محمد ابو تمهيد السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2387 - 2008 / 8 / 28 - 00:47
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كثيراً ما نشاهد سلوكيات غير سوية والتي أهم مظاهرها العنف والقسوة والإذلال وغيرها للجيش الأمريكي المحتل ضد أبناء شعبنا, وقد احتار الكثير في تفسيرها؛ لأنها تناقض بشكلٍ تام مدعيات المحتل في تخليص الشعب العراقي من الدكتاتورية الغاشمة وجلب الديمقراطية والحريات والرفاه الاقتصادي وغيرها, ومن هذه السلوكيات (الممارسات العدوانية اليومية في شوارع المدن العراقية, كاصطدام الدبابات الأمريكية المتعمد بالسيارات المدنية وتحطيمها بالمشي فوقها مأهولة بالركاب أم خالية, واقتحام البيوت عنوة في ساعات الليل المتأخرة مروعين سكانها لاسيما من الأطفال بحجة البحث عن الإرهابيين، وتحليق الطائرات المروحية بهديرها الصاخب على مدار الساعة فوق أسطح المناطق السكنية الآمنة, والقصف والرمي العشوائي نحو البيوت والمحلات التجارية والأسواق والمواطنين العزل, والتعذيب القاسي, والاغتصاب السادي للمعتقلين من الرجال والنساء, والتخريب المتعمد للبنى التحتية سواء بشكل مباشر من خلال آلياتهم المدرعة أو التغطية اللوجستية للمخربين, والقطع غير المبرمج المتعمد للتيار الكهربائي على الرغم من كل المليارات التي صُرفت والذي ثبت بالواقع المشاهد بتدخل الأمريكان في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر, والتغطية العسكرية للإرهابيين لتنفيذ عملياتهم المروعة ضد السكان الآمنين ومنع القوات الأمنية الرسمية والشعبية من الدفاع عن أنفسهم, وزرع العبوات الناسفة, وإذكاء الطائفية من خلال قصف المناطق السكنية واتهام الطائفة الأخرى,......الخ).
وهنا نحاول أن نجد تفسيراً سيكولوجياً لهذه السلوكيات وفق معطيات علم النفس الاجتماعي:
هناك عاملان رئيسان يتفاعلان فيُنتجا هذه السلوكيات, وقد وظف علماء الحرب النفسية الأمريكان العامل الأول في خدمة العامل الثاني بشكلٍ مقصود وهذان العاملان هما:
العامل الأول: (البُنية السيكولوجية لشخصية الجندي الأمريكي), وهناك مكونات ثلاثة لهذا العامل هي:
المكون الأول: (الشخصية السيكوباثية): من خلال مشاهداتنا نلاحظ بان شخصية الجندي الأمريكي تنحو منحى الشخصية (السيكوباثية), وهذه الشخصية تُعتبر شخصية مُعتلّة نفسياً, وهي مضادة للمجتمع, تتسم بافتقاد الشعور بما هو صواب وما هو خطأ, وبالعنف والقسوة والسادية والأنانية واللامبالاة تجاه حقوق الآخرين, وبعدم الشعور بالذنب, وعدم الاكتراث إذا ما انكشفت أعمالها غير المشروعة, وبالكذب المستمر, إضافة لذلك فان شخصية الجندي الأمريكي تفتقر إلى ثقافةٍ إنسانيةٍ عامة, تجعله جاهلاً إلى حدٍ كبير بالمقدسات والطقوس الدينية والأعراف الاجتماعية, والمحضورات التقليدية للمجتمعات التي يتواجدون فيها..... والسبب في ذلك وحسب التقارير الإعلامية ومراكز البحث العلمي يرجع إلى إنَّ نسبة كبيرة من أفراد الجيش الأمريكي هم من حُثالة المجتمع, والمتشردين, والمجرمين, والمطاردين, والمهاجرين لأسباب في غالبيتها جرمية, وهم يسعون للحصول على الجنسية الأمريكية مقابل خدمة لفترة زمنية معينة في الجيش.
