أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد يونس خالد - هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟ قراءة نقدية في حوار مع الشاعر حسن الخرساني















المزيد.....


هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟ قراءة نقدية في حوار مع الشاعر حسن الخرساني


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 2515 - 2009 / 1 / 3 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


قراءة نقدية/ تعليق وتحليل ونقد على حوار أجري مع الشاعر حسن الخرساني عن تجربته الشعرية ومجموعته الشعرية "صمتي جميل يحب الكلام" . أجرتها الزميلة دجلة السماوي في 5 شباط/ فبراير 2008.

طُرِحَت على الشاعر سبعة عشر سؤالا. ما يهمنا في هذا التعقيب والنقد السؤال الرابع عشر وجوابه. أما الأسئلة والأجوبة الأخرى فلا نناقشها في هذه القراءة، لأنها مواقف تخصه شخصيا، ونحن نحترم إرادته وآراءه.
/السؤال الرابع عشر من المقابلة:
أنت الناقد والشاعر في آن واحد ! هل هذا القول ينطبق عليك ؟
الجواب:
عندما تكون شاعراً واعيا ً ومثقفا ً حتما ًستكون ناقدا ً واعيا ً لجميع ِ أعمالكَ

قراءة نقدية في حوار
ملاحظة: ينقل الحوار والرد هنا بدون تغيير جوهري في المحتوى والمعنى
بدءا أقول أن حواري وقراءتي النقدية للجواب لاينفي عن الأستاذ حسن الخرساني أنه شاعر وناقد. فأنا لست الشخص المخول لتوزيع الأوسمة أو إنكار لقب يتمتع به الشخص. لقد قرأت شخصيا ديوانه الشعري الموسوم "صمتي جميل يحب الكلام" الذي أهداه لي في حينه واستمتعت بقراءته. وعليه فإن هذه القراءة لا تخص ديوانه إنما جوابه على السؤال الرابع عشر من المقابلة أعلاه.
قبل كل شيء أود أن أعبر عن تقديري للشاعر حسن رحيم الخرساني في تلك المقابلة الممتعة.
هنا نطرح جملة من الأسئلة الكبيرة التي تحتاج إلى أجوبة، لنعلل عدم فهمنا، من الزاوية المنهجية والبراغماتية، جواب الشاعر على السؤال الرابع عشر. فالشاعر جمع في جوابه عدة ألقاب وصفات في آن واحد لنفس الشخص.
شاعر
واعي
مثقف
ناقد
واعي لجميع أعماله

وصاغ الشاعر الخرساني جوابه بشكل بعيد عن المنهجية بكلمة "حتما" وبذلك جعل فرضيته "حتمية"، أي غير قابلة للحوار والمعارضة باعتبار أن رأيه أشبه ما يكون "بديهية" يجب قبوله، كأن تقول في عملية حسابية 1+1 يساوي 2. فإذا قال العالم أجمع أن الجواب 3 فهم على خطأ، لأن الجواب حتمي، هو 2.
هذا التعبير لايُستخدم في الدراسات الإنسانية والاجتماعية من الناحية المنهجية.
قراءة نقدية في حوار هادىء
من هذه الزاوية أود ان أحاور زميلنا الشاعر باقتضاب في طرحه. وبدءا أقول أنه من الأسهل لي أن أهمل هذا الموضوع كليا، لكن المسؤولية الفردية والاجتماعية تمنعني من ذلك. فنحن نتعامل مع الأدب والشعر والفكر والنقد الأدبي من باب المسؤولية لنتبادل الخبرات ونستفيد من ميدان المعلوماتية، لأننا مسؤولون أمام الله تعالى وأمام الضمير والشعب وأمام التراث. ومن أجل أن نخدم التراث العربي الإسلامي فإننا نتعاون في الحوار على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة العامة للذين يتعاطون مع التراث والثقافة. والمعروف أن الثقافة أوسع من حدود القومية المتشنجة التي أرفضها كليا ولا أؤمن بها.

