|
الديمقراطية السورية داء ودواء.
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 2441 - 2008 / 10 / 21 - 09:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بعد حيز لا بأس به من المنافحات الأيديولوجية، والمناكفات التي تتسم أحيانا بطابع شخصي، وبعد هزال المشهد الثقافي المسيس، أو المشهد السياسي المثقف على المستوى الديمقراطي المعارض في سورية، والذي سببه الأساس في أن القمع دوما له مهمة محددة في هذا المجال وهي قطع أية صيرورة نحو مشهد أكثر عمقا وحركية للحراك السياسي والثقافي والفكري. بعد كل هذا نجد أن العودة دوما لقراءة مفاهيم تتردد كثيرا في كتابات وشعارات المعارضة السورية أمرا لا بد منه في الحقيقة. ومنها شعار أو مفهوم الديمقراطية. نبدأ من نتيجة أولى طالما غابت دوما عن التحليل المعارض، وحتى عن دعاة الديمقراطية من الغربيين الطيبي النوايا تجاه شعوب المنطقة، وهذه النتيجة محكومة بسقف أصيل في النظام السوري. وهي أنه نظام من طبيعة غير قادر على إجراء أية زحزحات على المستوى الديمقراطي في سورية. والسبب خبيث وقد تأصل واختفى حتى درجة الإبهار! وهو سبب يتعلق بالمأزق الطائفي للنظام. نذهب يمينا ونذهب شمالا في تحليلاتنا للبنية السلطوية في سورية، ندرك بعد أفق ضيق لأطروحاتنا: أننا أمام حائط مسدود. قراءاتنا واضحة في كثير من الأمور، ولكن ما نحتاج أن نقرأه نحن ومعنا أصحاب السلطة، وبنوايا وطنية طيبة، كما يتردد دوما عند أصحاب الاتجاه الإصلاحي أو الحواري مع السلطة. هو هل يستطيع النظام الخروج من المأزق الطائفي فيما لو أراد ذلك أو تحت ضغوط خارجية؟ وينفتح على أفق ديمقراطي؟ على افتراض أن دخول مصطلح الحكم العائلي بعد تسلم الرئيس بشار الأسد للسلطة وراثيا قد دخل حيز التداول. على افتراض أن العائلة تخلت عن الحكم فهل تسمح طبيعة النظام الذي تم بناءه على مدار العقود الأربعة الماضية، أن تحل الإشكال الطائفي العميق للنظام؟ وبدون مواربة، هل لو كان رأس السلطة والذي يقع على عاتقه كل ما يدور في البلاد، لو كان سنيا، هل سيبقى يعيش النظام نفس المأزق تجاه أي انفتاح ديمقراطي؟ أي لو كان لدينا نظاما ديكتاتوريا في سورية بزعامات سنية، فهل يبقى المأزق نفسه؟ أسئلة من طابع عملي من جهة وافتراضي من جهة أخرى، يطرحها الوضع الملتبس للنظام. وانطلاقا من هذه الأسئلة وغيرها نجد أن الديمقراطية تحولت إلى داء يجب مكافحته بشتى السبل والوسائل. في تحليلنا هذا لا نقيم كبير وزن للعامل الإقليمي والدولي في علاقته بهذه السلطة بالذات، لأنه مهما كانت قوة هذا العامل سواء لمصلحة السلطة أم لمصلحة المعارضة، فإن المأزق الطائفي للسلطة سيبقى جدارا عازلا أمام كل ملمح ديمقراطي. والمعارضة مسكينة! تارة تناور إسلاميا مدنيا وتارة تناور علمانيا لا ديمقراطيا وتارة تناور قوميا على هدى قناة الجزيرة وملحقاتها. وتارة تناور إصلاحيا، وتارة تتشدد في التغيير الجذري الديمقراطي، وتارة تطلق وعودا بهذا التغيير ولا يتحقق منها شيئا يذكر. ويبقى المواطن أسير النظام وعلاقاته. المعارضة لها شكل السلطة، بهذه العودة لماركس، لها شكل السلطة المعقد والمركب. عشرات الأحزاب والتنظيمات الخلبي منها والضعيف والمتكلس وإلى آخر المعزوفة.