البصرة بين الإقليم والجيب العميل

جودت شاكر محمود
()

الحوار المتمدن-العدد: 2465 - 2008 / 11 / 14 - 08:20
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
    

لم تكن دعوة النائب وائل عبداللطيف الأولى من أجل جعل البصرة إقليما شيء جديد، ففي بداية الحكم الوطني وفي العشرينات القرن الماضي دعا (النقيب) إلى تأسيس إمارة في البصرة على ضوء الإمارات العربية الناشئة في الخليج العربي، لكن هذا الطلب تم مواجهته من قبل ثلاث عوائل تسكن المحافظة، ورفعوا الأمر إلى الاحتلال وبمساندة أحدى دول الجوار الغير عربية تم إفشال هذا المحاولة بالرغم من إن هذه الأسر لم تكن من أصول عربية وعراقية وهي معروفة من قبل البصريين السابقين وليس من يسيطر على البصرة الآن ويتحكم بها فهؤلاء لا يعرفوا من تاريخ البصرة شيء، حيث إن من يحكم الآن البصرة ليس أهلها أنما من جاء لها من مناطق أخرى عراقية وغير عراقية. فهناك (أربعة) من أعضاء مجلس المحافظة البالغ عددهم(42) عضوا هم من أصول بصرية في حين إن الباقين ليس من أهالي البصرة أو من عوائلها إنما هم نازحين من مناطق أخرى.
واليوم تتكرر المحاولة ولكنها بضاعة كويتية أول الأمر حملها المدعو(أبو طه) حينما أقام وجبة غذاء لما يقارب الألف شخصية بصرية ليعرض تلك البضاعة المسمومة، وهو القومي العربي البعثي السوري والذي بعد احتلال العراق لم تعد العمالة لسوريا تعطي ثمارها فأنقلب لدولة أخرى. واليوم وبتشجيع من تلك العوائل التي رفض أجدادها هذا الأمر سابقا، وبدفع من دولة أخرى وهي إيران وعبر تنظيماتها الحزبية والمليشياوية والتي تنتمي أغلب هذه العوائل إليها، ولكن لا ندري ما هي المستجدات التي طرأت لكي تتغير الموازين حيث من دعا سابقا إلى جعل البصرة إمارة يرفض الأمر، في حين إن من رفض تلك الدعوة، هو الآن يدعو وينسق مع أطراف غير عراقية لتحقيق ذلك الطلب ويسعى إلى تنفيذه. حقيقة هذه من المفارقات التي تبكي وتضحك في ذات الوقت.
وبالرغم من اختلاف وتعدد الدعوات والتي أسميها (بالدعوات الانفصالية) فان من يدعون لها يمكن لنا تصنيفهم في ضوء توجهين: فهناك من يسعى إلى هذا الأمر وهو مدعوم من قبل إيران وهؤلاء معرفون فهم يمهدون لإنشاء جسر للعبور نحو الخليج العربي، وهذا الأمر تقوم به ذات العوائل التي رفضته أقامة أمارة البصرة سابقا، في حين هناك الطرف الآخر والذي يتم دعمهم من قبل الكويت والهدف أنشاء منطقة عازلة لها خوفا من عودة عراق قوي مقتدر، وهي دعوى لإنشاء جيب عميل خاضع لحكومة الكويت ومنفذا لأجندتها في تجزئة العراق وتفكيك الروابط بين أبناء الشعب العراقي، وفي ذات الوقت هناك من يلعب على الطرفين في تنفيذ مآربه للوصول إلى دفة الحكم أو من أجل بقاء الامتيازات التي حصل عليها في غفلة من أهالي البصرة.