المكون الثاني: (الشخصية الاستعراضية "الرامبوية"): ان للسلاح الفتاك والتجهيزات العسكرية التي يُقدر ثمنها بـ (30000)$ والتي يتم تجهيز الجندي الأمريكي بها تأثيراً سلبياً, حيث تُشعره دائماً بشعور التفوق والقوة والجبروت, وخلق جو زائف من الشجاعة الوهمية ذات الطابع الاستعراضي(الرامبوي) الذي يؤدي بإسقاط مشاعر الرعب الذاتي والتي سببته له الضربات الموجعة للمقاومة العراقية(البيضاء)؛ بإرعاب الآخرين.
المكون الثالث: (الشخصية الآثمة): نتيجة التضليل الذي تعرض له الجندي الأمريكي وتعبئته بقناعاتٍ مزيفة على انه جاء (محرراً) لهذا الشعب المظلوم, وجالباً لقيم (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) له, إلا انه سرعان ما بدأ يتسرب لديه تصوراً آثماً على المستوى اللاشعوري عن نفسه, بسبب إقرار إدارته فضلاً عن الشرعية الدولية بان وجوده قد اتخذ صفة (المحتل), وللتخلص من هذا الشعور الآثم لجأ إلى إنكاره على المستوى الشعوري بآلية (الاستعلاء) النفسية, والتفوق (الكولونيالي) على الشعوب (المتخلفة) بان يعمد إلى مزيد من القسوة والازدراء والاستباحة واللااكتراث تجاه حقوق العراقيين المدنيين؛ حتى يُطوعهم لما يُريد هو باعتباره المتفوق والعارف للمصلحة الحقيقية لهذا الشعب القاصر والمتخلف!!!
العامل الثاني (تقنية غسل الدماغ الجمعي): كما هو معلوم بان عملاء الأمريكان من السياسيين العراقيين قد خدعوا الإدارة الأمريكية وأوهموهم بان الشعب العراقي قد وصل بسبب قسوة وقمع النظام الدكتاتوري الصدامي إلى حدٍ أنْ يُستقبل الجيش الأمريكي (المحرر) بالورود والأحضان وبالقُبل!! ولكنهم فوجئوا بالمقاومة الشرسة للشعب العراقي بكافة طوائفه, حتى الأكثر تضرراً من النظام المستبد البائد, لهذا لجأت الإدارة الأمريكية إلى الخطة البديلة المُعدة سلفاً وهي لجوئهم إلى خبراء تقنية (غسل الدماغ الجمعي), ليُطوعوا الشعب العراقي المتمرد على الاحتلال بقبوله والخنوع له والرضوخ لما يريد, وكما هو معلوم بان هذه التقنية تتطلب تسليط مثيرات حسية عُنفية ومزعجة ومؤلمة ومستمرة بشكلٍ تصاعدي, في ظل ظروف يجري خلالها تعريض إنساناً ما أو شعباً ما لأوضاعٍ نفسيةٍ وبدنيةٍ مُجهدةٍ للغاية, ليتقبل الأفكار (المُغايرة لمنظومته القيمية) تحت وطأة الإنهاك بدلاً من قبولها عن طريق الإقناع الواعي في ظل الظروف الاعتيادية.... ولأجل الوصول إلى هذا الهدف لابد من تعريض الشعب العراقي للضغوط والشدائد والمحن للمرور بثلاثةِ ادوارٍ هي:
الدور الأول(تبلد الحواس): في هذا الدور تتبلد حواس الشعب المجهد كآلية نفسية وتكيُف بيولوجي للتخفيف من الشعور المزعج لهذه المثيرات, ويصبح غير مبالٍ بها.