أن تبدأ بالثقافي في نشر الثقافة الديمقراطية كما يدعو بعض الكتاب والمثقفين: تجد أن هذه أيضا أمام حائط عدم الوصول إلى المتلقي! حجب ومنع وقمع من كل الجهات. نشر الديمقراطية والابتعاد عن الخطاب التحريضي الفج. كله يواجه بإجراءات ممنهجة من القمع والمنع. متى يستطيع مثقفونا أن يصلوا إلى مواطنهم السوري المغيب عن مصيره. وسأضرب مثالا على هذا الأمر لدينا مثقف مميز ومن طراز خاص، يكتب في صحف عربية كالحياة اللندنية منعت في سورية، والجريدة الكويتية لا تصل إلى سورية. حتى عندما كان يسمح للحياة بالدخول إلى سورية كانت الكثير من مقالاته تمزق قبل توزيع النسخة. وحتى الحياة كم كان يباع منها نسخا في سورية؟ لماذا الحجب والمنع بات أكثر من أية دولة عربية أخرى؟ هذه دعوة ثقافية نخبوية كان يمكن أن تؤتي أكلها ولو كان لدينا هامش من عدم المنع والحجب. لا تجد في العالم الغربي واحدا سياسيا كان أم كاتبا أو مثقفا مهتم بالشأن السوري، سواء كان داعما للنظام أو العكس أو حيادي، إلا وتجد أن لغته في الحديث عن النظام بشكل توصيفي بأنه نظام أقلية طائفية ومنهم من يصر على تسميته نظاما علويا. رغم أن طبيعة النظام أعقد من ذلك بكثير. وإن كانت التسمية المفهوم تستغرق جانبا من آليات عمل النظام لكنها لا تكفي لتوضيح الصورة. الإسلاميون لا يريدون التخلي عن أطروحاتهم الملغمة، والقوميون يرجئون التغيير إلى ما بعد مواجهة الإمبريالية الأمريكية، ومن يريدون التغيير محكومون بمعادلات أكبر منهم. هل هذا المأزق المعارض له علاقة بالمأزق الطائفي للنظام؟ والديمقراطية انطلاقا من هذا المنظور تصبح للكثيرين داء، ولكنها الدواء الفعلي للخروج من هذا المأزق عموما ولكي يخرج النظام نفسه من مأزقه هذا. أليس في هذا ما كنا نتحدث عنه بشأن المصالحة الوطنية؟ نعم هي نتيجة يجب النظر إليها وفتح الحوار حولها، كيف تتحول الديمقراطية من داء يخيف السلطة وحواشيها وبعضا من معارضيها إلى دواء يعالج المجتمع السوري ككل؟ هذا سؤال عله يفتح لنا طريقا للحوار حول المأزق الحقيقي لبلدنا سورية، خاصة وأننا جميعا نهرب من معضلة أخرى، أن الديمقراطية لها أمراضها في الوضعية الانتقالية لأي مجتمع، من مجتمع استبدادي إلى مجتمع ينفتح على نفسه وعلى العالم. الديمقراطية على الطريقة الراهنة كثيرا ما تأتي في بداياتها بكوكبة من رجال الأعمال، ومن ناهبي أموال الناس في ظل الديكتاتورية، وأحيانا تفرز مافيات انتقالية على الطريقة الروسية. ولكنها حل لا بد منه ولا مهرب منه إلا مزيدا من تطرف السلطة والمجتمع معا.لأن الديكتاتورية هي توتر دائم ينتظر الانفلات، وبديلها لن يكون سوى سيرا نحو الهاوية للمجتمع ككل بمعارضته ونظامه وشعبه. هذه هي الديمقراطية بالنسبة لسورية داء ودواء كي لا يصل المرض السوري إلى حالة لا يوجد له بعدها أي دواء.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسية بين الهداية والغواية- ثورة أكتوبر في ميزان البدايا
...
-
خصوم الديمقراطية في سورية.
-
المعارضة السورية اسمحوا لنا أصدقائي.
-
تشويش أم تذكير؟ نلاحق في الأثير..
-
السياسة الأميركية في مرحلة بوش
-
هل من هوية للأكثرية السنية في سورية؟
-
نحو أكثرية مجتمعية لدولة ديمقراطية
-
فرنسا ونظام الأسد والشرق الأوسط
-
عندما يتحول الإخوان المسلمون إلى بعبع!
-
غسان المفلح يحاور ياسين الحاج صالح في الشأن السوري.
-
علمانيون للسلطة وانتحاريون للدنيا- إلى فائق المير في الحرية
...
-
ماذا بقي للاتجاه الديني- السياسي؟
-
المفاوضات السورية الإسرائيلية: إطالة زمن الكوارث
-
أزمة تراث أم تراث أزمة؟
-
الخروج من إيران-العامل الخارجي سوريا.
-
حزب الله« يتخلى عن حمولته العربية- غزوة بيروت
-
سورية ما العمل الآن؟نسيان البدء، بداية الفعل.
-
فضائية الخوف والوطن- لحظة بوح
-
فضائية سورية لمن؟
-
ثرثرة خارج خط التماس!
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|