لذا فأننا لم نفاجئ بدعوى النائب وائل عبداللطيف وسعيه الحثيث لتحقيق هذا الأمر وخاصة وهو يدعي بأنه من المتضررين من الحكم وهو سجين سياسي، في حين أقول وأكرر القول بأن الحكم السابق لم يطلق سراح أي سياسي أو يشك بكونه ذو توجه سياسي. وكل أهالي البصرة يعلمون لماذا سجن وائل عبداللطيف ؟ (وليس كما يعلن هو من أنه سجن بسبب إصداره لحكم على أحد أبناء المسئولين في النظام السابق، في حين غاب عن تفكيره بأن أبناء المسئولين يتم تصفية قضاياهم قبل وصولهم إلى المحكمة حيت يتم تلافي تلك القضايا في مراكز الشرطة وليس أمام القضاء)، وكم سنة سجن ؟ ومن كان معه في السجن ؟ ونحن لا نريد كشف المستور أو المخفي وأهالي البصرة على علم تام بذلك وخاصة من كان يعمل في سلك القضاء أو له علاقة به، أو ........؟ . علما بأن المدعو يسكن القرنة منطقة (الشرش). وكأن الأَولى والأجدر بالنائب وائل عبداللطيف بدلا من المطالبة بجعل البصرة إقليما فدراليا،أن يطالب بجعل قضاء القرنة وما يجاوره من أقضية ونواحي محافظة قائمة بذاتها بدلا من جعلها أقضية ونواحي تابعة للبصرة من اجل نقلها من حالة البؤس والتخلف التي تعيشها وكأنها مدينة من القرون المنقرضة إلى مصافي التطور والحضارة التي يتشدق بها هذا النائب ومن جاء به من المحتلين والعملاء. إن الحالة التي تعيشها هذه المدينة ومنذ بداية سبعينات القرن الماضي عندما كان لي شرف العمل فيها وفي الكثير من مناطقها وخاصة البعيدة والنائية منها، وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاما لم أشاهد أي تطور حضاري أو عمراني على تلك المنطقة، والسبب هو الإهمال المتعمد أو الغير متعمد.
إن محافظة البصرة ذات مساحة كبيرة تمتد من (رأس البيشة) في جنوب الفاو مرورا بقضاء أبي الخصيب حتى تصل إلى شمال ناحية الثغر. علما بأن (ناحية العزير) التابعة الآن لمحافظة (ميسان) كانت تابعة لمحافظة البصرة ومحافظة البصرة تمتد وتنحصر بين الحدود الإيرانية والكويتية والسعودية. ومجمل مساحة محافظة البصرة تبلغ (19070) كيلو متر مربع. وفي حين فان مساحة القرنة وتوابعها(3601) كيلو متر مربع وهي: القرنة ومعها ناحية الثغر والسويب(1248) كيلو متر مربع، ومساحة ناحية الدير(825) كيلو متر مربع والنشوة(539) كيلو متر مربع، وقضاء المدينة(269)كيلو متر مربع، وناحية الهوير(503) كيلو متر مربع، وناحية طلحة (وهي بني منصور) فمساحتها(217) كيلو متر مربع. ومع إضافة ناحية العزير والتي كانت تابعة إلى محافظة البصرة قبل دمجها إلى محافظة ميسان وهي اقرب إلى ناحية الثغر منها إلى قلعة صالح التابعة إلى محافظة ميسان إلى جانب من يسكن هذه المناطق هم العشائر ذاتها، والتي تبلغ مساحتها(1161) كيلو متر مربع، وبذلك تبلغ المساحة الإجمالية(4762) كيلو متر مربع وبذلك فأنها تكون أكبر من محافظة بغداد البالغة(4555)كيلو متر مربع. وهي بذلك تتقارب مع كل من المحافظات التالية وهي: بابل(5119) كيلو متر مربع، وكربلاء(5034) كيلو متر مربع، ودهوك(6553). في حين إن هذه المنطقة ذات كثافة سكانية كبيرة قد تبلغ أو تقل أو تتجاوز المليون شخص، إلى جانب وجود الكثير من الثروات الطبيعية التي تزخر بها في حين تفتقر لها باقي أنحاء العراق.
وهذه المنطقة تسكنها قبائل عربية تتميز بطيبتها ودماثة أخلاقها وسلوكيتها العشائرية الفريدة والجميلة من أكرام الضيف والنخوة وحبها للعراق، إلى جانب تمتعها بالهدوء والالتزام بالقوانين وعدم حبها ورغبتها بإثارة الاضطراب والمشكلات بعكس ما تتميز به بعض سكانها ممن يطلق عليهم بـ(المعدان).
