|
اليوم العالمي للقضاء على الفقر: الفقراء في مواجهة الأزمة المالية العالمية
محمد السالك ولد إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22 - 08:47
المحور:
حقوق الانسان
"عندما يقبل إنسان ما بؤس أناس آخرين، فهو إنما يقبل ضمنيا التخلي عن إنسانيته". تحت هذا الشعار، خلد العالم يوم 17 أكتوبر الماضي "اليوم العالمي للقضاء على الفقر". لقد بدأت فكرة تخليد هذا اليوم في 1987 بعيدا عن الرسميات، على أيدي نشطاء في حقوق الإنسان، تجمعوا في باريس حول الأب جوزيف وريسينسكي (1917-1988)، الذي هو مؤسس منظمة دولية غير حكومية لمكافحة الفقر، معروفة جدا هي (ATD Quart Monde). بداية، أطلق عليه أولئك النشطاء اسم "اليوم العالمي لرفض البؤس" و فيما بعد، اعترفت به الأمم المتحدة رسميا في1992و سمته باليوم العالمي للقضاء على الفقر. و منذ ذلك الحين، ظل العالم أجمع يحتفل به في مثل هذا التاريخ من كل سنة. أما الأهداف الرئيسية للاحتفال بهذا اليوم فهي تتمثل في أهمية تعبئة الرأي العام و صناع القرار في القطاعين العام والخاص حول ظاهرة الفقر بوصفها انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية و لكرامته. و هو يمثل فضلا عن ذلك، فرصة للتواصل مع الآخرين لإظهار أن الفقر ليس قدرا محتوما، بل يمكن محاربته و الانتصار عليه كغيره من الشرور كما حصل مع الرق و نظام الفصل العنصري (l’apartheid). ثم، هو أخيرا، مناسبة للإشادة بضحايا الفقر والمعاناة و الجوع والجهل و المرض و العنف، و هو منبر لإعلان التضامن مع كل أولئك الذين يقومون يوميا بأشياء، مهما كانت صغيرة، لمكافحة البؤس و الفقر في جميع أنحاء العالم. و مع أن الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الفقر يتزامن هذه السنة مع استمرار الآثار الخطيرة لأزمة الغذاء و الطاقة و لكن، الأسوأ هو ظهور الأزمة المالية العالمية التي تضرب بعنف الأسواق المالية الرئيسية، مهددة بانهيار أكبرا لاقتصاديات في العالم، بما يعنيه ذلك من خطر محدق قد يقوض الالتزامات التنموية العالمية للألفية، الهادفة إلى منح المزيد من الموارد للدول الفقيرة لتمكينها من تمويل برامج التنمية المستدامة ومكافحة الآثار السلبية للتغير المناخي. حتى قبل الإعلان عن الأزمة المالية الحالية، كانت توقعات النمو العالمي تشير بالفعل إلى تباطؤ شديد، في معظم مناطق العالم، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا ومنطقة اليورو و كذا في إفريقيا، التي كان من المتوقع أن يصل معدل النمو فيها هذا العام إلى حدود 6.3 ٪، كما يؤكد ذلك "تقرير الرصد العالمي" الصادر عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إبريل الماضي. و قد حذر ذلك التقرير من أن معظم البلدان النامية ستقصر عن الوفاء بالأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، وهي مجموعة من ثمانية أهداف إنمائية اُتفق على تحقيقها عالمياً بحلول عام 2015. كما أن الآفاق المستقبلية تبدو أكثر غموضاً على صعيد الأهداف المتعلقة بتخفيض معدلات وفيات الأطفال و وفيات الولادة، مع احتمال حدوث تقصير شديد في بلوغ الأهداف المتعلقة بإتمام التعليم الابتدائي، والتغذية، وتوفير خدمات الصرف الصحي. و إذا كان التغير المناخي و ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط قد ألقت بالفعل بظلالها على آفاق التنمية العالمية في عام 2007 المنصرم، أليس من الوارد أن نتساءل الآن عن ما سيحصل للعالم من جراء تضافر تلك العوامل مجتمعة و تشابكها مع الآثار المروعة للأزمة المالية الحالية؟