يفهم القارىء من جواب زميلنا الشاعر العزيز أن كل شاعر واعي ومثقف هو حتما ناقد واعي لجميع أعماله.
جواب محير لايستند لأي تعليل بهذا الطرح العام.
فما يتبادر إلى الذهن هو أن كل واعي هو مثقف. أو كل مثقف هو واعي. هذا ما لا أتفق مع الشاعر الخرساني.
كما لا أتفق معه في كون كل ناقد واعي هو واعي لجميع أعماله.
تعميم الجواب بالشكل الذي طرحه الشاعر يصعب فهمه بهذه البساطة. لأنه من الصعب أن يتوفر جميع تلك الصفات في كل شاعر مع إستثناءات خاصة جدا جدا جدا سأشرحها لاحقا.

كيف نعلل ذلك؟
من أجل أن نشرح بشيء من الإيجاز هذا الموضوع الهام، أطرح جملة أسئلة قبل أن أشرحها:
الأسئلة:
- هل ينقد الناقد الشاعر نفسه أو ينقد النص الذي كتبه ولماذا؟
- ماهي إشكالية موضوعة التلقي في الفضاء النقدي (هنا نعني النقد العربي)؟
- هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟
- كيف يفهم الشاعر إشكالية (التعقيد والغرابة والذاتية) في نتاجاته ليكون ناقدا محايدا؟ وهل يمكنه أن يكون محايدا في شعره؟
- هل أن شروط الإبداع هي شروط النقد أيضا؟

كل شخص يفهم أساسيات النقد يعرف بجلاء أن شروط الإبداع غير شروط النقد.
كيف يمارس الشاعر الناقد هذه المعادلة؟
إشكالية المجاملة والتحامل مع النصوص الشخصية دون أي أساس منهجي نجدها ونقرأها يوميا في كثير من المنتديات العربية مع الأسف دون ذكر الأسماء.
كيف يتجاوز الشاعر هذه الإشكالية حين يكون ناقدا؟

في الحقيقة ليس كل شاعر واعي مثقف هو ناقد واعي، والأهم القول أن يكون ناقدا واعيا لكل أعماله. والأخطر القول "حتما" . لماذا حتما؟ وكيف حتما؟ هذا التعميم ليس منهجيا بكل المقاييس.

قد يكون هناك شاعر مثقف، لكنه قد لايملك الوعي تجاه شعبه ووطنه، بل قد يكون جاهلا، يفتقد لأي إحساس تجاه وطنه. كم من الشعراء المثقفين مثلا، كانوا بعيدين عن الوعي الاجتماعي، وأصبحوا بوقا لمدح الحاكم أو السلطان الدكتاتور الظالم إلى درجة أصبح تُرسا في آلة الفساد والاستبداد ضد حريات الأفراد. شاعر مثقف لايملك وعيا اجتماعيا، لكنه شاعر يكتب أجمل ما يكون، يجيد مدح المستعمر والملك والرئيس ضد مصالح الشعب. طبيعي أنا لا أقصد شخص شاعرنا الجميل الخرساني، إنما أحلل الموضوع بشكل عام.

قال الشاعر القديم:
لا تخضعن لمخلوق في طمع
فإن ذلك منك نقص في الدين

بل أقول إن ذلك من الإنسان نقص في الوعي أيضا لأنه مَن لا إيمان له لا وعي له أيضا. كما قال الله تعالى عن المضلين "هم كالأنعام بل أضَّل". وقد أجاد الشاعر القديم أيضا في قوله، تأكيدا على لاوعي شاعر قد يكون مثقفا يستحسن القبائح:
يا غازيا في غفلة ورائحا
إلى متى تستحسن القبائحا

وقد يكون الشاعر واعيا ومبدعا بحكم تفهمه وتجربته وإبداعه الشعري، لكنه ليس مثقفا. فكتابة الشعر موهبة وقدرة على التعبير الصحيح والعاطفة والمشاعر والأحاسيس، والبحور إذا ينظم الشعر الكلاسيكي العمودي مثلا، وبلا بحور إذا كان شعرا ( بدون تفعيلات – إضافة) مثلا، أو قصيدة نثر مثلا.

