أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - حجر قايين














المزيد.....

حجر قايين


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 2524 - 2009 / 1 / 12 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


لا تملك العين غير نداها الساخن تشفق به على جليد الشر المتصلب قبل أن تعمّد به براءةً مسفوحة على فقاعة الرب الطائرة. للبراءة مساراتها الآمنة على القضبان الممدودة بين السرمدية وبين الأبد، فالأم تلد أباها، والرضيع يحمل أمَّه في داخله. لا مطر ولا دموع تروي أرضا تصلبت فيها أشواك انغرست في جحيم ذاتها قبل أن تغرس سنَّها في صدر هيكل مازال يرضع. جليد الضمير لن تذّوبه سخونة الدموع أو بخار الدم, فالتمادي كرة حديد تتدحرج إلى قاع الوحل أو سلّم ضوء يصّاعد في السماء, وهذه الأرض التي خذلها قابيل بحجرٍ تمادت في الخرس مثل أم فقدت الأمل في صلاح أبنائها ولم يبق لها غير التحديق في ورقة الزمن الباهتة.

جبال وحل الذاكرة ارتفعت وألقت بظلال نتوءاتها على الوجه الذي يحمل صورة الله في هالته. هاملت يرفع الجمجمة ويخاطب في محاجرها الدود ويهزأ بالمصير: من أجل ماذا يا هوراشيو كل هذا الدم الذي تسبح فيه المسرحية؟ من الذي يكتبها ومن هو المخرج؟ أملهاة أم تراجيديا؟ أيقوم بتصويرها الممثلون أم المتفرجون أنفسهم؟ ولماذا قَدَر البطلِ الموت, وفي الغالب غدرا ؟ أهو احتياج جمالي تستدعيه سادية غائرة في أعماق المشاهدين؟ إذ لماذا يصفقون في النهاية دائما؟ ألأن هناك من قام بفعل القتل ولو على شكل لعبة بدلا منهم؟ وأين يذهب الممثلون بعد إسدال الستارة؟ ولماذا لا نستطيع تعديل النص طالما أن كاتبه لم يهبط علينا بمركبة من القمر؟ ومن هو البائس الذي يقوم بتنظيف الخشبة من الدم المستعار؟ أهو ممثل فاشل يحمل داخله روح فنان؟ وهل يتأمل خشبة المسرح بعد ذهاب الجميع: السكونَ والصمت والظلام المخيم والمصائر, ويسمع دبيب حشرات الليل تخرج من مخابئها لتقيم مسرحيتها الخاصة من غير متفرجين؟ من هو ذلك المسكين, حارس البناية هو أم مسيح تعثّر في زمان ومكان ليسا له فارتضى في خيبته مهنة التنظيف؟ المتفرجون ذهبوا للنوم متثائبين بعد أن أغرقوا خشبة دماغهم بدم بديل, دمٍ خيالي! لكن أحدا لم يخطر في خياله ما يدور في تأملات عامل النظافة - مسيحِ المسرح المعتم!

ارتمي الشاعر في نوبة جنونه على عنق حصان يلهبه صاحبه بالسياط في الشارع لأن تاريخ العالم عار. لأن الإنسان لم يصل بعد إلى طهارة الحيوان, ولأن الممثلين لا يحسنون أداء أدوارهم. لأن العالم يصغُر وتكبُر حدبته. لأن صغار الناس أصبحوا سادة الأرض وتعود بهم دوما عجلة سامسارا. لأن روح الله في الفجر لم تعد تُحس والصرخة لم تعد تسمع. فأيهما, تخيّر الموت أم الجنون؟
لا وقفة على الجسر لحساب المسافة بين الما وراء والما أمام. بين الهنا والهناك. بين الهوة تحت القدم وبين سلم ضوء الصعود. ليس سوى دم على حدبة المعبر, وصرخة زارادشت تضرب في أصداغ الجبل.
ربان السفينة فقد بوصلة روحه فكيف مسار السفينة والأرضُ تميد وجبال الحنطة تحترق ونوارس الله لم تعد لها صارية آمنة تحط عليها! المدُ عالٍ وكرة الحديد تتدحرج إلى قاع الجحيم، فمن يحمل حجر سيزيف ويصعد ليواسي زارادشت في صقيع عزلته!
لا تملك العين غير نداها الساخن تشفق به على العنق والحجرِ والهاوية, على لحدٍ صغير يحتضن الحرفَ الكلمة الآية, الفمَ الوردي المفتوح على حلمة الأرض الباردة. فليشرب كل يهوذات الدنيا أكواب حليبهم الدافئة, ولينشط تجار الموت في أعمالهم , فهذه الأرض مقتولة ٌوالوقت موسمهم.
هل لأضرحة القديسين قداسة بجانب لحد صغير امتزج فيه الدم باللبن؟ إذن فلنقم للأرض ضريحا أو صليبا بحجم الكون ونعلن على أنفسنا الحداد، فكرة الحديد تتدحرج إلى الهاوية, وهيرودس في شرفته يشرب كوب العصير.
انظر ياهوراشيو! هل رأيته؟ الشبح, إنني أراه الآن, خيال الطفل المذبوح يتحرك على الحائط. إنه غامض في صمته وفي معجزة جسده الجميل. فمه الدقيق مغلق، لكن لا يبدو من نظرته أنه يعرف معنى الثأر, انظر جيدا ياهوراشيو, أرى طيف أمه في عينه الصافية, يخيل لي أنه جاء ليطمئن عليها أو ليهمس لها في لوعة أحلامِها بأسرار الحبل السري, أو ليخبرها أن الله حزين. آه، ما أحقر مصيرنا يا هوراشيو, إن العالم عميق وأعمق منه أوجاع الإنسان.
لا تملك العين غير نداها الساخن ترطب به مستطيل رمادها, وتبارك به لحد الأرض النازفة!

يوسف ليمود



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فينيسيا.. من كاناليتّو إلى مونيه
- صبحي جرجس .. حين طية المعدن تقول المكان وتختصر الزمن
& ...
- مائة عام على الفنون الجميلة في مصر!
- أتجرد من ماذا لحساب ماذا
- الرحيل عن بيروت
- في رحيل ريك رايت أسطورة بينك فلويد وبينك فلويد الأسطورة
- في رحيل المصور حسن سليمان .. وقفة بين المرئي واللامرئي
- فرنان ليجيه في معرض استعادي .. أيقونة الحديث والمعاصر
- من يوسف ليوسف .. تلويحة غياب متأخرة
- سوق الفن السنوي في بازل وسؤال الوعي
- فن معاصر لثمانية مصريين في العاصمة السويسرية بيرن
- لوحة الأكشن في معرض بمتحف بايلار .. بازل - سويسرا
- نهر .. أتعبره أم يعبرك
- الوصول إلى الأبيض في معرض إستعادي ضخم لآدم حنين بالقاهرة
- نتاج ورشة عمل نيو ميديا على هامش بينالي الإسكندرية
- القيامة في فوتوغرافيا أندرياس جورسكي ومعرضه من جناح طائرة
- حوار مع منظّم معرض الفنانين المسلمين بمتحف الفن بنيو أوليانز ...
- ثنائية
- فن مصري معاصر في متحف الفن بالعاصمة بون
- جاسبر جونز .. رؤيته وإنجازه الفني في عشر سنين


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - حجر قايين