|
نهاية عصر الدولار
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2441 - 2008 / 10 / 21 - 09:27
المحور:
الادارة و الاقتصاد
"إنتهى عصر الدولار.. ولن يستطيع الاقتصاد الأمريكى تجنب ركود محتم". هذه الكلمات ليست من عندياتنا، وإنما قائلها هو الملياردير المعروف جورج سوروس. وهو لم يقل هذه العبارة الصادمة بعد اندلاع الأزمة المالية الأمريكية، التى سرعان ما تحولت إلى أزمة عالمية، وإنما قالها فى افتتاح منتدى دافوس الاقتصادى الذى عقد فى يناير الماضى، أى منذ عشر شهور تقريباً. وفى نفس الجلسة، أكد خبراء فى الشئون السياسية والاستراتيجية، منهم هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، أن هناك "ظاهرة تشير إلى تحول مراكز القوى وإلى التبدلات التدريجية فى الأنظمة العالمية من المحيط الأطلسى إلى المحيط الهادى". وهذا يعنى أن مشاكل الرهن العقارى فى الولايات المتحدة لم تكن هى السبب الوحيد، أو الرئيسى، لأزمة الاقتصاد الأمريكى، وإنما كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير. وأن الأزمة الأمريكية ليست اقتصادية فقط وإنما هى اقتصادية وسياسية واستراتيجية فى آن واحد. وهى أزمة "هيكلية" أسهم المحافظون الجدد الذين أتوا بالرئيس جورج بوش إلى البيت الأبيض، فى تعجيل وقوعها بسياساتهم العسكرية المغامرة فى الخارج وسياساتهم الاقتصادية التى تمثل أكثر صور الرأسمالية توحشاً فى الداخل. وها هو الرئيس بوش يستعد لحزم حقائبه للرحيل عن البيت الأبيض فى يناير المقبل، وهو يترك بلاده فى أسوأ أوضاعها داخلياً وخارجياً. والمشكلة أن بوش، والطبقة التى يمثلها، لم يلحق هذا الأذى الكبير بالولايات المتحدة فقط فى السياسة والاقتصاد والأوضاع الاجتماعية لملايين الأمريكيين، وإنما أصاب العالم كله بأضرار فظيعة. وها نحن نرى أن حلفاء الولايات المتحدة قبل خصومها قد حملوا الإدارة الأمريكية مسئولية الأزمة الخطيرة التى زلزلت الاقتصاد العالمى. وعلى سبيل المثال يقول وزير المالية الألمانى بيرشتا ينبروك أن "الولايات المتحدة تتحمل مسئولية الأزمة المالية العالمية الراهنة بسبب الحملة الأنجلوسكسونية التى تهدف إلى تحقيق أرباح كبيرة ومكافآت هائلة للمصرفيين وكبار مديرى الشركات. وستخلف هذه الأزمة آثاراً عميقة وستحدث تحولات فى النظام العالمى". وبصراحة أكبر يقول الرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف أن "أنانية الولايات المتحدة الاقتصادية هى سبب الأزمة المالية العالمية. كما أن رغبة أمريكا فى الهيمنة على العالم تقوض الأمن الدولى، خاصة بعدما بدأت منذ عام 2001 سلسلة من الإجراءات من جانب واحد أدت إلى عودة ما يعرف بسياسة الأحتواء". وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الروسى فلاديمير بوتين بكلمات أخرى أكد فيها أن "هذا لم يعد انعداما للأحساس بالمسئولية من جانب بعض الأفراد، بل عدم إحساس بالمسئولية لدى النظام الأمريكى كله الذى يتباهى بالزعامة العالمية". كما نجد أن الرئيس البرازيلى لويس إيناسيو لولا داسيلفا يذهب إلى القول بأن "الولايات المتحدة تتحمل مسئولية الأزمة المالية الحالية، وليس من العدل أن تدفع دول فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا ثمن مسئوليات يجب أن يتحملها القطاع المالى فى أمريكا الشمالية". وما يقوله الرئيس البرازيلى كلام مهم، لأنه لا يضع المسئولية فقط فى رقبة الإدارة الأمريكية، وإنما يحذر أيضاً من أن تدفع بلدان العالم الثالث ثمن جرائم هذه الإدارة ونزقها وسياساتها المغامرة. وهذه نقطة بالغة