|
الأوبامية وهزيمة ثقافة
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2458 - 2008 / 11 / 7 - 09:35
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
يجسد انتخاب "المسلم المرتد" والسناتور أو الشيخ باراك حسين أوباما، وبوجه آخر، تأكيداً قوياً لحركة التاريخ السائرة بقوة نحو الحق والمطلق وإلى مزيد من الفرض الممنهج لمضامينها الأخلاقية الكبرى، وانتصار لقيمها الإنسانية السامية العظيمة على ما سواها من قيم هزيلة ومهزوزة حاولت أن تفرض نفسها في غفلة من الزمن، وفي لحظات ضعف وجشع ومرض إنساني فظيع. ويمثل هذا الانتخاب، قطعاً نهائياً، وحداً فاصلاً، مع الحقب العنصرية والهمجية البربرية التي سادت في عصور الانحطاط والخزي والعار التي لا تزال تدغدغ خيالات البعض في غير مكان من العالم. وسيصبح أوباما والأوبامية Obamaism، علامة فارقة في التاريخ البشري، ومعنى للانتصار النهائي للقيم الإنسانية العظيمة والنبيلة التي كادت أن تختفي يوماً ما وتذوب وسط ضجيج وزعيق وصخب القوميين والفاشيين والنازيين.( أصبح بعض الأمريكيين يؤرخون بـ B.B أي Before Barak، بدلاً عن B.C، الرائجة والتي تعني قبل المسيح Before Christ).
وأهمية انتخاب أوباما تتأتى، وبالدرجة الأولى، من أنه أطاح تماماً بثقافة عنصرية كاملة حاولت أن تفرض ذاتها، وتحافظ على بقائها عبر سبل شتى من ممارسة إرهاب الدولة المنظم، والمجازر والإبادة الجماعية، وتهميش طبقي وسياسي لمكونات بشرية كاملة بناء على نزعات فاشية ونازية وعنصرية حاقدة، إلى سن قوانين وضعت السود والمهاجرين، في يوم ما، في موضع إنساني غير لائق على الإطلاق. وهناك من لا زال يذكر في التاريخ الأمريكي القريب، تلك العبارات العنصرية المخجلة التي كانت ترفع علناً في الأماكن العامة من مثل: "ممنوع إدخال كلاب وزنوج"، أو "ممنوع صعود السود" إلى الحافلات العامة، وطوابير خاصة تفصلهم عن أقرانهم وموطنيهم البيض، ناهيكم عن منظومة قوانين عنصؤية بالجملة فيما يتعلق بالأحوال المدنية والشخصية. ( هذه العنصرية، وبكل أسف، لا تزل ممارسة في مطارات بعض الدول العربية حيث هناك طوابير خاصة لمواطنين بعينهم وطوابير خاصة لبقية مواطني الدول العربية والآسيويين وغيرهم، كذلك الأمر فيما يتعلق بالزواج والأحوال المدنية ووضع المرأة ومنح الجنسية لأطفالها أو للمهاجرين والمقيمين، ما يعني أن ثقافتنا راسخة وثابتة/ ولم تهزم بعد، وألف حمد وشكر لله، وكله طبعاً بتوفيق من عند الله).
وكانت تلك الثقافة "البيضاء" تقوم على نزعة التفرد والتفوق العنصري للرجل الأبيض على ما سواه من الأعراق والألوان، وبالتالي أحقيته المطلقة والأبدية، في قيادة المجتمع، وفرض رؤاه، ونمط حياته على بقية خلق الله. ونشأت لذلك أحزاب ومؤسسات ومنظمات وجماعات وعصابات مسلحة، لضمان فرض تلك الرؤية البدائية، غير الإنسانية والمحافظة عليها ما أمكن.
ففي عالم اليوم وثقافته الإنسانية العولمية المفتوحة، المتحررة من أوهام الماضي "التليد"، لا يقف العرق أو اللون أو الأصل حتى لو كان لابن كيني و"راع للمعز" كما صرح أو "تفاخر" أوباما في خطاب تاريخي تحدث فيه عن قصة حياته، حائلاً، بينه وبين شغل المنصب رقم واحد، أو زعيم العالم. ولم يعد عيباً أن يترشح أي إنسان لشغل أية وظيفة عامة يجب ألا تبقى، من حيث البمبدأ، حكراً على لون، أو سلالة، أو طائفة، أو عرق، أو عائلة، أو دين. فأصل الشيخ "بركة حسين أوباما" ( هذه هي الترجمة الحرفية لاسمه)، المنحدر من أب مسلم لم يمنع حسب ثقافة اليوم الإنسانية العولمية التي تفرض نفسها بقوة، وتطيح ديناميكيتها، بثقافات هشة ومتقادمة أكل الدهر عليها وشرب، المسلم المرتد بركة حسين من أن يكون رئيساً لأمة كبيرة ومتنوعة وتمثل خليطاً عجيباً غريباً من الأديان والأعراق يشكل البروتستانت ذاك المذهب المسيحي المتشدد غالبيتهم العظمى. كما أن الديانة ليست ميزة، وريشة لأحد يضعها فوق رأسه ويمارس ثقافة العنصرية والاستعلاء بها ضد الآخرين. فمبادئ العدالة والأخوة والمساواة هي التي تتقدم، وتنتصر في عالم اليوم، ولا مكان لتلك الثقافات العنصرية المجرمة التي أورثت الدماء والحروب والخراب.( لا يزال العروبيون والقوميون الفاشيون والسلفيون المتشددون، يصرون على إنشاء دولة "الأمة" ذات العرق والدين الواحد، ومن دون النظر لكل تلك المتغيرات الإيديولوجية الكبرى التي تجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأستفغر الله لي ولهم على كل حال).
