|
-تسونامي-... ومكانتها القصصية.
السعدية باحدة
الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 04:27
المحور:
الادب والفن
"تسونامي"هي الكتاب السادس بعد:هواجس امرأة،شيء من الوجل،مظلة في قبر ،وروايتي:رجال وكلاب،ورقصة العنكبوت.
بهذا الكم الزاخر من الإنتاجات الإبداعية،استحق الكاتب مصطفى لغتيري،مجموعة من الجوائز منها:جائزة النعمان الأدبية من لبنان،وجائزة ثقافة بلا حدود من سوريا في القصة القصيرة جدا،وتنويه جائزة دار الحرف من المغرب في الرواية.
مصطفى لغتيري أضحى من الكتاب المغاربة المعروفين بتميزهم وجديتهم وحضورهم في الحقل الثقافي.
(ما هي القصة القصيرة جدا؟)إنه السؤال البديهي الذي ما زال يروج بين أوساط الأدباء والقراء على السواء،ويفرض نفسه بإلحاح،فقد تساءل الكثيرون عن ماهيتها/عن أركانها/عن تقنياتها/ عن خصائصها /عن تاريخها.وعرفت تسميتها تضاربات كثيرة ،حيث أورد القاص والناقد السوري "أحمد جاسم الحسين"أكثر من سبعة عشر مصطلحا كتسميات للقصة القصيرة جدا،منها على سبيل المثال:القصة اللقطة /القصة المكثفة/ القصة الموضة/البرقية/القصة الشعرية/الحالة القصصية/القصة الخبر...وقد دعا د.جميل الحمداوي إلى تسميتها بقصص "المنيمالية" لأنه يرى أنها التسمية المناسبة.و أسماها الناقد المغربي محمد صوف ب"الومضة"...
كما عرفت تسميتها عدة تضاربات ،عرفت أيضا أركانها وتقنياتها وخصائصها تضاربات كثيرة،وما أجمع عليه النقاد هو أن القصة القصيرة جدا ،فن شامل ،قد يجمع بين الفنون جميعا من تشكيل وموسيقى وشعر ونكتة وحكي.إضافة إلى تقنية الاقتصاد في اللغة.وهي تستمد خصائصها من القصر والإيجاز والإضمار والإيحاء والتناص،وتعتمد الترميز والاختزال والتكثيف والقصر.وهذه التقنيات هي ما يجعل القصة القصيرة جدا جنس/فن يدخل غمار(السهل الممتنع).وتبقى هذه التجربة القصصية الجديدة تفتقر إلى آليات نقدية تواكبها.
لقد خاض الأدباء المغاربة هذه التجربة بنجاح وحققوا الريادة والتفوق في جنس القصة القصيرة جدا ،فإذا كان حسن برطال القاص الذي أجاد وأثقن هذا الفن ،سماه محمد مفتوح :قيدوم القصة القصيرة جدا،وإذا كان عبد الله المتقي الذي راود القصة القصيرة جدا عن نفسها،ففتنها وفتنته ،وغزاها بسيف لا يخطئ حبة القلب،قد سماه مصطفى لغتيري :فارس القصة القصيرة جدا،فإنه يطيب لي أن أرشح الأديب مصطفي لغتيري الذي لا يقل عنهما جدارة بأن نسميه :امبراطور القصة القصيرة جدا.
لكل كاتب سمة تميزه،وما ينماز به مصطفى لغتيري كما يقول د.جميل الحمداوي،أنه كاتب مثقف ،وأن نصوصه تبحر بالقارئ عبر ثقاقات عالمية ،وتحيله إلى علوم إنسانية وفلسفية وأدبية وعلم نفسية،فلا يكاد يخلو نص من نصوصه من استحضار شخصية ذات إشعاع ثقافي،أوحدث تاريخي أو مأثورحضاري،يسبكه بحنكة ودراية،فيأتي النص ذو بعد فيزيقي يتداخل فيه الوهم بالحقيقة عن طريق المفارقات التي يعج بها الواقع ليقف عند منطق الخلل الذي يستوطن الذات الإنسانية،فحين نتأمل هذا الإبداع يأسرنا،فتتلاشى الفواصل بيننا وبينه،ويصبح كأنه ترجمة لمكنوناتنا الدفينة.فالقصص عند مصطفى لغتيري تأخذ شرعيتها من الواقع المعيش مراعية وحدة الانطباع وقوة الأثر، وهي تخترق الحاضر زمانا ومكانا،وتمتد إلى ثقافات ومرجعيات إنسانية(وتستقي من المكثف تعبيريا الممتد دلاليا) وخير دليل قصة "تناص"ص 19 حيث يحضر التناص من خلال العنوان عن وعي ودراية ،وتوظيف أسماء وأماكن وتواريخ دالة مما يؤكد حضور السارد المثقف بقوة من خلال طرحه المبطن لحوار الثقافات وتمازجها واستفادة بعضها من البعض .وقصة "الآخر"ص30 هي بؤرة التقاء الواقع بالتاريخ في قالب سخري لاذع يكشف من خلاله زيف الحقائق..والفكرة المستوحاة من هذه السخرية المبطنة لهذا النظام الجديد،الذي جعل الانسان كائنا مستنسخا بدون روح،ولا كرامة،أصبح نتاجا للنظام الرأسمالي ،عبدا للآلة،بدون أخلاق مغتربا عن نفسه وعن عالمه.فالقصة تصور الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية ،وصراعها مع الواقع المتردي..
