|
معاناة الطفل في العراق .. ومسؤولية قوى اليسار
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2385 - 2008 / 8 / 26 - 06:41
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
دأبت شعوب العالم المتقدم ومنذ ان قدر لها ان تتخطى عتبة ما كان يسمى بالعالم الاول ، دأبت على وضع الاسس العامه والتفصيليه لمسار حياة افرادها وبشكل جعل هذه الحياة تسير وبانتظام في كل شيء حتى بالنسبة لطريقة مضغ الطعام ، وترسخت التعاليم التي وضعتها تلك الشعوب لنفسها بحيث اصبحت وعلى مر الاجيال متوارثة وبدت وكأنها نواميس ثابته لا يتعدى عليها احد رغم عدم وجود من يراقب . ومن المشاريع التي وضعتها تلك المجتمعات المتقدمة ضمن حيز الاهتمام الاستثنائي هو الطفل .. ذلك الكيان الصغير بحجمه الكبير بقيمته اللامتناهية في العظمة كونه خط الشروع لبدء حركة الحياة صوب النمو والتقدم . الطفل في النظم الاجتماعية المتطورة لا يباح لاحد مهما كان حتى الاب والام ان يهينه ويسبب له شرخا في عقله الباطن ، ولا يمكن وباي شكل من الاشكال ان يتعرض الى عقوبة جسدية او اي شيء يدعوه للتألم والبكاء فهذا يعتبر خلل كبير خاصة لو تم في مكان عام حيث المجتمع المتحفز للثورة على فعل كهذا ان حدث ، بل ان القوانين وفي اغلب الاحيان تقضي بحبس ولي الامر ان اعتدى على طفله وباية طريقة كانت ، انه مشروع يكتسب قدسيته كونه خرسانة البناء الاجتماعي ودعامته الاساسيه وسنده القوي امام هزات القدر . وان كنا نحن في عالمنا الثالث والذي ارغب احيانا بان اسميه بالعالم الخامس عشر لا نحلم في ان يلتحق طفلنا قريبا بالطفل الاوروبي او الامريكي ويتمتع بما يتمتع به من زهو في الحياة وضمان للمستقبل ، غير اننا – ويهمني هنا طفل بلادي العراق – لا نتستطيع الا ان نتمنى والتمني في بعض الاحيان له فائدة ما بان يجري الالتفات الى حل البعض من معوقات حياة الطفل في بلادنا ، وتبدو اهمية ذلك من كون ان تلك المعضلات هي فرع رئيسي من فروع المشكلة الاساسية الاجتماعية والاقتصادية في بلاد الرافدين .. فرع اصله هدر حوق المراة وضياع المال العام وتدني مستويات التعليم وعدم توفر سبل الضمان الاجتماعي للاسره . ومن المحزن حقا ما يجري هذه الايام – وكواحدة من بوادر تلطيف الجو – تكرار ذكر الطفل سواء عبر وسائل الاعلام او الصحافة او من خلال ذلك الخطاب البائس لمن نصبوا انفسهم دعاة لحقوق الطفولة . ففي الوقت الذي تهدر فيه حقوق الطفل وبضراوة متناهية ويلف قضيته النسيان وتقذف به ظروف البلد الى متاهات الضياع واللاتعلم والتشرد والمرض ، في ذات الوقت تجري محاولات المتاجرة الرخيصة بهذه القضية الحيوية كورقة من اوراق تثبيت الاقدام وترسيخ دعائم البقاء في مراكز اتخاذ القرار . وكمثال يدعو للشفقة والالم معا فقد انطلقت مؤخرا دعوات الى مراعاة شؤون ما سمي ببرلمان الطفل في العراق ، ولا اعرف ان كان هذا البرلمان شأنه شأن برلمان الكبار وكيف سيتم فض المنازعات فيه وان كنت على يقين بان ذلك سيتم بطريقة اخرى وهي طريقة الاطفال حينما يختلفون . لقد ظهرت رئيسة ( برلمان الطفل ) وهي شابة في ريعان صباها من على شاشة احدى الفضائيات العراقيه لتعبر عن حزنها البالغ لان الحكومة العراقيه لم تخصص للبرلمان هذا باص يؤمن نقل منتسبيه الى القاعة المخصصة له ، وكأن الطفل المدلل في بلادنا قد انتهى من نزع كل موبقات الاجحاف بحقه ولم يتبقى غير باص ينقل ممثليه الى البرلمان . لقد تخطى الطفل في العراق وخاصة في المدن الصغيرة والقرى والارياف في سوء اوجه حياته حتى اطفال البلدان الافريقية المتخلفه ، انه يظهر بشعره الاشعث