وقد يكون الشاعر مثقفا وواعيا ولكن ليس بالضرورة أن يكون ناقدا. وهناك أيضا شعراء كبار مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم تعرضوا لنقد شديد لعدم توفر الشروط لديهم ليكونوا نقادا، وإن كانوا نقادا، لم يكن بامكانهم أن يكونوا مبدعين في النقد، ولا سيما في نقد شعرهم، في حين أنهم كانوا من أشهر شعراء عصرهم. على سبيل المثال، نقد عميد الأدب العربي طه حسين لشاعر النيل حافظ إبراهيم، ولأمير الشعراء العرب أحمد شوقي في كتابه (حافظ وشوقي). وهنا أشير إلى نموذجين لهذا النقد:
يقول طه حسين: " نأخذ حافظا بعيوب ثلاثة: الإسراف في اللفظ الغريب، والإعراض التام عن بعض النصوص، والتشويه الذي يختلف قوة وضعفا لبعضها الآخر. وهذه العيوب الثلاثة خطرة جدا، ولكن حافظا يستطيع أن يحتملها فليس يمكن أن نقرأ لا أقول ترجمته، بل أقول كتابه دون أن نستفيد".

وانتقد طه حسين شعر أحمد شوقي على سبيل المثال، في البيت التالي:
" ولدت له (المأمين) الدواهي ولم تلدي له قط (الأمينا)
يقول طه حسين: فلفظ (المأمين) فيه نبو، ولفظ (الدواهي) يبعث الاشمئزاز في النفس. ولفظ (قط) يخلو من كل جمال شعري. والبيت كله غامض برغم هذه الحاشية التي أضافها الشاعر. والبيت كله مخالف للحق فليس من الحق في شيء أن ملوك مصر جميعا كالمأمون. وليس من الحق في شيء أنه لم يكن بينهم مَن أشبه الأمين".

مثال آخر في أبي الطيب المتنبىء، شاعر كبير، لُقِب بمالىء الدنيا وشاغر الناس. فشِعره في المدح يعتبر قمة النبوغ الشعري، لكنه أتُهِم بالانتحال. هناك كتاب بعنوان "الإبانة في شعر المتنبىء" يبين كيف أنه انتحل أشعار الشعراءالآخرين.

أرجع مرة أخرى إلى الشاعر الخرساني لأقول: قد يكون الشاعر ناقدا واعيا ومثقا، لكنه ليس بالضرورة أن يكون شاعرا بمستوى وعيه النقدي. فأغلب النقاد الكبار لم يكونوا شعراء، مثل طه حسين الذي كتب بعض القصائد ثم تراجع، وقال: كتبت "مجموعة من السخف". لأنه عندما أصبح ناقدا متألقا لم يقبل شعره لأن شروط النقد ليست نفس شروط الإبداع في كتابة الشعر. ومع ذلك كان عنوان الإنسان الواعي الذي حصل على عشرات الجوائز العالمية. حيث قال فيه الجواهري ونزار قباني وكثيرون أجمل ما يمكن أن يقال عن الناقد الواعي المثقف. مثلا قول القباني فيه:

ضوء عينَيك أم حوار المرايا
أم هـما طائران يحـترقان
هل عيون الأديب نهر لهيب
أم عيون الأديب نهر أغاني
آه ياسيدي الذي جعل الليل
نهارا .. والأرض كالمهرجان
أرم نظارتـيك .. كي أتملى
كيف تبكي شواطىء المرجان
أرم نظارتيك .. ما أنت أعمى
إنما نحن جوقة من العميان

مَن يكون طه حسين اليوم، الذي كان يُقَيم نتاج شاعر معين، ويسرد في التقييم إلى أن يصل إلى كلمة "ولكن" فيرتجف الشاعر لقوة نقد ذلك الناقد بعد كلمة "ولكن"، ومع ذلك لم يكن الناقد الذي قيل عنه
"ضوء عينيك أم هما نجمتان" "كلهم لايرى وأنت تراني"
شاعرا بمستوى نقده. على عكس أحمد شوقي مثلا.

طبيعي هناك إستثناءات في أن يكون الشاعر واعيا يفهم قضية شعبه وحياة مجتمعه. وهو أيضا مثقف وناقد على أعلى المستويات مثل ميخائيل نعيمة ومحمد مهدي الجواهري ومحمود درويش وأدونيس وبدر شاكر السياب. ولكن ليس الشاعر الخرساني في أي حال من الأحوال من خلال قراءتي له.