لقد جاء الإنذار الأول أثناء انعقاد القمة الفرانكوفونية الثانية عشر من 17 إلى 19 أكتوبر 2008 في مدينة "كيبيك" الكندية، حيث شدد الأمين العام للأمم المتحدة على تأكيد أهمية المعونة الإنمائية لصالح الدول الفقيرة و توسل إلى البلدان المانحة بعدم الحد من تقديم المساعدات تحت تأثير الأزمة المالية الحالية. "يجب علينا أن نضمن بأن الأزمة المالية لن تقوض التزاماتنا لتخصيص المزيد من الموارد للتنمية ومكافحة التغير المناخي... في الشهر المقبل ، سينعقد المؤتمر الدولي لتمويل التنمية الذي سيمنحنا فرصة ممتازة للوفاء بوعودنا " هكذا قال السيد "بان كي مون" أمام أكثر من 2000 مشارك في مؤتمر القمة الفرانكوفونية. (ملحوظة من المحرر: المؤتمر العالمي الأول لرصد تمويل التنمية سينعقد في الفترة من 29 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2008 في الدوحة بقطر). نفس التحذير أطلقه السيد "خوسيه مانويل باروسو"، رئيس المفوضية الأوروبية، الذي حذر الدول الغنية من إغراء التراجع عن التزاماتها بذريعة صدمة الأزمة المالية الرهيبة. "يجب أن لا تصرفنا الأزمة المالية عن مسؤوليتنا، فنحن لدينا أزمة سياسية وأخلاقية بسبب آخر، و هي ربما تكون أقل إثارة، ولكنها الأكثر بشاعة وخطورة، حيث تؤثر مباشرة على بلدان العالم النامي". هكذا تحدث رئيس المفوضية الأوروبية، تلك الهيأة التي تمنح المساعدات الإنمائية في إطار اتفاقية "كوتونو" لصالح مجموعة دول إفريقيا و الكاريبي و المحيط الهادي (َِACP)، عبر آلية الصندوق الأوروبي للتنمية (FED). و إذا كان اليوم ، مليار إنسان يعانون من الجوع و مليار إنسان يعانون من عدم توفر الماء الشروب و 2.6 مليار إنسان يعانون من عدم توفر مرافق صحية، أي أن 75٪ من سكان العالم، يعانون حاليا من عدم توفر الماء و الغذاء والمرافق الصحية الأساسية، فهل من يمكن أن نطمح حقا إلى أن عالمية حقوق الإنسان يمكن أن تتحقق من دون القضاء على الفقر عالميا؟ إن منظمة الأمم المتحدة، التي باتت تقدر احتياجات البلدان النامية بحلول عام 2030 بالمبالغ التالية: 30مليار دولار لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية و 15 مليار دولار للقضاء على المجاعة في العالم خلال سنة و 100 مليار دولار سنويا لتمويل أنشطة التخفيف من آثار التغير المناخي و 28 إلى 67 مليار دولار للتمكن من التكيف مع هذا التغير المناخي، ترى اليوم بأن هناك من الأسباب ما يدعو للقلق بخصوص توافر حد أدنى من الموارد المالية اللازمة لتمويل التنمية المستدامة وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية على وجه الخصوص. بصراحة، علينا أن نقولها بكل وضوح الآن، في مثل هذه الظروف التي تعصف بالعالم و تهز التزاماته بالأهداف الإنمائية للألفية، يجدر بالبلدان الفقيرة أن تقلق على مصيرها. أجل، لقد كان السيد باروسو على حق تماما عندما قال: "كيف يمكننا أن نبرر ذات يوم، تمكننا من تعبئة كل هذه الموارد (حتى الآن أكثر من3000 مليار دولار) و كل هذه الإرادة السياسية لتصور حلول للأزمة المالية، بينما لم نحاول أي شيء لمعالجة الظلم الناتج عن أزمة المجاعة؟ " ذلك هو جوهر المشكلة. فعندما يقبل إنسان ما بؤس أناس آخرين، فهو إنما يقبل ضمنيا التخلي عن إنسانيته.
#محمد_السالك_ولد_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
6 أكتوبر: الموعد النهائي لجميع المخاطر!
-
موريتانيا و العسكر.. ديمقراطية بدون ديمقراطيين
-
عسكرة الديمقراطية في موريتانيا: صراع -على هامش- الشرعية
-
السلطة و المعارضة في موريتانيا.. نحو خارطة طريق للمصالحة
-
السياسة الخارجية الموريتانية: جدلية الداخل و الخارج
-
موريتانيا.. نحو الجمهورية الثالثة؟ بين تنصيب 18 ابريل1992 و
...
-
بين الإسلام و الغرب: تهافت الديمقراطية
المزيد.....
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
-
المقررة الاممية البانيز: مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت غير كا
...
-
شاهد.. مواقف الدول المرحبة بقرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
لماذا لم تعقب الحكومات العربية على قرار اعتقال نتنياهو؟
-
تظاهرات بفرنسا تدعو لتطبيق قرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
صحيفتان بريطانيتان: قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نت
...
-
كاميرا العالم توثّق الوضع الإنساني الصعب بدير البلح وسط غزة
...
-
أول دولة أوروبية تدعو نتانياهو لزيارتها بعد مذكرة الاعتقال م
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|