وقدميه الحافيتين وعيونه التي يملؤها القذى ونظراته المسكينه وكأنه اقوى سبة في وجه دعاة رعاية حقوق الانسان . وبعيدا عن دائرة اللهو في تناول ما يعتبر ترفا في الكلام اجدني امام حقيقة عظم المسؤولية التي تتحملها قوى اليسار في بلادنا جراء صمتها ولا مبالاتها بشؤون الطفل والاسرة وتورطها في الدخول لحيز ما زالت تدور فيه مع اللاعبين بمقدرات الشعب واللاهين بالخوض في متاهات لا تعني في نتيجتها الا كسب الوقت ومحاولات اكتساب شرعية البقاء ، فالاحزاب المحسوبة على اليسار كي تكتسب معنى يستطيع التاريخ ان يوثق له بيراع الخير ، لابد لها ان تعود للمارسة سبلها المعهودة والمتمثلة بالانتماء الى شرائح الشعب المتضررة والدفاع عن حقوقها والسير بها عبر مسارات تحقق من خلالها انتصاراتها على اعدائها من المتنفذين والمحتكرين وناهبي الاموال العامه ، بدلا من هذا التشرذم المؤسف والذي بلغ حدا جعل اللجوء الى السباب المتدني والطعن في السير الذاتيه ياخذ مكان ما تعودنا عليه وما كنا نسميه سابقا ادبيات فكريه . لقد عودتنا الحركه اليساريه في العراق متمثلة بالحزب الشيوعي العراقي وهو الاكثر تجربة والاعمق وعيا والانظف تاريخا على انه ما ان يخطو هذا الحزب بالذات نحو تعبئة الجماهير باتجاه المطالبة بحقوقها عن طريق المهرجانات الايحائيه ومن خلال السعي عبر ما يتاح من النوافذ لعكس معاناة الناس بقدر ما تتجه انظار الجماهير الكادحه بالتحرك سوية مع حركته وبتناغم بديع تكون نتائجه مبهرة وعلى كل المستويات ، وليس هناك اسمى في الوقت الحاضر من تناول الانتصار لقضية الاطفال في العراق كقضية من القضايا المركزيه . لقد بات واضحا وبشكل لا يدعو الى اللبس ان قوى اليسار في بلادنا والرائدة للحركه الجماهيرية سيكون لها الباع الاطول ضمن الحركة السياسيه لو احسنت سعيها الفكري والنضالي واتقنت سبل اتصالها بالفقراء والكادحين وعمدت الى بناء اتحاد ايجابي بين فصائلها انطلاقا من وحدة الهدف ، وسيكون للطفل والاسرة في حالة كهذه قصب السبق في بلوغ الهدف المنشود باتجاه ايجاد الحلول الجذرية للمعاناة المأساوية الحاصلة الان بين صفوف العوائل العراقية المعدمه .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايها المثقفون العراقيون .. لا تنتظروا ان يقول التاريخ فينا م
...
-
أيها العراقيون .. اسحبوا البساط من تحت كراسي المسؤلين عن افق
...
-
سهيل احمد بهجت .. ألانسان ألاثمن رأسمال
-
الى متى يبقى الشعب العراقي أسيرا للصراع على المناصب وضحية لل
...
-
عزيز الحاج بين السياسة والادب ... محاكاة مؤثره
-
أحموا الكاتب رضا عبد الرحمن علي من شيخ الازهر
-
حرب المياه على العراق .. بين الفعل ورد الفعل
-
الى متى تبقى المرأة جدارا للصمت وبؤرة للخطر حينما تتكلم ؟
-
منعتم بيع الخمور .. فابشروا بسوق رائجة للحشيش
-
بين معاشرة الزوجتين معا ورذيلة زواج المتعه والمسيار - قضية ا
...
-
وماتت بهيه .. بعد ان خنقها عرف غسل العار
-
مصير النساء الارامل في العراق .. الى اين ؟
-
بين سؤال ابنتي .. وضلالة رجال الدين
-
قتلوها ورموها في مياه نهر الفرات غسلا للعار .. شهادة اخرى عل
...
-
العراقيون قبل غيرهم أولى باعمار بلادهم
-
السفارات العراقيه .. وعلاقتها بخلق تجمع سليم للعراقيين في ال
...
-
العمل الدبلوماسي بين الاحتراف والتجربه - مساهمة في تشخيص الب
...
-
أنا شاهد على ازهاق ارواح صبايا ثلاث بسبب عرف ( غسل العار )
-
ألمياه الجوفيه في العراق .. بين الاهمال والحلول المنتظره
-
حلم في غرفه
المزيد.....
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|