|
ثنائية الموقف العربي بين الدليس والتنفيس
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 2550 - 2009 / 2 / 7 - 07:43
المحور:
كتابات ساخرة
مامن شك في أن مذبحة غزّة ، والتي ماتزال مستمرة منذ 27 / 12 / 2008 حتى يومنا هذا ( 4 /2 / 2009 ) قد خلقت واقعا عربيّاً جديداً ، بيد ان هذا الواقع الجديد لم يكن ــ واقع الحال ــ على حساب الواقع العربي القديم وإنما أخذ يتكون عمليّاً إلى جانبه ، إنه أشبه بالشجيرة التي بدأت تنبت إلى جانب شجرة قديمة مهترئة ، ولابد من الانتظار إلى أن تكبرهذه الشجيرة وتحل محل الشجرة العجوز العاجزة التي لم يبق أمامها سوى خيار واحد وحيد هو أن تخلي مكانها للشجرة الجديدة الواعدة . لقد حاول النظام العربي الرسمي ، في محاولة منه لإطالة عمره ، تمويه دوره التنفيسي للشعوب التي يحكمها ، وأيضا دوره اللاقومي في القضية الفلسطينية ، ، بتقسيم نفسه شكليّاً إلى تيارات سياسية وظيفية معروفة ومكشوفة طاب للحكام العرب وللجهات التي يعملون في خدمتها ان يطلقوا عليها أسم : الدول المعتدلة و دول الممانعة ، والتي يمكن أن نطلق عليها نحن دونما تحفظ أو مواربة "دول الراية البيضاء"!!. إن الكاتب لاينكر وجود مثل هذه التيارات المتباينة بين جماهير الأمة العربية وبين قواها الوطنية المختلفة ، ولكن ماينكره هو أن الأنظمة السياسية العربية الراهنة التي تدعي لنفسها مثل هذه المواصفات والتسميات (دول ممانعة ، دول معتدلة ) هي منقسمة فعلا على هذا النحو الذي تروج له هي عن نفسها ، وتروج له معها معظم وسائل الإعلام العربية والاقليمية والدولية ، الرسمية منها وغير الرسمية . إن ما يلجأ إليه النظام العربي الرسمي فيما يخص هذا التقاسم الثنائي للأدوار ، هو مايمكن أن نطلق عليه صفة " التدليس "الذي يهدف إلى احتواء و تنفيس الإحتقان الشعبي في الشارع العربي . هذا مع العلم أن التدليس هو ــ من الناحية اللغوية ــ أخو الكذب ( د لّس البائع : كتم عيب مايبيعه على المشتري ... وكذب : أخبر عن الشيء بخلاف ماهو عليه ) . ويتمظهر تدليس الحكام العرب هن إمّا بإخفائهم الحقائق الموضوعية عن شعوبهم ، بل وإخبارهذه الشعوب بما هو عكس هذه الحقائق، وإمّا بإظهار أنفسهم كذباً بمظهر المدافع عن مصالح ومطامح هذه الشعوب ، وذلك بهدف تنفيس الاحتقان الشعبي تلافيا لانفجار جماهيري محتمل إذا ماوصلت الأمور بهذه الجماهير حد عدم احتما لها سكوت وتجاهل وتفرج وتدليس ــ إن لم نقل أكثر من هذا ــ هؤلاء الحكام على كل ماجرى ويجري على الساحة العربية ، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى أحداث غزة اليوم ، تلك المواقف المشينة التي جعلتنا معرّة بين الأمم ، وسمحت حتى للبغاث أن يستنسر في أرضنا العربية!. لقد ظهر هذا السلوك المؤسف للحكام العرب ( معتدليهم وممانعيهم ) بصورة جلية وواضحة لالبس فيها ولا التباس في مواقفهم المعروفة من كافة القضايا الوطنية والقومية ولاسيما : ــ هزائم جيوشهم المخجلة أمام إسرائيل في حروب 1948 و1967 و1982 ، ــ تفرجهم المؤسف على مجزرة الأطفال الفلسطينيين والشعب الفلسطيني خلال انتفاضتي الحجارة عام 1987، و الأقصى عام 2000 واللتين بلغت ضحاياهما آلاف الشهداء ، وعشرات آلاف الجرحى والمصابين ،ناهيك