إن نصوص لغتيري لا تحفل بالأسماء والشخصيات احتفالها بالأحداث، كما قال الناقد التونسي عبد الدائم السلامي،فمثلا قصة "غزو"ص35 تبتدئ بدون مقدمات،بدون وصف، ولا اسم للشخصية ،وبدون تقديم للزمان ولا المكان ولا الحالة تقول:( من أجل أن يغزو قلب امرأة،كان يكفيه حذاء لامع وأظافر نظيفة جدا.
بعد مدة ،حاول المغادرة،فاكتشف أن حذاءه فقد لمعانه ،وأظافره أضحت منفرة .
حينذاك قرر صاغرا أن يمكث هناك إلى الأبد.)
تحديد الزمن هنا ليس مرهونا بالتوقيت،وإنما بالمدة التي لا يعرف لها قياس.("بعد مدة"ريثما سيحاول المغادرة سيكتشف أن حذاءه فقد لمعانه وأن أظافره أصبحت منفرة)إذن فقراءة هذا النص تختلف باختلاف التأويلات ،يقول البعض إن الشباب والصحة النفسية والجسدية عنوانها أظافر اليد،وأن الثروة والجاه ، عنوانهما الأناقة والمنظر الجذاب ،وتظهر من خلال المواظبة المستمرة على تلميع الحذاء.والمفارقة واضحة في هذا النص ،بحيث أن الشخصية المذكر النكرة قد غزا قلب امرأة بإرادة ورغبة وبعد مدة انقلبت الأحوال المادية والصحية ،أراد أن يجرب سياسة الهروب ،لكن ظروفه لم تعد تسعفه لغزوات أخرى ف(قرر صاغرا أن يمكث هناك إلى الأبد) بدون رغبة، وهذا تصوير حي للشخصية الواقعية.
كما في الواقع ،فإن المفارقات التي تنبني على الزيف تقلب المعادلات وتربك الحسابات ،وتخترق المعهود والمألوف لتصبح الحقائق مجرد لعبة في يد القدر،ففي قصة"قوس قزح"ص54 المعروف أن الطبيعة هي التي تتغير ،وأن نفسية الإنسان تتغير بتغير الطبيعة، لكن المفارقة هنا ،أن الطبيعة هي التي تغيرت لتأثرها بمنظر الصبية)فرحت الطبيعة لمنظر الصبية فأهدتها قوس قزح)هذا ظاهر النص،أما باطنه،فبقراءة بسيطة لدلالة الألوان نكتشف أن: الأصفر هو لون الخوف/الفزع/الجوع/المرض...والأحمر الزاهي،هو لون الدم/الاغتصاب/القتل..ورنو العينين نحو المدى البعيد يعني(الموت)..وارتعش الكون: من هول الصدمة ،لكن سرعان ما خفق قلبه فرحا لاحتضانه روحا بريئة لم تجد لها مكانا على الأرض..هنا اختلطت المأساة بالفرح،واندغما حتى صارا وجهين يؤسسان لبنة النص الحكائي الذي يخرق أفق انتظار القارئ بهذا المشهد الخارق ذو البعد الفيزيقي،الذي عكس الصورة،فبدل تماهي النفس البشرية مع الطبيعة، تماهت الطبيعة هنا مع نفس الصبية.
فالكاتب يوظف الظواهر الطبيعية ليكشف عن خلل الذات البشرية المثقلة بالألم ،من خلال تضاريس الوجود الذين لا يورثان إلا إرثا أخلاقيا زائفا ،ولا يسن إلا قانون الصمت وغض البصر ،وخير دليل على ذلك قصة"حريق"ص53 ففي النص نلمس تعرية وتغطية في نفس الوقت،تعرية واقع مشين يتجلى في الاستغلال الجنسي للأطفال من طرف الكبار،وتغطية/إقبار الحقائق بحيث أن صاحب الفعل لم يحترق ،لم تصله النار،نار الإشاعة ونار الفضيحة،ونار العقاب ،رغم احتضانه النجمة.
إذن ف"تسونامي"هي الشفرة التي يرسلها القاص ليتلقاها قارئ ذكي سرعان ما ترتج مخيلته بدلالاتها المعرفية فتعود به مخيلته إلى التسونامي /اليوم المشهود وتحرك ذهنه بأسئلة من مثل:ما علاقة التسونامي بالقصة مادام الكتاب ليس تاريخا ولا تصويرا لكارثة حية مشهودة؟ لكن أول قراءة للمجموعة تبين أن "تسونامي" هي موجة قوية من القصص ،ثائرة هادرة ضد التناقضات، ممسكة بجنون اللحظة ،معرية الحيف والزيف، الذي ينخر جسد المجتمع،فقد أتت هذه الموجة محملة ،مدججة بأقوى العتاد من غنى في السرد، وتكثيف وتنوع في التيمات .
#السعدية_باحدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية -رجال وكلاب- لمصطفى لغتيري على سرير الطب النفسي في عيا
...
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|