عياد البطنيجي
الحوار المتمدن-العدد: 2548 - 2009 / 2 / 5 - 10:02
المحور:
القضية الفلسطينية
يعم الحزن والألم كل من يراقب الوضع الفلسطيني، على جميع الأصعدة دون استثناء: انقلاب حركة حماس على السلطة الذي استُدِرجت إليه الحركة في غزة معتقدة أنها تحقق انتصارا، مما ترتب عليه انقسام النظام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ووحشية الاحتلال، وتدميره لمؤسسات السلطة وبيوت ومنشآت مدنية وآلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وحصار خانق، واستباحة الضفة الغربية وتهويد القدس وبناء المستوطنات، وانشطار النخبة الفلسطينية، وحالة الشطط التي أصابت هذه الأخيرة، وتشظي الذات الفلسطينية وغياب القيادة القادرة على توحيد مفردات النظام، ونخب سياسية عاجزة عن إدراك مصالح شعبها، واستشراء مظاهر الفقر والبطالة... الخ والأخطر من ذلك هو تواصل الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، واستمرا الحروب بين قبيلة فتح وقبيلة حماس، وتقزيم القضية الفلسطينية واختزالها بفتح المعابر ورفع الحصار، وإقحام أهالي غزة بحرب غير متكافئة من أجل أهداف ليست بالأهداف الكبرى مثل قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات...الخ، بل شهداء من اجل رفع الحصار وفتح المعابر. كل ذلك وإسرائيل جاثمة على صدور الفلسطينيين جميعا، وتواصل تنفيذ مخططها لتهويد القدس, وتمزيق أوصال الضفة الغربية المحتلة, فيما يعرف بسياسة فرض وقائع جديدة علي الأرض, تستهدف أساسا فصل القدس عن باقي أجزاء الضفة, وهذا ما يؤكده تقرير خطير نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أمس الأول, وأشارت فيه إلي أن إسرائيل تواصل عمليات بناء البني التحتية وشق شبكة شوارع واسعة, بهدف فصل القدس عن الضفة الغربية, وأضافت أنه تم إنفاق50 مليون دولار في العامين الأخيرين في بناء هذه البني التحتية, تمهيدا لبناء أحياء استيطانية تضمن تواصلا جغرافيا بين مستوطنة معالية أدوميم والقدس, وتقطع أوصال الضفة, وتفصل القدس عنها, وأشارت إلي أنه يجري التخطيط لبناء3500 وحدة سكنية في المستوطنة, وأكد مكتب زعيم حزب العمل ووزير الدفاع إيهود باراك أن معالية أدوميم جزء لا يتجزأ من القدس, ودولة إسرائيل, وهكذا تقطع إسرائيل أوصال الضفة, وتفصل القدس عنها, بينما يزداد صخب الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية, دونما إدراك لخطورة المخطط الإسرائيلي علي القضية الفلسطينية. ومما لا جدال فيه, أن استمرار إسرائيل في تنفيذ مخططها هذا, يقتضي أن تتوحد القوي الفلسطينية, وتنبذ خلافاتها, حتى يمكنها, بالوحدة الوطنية الفلسطينية, أن تتصدي لهذا المخطط قبل فوات الأوان, ومن الجدير بالذكر, في هذا السياق, أن أبعاد هذا المخطط وأهدافه قد سبق للجنرال آرييل شارون الكشف عنه منذ سنوات, حين بدأ إجراءات تهويد القدس.
كل ذلك وما تزال القيادات الفلسطينية تتصارع فيما بينها على شرعية من يمثل الفلسطينيين، هذه القيادات أصبحت مشاركة في تعميق الانقسام الفلسطيني وضرب الوحدة الوطنية وتقزيم القضية ، كل ذلك له انعكاسات خطيرة على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. ففصل القطاع عن الضفة كان هدفا إسرائيليا ولكن للأسف الشديد القيادات الإسرائيلية خططت والقيادات الفلسطينية نفذت المخطط .
وبالتالي يمكن القول إن القيادات الفلسطينية استنفذت كل طاقتها وفقدت قدرتها على التجديد والإبداع، وهي تفتقر إلى الإجماع الشعبي وفقدت قدرتها على تحريك الأمور وقيادة دفة المشروع الوطني الفلسطيني، هذه القيادات لم تعد قادرةً على الوفاء بالتزامات القضية وتضحياتها الجسام. إذن لا غضاضة من القول إن القضية الفلسطينية تشهد مرحلة نهاية النخب والقيادات السياسية الفلسطينية العاجزة عن الفعل والعطاء في أحلك الظروف التي يمر بها المشروع الوطني . فالنخب السياسية والقيادات الفاعلة عادة تظهر عندما تتعرض الجماعات إلى الأخطار والتحديات والانقسامات الداخلية والانشقاقات السياسية بين الأفراد والجماعات أو المنافسة الهدامة بين القوى السياسية كما هو حاصل في هذه الأثناء في المجتمع الفلسطيني.