القرنة وتوابعها من أقضية ونواحي تعيش ومنذُ النظام السابق في القرن الثامن عشر وليس القرن التاسع عشر فكيف الآن وفي هذه الظروف التي يمر بها الوطن. حيث لا توجد فيها بناية واحدة تتكون من ثلاثة طوابق ولا توجد أي من المؤسسات التجارية والحضارية وتفتقر للمؤسسات الصحية والخدمية والشوارع المبلطة والمتنزهات والحدائق وكل ما هو جوهري ولا تزال الكثير من مدارسها تبنى من القصب والبواري.لا يوجد بها أي مصنع أو معمل من الممكن أن يكون أساسا لنهضتها المستقبلية فقد غاب عنها العمران والتطور الحضاري من عقود طويلة. ولا يزال يشرب سكانها من نهر الفرات أو نهر دجلة، أو ما تجود به الدولة من إرسال سيارات الماء الحوضية. علما بأن أرضها تحتضن الكثير من الموارد والثروات الطبيعية. وحيث إن أغلب ما يوجد في محافظة البصرة من موارد نفطية إلى جانب الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية هي ضمن أراضيها. ففيها حقول (غرب القرنة) الكبيرة و(حقول مجنون) العملاقة، إلى جانب وجود مناطق أخرى فيها الكثير من موارد البترول وخاصة ما تم لي مشاهدته في منطقة (نهر العز) وشمال ناحية الهوير حيث إن البترول يغطي الكثير من الأراضي التي أنحدر عنها الماء مما أدى إلى تكون بحيرات صغيرة من المادة السوداء التي تغطي التربة هناك. ولكن من يعيش على أرضها لا يجد قوت يومه ولا ما يعالج به الأمراض التي تفتك به وبإفراد أسرته، حيث كان من الممكن أن تكون بها معاهد وجامعات ولكن مدارسها تفتقر إلى ابسط المتطلبات الضرورية لكي نطلق عليها تسمية مدرسة.
ألا كان من أولى مهام هؤلاء والذين يدعون إلى إقليم في البصرة. وخاصة المدعو وائل عبد اللطيف وهو ابن تلك المنطقة والواجب الوطني والأخلاقي يفرض عليه المطالبة بذلك ولكن الأجندات التي تفرض عليه وعلى أمثاله ليس فيها شيء من الأخلاق والوطنية وفاقد الشيء لا يعطيه. وهم لا يعنيهم ما يتعرض له إنسان تلك المناطق بقدر ما يهم السلطة وتنفيذ أجندات سادتهم لكونهم لا يزالون يعيشون حالة العبيد أو الأقنان الذين لا يسعهم الخروج عن سيطرة أسيادهم وأولياء نعمتهم.
كان من الأولى به أن يطالب بجعل القرنة ومن شمال ناحية الهارثة والى ناحية العزير محافظة من اجل إنقاذ هؤلاء الناس الذين يقطنون هذه المنطقة وخاصة وهو من سكان هذه المنطقة حيث أنه يسكن منطقة الشرشر في قضاء القرنة.
ولكن أسياده ومن يمده بالأموال لم ولن يسمح له بذلك فهو ينفذ أجندة هؤلاء ومن هم خارج الحدود، والذين يخافون ويعيشون عقدة العراق القوي المقتدر، أنهم يخافون أن يكون العراق عراقا موحدا متطورا ويكون إنسانه ممسكا بناصية العلم والحضارة يعيش ببحبوحة من الخير والسعادة والأمن، لأن وجود هؤلاء يتعلق بتجزئة العراق لا بتطوره وتقدمه. فهم يريدون أن تكون هناك منطقة معزولة فاصلة بينهم وبين حكومة العراق المركزية الضعيفة التي لا تقوى على إدارة نفسها و المحافظة علي كيانها، فكيف على أجزاء العراق الأخرى. لذا فقد كان وائل عبد اللطيف هو البديل عن (أبو طه) في حمل تلك الرسالة لكونه يتميز بالكثير من المواصفات والتي لا يمكن أن تكون لدى العميل السابق وخاصة منصبه البرلماني.
لذا فأني أتوجه بكلمتي هذه إلى العشائر العربية التي تسكن هذه المنطقة ومنهم (الإمارة والسعد وبني مالك وبني منصور والحلاف والكثير الكثير غيرهم) إلى أبناءها الذين عهدي بهم وبقدرتهم ووطنيتهم للوقوف بوجه هؤلاء ومن يدعمهم والمطالبة بإفشال أحلامهم وأحلام أسيادهم، والمطالبة بجعل القرنة ومن منطقة شمال الهارثة وحتى جنوب قضاء قلعة صالح محافظة جديدة من اجل نقل هذه المنطقة من التخلف والفقر وانتشار الأمراض إلى مصاف المدن المتقدمة وإنقاذ أبناءها من العوز والحاجة والتشرد والبطالة والعمل في مهن وأعمال لا يرتضيها الإنسان لنفسه. والى مستقبل أفضل يا أبناء العراق الطيبين.

#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات