عبدالوهاب محمد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 07:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يحدد علماء النفس أن ديناميات الشخصية تقوم في نهاية الأمر على تفاعل وتشابك القوى الدافعة والشحنات والقوى المقيدة الكابحة والشحنات المضادة وجميع الصراعات في ماهية الشخصية والتي يمكن ردها إلى تعارض القوى المتفاعلة في عالم الشخصية الداخلي والخارجي .. فكل توتر يشتد وتطول مدته يعود إلى فعل مضاد لقوى دافعة من جانب وقوى كابحـــة من جانب آخر ..ويضيف هؤلاء العلماء أن البيئتين الخارجية والداخلية تؤثران بشكل كبير على السلوك الشخصي إن سلبا أو إيجابا ..
سقت هذه المقدمة كمدخل للحديث باختصار شديد عما حدث للشخصية العراقية من تحديات في السلوك والخصائص العامة بعد مرور خمس سنوات من ماسي ودمار وفوضى عارمة عمت البلاد بطولها وعرضها ..
وبالعودة إلى بداية الحديث عن تأثير البيئتين الداخلية والخارجية في السلوك الشخصي نجد أن من ابرز التحديات التي واجهتها الشخصية العراقية بشكل عام ، عدم القدرة على تحريك أحجار اللعب بصورة متقنة على رقعة الشطرنج العراقية ، ولغرض فهم هذه الصورة بشكل أوضح لا بد من أجراء تقييم لخصائص الشخصية العراقية وتحدياتها وتأثيراتها على وحدة الشعب وتماسكه وقدرته على التأثير في صناعة القرار السياسي رغم محاولات تهميشه ..
والمتتبع للأحداث والتطورات يجد أن هذه الشخصية قد مرت عبر تأريخها الطويل بظروف بيئية متقلبة وأوضاع سياسية ونفسية واجتماعية واقتصادية مضطربة غير مستقرة ، وانها قد حافظت رغم ذلك على خصائص ايجابية وملامح مشرقة ، ويكاد يجمع الكثير من الباحثين وعلماء النفس في الدراسات الإنسانية وعلماء الاجتماع من العراقيين والعرب والاجانب ، ان هذه الشخصية لم تهتز كثيرا وبقيت تتسم بخصائص وطبائع مختلفة نسبياً عن غيرها من الشخصيات الأخرى، فقد وصفها البعض بأنها شخصية بدوية تتصف بما يتصف به سكان البادية من الخصائص السلبية والايجابية ووصفها آخرون بصفات تضعها في مصاف الشخصية القائدة والشخصية الفيلسوفة ذات الفكر الحر والشخصية المؤمنة وغيرها من الصفات الحميدة ، بينما وصفها البعض الأخر بأنها شخصية ثائرة متمردة انقلابية لا ترضى على حاكم أو ســــــــلطان و تنزع إلى الثأر والإنتقام و تميل إلى الفوضى ولا تذعن للنظام والالتزام ، ووصف اخرون السلوك الشخصي عند البعض بأنه يتسم بثنائيات معروفة للعراقيين أنفسهم , فإلى جانب المرونة نجد التصلب والى جانب العزيمة وإرادة التنفيذ نجد الركون والاستسلام للجمود والى جانب النظرة المتطفلة نجد النظرة البائسة ..
وهناك في كل سلوكية ثنائية ، من المار ذكرها سابقا ، ميل إلى اللين الزائد أو التشدد الزائد تبعاً لظروف نفسية أو اجتماعية أو فكرية أو مصلحية , وهذه الثنائيات تجعل من الصعوبة التنبؤ بأحداث المستقبل وتطوراتها بشكل دقيق ..
إلى جانب ذلك هناك من الباحثين من يرى أن صدمة الحرب والدمار قد ساهمت في إحداث خلل في مزاجية شريحة مهمة من العراقيين وميلهم الشديد نحو التقوقع على أنفسهم والحذر غير الطبيعي من كل ما هو أجنبي بفعل تراكم ظروف تاريخية وأخرى معاصرة ، مما يعني أنهم بحاجة إلى دواء جديد قوامه الانفتاح المدروس على قضايا السياسة والاجتماع والفنون والحياة العامة كي يعود التوازن والتماسك لسلوكهم الشخصي وتتعزز الثقة في نفوسهم ويزداد شعورهم بالمسؤولية تجاه التعامل مع مثل هذه الحالات من دون المساس بأمن الوطن وسيادته وانتهاك حرمته وسيادته الوطنية وذلك من اجل تعزيز تماسك النسيج الاجتماعي وتفويت الفرصة على كل من يحاول خرق هذا النسيج ، الذي أريد له أن يزهق أكثر من مرة من قبل قوى أجنبية أو محلية مرتبطة بهذا الطرف الإقليمي أو الدولي أو ذاك ..
ومهما يكن راي الاخرين بالشخصية العراقية فان هذا الراي او التقييم لا ينقص من واقعها وجوهرها شيء لانها شخصية متماسكة بالاساس والجوهر وتتسم بخصائص ايجابية لا تتغير بسهولة اذا ما تعرضت الى المحن والمصائب كونها عميقة الجذور ومتاصلة في ضمير العراقيين ووجدانهم وتصرفاتهم وسلوكهم الفردي والجمعي وان شذ عن هذا نفر ضال او ضعيف فلا يمكن القياس عليه خاصة في مثل الظروف الملتهبة التي مازالت تعصف ببلادنا بشكل لم يتعرض له بلد في العالم ..
ورغم هذه التحديات التي تواجه الشخصية العراقية فأننا نعتقد أن الإنسان العراقي قد تعلم من الدروس والتجارب التي مر بها وأصبح قادرا على وعي هذه المخاطر وحقيقة المحنة التي مازال يتعرض لها بصبر ورباطة جاش وإصرار وتفويت الفرصة على كل من تسول له نفسه النيل من وحدة التراب الوطني وتماسك أبناء الشعب بكافة أطيافهم ومذاهبهم وأديانهم مثلما هو قادر على مواجهة حالة التشرذم التي زُج بها قسرا والتي أريد لها أن تحدث شرخا خطيرا في مفهوم الوحدة الوطنية وتجزئة البلاد ونهب ثرواتها وجعلها مسرحا لصراع القوى الأجنبية على حساب مصالح العراق الاستراتيجية ..
لقد أثبتت التطورات اللاحقة صحة التحليل الذي يفيد بان العراقيين قد استفاقوا مؤخرا من الصدمة وبلغ بهم الوعي لحقيقة ما حدث مرحلة النضج فراحوا يطالبون بتصحيح المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخاطئة التي كانت السبب في حصول ماساتهم رغم محاولات البعض من القوى السياسية فرض تعتيم على ما جرى وخداع الجماهير العراقية وتخديرها بإجراءات عقيمة ووعود مضللة يراد منها امتصاص نقمتها وردات فعلها الآخذة بالتزايد يوما بعد آخر ..
فهذه التحديات عندما يقرر العراقيون التعامل معها بروح المسؤولية والتصدي لها بوسائل الدفاع المشروعة ، ليست الغاية الوصول إلى تهديمها فقط ، بل جعل الشعب العراقي يســـتعيد إدراكه لقيمه الأصيلة , والعراقيون يعرفون جيدا أنهم أخوة وأبناء بلد واحد منذ أن خلقهم الله وان لا مجال لعلقمي جديد بين صفوفهم وإذا ما وجد مثل هذا الإنسان فعليهم فرزه وكشفه وإخراجه من بين صفوفهم لان أمثاله هم أساس البلاء في البلاد وان القوى الخارجية والقوى المتعاونة معها في الداخل والتي بات تدخلها واضحا في الشأن العراقي يروق لها وجود مثل هذا العنصر الشاذ والمدمر وعلى هذه القوى أن تفهم أن لأفرق بين السني العربي والشيعي العربي والمسيحي العربي والكردي والايزيدي والصابئ والشبكي وغيرهم من المذاهب والطوائف والأديان لأنهم أبناء بلد واحد عاشوا فيه آلاف السنين متجاورين متصاهرين متعايشين يقتسمون لقمة العيش الشريفة ، ويدافعون عنه بالغالي والنفيس وإذا ما شذ بينهم ، في يوم ما ، إنسان مريض أو مرتد أو متنكر لبلده فالكل سيحاول إصلاحه وألا تعرض للنبذ والعزل والمحاسبة وإعلان البراءة منه ، وعندها سيكون الوقت قد فات على الندم وحان وقت الحساب واقترب ..
#عبدالوهاب_محمد_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