لنأخذ مثلا الشاعر العراقي الكبير السياب الذي كان قمة النقد وهو يمثل ضمير العراق ككل، ولاسيما في قصيدته: "أنشودة المطر" التي تعتبر وصفا دقيقا لتلك المأساة التى لا يزال الشعب العراقى يعانى منها إلى اليوم. فأصبحت تلك القصيدة أم القصائد المشهورة في العالم العربي آنذاك حين قال:
" أصيح بالخليج: " يا خليج..
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى!"
فيرجع الصدى
كأنه النشيج"
"يا خليج
يا واهب المحار والردى"
وينثر الخليد من هباته الكثار
على الرمال: رغوه الأجاج، والمحار
وما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجّة الخليج والقرار
وفى العراق ألفعى تشرب الرحيق
من زهرة يربّها الفرات بالندى
واسمع الصدى
يرنّ فى الخليج
"مطر..
مطر..
مطر..

فالسياب كان شاعرا وناقدا واعيا لمأساة شعبه العراقي، ومثقفا في ذاته الفردية والجمعية، وكان للموت شعره حضور قوي. مَن يكون سياب اليوم؟ لا أحد في العراق.

ومحمود درويش حيث تُدّرس قصائده في بعض المدارس الإسرائيلية لفهم عقلية المثقف الواعي والشاعر الناقد. وهو في قمة عبقريته الشعرية والنقدية لفهم مأساة الشعب الفلسطيني بوعي متزايد. وأنت تجد الفرق بين شعره في فترة ما قبل النكسة وفترة ما بعد النكسة. ولكننا لانستطيع مقارنة هؤلاء الكبار بأغلب شعراء اليوم. ومَن يكون محمود درويش فلسطين اليوم؟ لا أحد أيضا.
وهناك اليوم أيضا شعراء ونقاد، على سبيل المثال وليس الحصر الدكتور فاروق مرسي.

إذن كيف نفهم الوعي؟ وكيف نفهم الثقافة؟ وكيف نفهم النقد؟
الوعي: "طاقة ذهنية لها حضور إدراكي وجودي قادر على الاختيار أو الانتقاء النقدي. ومعرفة الصواب من رموز الواقع وأحداثه. ومن ثم فإن للوعي القدرة على أن يستشف المستقبل وأن يحس به إحساسا غامضا أو أن يوقف به إيقافا غامضا" (محمد حجازي، صدام محنة الاسلام والتاريخ، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة 1991، ص13).
ويتميز الوعي بـ "القدرة على التقييم والتقدير، والقدرة على النقل الإيجابي في تلقائية حرة". ص16.
وهناك طبعا وعي اجتماعي ووعي تاريخي ووو. والمجال لايسع هنا لسردهما.

والمثقف "هو الذي لايقف بعلمه واطلاعه عند حد محدود". (الهلال: مايو 1934، 769-770 ).
والمثقف "هو الذي ذاق المعرفة، وأحبها، وتأثر بها، وتهيأ لها، فأصبح إنسانا بأوسع معاني الكلمة، إنسانا لايحس الغربة في أي وطن من أوطان الناس أو بيئة من بيئاتهم، ولا يجد القلق حتى يسمع الناس يتحدثون في أي ضرب من ضروب الحديث ... والرجل المثقف آخر الأمر هو الذي أخذ من العلوم والفنون بأطراف تتيح له أن يحكم على الأشياء فهما صحيحا مقاربا. والتعليم هو سبيل هذه الثقافة". (المجلة: يوليو 1957، ص4)

وأتأسف أن أقول ما أكثر الثقافة غبنا في عالمنا اليوم. وما أكثر المثقف فقرا في عالم اليوم. بل وهناك شعراء (لا يجيدون – إضافة) سوى التملق للرئيس، بل وحتى أحيانا التملق لرؤساء المنتديات والمؤسسات الثقافية حتى يكون مقربا، إنه تملق خارج عن حدود الواقع، حتى جعل البعض اليوم من رؤساءنا، كأنهم أنبياء لا يخطؤون. الثقافة يتيمة اليوم، والألقاب تُباع وتُشترى في الأسواق.

