|
أوقفوا (جموح) الصحافة الإلكترونية !
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2335 - 2008 / 7 / 7 - 10:09
المحور:
الصحافة والاعلام
صحافة شبكة الإنترنت ، هي جزء من منظومة الإعلام الإلكتروني الحديثة ،وهي وإن كان ظهورها يعود إلى نهاية الألفية الثانية ، إلا أنها لم تتبلور في صورتها النهائية إلا في بدايات الألفية الثالثة ، وقد أصبحتْ هذه الصحافة ركيزة هذه الألفية ، بل هي بشيرها ونذيرها ، وبوقها ومعولها وصاروخها الفضائيُ السريعُ . أوقعتْ صحافة شبكة الإنترنت كثيرا من الدول في حيرة من أمرها ، فهي تبدو في نظر البعض كالصحافة ، ولكنها ليست صحافة ،يمكن أن تُطبَّقُ عليها قوانينها وتشريعاتها ، وهي إعلام ، ولكنها غير مصنفة في وسائل الإعلام . لم يتوقع كثيرون أن تكتسح صحافة شبكة الإنترنت الصحافة الورقية ، وتسحب البساط من تحت أقدامها بسرعة فائقة ، ولم يتوقع كثيرٌ من فقهاء الصحافة أنها ستصبح هي الركيزة ، وتتحول الصحافة الورقية إلى ظلالٍ لصحافة الشبكة ، يقرؤها العاجزون عن الدخول إلى الشبكة ، ويقتنيها المسنون ممن اعتادوا القراءة الورقية ، ويدافع عنها سدنتها ، وهم كل الذين يرتزقون منها. ومن الأسباب التي تدفعني إلى الاعتقاد بأن عصر الصحافة الورقية آخذٌ في الزوال، أن مالكي الصحف أصبحوا يواظبون على افتتاح مواقعهم الإلكترونية ، وأصبحوا ينظرون إلى تلك المواقع باهتمام أكبر من اهتمامهم بصحفهم الورقية . كما أن ارتفاع تكلفة الصحف الورقية سوف يُطيحُ بمنزلتها في الوقت القريب . وأضيف إلى ما سبق ، أن عدد العاملين في الصحف الورقية وإنتاجها وتوزيعها يجعلها مؤسسات وظيفية مُكلفة ، ولن يستطيع مالكو الصحف الورقية في المستقبل القريب من تغطية رواتبهم مضافا إلى ذلك أجرة الطباعة والتوزيع. كل ذلك يدفعني للقول بأن السنوات العشر القادمة ستشهد ضمور الصحافة الورقية ، وازدهار صحافة شبكة الإنترنت . وقبل أن أخوض في تعريف صحافة شبكة الإنترنت ، فإنني أشير إلى خصائص هذه الصحافة حتى أتمكن من إيجاد صيغة محددة للتعريف ،. أبرز خصائصها أنها : - سريعة الانتقال والتوزيع - شبه مجانية - لا تعترف بحدود الدول وسلطاتها - تستخدم أدواتٍ جديدة تساعد على الانتشار ، ومن تلك الأدوات، أنها تستخدم الصور والأصوات والأفلام ، وكذلك فإنها صحافة تفاعلية ، تتيح للقاريْ التعليق على ما يقرأ ، وتسمح له بالتواصل مع الكاتب والمحرر المسؤول ، ومع القارئين الآخرين في كل أنحاء العالم . - ليست لها هيكليات وظيفية محددة . - تستفيد من انفتاحها على العالم ، في مجال الدعاية والإعلان ، فهي أكثر تأثيرا في محيطها الخارجي من الصحافة الورقية . وانطلاقا من الخصائص السابقة ، فإنني أرى بأن تعريفها يمكن أن يكون : كل الصحف الدورية الرقمية غير الورقية ،التي لها مواقع على شبكة الإنترنت، والتي يديرها طاقمٌ صحفيٌّ معروف ، بحيث تكون غايتها نشر الأخبار والمعارف والثقافات غير الحزبية ، بما لا يتعارض مع حقوق الآخرين ، بشرط ألا تزيد نسبة المساحات الإعلانية فيها عن 25% من حجمها . واعتمادا على التعريف السابق فإن هناك قسما كبيرا من الصحافة سوف يخرج من قائمة تلك الصحافة ، وأبرزها الصحافة الورقية التي تمزج بين النوعين ، ويخرج منها أيضا الصحافة التحريضية ، التي تعتمد على آراء حزبية ضيقة ، ويخرج منها كذلك ، الصحافة الفردية الاجتهادية ، ويخرج منها أيضا صحف الدعاية والإعلان المخصصة لبث الإعلانات .