عن عشرات آلاف الأسرى الذين مايزالون يقبعون في سجون الإحتلال الإسرائيلي حتى اليوم ، ــ مشاركتهم المباشرة وغير المباشرة في الغزو الإنجلو ـ أمريكي للعراق عام 1991 و في محاصرة الغزاة الشعب العراقي سياسيا واقتصاديا وعسكريا من 1991 وحتى عام 2003 ، وثالثة الأثافي في مشاركتهم سرّاً و/أو علنا في الغزوالعسكري للعراق عام 2003 ، ــ مشاركتهم المباشرة و/أو غير المباشرة في الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ، ــ وأخيرا وليس آخرًامشاركتهم المباشرة و/ أو غير المباشرة في مجزرة حصار وتجويع وذبح إسرائيل للشعب الفلسطيني عامة ولقطاع غزّة خاصة ، تلك المجزرة التي ماتزال مستمرّة منذ وصول حماس إلى السلطة في يناير 2006 وحتىيومنا هذا . إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا يلجا هذا الحاكم العربي أو ذاك إلى مثل هذا السلوك المشبوه والمعروف والمدان، سواء بما هو حاكم أو بما هوعربي أو بما هو مسلم أو حتى بما هو كائن بشري يحمل صفة "إنسان"؟. إن التفسيرالسيكولوجي والسوسيولوجي الذي يقدمه الكاتب لسلوك الحاكم العربي هذا ، يتمثل في أن كافة الحكام العرب ــ كما يعلم الجميع ــ قد وصلوا إلى سدة الحكم بطرق غير ديموقراطية وغير دستورية بل وأحيانا غير أخلاقية ، أي تطبيقياً بطرق غير مشروعة ، وذلك إما عن طريق القبيلة ، أو عن طريق الطائفة أو عن طريق الدبابة ، ، وفي كل الأحوال عن طريق التحالف بين الما ل والجاه والسلاح . هذا مع العلم ان كل هذه الطرق غير الديموقراطية وغير الدستورية وبالتالي غير المشروعة إنما تشير إلى الطابع الأقليّاتي والتسلّطي لهؤلاء الحكام على شعوبهم ، الأمرالذي يعني أن بقاءهم على كراسي الحكم قد استلزم ويستلزم بالضرورة النظرية والعملية ، تضافر وتكامل وتساند أربعة أمورأساسية بدونها لايمكن لهم أن يبقوا و/ أو أن يستمروا هذه العقود الطويلة على هذه الكراسي ألا وهي ( العناصر الأربعة ) :
1) تجاوز مبدأ المواطنة ، الذي يشير إلى أن كافة من يحملون جنسية / هوية هذا القطر العربي أو ذاك هم متساوون في كافة الحقوق والوجبات ، وأن الدستور والقانون يضمن لهم هذه المساواة بصورة فعلية . 2) تغييب الديموقراطية ، وذلك إما بتغييب صندوق الإقتراع ، أوباللجوء إلى تزوير الإنتخابات و / أو الإستفتاءات بأساليب معروفة بحيث تأتي نتائجها النهائية ملبية لرغبات ومخططات الفئة الحاكمة من جهة ومخططات ورغبات الجهة أو الجهات الداخلية و / أو الخارجية التي أوصلتها إلى سدة الحكم من جهة أخرى . (ومثال انتخابات الـ 12 مليون العراقية ( عراق بريمر )عام 2005 خيرشاهد على هذا النوع من الانتخابات.) 3) الإعتماد على المحاسيب والأزلام والأقارب والفاسدين والانتهازيين عبرشرائهم بالمال و/ أو توظيفهم في القوات المسلحة وفي قوى الأمن وحفظ النظام ، المدنية منها والعسكرية ، كما هي الحال في" سورية الأسد " منذ 1970 وحتى اليوم . 4) التعاون مع الدول الإمبريالية المتطورة عسكريّاً وتقنيّاً من أجل حماية أنظمتهم وتثبيتهم على كراسي الحكم ( ... إلى الأبد ) ، ومن ثم ضمان تنصيب ابنائهم من بعدهم على هذه الكراسي كي يظل التستر على عمالتهم وفسادهم مستمرا من جيل إلى جيل ( الأمثلة على ذلك كثيرة ومعروفة ) .