الدور الثاني(تناقض الاستجابات): وبسبب ازدياد قسوة هذه المثيرات, وإدامتها يحدث تناقض في استجاباته, إذ يصبح ضعيف الاستجابة أمام الأحداث القوية, وحاد الاستجابة أمام الأحداث الضعيفة, ولقياس هذا الدور يطلق خبراء الحرب النفسية الأمريكية من خلال تحريك عملائهم (الدمى) الداخلين في العملية السياسية بالونات اختبار كما حدث في ايام مجلس الحكم سيئ الصيت عندما اثاروا مسالة (العلم العراقي الجديد) و(صور التعذيب في أبي غريب), احدهما يمثل قضية ثانوية نسبياً, والثاني يمثل قضية أساسية وجوهرية تتعلق بالكرامة العراقية المهدورة!!! وبين فترة وأخرى يطلقون هكذا بالونات ليُقيسوا مدى وصول الشعب العراقي لهذا الدور؟؟!
الدور الثالث(تقبل الأفكار): في هذا الدور تتبدل عادات الشعب وعقائده وثقافته إلى نقائضها إذا استمرت الضغوط والمثيرات المؤلمة والحرمان من إشباع الحاجات الملحة, وعندما يصل إلى حالة اليأس من التغيير والتخلص من هذه الضغوط, فقد ينقلب حُبهِ لفكرةٍ ما أو موضوعٍ ما أو عقيدةٍ ما إلى كُرهٍ شديدٍ, أو بالعكس!!!.... كل ذلك يفسر لنا مجموعة الظواهر السلوكية غير السوية والعُنفية والقاسية غير المبررة للجيش الأمريكي تجاه الشعب العراقي المظلوم.... وتسليطهم للعناصر السيئة والفاسدة والمنحرفة اخلاقياً على رقاب الشعب المسكين من خلال تبوءهم المناصب المهمة والحساسة السلطوية, للوصول بالشعب العراقي الى مرحلة القبول بالاتفاقية الامنية المزمع توقيعها مع ازلامهم الفاسدة, مقابل التخلص من الازمات المفتعلة كلها, وتوفير بحبوحة من العيش الكريم الذي حرموا منه طوال ايام النظام البعثي البائد والسنوات الخمس العجاف للاحتلال البغيض.
ولكن فات على هؤلاء مصاصي الدماء العراقية بان عمليات (غسل الدماغ الفردي والجمعي) يمكن لها أنْ تنجح في كثير من الأحيان مرحلياً, لكنها تفشل في نتائجها النهائية, إذ يمكن للوعي الإنساني أنْ يسلك (شعورياً ولا شعورياً) طُرقاً مُعقدة في التمويه والدفاع عن هويتهِ المغموسة بفكرةِ الحق والانتماء للجذور خاصة لشعبٍ احتضن أبوا البشرية (آدم ونوح), وشيخ الأنبياء(إبراهيم), وسيد الأوصياء, وسيد الشهداء, وانهاراً من دماء الأحرار التي سقت شجرة الحرية والكرامة وأطهرها دماء (الشهيدين الصدرين) ومن سار على منهجهم على هذه الأرض التي سوف تشهد حكومة العدل الإلهية على يد منقذ البشرية برغم انف الشيطان الأكبر وعبيده.
العراق / بغداد
عاصمة العدل الالهي المطلق المحتلة
المصادر:
1- د. محمد احمد النابلسي, (سيكولوجية الجندي الامريكي), نت.
2- د. فارس كمال نظمي, (غسل الدماغ لدى السجناء وأسرى الحرب ), نت.
3- د. فارس كمال نظمي, (رؤية نفسية في صور تعذيب السجناء العراقيين في أبي غريب : سايكوباثيا الدولة العظمى أم غسل مبرمج لأدمغة العراقيين؟!), نت.
4- د. فارس كمال نظمي, (التحليل النفسي لشخصية العسكري الأمريكي في العراق: رؤية نظرية واستطلاع ميداني), نت.
#محمد_ابو_تمهيد_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