لم تتمكن دولٌ كثيرة من اعتبار صحافة شبكة الإنترنت جزءا من النظام الصحفي الوطني ، لذلك فقد حاولتْ بعضُ الدول أن تُسِلكَ صحافة شبكة الإنترنت ضمن الصحافة التقليدية ، كما فعلت بعض الدول العربية حين عدّلت بعض نصوص قوانينها التقليدية لتشمل صحافة شبكة الإنترنت ، وهذا ما فعلته الجمهورية التونسية عام 2006 التي حاولت أن تُصدر قانونا ينظم عمل صحافة شبكة الإنترنت ، غير أنها لم تتمكن من تطبيق هذا القانون تطبيقا محكما . وكذلك فعلتْ الأردن عام 2007 ، عندما أصدرتْ لوائح تنصُّ على سريان قوانين الصحافة التقليدية على صحافة شبكة الإنترنت ، بما في ذلك لوائح العقوبات . وما تزال جمهورية مصر العربية تُطبّق قانون الصحافة 96 لعام 1996م على الصحافة التقليدية ، ولا ينص القانون على تعريف مضبوط لصحافة الشبكة الرقمية ، ولا تشمل بنود القانون تلك الصحافة حتى اليوم . ويُعرف هذا القانون الصحفي بأنه : "كل من يعمل في صحيفة يومية ، أو دورية ، أو وكالة أنباء مصرية أو أجنبية، ويتقاضى راتبا ، بشرط ألا يمارس مهنة أخرى " وهذا التعريف يتعارض مع تعريف الصحفي في صحافة شبكة الإنترنت، إذ أن معظم العاملين في صحافة شبكة الإنترنت لا ينطبق عليهم التعريف السابق ، لأن كثيرين منهم لا تكون مهنتهم الوحيدة هي الصحافة . كما أن معظم دول العالم ما تزال عاجزة عن إيجاد صيغة قانونية للتعامل مع تلك الصحافة ، على الرغم من أن بعض الولايات الأمريكية مثل ، ولاية كنتاكي اعترفت بالصحافة الإلكترونية ، وساوتْ بينها ، وبين الصحافة المكتوبة في الحقوق والواجبات . ويرجعُ سببُ عجز كثيرٍ من الدول عن وضع اللوائح والقوانين المنظمة لعمل صحافة شبكة الإنترنت إلى السبب التالي وهو : - صعوبة متابعة تلك الصحف ، لأنها لا تملك هيئة وأشخاصا اعتباريين ، يمكن أن يُحاسبوا في حدود الدولة ، ولا تستطيع الدول فرض قوانينها على تلك الصحف ، ولا تملك في أغلب الأحيان سوى قرار حجبها عن حدود الشبكة التي تتحكم فيها الدولة ، مع العلم بأن هذا الحجبُ غير مجدٍ لأن كثيرين يستخدمون شبكاتٍ وخطوطا أخرى لا يمكن للدولة أن تحجبها. وإزاء صعوبة تطبيق قوانين الصحافة على صحافة شبكة الإنترنت ، فإنني أرى بـأن كل جهود الدول التي تحاول أن تطبق القوانين واللوائح والعقوبات عليها ، هي جهودٌ عبثية ، لأنها في الحقيقة تُطارد الهواء ، وهي أيضا بمحاولتها منع بعض الصحف ، أو معاقبة بعض أصحاب صحف الإنترنت ، يأتي بمثابة الدعاية المجانية لهم ، فبعد حجب مواقعهم أو سجنهم ، يزداد الطلبُ على مواقعهم ، وتتعزز منزلتهم الصحفية. لذلك فإنني أقترح ما يلي : تعزيز دور منظمات صحافة شبكة الإنترنت ، وتجميعها في جمعية صحفية أو في هيئة للصحافة الرقمية ، أو في منظمة لمحرري تلك الصحف، بحيث يكون الإطار العام لتلك الهيئة أو الجمعية: - أنها غير خاضعة لسلطة الدول ، أي أنها منظمة حُرة - أن تضع لها ميثاقا صحفيا ، يؤكد على الركائز الصحفية الأساسية التي لا تختلف عليها الدول ومنها: 1-حرية الصحافة ، والحفاظ على خصوصية الصحفي ومصادر أخباره . 2-عدم انتهاك الأعراف والتقاليد الدينية والأخلاقية 3-عدم إثارة النعرات ومحاربة الدعوات العنصرية 4-التزام الصدق والتوازن والموضوعية 5-منع نشر الأخبار والتعليقات التي تحرض على العنف ، وتمس بالصحة العامة والأخلاق. 6-احترام حقوق الغير ولا بد من الإشارة إلى أن الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية الذي أُسس عام 2005 في القاهرة هو نواةٌ صالحة للعمل في هذا الاتجاه ، وقد أشار الاتحاد في بنود تأسيسه إلى بعض الأهداف التي يمكن اعتمادها كأساس صالح للبناء ، فقد ذكر مؤسسوه بأن أهدافهم هي : الحفاظ على الحقوق والملكيات الفكرية، ومواكبة التطورات في مجالات الصحافة والنشر الإلكتروني. واعتمادا على ما سبق أن ذكرته ، وهو صعوبة وضع لوائح وقوانين لتنظيم عمل تلك الصحافة الإلكترونية ، فإنني أعتقد بأن دعوة صحفيي