دعني أشير إلى بعض المفاهيم والشروحات الأدبية النقدية للتوضيح (إضافة)
" النقد مذاهب وتيارات، تتصل بقواعد الفكر وإتجاهاته عند كل ناقد، ومن هنا أنه خاضع للنقد كذلك، مثلما تخضع له ألوان العمل الأدبي وغيره من الأعمال ".
بهذا المعنى فالنقد كما عبر عنه ميشال عاصي "نوع من أنواع النشاط النظري في الأدب، قوامه البحث في نشاطات الانسان أية كانت، نظرية أو عملية، في الأدب أو في واقع الحياة، ابتغاء التحليل والدراسة، وبيانا لمواضع الخطأ والصواب، استنادا لوجهة نظر الناقد ومقاييسه ومفاهيمه"(ميشال عاصي: الفن والأدب، ط2، المكتب التجاري، بيروت 1970، ص 119.).
النقد عند محمد مندور فن تمييز الأساليب. (135)
وعند الناقد الكبير طه حسين: النقد "في المحيط الانساني نشاطا عقليا هدفه التمييز بين ما هو جيد وما هو رديء. وما هو جوهري وما هو تافه. وعليه فالنقد هو عملية كشف الحقيقة من الباطل، والصحيح من الخطأ، وهو تحرير العقل من قيد التقليد ومن اللامبالاة لبيان ما هو مفيد ونافع"
See: Abdelrashid Mahmoudi Taha Huusain’s Education from the Azhar to the Sorbonne, 1st ed., Curzon Press, New Baskerville 1998. pp. 76-77.

أغراض النقد هي " جميع الأنواع الأدبية وأغراضها وأشكالها واتجاهاتها بلا إستثناء. فالنقد من هذه الناحية أدب ينظر في الأدب، يحلله ويقيمه، ليبدي رأيه فيه، استنادا إلى مفهوم الناقد ومقاييسه التي لا تغفل بحال من الأحوال عن المؤثرات العامة التي تؤثر في شخصية الأديب، وبالتالي في أدبه من بيئة طبيعية، وأفكار وأنظمة في شتى الميادين، وعوامل زمنية ووراثية وعنصرية وسواها، تؤلف بمجملها كيان المجتمع وتسوده، وتفعل فعلها في الأدب ونتاجه الذي يمثله، ويمثل الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها ويبلورها ويعبر عنها ". (ميشال عاصي، الفن والأدب، ص 122-123).

ومن أغراض النقد "أدب الحكمة وأدب النقد نفسه، وأدب التاريخ، والفكر والفلسفة والعلم، وأدب المسرح والقصة، والأمثال، والأدب الوجداني، وسائر الأنواع الأخرى وأغراضها وأشكالها، ولا نغفل عن ذكر الأصول الجمالية العامة، والأصول اللغوية والبلاغية والعروضية، وكل ما يرتكز إليه بناء الأدب، وتنهض عليه شوامخه ورواتعه". (ميشال عاصي، الفن والأدب، ص 123).

هنا تطرح اشكالية أخرى نفسها وهي التفكيكية والبنيوية، أي تفكيك الارتباطات المفترضة بين اللغة وكل ما يقع خارجها. حيث لايوجد نظام خارج اللغة. على عكس البنيوية التي ترى وجود نظام خارج اللغة يبرر الإحالة إلى الحقائق أي وجود شيء يسمى الحقيقة السامية. وقد عبر مؤسس التفكيكية الفيلسوف الفرنسي دريدا بقوله: لايوجد شيء خارج النص، ومعنى ذلك رفض التاريخ الأدبي التقليدي ودراسات تقسيم العصور ورصد المصادر لأنها تبحث في مؤثرات غير لغوية وتبعد بالناقد عن عمل الاختلافات اللغوية ... فالنقاد التفكيكيون يسخرون من أن تكون للغة وظيفة عقلانية أو معرفية... فبدأوا يرصدون حركة اللغة من الخارج عن طريق رصدها في تلافيف النص أو النص الباطن مثل الرغبات الجنسية (فرويد) أو المادية الماركسية أو ما وصفه نيتشه بالنزوع إلى التسلط وإرادة القوة".
ويصور المفكر (دي مان) العلاقة بين الأدب والفلسفة بقوله: إن الأدب أصبح الموضوع الأساسي للفلسفة ونموذجا لنوع الحقائق (أوالحقيقة) التي تطمح الفلسفة لبلوغها". ويعني ذلك أن الأدب لا يزعم أنه يحيل القاريء إلى الواقع الحقيقي خارج اللغة.