إن جميع هذه الأخطار والتحديات الخارجية والداخلية تقود إلى ظهور نخب سياسية وقيادات فاعلة تسعى إلى إزالة الأخطار وتحقيق الوحدة الوطنية للمجتمع والتصدي للعدوان، وتعمل من أجل تقدم ونهوض المجتمع في شتى المجالات وتجدد الثقة في النفوس وتعمل جاهدة على إزالة الانقسامات والخصومات. لأن النخب والقيادات السياسية يفترض فاعليتها في الأزمات والشدائد وليس الهروب والتقوقع حول الذات حفاظا على مصالحها الخاصة، واستغلال الأزمات المجتمعة والسياسية لتحقيق مصالحها الخاصة وبالتالي تعميق أزمة الاجتماع السياسي . فأين النخب والقيادات السياسية الفلسطينية من كل ذلك؟ .
إن الوضع الفلسطيني المتدهور أصبح يفرض وبشكل ملح إلى ضرورة قيام قيادة شرعية جديدة يتحمس لها جميع الفلسطينيين وتلم شملهم وتوحد لا تقسم، وتُبدع لا تقلد، وتقود لا أن تُتبع، أي تنبع قراراتها من الداخل لا من الخارج في إطار وطني يخدم المشروع الوطني الفلسطيني، لا لتنفذ أجندات خارجية أو تسقط في براثن الاستقطاب الإقليمي. فالشعب الفلسطيني يريد قيادة فلسطينية تعيد إلى القضية الفلسطينية زخمها المفقود ومكانتها الدولية السابقة بدلاً مما هي عليه الآن كقضية إنسانية تعيش على الانفعال العاطفي لا قضية سياسية وقضية تحرر وطني . وبالتالي نريد قيادات جديدة تعيد للقضية زخمها وتجمع الصف الوطني من جديد حول الأهداف التاريخية والغايات الوطنية، نريد قيادات عقلانية تحسب تكاليف النضال الوطني وأن تزيد من المكاسب وتقلل من الخسائر. نريد قيادات لا تعمل بعقلية ثأرية قبلية، بل قيادات تعمل من منطلق المصلحة العامة وبتفكير سياسي مستنير يخدم المصلحة العامة، لا أن تعمل بانفعال عاطفي . نريد قيادات ناضجة وليست مراهقة، قيادات فاعلة وليست غوغائية، قيادات تعمل بصمت وهدوء وليست بمنطق شعاراتي أو دعائي أو خطابي أو إنشائي، قيادات تفحمنا بفعلها لا بقولها، بانجازاتها لا بياناتها وخطاباتها.
وعليه، لا ريب أن إصلاح الوضع الفلسطيني والاتفاق على إستراتيجية عمل وطني وتوحيد الأهداف المتناقضة ضمن إستراتيجية وطنية تصهر الكل الفلسطيني يكون عنوانها التحرر من الاحتلال، ومن أجل بناء مؤسسات سياسية وطنية وقوى وسيطة يمكنها أن تحقق التوازن المطلوب بين المجتمع وبين السلطة، وحتى تبقى فلسطين نبراسًا بل شعلة فوق رؤوس المتآمرين، كل ذلك يتطلب أولا إصلاح أو تجديد النخب والقيادات السياسية التي تقود العمل الوطني الفلسطيني بعقلية ثأرية، لأنه بدون هذا الإصلاح النخبوي الفلسطيني سوف تبقى أزمة الاجتماع السياسي الفلسطيني تراوح مكانها وسيبقى الاحتلال جاثما على صدور الفلسطينيين وسيبقى منتشياً لهذا التمزق الحاصل للقيادات الفلسطينية الذي يستغله العدو في تدمير المشروع الوطني الفلسطيني وإظهار الفلسطينيين وكأنهم جوهر المشكلة.
وتجديد القيادة الفلسطينية أو تغيرها لا يعني ذلك إيجاد مرجعية بديلة كما يطالب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من خلال مطالبته بإيجاد مرجعية بديلة للشعب الفلسطيني، فمنظمة التحرير الفلسطينية وحدها هي ممثله الشرعي الوحيد للفلسطينيين، ولكن لابد من إصلاحها وتفعيل دورها . أما القطع مع المراحل السابقة للنضال الفلسطيني والبدء بالنضال من الصفر فهذا أمر مرفوض، وسوف يعيدنا إلى المربع الأول. وعليه ، فتجديد القيادات الفلسطينية ومؤسسة النخبة إن صح التعبير هو المدخل الرئيسي لإصلاح الوضع المزري الذي تعيشه القضية الفلسطينية. وبدون ذلك سوف ندور في نفس الحلقات السياسية المفرغة وسوف نراوح مكاننا.
#عياد_البطنيجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