الأهمية يجب أن نضعها على جدول أعمالنا، لأن الإدارة الأمريكية – كما هو واضح وكما هو متوقع – ستحاول تجاوز هذه الأزمة داخلياً من خلال تحميل دافع الضرائب الأمريكى فاتورة إصلاح ما أفسدته المؤسسات الرأسمالية المالية الكبرى التى دللتها ومالأتها وانحازت إليها وتركتها ترتع فى أسواق المال بلا رقيب أو حسيب. أى أن المواطن الأمريكى "الغلبان"، وبخاصة من الطبقة الوسطى، هو الذى سيدفع ثمن إنقاذ هذه الصروح الرأسمالية المالية المنهارة! وخارجياً ستسعى الإدارة الأمريكية - التى جعلت الولايات المتحدة أكبر دولة مدينة فى العالم – إلى تصدير الأزمة إلى البلدان الأخرى ونقل عبئها إلى شعوبها. وهذا يتطلب من البلدان النامية – وفى مقدمتها مصر – أن تعيد حساباتها وفقاً لهذه التطورات الدراماتيكية، واضعة فى اعتبارها أن عصر الهيمنة الأمريكية، وانفراد الولايات المتحدة بالسيطرة على النظام العالمى الأحادى القطبية، قد انتهى. وأنا هذا يتطلب إعادة تخطيط السياسة الخارجية وفقاً لهذا المتغير المهم. وليست السياسة الاقتصادية منعزلة عن هذا التطور الذى يجب أن يطرأ على السياسة الخارجية، بل إن هناك "تعديلات" جوهرية يجب إدخالها بعد سقوط "إجماع واشنطن"، وفلسفة مدرسة شيكاغو، اللتان كان البعض، حتى هنا فى بلدنا، يعتبرونهما "إنجيل" الاقتصاد الحديث. والآن سقطت القداسة الكاذبة عن هذه الفلسفة الاقتصادية المتوحشة التى تطلق العنان للتلاعب بقوى السوق لمصلحة فئات طفيلية محدودة من المضاربين والمقامرين الذين حولوا اقتصادات الدول إلى "كازينو قمار" كبير بدون ضمير اجتماعى أو رؤية تنموية اقتصادية حقيقية تضع فى اعتبارها تلبية الاحتياجات الرئيسية للبشر. باختصار.. آن الآوان لأن نضع سياسة اقتصادية نابعة من احتياجاتنا وطبيعة واقعنا وطموحات شعبنا.. من خلال حوار مجتمعى تشارك فيه الجماعة الوطنية بجميع أطيافها دون استبعاد أحد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عادل سيف النصر
-
عندما ينافس -تليفزيون الواقع- مسلسلات رمضان!
-
مبادرة مبارك الشجاعة: الوطن هو الرابح الأول
-
من مبطلات الصيام: تقرير الحريات الدينية
-
أشواك فى طريق حب الوطن
-
اعتذار.. وباقة ورد.. للدكتور إبراهيم سعد الدين
-
الدولة تسحب استقالتها!
-
تخاريف صيام!
-
تضميد جراح الدويقة .. -حين ميسرة-!
-
تقرير درويش: الحكومة ضد الحكومة -2-2-
-
رثاء للدويقة.. بقلم أحمد بهاء الدين!
-
اختراعات مصرية: الحكومة ضد الحكومة!
-
مصر الأخرى!
-
مبروك للدمايطة.. على الانتصار فى نصف المعركة
-
من يستحق التعويض .. -أجريوم- أم -دمياط-؟!
-
تسليم وتسلم!
-
إحرقوا كتب الفلسفة.. اليوم قبل الغد!!
-
وثيقة مستقبل مصر «2»
-
الجريمة... والعقاب
-
تنويعات علي لحن المشروع الليبرالي (1)
المزيد.....
-
دوام عمل كامل من 32 ساعة أسبوعيًا.. إنتاجية وحياة شخصية واجت
...
-
أوروبا والصين تقتربان من اتفاق بشأن رسوم واردات السيارات الك
...
-
موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتص
...
-
ماسك: الولايات المتحدة تتحرك بسرعة نحو الإفلاس
-
دروس من نساء رائدات في قطاع البنوك والخدمات المالية
-
ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
-
الركود يهدد القطاع الخاص البريطاني بسبب زيادة الضرائب
-
المغرب والصين يسعيان لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة
-
سعر الذهب صباح اليوم السبت 23 نوفمبر 2024
-
أكبر محنة منذ 87 عاما.. -فولكس فاغن- تتمسك بخطط إغلاق مصانعه
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|