلوبه يفضحان مستواه التعليمي و المعرفي و الثقافة بالغ الضحالة. و يمكن ضرب أمثلة أخرى برجال مثل كمال الدين حسين و الشافعي – فقد كانا أدنى ما يكونا لغير المتعلمين). و مرة أخرى، فأن هذا لم يكن بالأمر الغريب. و إنما كان الأمر الغريب أن يصر شباب بسطاء أن يمارسوا العمل القيادي و التنفيذي بشكل مباشر (كأن يقود عبد الحكيم عامر القوات المسلحة أو يرأس كمال الدين حسين كافة المؤسسات التعليمية و البحثية !!)



كان قائد حركة 23 يوليو 1952 صاحب حلم نبيل مؤكد هو الحلم بتوسعة الطبقة الوسطى أي بنقل أعداد كبيرة من ال90% الذين كانوا يعيشون في ظروف حياتية بائسة إلى كوادر أو شرائح الطبقة الوسطى. بما يعنيه ذلك من مشاركة سياسية و ظروف عمل و معيشة و تعليم. هذا الحلم النبيل كان جوهر مشروع عبد الناصر السياسي الداخلي.



أية عملية تقييم لما أنجزه النظام الجديد بشأن هذا الحلم أي حلم توسعة الطبقة الوسطى لا يمكنه إنكار ما يلي:

أولاً : أن تحسناً لا يُنكر قد طرأ على الظروف الحياتية لأكثر من تسعين بالمائة من

المصريين الذين كانوا دون الطبقة الوسطى قبل 1952.

ثانياً : أن فلولاً من الطبقات التي تحت الطبقة المتوسطة الدنيا قد أُتيح لها أن تلتحق

بالطبقة الوسطى بل بشرائحها الثلاث (الوسطى الدنيا + الوسطى الوسطى +

الوسطى العليا).

ثالثاً : أن هذا الإتساع الكبير في حجم الطبقة الوسـطى كان إتسـاعاً نوعياً. بـل

أن المستوى الكلي للطبقة الوسطى (بشرائحها الثلاث) التي كانت موجـودة

قبل 1952 قد أخذ في الإنهـيار النـوعي بمعنى أن الوافـدين قد أخـذوا

السابقين (أو معظمهم) معهم إلى أسفل من حيث النوعية و الجودة. و هـذا

أمر طبيعي عندما يصر ثوار نصف متعلمين و شبه غير مثقفين أن يقودوا

العمل التنفيذي بأنفسهم و هم غير مؤهلين البتة لذلك.



أن الحكم المطلق لليعض بأن ما قبل 1952 كان صواباً و خيراً هو خطأ لا ينبغي إضاعة الوقت في مناقشته. كذلك فأن من يعتقد أن نظام يوليو قد حقق حلمه بتوسعة الطبقة الوسطى توسعة عادلة و على المستوى العددي (الرقمي) و النوعي (الجودة) هو – بنفس القدر – إنسان حزبي أو مؤدلج و ليس بإنسان ينظر للتاريخ القريب للتعلم و استخلاص الدروس و العبر.



أن سبعينات القرن العشرين في مصر قد شهدت عملية خلق أفضل مناخ محلي للأصولية الدينية لتنشر فكرها و دعوتها. و أن خفايا هذه الخطيئة غير واضحة للآن. لا سيما في ظل تراجيديا أن صاحب تلك السياسة و الذي استعمل تياراً معيناً لإحداث توازن إستراتيجي في مواجهة تيار آخر لم يكن مؤيداً له. قد سقط يوم 6/10/1981 صريعاً برصاص التيار الذي استعمله قبل عشر سنوات من حادث المنصة.
** كتب هذا المقال (بجزئيه) فى الطائرة من القاهرة إلى الأقصر صباح يوم 31 مارس (آذار) 2009 .



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبقرية سعد زغلول .
- هلوسات 1- 2
- هلوسات ثقافية
- مرة أخري (وليست أخيرة) : -عن مظالم الأقباط أكتب- ...
- رسالة لوزير الأوقاف المصري .
- الأحزاب الدينية : محض وهم ومخادعة
- سجون الثقافة العربية : السجن الثالث : الرعب من الحداثة
- سجون الثقافة العربية : السجن الثاني : المفاهيم السلبية الشائ ...
- إصلاح التعليم : ماذا يعني ؟
- سجون الثقافة العربية السجن الأول : الثقافة الدينية السامة.
- هل من تفسير ؟
- لو كنت كرديا من سوريا ... : سلسلة - لو كنت ..... - الحلقة ال ...
- مرة أخرى: مسيحيو مصر (عرض لمرض مجتمع).
- بمثل هذا الموقع (الحوار المتمدن) -قد- نستطيع بدء نهضة ثقافية ...
- من ذكريات زيارة حديثة لكردستان الرائعة
- قرار تقسيم فلسطين نوفمبر 1947 : من دفاتري القديمة
- تراجيديا المرأة فى مجتعنا - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة...
- الشرق والغرب : الفهم المفقود.
- رسالة للحكام العرب - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
- نصيحة مجانية للرئيس إبن الرئيس ...


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - طارق حجي - ماذا فعل 23 يوليو 1952 بمصر؟ (1)