كان هناك على مر التاريخ شعراء ونقاد في الوقت نفسه، لكنهم تعرضوا لكثير من النقد من قبل النقاد رغم أنهم أبدعوا في الشعر، واعتبروا من عباقرة الشعر. منهم على سبيل المثال نازك الملائكة: شاعرة وناقده، وتصورها للنقد تعرض لانتقادات عنيفة من نقاد آخرين، بسبب دفاعها المستميت عن الشعر الحر بشكل جعلت من " ذوقها الخاص دكتاتورا قاسيا يتسلط على الشعر الجديد "( ينظر : الغانمي، مئة عام من الفكر النقدي، ص171).
إن قوانين اللغة، على سبيل المثال، ليست سوى عدد لايتناهى من الجمل الفعلية والشواهد الكثيرة التي تختفي لصالح ظهور القانون. ويصح الشيء نفسه على الأوزان الشعرية والصرفية وغير ذلك. أما وحدة القانون فهي النموذج أو النمط.. (ينظر: الغانمي، مئة عام من الفكر النقدي، ص 166).

تُعَرف نازك الملائكة، النموذج بأنه "إتخاذ شيء ما وحدة ثابتة وتكرارها بدلا من تغييرها وتنويعها" (نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر، ص58، نقلا عن الغانمي ص166).
تعرضت نازك لكثير من النقد، ولاسيما وجهة نظرها "أن الشعر الحر ليس خروجا على قوانين الإذن العربية، والعروض العربية" وتقول "إن ما تقبله أذن شاعرة مدربة السمع مثلي لايمكن أن يكون فوضى لا ضابط لها، وإنما يتحكم فيه ذوق الشاعر القائم على التدريب البطيء عبر سنين طويلة من قراءة شعرنا القديم والحديث" (نازك، قضايا الشعر المعاصر، ص 27، نقلا عن الغانمي ص 170).

النقد الموجه لنازك كان من الدكتور محمد النويهي " أن نازك تعتبر نفسها معيارا ونموذجا كليا شاملا، وتساءل "لماذا تريد الناقدة أن تجعل من أذنها قانونا عاما يجب أن تخضع لها جميع الآذان ... وأن نازك غير مدركة إلى أي مدى تريد أن تجعل من ذوقها الخاص دكتاتورا قاسيا يتسلط على الشعر الجديد" (محمد النويهي: قضية الشعر الجديد، ص258 و264، نقلا عن الغانمي ص170-171). إن مفهوم الأذن كما طرحته نازك الملائكة أمام طريقين بهذا الصدد "الأول، مفهوم فردي أو ذاتي مطلق، والثاني أنه مفهوم جمعي مطلق". (الغانمي ص171). فما بالك بالشاعر حسن الخرساني، (مع اعترافي أنه شاعر جميل) (إضافة). لا أرى داعيا للتعليق، لقناعتي أن الموضوع أصبح واضحا.

ظهر صراع أيضا بين ناقدين كبيرين بهذا الخصوص، ميخائيل نعيمة الذي كان شاعرا أيضا، اعتبر غاية اللغة في الأدب، فانتقده طه حسين نقدا عنيفا معتبرا أن ذلك الرأي يضعف اللغة العربية ويجعلها تحت رحمة الشعر والشاعر. ولذلك اعتبر غاية الأدب في اللغة، لأنه لايمكن كتابة الأدب بدون لغة، ويجب أن تكون لغة سليمة، وأكد أيضا على اللغة الفصحى، رافضا شعر اللغة العامية أو الدارجة .

طبيعي هناك شعراء كبار كانوا نقادا في نفس الوقت مثل عباس محمود العقاد من مدرسة الديوان المعروف بالمدرسة الأنكليزية، الذي تعرض لنقد المدرسة الفرنسية وعلى رأسهم المؤرخ الأدبي والناقد طه حسين والأديب المصري محمد هيكل. ويوجد اليوم شعراء ونقاد في نفس الوقت منهم على سبيل المثال الناقد الفلسطيني فاروق مواسي.

ولنا مثال آخر في المفكر الفرنسي الناقد فولتير الذي انتقد كثيرا من الأدباء الفرنسيين لتقديسهم اللغات القديمة، واستخدامهم التعبيرات المعقدة والقديمة، كما انتقدهم لجعلهم التراث "صنما يُعبَد". وقال " إن الأفكار الثابتة لدى البشر قائمة في الكثرة على الحماقة والجهالة واتباع الغوغاء" (فولتير: خمس قصص فلسفية، باللغة السويدية، ص11).