إن مايرغب الكاتب أن يشير إليه هنا هو ، أوّلاً ،أن كلاًّ من : اتفاقية كامب ديفد المصرية ـ الإسرائيلية ( 1978) ،معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية ( 1979 ) ، تعديل الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ( 1988 ) ، المشاركة في العدوان الثلاثيني على العراق ( يناير 1991 ) ومن ثم محاصرته حتى غزوه واحتلاله عام 2003 ، مؤتمر مدريد ( نوفمبر 1991 ) ، اتفاقية أوسلو ( سبتمبر 1993) ، اتفاقية وا دي عربة (أكتوبر 1994 ) ، سكوت النظام السوري على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية منذ عام 1967 ( وإذا شاء البعض 1973 ) وحتى الآن ، مفاوضات اسطنبول غيرالمباشرة بين النظام السوري والكيان الصهيوني( 2008) والتي إعلن بشارالأسد أنها قد وضعت الأساس للانتقال إلى مرحلة المفاوضات المباشرة ( 2008 ) ، تواطؤ الحكام العرب بشقيهم ( الممانع والمطاوع ) مع الولايات المتحدة الأمريكية في غزوها للعراق(2003 ) ، ومع إسرائيل في هجومها الوحشي الأخير على قطاع غزّة( 2008/2009 ) والذي مايزال مستمرا بصورة أو بأخرى حتى هذه اللحظة ( 4 / 2 /09 ) ، وأخيراً وليس آخراً ذلك التجابذ والتنابذ بين الحكام العرب حول عقد مؤتمر قمة عربي لنصرة غزّة ، والتصريحات التدليسية التضليلية لكافة الحكام العرب فيما يخص هذاالموضوع !. إنما تدخل جميعها ـ بشكل أو بآخر، بصورة أو بأخرى ـ في إطار تفسيرالكاتب السوسيوسياسي السابق لسلوك معظم ــ إن لم نقل كل ــ الحكام العرب الحاليين من المحيط إلى الخليج ، وتدخل كذلك في إطار فهم وتفسير سلوكهم السياسي ( غير المقبول !! حسب توصيف عمر موس لتصريحات شمعون بيرس في منتدى دافوس الاقتصادي ، يناير 2009 ) من مختلف القضايا الوطنية والقومية .
ثانياً : أن الأرضية التي يقوم عليها موقف الحاكم العربي من القضايا التي ذكرناها أعلاه ، إنما تتمثل في بعدها السيكولوجي والسوسيولوجي ــ حسب راي الكاتب ــ في : 1) احتقار هذا الحاكم للجماهير الشعبية التي يحكمها ، ومعاملتها على أنها مجرد قطيع من الأرقام التي لاتستحق بنظره ونظرأسياده وخبرائه ومستشاريه لاديموقراطية ، ولاحقوق إنسان ، ولا حق تقرير المصير . 2) هيمنة نظامه بالسلاح و المال ، على مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، وتوظيفها في خدمته مصالحه ومصالح أعوانه الخاصة والتي عادة ماتتقاطع مع مصالح أسياده الإمبرياليين ، وتتعارض بالتالي كليّاً أو جزئيّاً مع طموحات و آراء ومصالح الأغلبية الساحقة من أبناء شعبه .
3) قبوله بالدور الذي رسمته له الدول الكبرى التي جاءت به إلى الحكم ، والتي تحميه وتساعده على البقاء والاستمرار في هذا الحكم (من المهد إلى اللحد) ، ومن ثم تأتي بأحد أبنائه من بعده لكي يتابع مسيرة والده المرحوم ، والذي حولته بموجبه إلى نوع من (خيّال المآته ) الذي يرفعه الفلاحون في حقولهم ومزارعهم لإيهام الحيوانات والطيور أن هذا كائن بشري حقيقي فتخاف وتبتعد !! . إن مثل ( بفتح الميم والثاء ) الحاكم العربي في القرن الواحد والعشرين في هذا كمثل بعض خلفاء بني العباس في القرن الثالث عشر الذين استعانوا ببعض الأجانب على أبناء قومهم ، والذين قام مؤيد الدين ابن العلقمي بتسليم رقبة آخرهم ( المستعصم ) لهولاكو لكي يقوم بقطعها عام 656 هـ / 1258 م ، إن الحاكم العربي الحالي في وضعه لكافة أوراقه في سلة أمريكا وإسرائيل ، إنما ينطبق عليه اليوم ماانطبق على بعض الخلفاء بالامس : (خليفة ) في قفص بين وصيف وبغا يقول ماقالا له كما تقول البــبغا هذا والله أعلم .
ـــ انتهى ـــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علم الإجتماع : بعض الإشكالات النظرية والتطبيقية
-
الحزب السياسي بين الدين والدنيا
-
وقفة قصيرة مع بعض أقوال - الرئيسي -
-
مرة أخرى : في البدء كان الفعل
-
الأزمة اللبنانية بين الظاهر والباطن
-
لرأي العام ومسرحية الإستفتاءات الصورية
-
قراءة موضوعية لخطاب غير موضوعي
-
التخلف والتقدم في البلدان النامية ؟ جدلية السبب والنتيجة
-
نظرية المعرفة في ضوء علم الإجتماع
-
حافظ الأسد ينتقل من حفر الباطن إلى المنطقة الخضراء
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|