تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//النظام التربوي والتقدم المجتمعي .1/2


بلكميمي محمد
2009 / 2 / 8 - 09:57     

كلنا متفقون على ان المجتمع المغربي مجتمع متاخر ، لكن لنطرح السؤال : ماذا نقصد بالضبط بالتاخر المجتمعي؟
ان الجواب الاول المباشر ، يقوم على اساس المقارنة بين وضعنا ووضع غيرنا . بمعنى اننا نلمس تاخرنا المجتمعي ، من خلال تلمسنا تقدم المجتمعات المتطورة في كل مظاهر الحياة الاجتماعية ، هكذا نلاحظ :

على الصعيد الاقتصادي ، فبالرغم من ان المغرب بلد زراعي ، الا ان محصولاته الزراعية لازالت تخضع لتقلبات اهواء ومزاج المناخ والطقس ، وحين يكون هذا الاخير غير موات ، فاننا سنهلك جوعا اذا لم نلجأ الى الذين يتحكمون في الطبيعة ، ويسيطرون على قوانينها ، وينظمون زراعتهم تنظيما علميا .
على الصعيد التكنولوجي ، البلدان المتقدمة قطعت اشواطا بعيدة في اكتشاف اسرار المادة ، واستكشاف الفضاء الخارجي واعماق البحار والمحيطات ، بينما نحن كاد الجراد الذي اجتاح الجنوب المغربي في وقت سابق يفنينا ، لولا البلدان المتقدمة التي امدتنا ببعض وسائل المقاومة من طائرات ومبيدات وغيرها .
على الصعيد السياسي ، في البلدان المتقدمة توجد دولة القانون التي تضمن للمواطن حريته وكرامته ، بينما في بلدنا توجد دولة الاستبداد التي تسحق المواطن سحقا .
على الصعيد الفني ، حينما نتعود الاستماع الى روائع الموسيقى الاوربية الاصيلة ، وليكن على سبيل المثال كورال « المسيح » للموسيقار الالماني هايدن ، او « بحيرة البجع » للموسيقار الروسي تشايكوفسكي ، فاننا نشعر بمتعة فنية رفيعة لان الروح البشرية تنفعل لكل ماهو سام وجميل ، لكن عندما نستمع الى اغانينا المغربية ، فلانشعر سوى بالبؤس الفني لان طابعها يغلب عليه الصراخ والنواح والتغني بالحب بطريقة مثالية مائعة .
ويمكننا ان نستمر ونستمر في سرد العديد من الامثلة من هذا النوع .
الخلاصة اذن ، هي اننا نفهم التاخر المجتمعي مقارنة مع غيره من المجتمعات الاخرى المتقدمة . فهذه المقارنة .. هذه العلاقة بين الاثنين ، هي التي تخلق لدينا الوعي بتاخرنا . فلو كنا معزولين عما يجري في العالم ، لما احسسنا بتاخرنا ، من هذا المنطلق يمكن القول ، بان المجتمع المغربي مجتمع متاخر ، لانه متاخر بالنسبة لغيره .
هذا هو الجانب الاول للمسالة .
فماهو جانبها الاخر ؟ .
اذا نحن تفحصنا جيدا مسالة التاخر المجتمعي ، فاننا سنكتشف بان التعريف الذي سقناه سابقا ، لايمثل ، رغم اهميته ، سوى تعريفا سطحيا للمسالة ، اذ وراء التعريف السطحي ، يوجد التعريف الجوهري الحقيقي . وهذا التعريف الحقيقي هو التالي : ان المجتمع المغربي مجتمع متاخر ، ليس فحسب بالنسبة لغيره ولكن اساسا لذاته .. لمفهومه .
ماذا يعني هذا الكلام ؟ .
يعني مايلي : ان التطور المجتمعي المغربي يخضع في حركته ، الى قوانين موضوعية صارمة ، مستقلة عن رغبات وارادات الافراد والطبقات ، في اللحظة الاولى للتطور – دخل مرحلة تاريخية كبرى – يكون فيها المجتمع يتميز بالانسجام والتجانس ، لكن مع تقدم صيرورة التطور ، ينقسم المجتمع على نفسه ، ان الشكل الاول لذلك الانقسام يتمثل في احداث تمايز بين اطرافه ، اما الشكل الثاني فيبرز في لحظة لاحقة من التطور ، تقود الى تحول التمايز الى شكل جديد هو التعارض . وعندما يصل التطور الى اوجه ، يتحول التعارض الى تناقض . ولحظة التناقض تعني ان المجتمع قد بلغ اوج نضجه ، واصبح بالتالي مهيئا موضوعيا للانتقال الى مرحلة تاريخية نوعية كبرى اخرى ، والدخول في صيرورة انقسامات جديدة ، لكن قوى المحافظة والتقليد ، تقف حجر عثرة في وجه الانتقال الى المرحلة الجديدة الراقية ، وهذا هو ما نسميه بالتأخر المجتمعي .
فهو يعني اذن التشبث بالبقاء في المرحلة التاريخية القديمة ، في الوقت الذي يكون فيه المجتمع ذاته قد افرز موضوعيا شروط تجاوزها نحو مرحلة تاريخية جديدة اكثر رقيا وتطورا .
بعبارة ، ان التاخر المجتمعي يعني وجود تناقض تاريخي غير محلول ، لكن هذا التناقض الغير محلول ، لايكتفي فقط بافراز العناصر السلبية المتمثلة في الازمة المجتمعية ، التي قد تصل الى حالة التعفن الشامل ، بل ايضا يؤدي الى افراز عناصر ايجابية ، تتمثل في احتداد الصراع بين القديم والجديد ، وهو الصراع الذي لن يهدأ له بال ويذوق طعم الراحة ، الا بعد حل التناقض المجتمعي وجعل المجتمع مطابقا مع ذاته .
والفكر الثوري الحقيقي ، لا الزائف ، هو الذي يستطيع ، اولا استيعاب بعمق اللحظة التاريخية التي وصل اليها التطور الموضوعي المجتمعي ، ثم ثانيا ، العمل بمقتضاها في افق النضال من اجل تحقيق قفزة الانتقال نحو اللحظة التاريخية اللاحقة .
ان قراءة مادية جدلية لتاريخ تطور مجتمهنا المغربي ، ( وليس هنا مجال عرضها ) ، تبين بان التأخر المجتمعي المغربي في اللحظة التاريخية الراهنة الملموسة ، يتجلى في انعدام حل التناقض الموضوعي المزدوج التالي الذي سنراه في الحلقة المقبلة حسب وجهة نظر الفقيد عبد السلام المؤذن .