وأخيرا أشير إلى أن طه حسين كان يلتقي مع فولتير، رغم أنه من أنصار اللغة، في نقده التقليديين العرب لانهم اعتبروا التراث العربي القديم مقدسا. يقول" أريد ألاّ نقبل شيئا مما قاله القدماء في الأدب وتاريخه إلاّ بعد بحث وتثبيت إن لم ينتهيا إلى اليقين، فقد ينتهيان إلى الرجحان" (طه حسين، القديم والجديد، في حديث الأربعاء، ج3، ص10-11) للوصول إلى القناعة بصحته أو عدم صحته.
لاينكر أحد مركز أبي الطيب المتنبىْ في الشعر العربي الفصيح، فقد قال عنه شاعر المعرة أبو العلاء "معجزة أحمد". كان شاعرا فذا وكبيرا، لكنه لم يكن ناقدا. قال عن نفسه متباهيا:
الخـيل واللـيل والبيـداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم

هذا البيت قاده إلى الهلاك.
كيف؟
قال المتنبىء في قصيدة هجاء موجه للوالي الأسود (كافور)، هذا البيت"
لا تشتري العبد إلاّ والعصا معه
إنّ العـبيد لأنـجاس مناكـيد

قرر كافور أن يقتل المتنبىء، فبعث بمجوعة من رجاله لقتله. إلتقوا بالمتنبىء في طريقه إلى بلد آخر، ولاحظ الشاعر أنه من غير الممكن أن يقاوم المقاتلين، فهرب.
ناداه أحد المقاتلين: يا أبا الطيب ألست القائل:
الخـيل واللـيل والبيـداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم

قال بلى، قتلتني قاتلك الله. رجع وقاوم حتى قُتل.
أسرد هذا المثل لأقول أن الكلمة مسؤولية لكل شاعر، وأن عملاق الشعراء لم يكن ناقدا. كما أنه لم يكن واعيا بدينه الإسلام، كفر بالدين وادعى بالنبوة، لكنه كان من كبار مثقفي عصره.

وختاما أحيي زميلي الشاعر الخرساني في شعره وأدبه وأخلاقه.



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفاوت القيم الثقافية الوطنية وآليات العقل الأوربي المؤثرة في ...
- هل نقرأ بوعي تاريخ الأدب العربي؟ قراءة نقدية
- حوار مع الناقد والإعلامي الفلسطيني نبيل عودة في بحثه -حتى يج ...
- أسمع محمود درويش يهمس في أذني
- استراتيجية حركات المجتمع المدني في العراق ودورها في البناء و ...
- حب كبير في عينيك
- تفكير في زمن النسيان – لقاء مع الفقيد الكاتب ناجي عقراوي
- زواج المسيار الإسرائيلي التركي وعدائهما للعراق والكرد بمبارك ...
- الخطوط التي تحكم التركيبة التركية في هويتها الثقافية المتباي ...
- لم تبق لي منها إلاّ الذكريات
- نحو مجتمع مدني ديمقراطي لكل العراقيين القسم الثاني
- حال الدنيا وعذابات الناس في فلسطين
- القدس في القلب
- اشكالية التنظيمات السياسية بين الأسلمة والعلمنة في دائرة الع ...
- حبي لبغداد
- لماذا الخوف من الوعي الاجتماعي في العراق عامة وكردستان العرا ...
- اشكالية قانون تقييد الرأي وطموحات تركيا في عضوية الإتحاد الأ ...
- ماذا يمكننا، نحن العراقيين، أن نستفيد من التجربة الديمقراطية ...
- في الذاكرة - خيارات السياسة الأمريكية تجاه القضية الكردية في ...
- حقوق المرأة والطفولة المعذبة واشكالية الثقافة والبؤس الاجتما ...


المزيد.....




- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- ”أحـــداث شيقـــة وممتعـــة” متـــابعـــة مسلسل المؤسس عثمان ...
- الشمبانزي يطور مثل البشر ثقافة تراكمية تنتقل عبر الأجيال


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد يونس خالد - هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟ قراءة نقدية في حوار مع الشاعر حسن الخرساني