المبدأ الأخلاقي العام يقتضي بأن إنسانية الإنسانية هي الأسمى والأعلى وهي المعيار، والناس متشابهون وأخوة في كل مكان، وبغض النظر عن اللون والعرق والأصل والفصل والطائفة والمذهب التي تشغل بال كثيرين في هذه الأيام، وتنبني عليها حركات، ومنظمات، ومعارضات، وثقافات كاملة لا تزال تضع تلك المعايير البالية والمتهالكة في المقدمة، وهي المعيار، في نظرتها للحياة والأوطان. فالإنسان، الأبيض، والأسود، والأصفر، والأحمر، هو في النهاية الإنسان، من لحم ودم وروح وأعصاب، في كل مكان. وهو نفس الإنسان الذي يكابد ويحب ويتألم ويحلم ويصبر ويغضب ويحبط، ويواجه مصير نفس أي إنسان آخر، ففي الموت يتوحد الجميع بلا استثناء، وتسقط وتنتهي لا بل تتساوى، تحت التراب وفي تلك الظلمة والرطوبة والعتمة الوحشاء، جميع الفوارق، والتمايزات، والطبقات، والديانات كما الأعراق.
والذكاء، والموهبة، والعبقرية، والطموح والإبداع، والفن والموسيقى، وتذوق الجمال ليس حكراً على ناس دون ناس، ولا على طبقة دون غيرها، وليست سمة لملة دون غيرها. ولقد أظهر المسلم المرتد "بركة حسين"، ملكات ومواهب خطابية بارعة، وذكاءً خارقاً في إدارة المناظرات والخطب والحوارات كانت السبب الرئيس وراء فوزه الساحق، وظهر أمامه، وأمامها، سليل العرق الأبيض مكين هزيلاً متهافتاً متأتئاً، ومفأفئاً، معنعناً، ولا يقوى على الكلام.
انهيار الإيديولوجيات، واندحار ثقافات، وهزيمة معتقدات، وأفول أفكار، واندثار عقول، وانكشاف أوهام، هي أهم ما يميز عالمنا الراهن. ومن هنا، فقط، ننظر إلى رمزية فوز أوباما الساحق والكاسح على تلك الثقافات والإيديولوجيات المتآكلة، ومن دون أية حماسية سياسية مفرطة، ففي الطريق الكثير من المفاجآت، التي قد لا تخطر على بال.
فوز أوباما، بالمحصلة، يمثل سقوط ثقافة وصعود أخرى. والأوبامية، Obamaism، هي اليوم مذهب إنساني جديد بالدرجة الأولى، وغير سياسي، أسس له، في قلب أمريكا سيدة العالم اليوم، مجرد مهاجر "أسود"، يتيم، وابن لمهاجر وراعي ماعز كيني فقير كان قد تزوج امرأة بيضاء من كنساس. مذهب يلوح من بين ركام المذاهب السياسية والدينية والإيديولوجية الماضية المليئة بالكوارث والآلام. وسيظل هذا "المذهب"، ولوقت طويل، شاهداً على انتصار القيم الإنسانية العظيمة، على غيرها من القيم القومية والفاشية الدينية والنازية والتمييز العنصري، التي باتت تلملم أشلاءها لتودع عصرنا، وغير مأسوف عليها، إلى حتفها الأخير.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكمة إعلان دمشق: محاكمة لمرحلة
-
القرضاوي: وباطنية شيوخ الإسلام
-
سحقاً لهمجية الأمريكان
-
وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي
-
القرضاوي:هل هو خوف من تشيع ديني أم سياسي؟
-
نهاية فوكوياما
-
من هي الدول الفاشلة؟
-
حول طائفية إعلان دمشق
-
العنصرية وعرب الخليج الفارسي
-
عبد الرزاق عيد: ويل للعقلانيين!!!
-
عار السعودية الأبدي
-
سحقاً للقتلة والجبناء
-
القرضاوي وهشاشة الفكر الديني
-
السّعُوديّة أولاً!!!
-
حروب الشيوخ الكارتونية
-
لا لأي تدخل سوري في لبنان
-
عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجاً
-
تصريحات جنبلاط وإعلان دمشق للتغيير الديمغرافي
-
لماذا صوم رمضان فقط؟
-
مهند ونور، وهشام وسوزان
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|