الإنترنت إلى الالتزام بمواثيق الشرف الصحفية هو الأولى في هذا المجال ، وهو مقدَّمٌ على القوانين ، بحيث يصبح كل مَن يُوقع على ميثاق الشرف من صحفيي الصحف الرقمية ، ملتزما التزاما تاما بهذا الميثاق . ومن المعروف بأن نقابات الصحفيين في معظم الدول العربية قد وضعت مواثيق شرفٍ صحفية تصلح أن تكون هي نفسها مواثيق الشرف التي يُطلب بأن يلتزم بها كل صحفيي الصحف الرقمية . ومن المعروف بأن مواثيق الشرف الصحفية، أكثر أهمية من القوانين واللوائح التي تعتمدها الدول ، حتى أنها تُغري الصحفيين بالالتزام بها أكثر من خوفهم من عقوبات القوانين التي شرّعتها قوانين الصحافة الوطنية . كما أن لوائح نقابات الصحفيين تتيح لهم محاسبة الصحفيين الذين يرتكبون جرائم صحفية ، فقد منح قانون الصحافة المصري النقابة ، الحق في التحقيق مع الصحفيين الذين ينتهكون مواثيق الشرف الصحفية ، ومنحهم حق إصدار العقوبات الملائمة ، بدون اللجوء إلى المحاكم والقضاء . ويجب أيضا الاقتداء بميثاق الشرف الإعلامي العربي الذي أُقرّ في 2/8/1978 ، وهو يعتمد على القرارات الصادرة من مؤتمر القمة العربي المنعقد في الدار البيضاء في 15/9/1965 وينصُّ ميثاق الشرف الإعلامي على : - إن حرية التعبير جزء من حقوق الإنسان التي يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - تقديم الحقائق الخالصة المجردة عن الأهواء - ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية والمثل العليا بين العرب وغيرهم . - التعريف بالثقافة العربية ، وبالتاريخ العربي وقضايا العرب العادلة - تعزيز التضامن والوحدة العربية - محاربة التمييز العنصري ، العرقي والديني والمذهبي. - عدم التعرض لكرامة الشعوب - عدم تسخير الإعلام لإثارة العنف والإرهاب - الحفاظ على الدقة في نشر الأخبار ، مع الحفاظ على سرية المصادر الصحفية - الالتزام باللغة العربية الفصحى - إبراز الكفاءات والمواهب الفردية
وأخيرا كيف يمكننا أن نوقف جموح هذه الصحافة قانونيا ؟ - يجب العمل على تنشيط دور الاتحادات الصحفية والنقابات لكي تتمكن من أخذ دورها الكامل في متابعة صحافة شبكة الإنترنت ، وعلى الدول أن تساهم في تعزيز دور هذه النقابات بدعمها ماليا وأدبيا. - يجب التأكيد على أن انضمام أية صحيفة إلى الاتحاد أو النقابة مشروطٌٌ بتأسيس هيئة استشارية لكل صحيفة من تلك الصحف . - يجب العمل على إنشاء مجلس أعلى للصحافة ، بحيث يكون مشرفا على كل أنماط الصحافة، على أن يتمتع هذا المجلس بالحرية ، وألا يكون حكوميا . - يجب تعزيز دور صحف الإنترنت الملتزمة ماديا ومعنويا . - يجب إلزام صحافة شبكة الإنترنت بدفع حقوق التأليف والنشر لأصحابها ، والتعاقد معهم بعقودٍ وفق الأنظمة العالمية لحفظ الحقوق . ملاحظة أخيرة : " كل الاحترام والتقدير للصحافة الإلكترونية الملتزمة بالأخلاق والصدق ونشر الثقافات والمعارف "
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الآثارالعربية ... ومحاولة هدم الأهرامات !
-
كتب مدرسية ( مُقرَّرة) في الجامعات !
-
عوالق شبكة الإنترنت !
-
من يوميات صحفي في غزة !
-
الإعلام وصناعة الأزمات !
-
محمود درويش يبحث عن ظله في الذكرى الستين للنكبة !
-
مجامع اللغة العربية ليست أحزابا سياسية !
-
لا تَبكِ.. وأنتَ في غزة !
-
كارتر وهيلاري كلينتون وأوباما !
-
الزمن في قصيدة محمود درويش (قافية من أجل المعلقات)
-
أوقفوا هذا العبث في غزة !
-
سؤال ديوان : لماذا تركت الحصان وحيدا لمحمود درويش ، حقلٌ من
...
-
جمعية المختصرين !
-
مأزق التعليم الجامعي في العالم العربي !
-
هل المدرسون مُتطفلون على الوظائف الحكومية ؟
-
موتوسيكلات .. لأوتو سترادات غزة !
-
غفوة ... مع قصيدة مريم العسراء للشاعر أحمد دحبور
-
في وصف إسرائيل !
-
لقطات حديثة من العنصرية الإسرائيلية
-
هل أصبح الرعب هو التجارة الإعلامية الرابحة؟1
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|